ملحوظة: تم نشر هذا المقال في جريدة الراية القطرية وفي بعض المواقع السودانية بتاريخ 27 سبتمبر 2020م وأعيد نشره اليوم لشيء في نفس يعقوب السوداني!! عندما اجتاح فيضان النيل والنيلين الأزرق والنيل الأبيض في عام 2020م أغلب ولايات السودان دمر آلاف المنازل وشرد ملايين السودانيين، أصدرت إثيوبيا تصريحًا مفاده أن إثيوبيا ستعمل من أجل حماية السودان من مخاطر الفيضانات في السنوات القادمة ولم توضح الآلية التي ستمكنها من القيام بذلك علمًا بأن إثيوبيا قد أنشأت سد النهضة العظيم لتوليد الكهرباء واستغلال مياه النيل في الزراعة وحماية الشعب الإثيوبي من مخاطر الفيضانات ومخاطر المجاعات، وكأنما حال إثيوبيا يقول لمصر والسودان إن حدوث فيضان 2020م بالسودان في نفس الفترة التي ملأت فيها إثيوبيا سد النهضة بصورة جزئية يدحض أكذوبة نقص مياه النيل بسبب إنشاء سد النهضة وأن مفاوضات سد النهضة قد تستمر إلى الأبد وأن إثيوبيا ستكمل سد نهضتها العظيم على أي حال وتملؤه بالكامل قريبًا ولا شأن لإثيوبيا باتفاقية مياه النيل لعام 1929م التي تم إبرامها بين مصر وبريطانيا بوصفها المستعمرة لدول أوغندا، تنزانيا وكينيا لأن إثيوبيا لم تكن طرفًا فيها بأي حال من الأحوال!. إن مسلسل فيضانات السودان مستمر ويقدم حلقاته الكارثية كل عام بسبب فيضان نهر النيل والنيلين الأزرق والأبيض وبسبب مياه الأمطار، وفي كل عام يتكرر مسلسل طلب الخيام والمواد الغذائية والأدوية، فعلى سبيل المثال، قدمت دولة قطر والعديد من الدول العربية والولايات المتحدة الأمريكية والأمم المتحدة مساعدات لضحايا فيضانات السودان لعام 2020م وهي تستحق الشكر على ذلك من قبل الشعب السوداني، والسؤال الأهم الذي ينبغي طرحه هو: ما هو الحل العملي الحاسم والدائم الذي يمنع تكرار كوارث الفيضانات السنوية التي تسيئ إلى صورة السودان علمًا بأن أي مساعدات دولية لبعض ضحايا الفيضانات في كل عام قد تخفف بعض آثار الفيضانات ولكنها قطعًا لن تحل مشكلة الفيضانات حلًا جذريًا؟ في اعتقادي أن السودان يحتاج لإنشاء مشروع سد السودان الكبير وسد السودان العظيم على النيلين الأزرق والأبيض وإنشاء أحواض ضخمة لحفظ مياه الأمطار وتجاهل اتفاقية مياه النيل لعام 1929م وتجاهل الفيتو الممنوح لمصر بموجبها والذي يمنحها حق الاعتراض على أي مشاريع جديدة على النيل لأن السودان لم يكن طرفًا في تلك الاتفاقية فهو قد أصبح دولة في عام 1956م، ويجب إصدار القوانين اللازمة والدراسات الفنية الضرورية لاختيار مواقع السدود السودانية الكبرى. أما مشكلة التمويل فيمكن حلها عبر التمويل الدولي، فمصر، وهي دولة مصب، بنت سدها العالي الكبير بتمويل خارجي، وإثيوبيا، وهي دولة منبع، بنت سد نهضتها العظيم بتمويل دولي ومن ضمنه تمويل مصري، ولا ينبغي للسودان، وهو دولة مجرى، الاعتماد على أي وعود إثيوبية فضفاضة ولا يجب على السودان الاستمرار في الاعتماد على سدوده الصغيرة الكثيرة مثل سد جبل أولياء الصغير الذي بنته مصر على النيل الأبيض في السودان في عام 1937م لحماية المصالح المائية المصرية وتم تسليمه للسودان في عام 1977م ومثل سد بوط على النيل الأزرق والذي لم يسمع به معظم السودانيين إلا عندما انهار مؤخرًا ودمر أكثر من 600 منزل بمدينة بوط بل يجب على السودان استلهام روح ثورة ديسمبر السودانية العظيمة والمضي قدمًا في إنشاء السدود والأحواض السودانية الكبرى بتمويل خارجي، وعندها فقط سوف يصبح السودان سلة غذاء العالم وليس سلة مساعدات العالم!.! فيصل الدابي/المحامي