إذا اتحد أفراد القطيع، نام الأسد جائعاً !

 


 

 

ليس من قبيل ربط العربة أمام الحصان الحديث عن ما سنفعله بهذا الوطن الذي مزقه إخوان الشيطان شر ممزق، بينما الناس منهمكون في معركة استرداده من اللصوص الذين اختطفوه في غفلة من أهله.
ولكن أليس حريّ بنا هذه المرة أن نحدد خطوتنا التالية حتى لا نرقص طرباً ونبكي فرحاً ونتقالد بحرارة منتشين بالنصف الأول من انتصارنا وكأننا أنجزنا المطلوب لتحقيق حلم دولتنا المستدامة، مثل كل مرة ؟!.
لقد فعلنا ذلك وبتكرار يثير التساؤل حول سلامة عقلنا، وما إذا كنا بالفعل جادون في ثوراتنا وهباتنا التي مهرناها بأرواح غالية وعزيزة، وعلى عتباتها سكبنا دماء زكية، ورياحين من أنضر وأجمل وأنبل شبابنا.
2
فحتى لا نؤخذ كالبلهاء، دعونا وفي اللحظة التي يلبي فيها من يلبي دعوة المسيرات الشجاعة، ويفاوض من يفاوض بحثاً عن حل سياسي يحقن الدم أن نضع رؤية واضحة لسيناريو الخطوة التالية. فما أضر بثوراتنا شيء مثل وضع كل بيض طاقتنا في سلة لحظة المعركة، لننشغل بعدها في معركة خاسرة بين فصائل الثورة وأجندة مكوناتها.
ولا أدري لماذا لا تبادر الحرية والتغيير (المركزي) بدعوة قوى الثورة
من الجماعات والتنظيمات التي لم تشاركهم في التفاوض!.
3
- هل دعوا، على سبيل المثال، أسر الشهداء؟. نعم كلنا (الشعب السوداني) من ذوي الدم (وإن بالوكالة)، ولكن الأمهات والآباء والأخوات والإخوان، من تطأ أقدامهم جمر الفقد وحرقته. هل حاولنا الاتصال بهم لنشرح رؤيتنا لهم، وإشراكهم في العملية ليكونوا سنداً أخلاقياً وظهيراً داعما من ناحية، وكاستحقاق بالعرفان وتكريم للشهداء قبل ذلك.
- هل دعونا ضباط الجيش والشرطة من الوطنيين الشرفاء الذين فصلوا تعسفياً لمواقفهم الشجاعة (هل تذكرون موقف أصغرهم محمد صديق) وهم رصيد وطني ينبغي استثماره وتوظيفه في معركة البناء القادمة ؟.
على الأقل، إذا كنا نفكر في إعادة هيكلة هذه المؤسسات، فمن الذي سيقوم بإنجاز هذه المهمة بتجرد واخلاص وباحترافية، غير هؤلاء، أم ستتركون هذه المهمة نفس هؤلاء الجنرالات الذين اختطفوا الجيش والأمن والشرطة و (شلعوا أمها) ؟!!.
4
وطالما مضت المركزية في تطبيق رؤيتها لكسر جمود الأزمة بهذه الهمة والاصرار، فعليها أن لا تغفل بأن هناك العديد ممن يتربصون بخطواتها الدوائر، في الداخل والخارج، وهم لن يستسلموا بـ (أخوي وأخوك).
وبمثلما واتتهم الشجاعة لإحباط محاولات القيادة المصرية لاختراق مسار عملية التفاوض وإغراقها بحمولات مشبوهة الأهداف، عليهم بالأحرى أن التحلي بفضيلة الإيثار، وروحية العمل الجماعي والشراكة. وقبل أن تبت في أمر ملفات شائكة مثل "الشرق" و "اتفاقية جوبا"، عليها أن تستطلع آرا أصحاب المصلحة المباشرة من المواطنين، خاصة أولئك الأكثر تأثراً بهذه الاتفاقيات التي يتم إبرامها بعيداً عنهم في الغرف المغلقة. اذهبوا إليهم في معسكرات اللجوء واسألوهم عن رأيهم في كيفية الحل ستجدون عندهم ما لن تجدوه في الملفات التي على طاولاتكم.
5
باختصار عليكم أن تدركوا حجم المسؤولية التي ندبت أنفسهم لتحملها، فأنتم في مهمة وطنية كبيرة وصعبة – لم يفرضها عليكم أحد 0 تقدمتم بالتصدي لها بإصرار. فهي واجب وطني يتجاوز قدرات أحزابكم مهما بالغتم في تقدير وزنها وحجمها. فكونوا بحجم المسؤولية، وتجاوزوا ترفعاً عن المكايدات والمهاترات والصراعات الحزبية الجانبية الصغيرة، فقد أجهضت استقلالنا من قبل واجهضت ثورتين شعبيتين.
فليكن السودان/ الحلم وشعبه العظيم نصب أعينكم اليوم.
اخلعوا جلباب الحزبية الضيق، وتسربلوا عباءة الوطن الواسعة، تُكسِبكم مهابة و وقاراً واحتراماً.
أنتم في مهمة قومية، فكونوا قوميون.
وابحثوا عن الشرفاء. وأن لا يكن تركيزكم في البحث عنهم بين "من لم يشارك" في وليمة اللصوص. بل عن من "قاوموا"، وكانت لهم مواقفهم ودفعوا الثمن.
6
أما "الجذريون" – وأعد نفسي بينهم – فعليهم أن يدركوا بأن للنضال السلمي لتحقيق أهداف الثورة وتأسيس الدولة الحديثة أكثر من طريق، بينها التفاوض السياسي، كما التظاهر والاعتصام، والاحتجاج بمختلف الوسائل السلمية، وأن جميع الطرق والوسائل تتكامل – ولا تتقاطع – لتقودنا إلى تحقيق الهدف.
وعليه فإنها مطالبة بتوجيه بندقيتها والتصويب نحو هدف واحد.
فليكن لديها تحفظاتها على الوسائل الأخرى، فهذا من حقها، ولكنه يجب أن لا يدفعها – هذا الحق – لأن تصوب في اتجاه من يختلفون معها فيه، فهذا منطق إقصائي يقوم على قناعة بأن من تختلف وسائله لتحقيق نفس الهدف الذي نسعى معاً لتحقيقه، هو عدويّ، أكثر من عدونا المشترك. (فأي غباء هذا ؟!).
فقد قرأت أمس الأول تصريحاً في موقع الراكوبة لقيادي بعثي وصف فيه ورشة إزالة التمكين بأنها زر للرماد في العيون لكسب الوقت !!.
بعقلية مثل هذه، وتفكير مثل هذا، نحن لا نطلق النار على اقدامنا فقط، بل نطقها على حليفنا ، أو من هو في صفنا، فنضعف أكثر مما نحن ضعفاء ويسهل افتراسنا. والأفارقة في أمثالهم يقولون: " إذا اتحد أفراد القطيع ، نام الأسد جائعاً".
7
ما نخلص إيه من كل ذك هو أننا يجب أن لا نستغرق ونهدر كل طاقتنا في محطة استرداد السلطة من مختطفيها ودحر الانقلاب، فهو زائل زائل لا محالة، فالحق سيعود لأصحابه (طال الزمن أو قصَّر) طالما هم وراءه. و"عما قريب، الهمربيب يفتح شبابيك الحبيب" كما قال الشريف محجوب. لذا يجب أن تكون أجندتنا لما بعدهم جاهزة ومتفق عليها:
- كم من الزمن يلزمنا لإسعاف السودان قبل الانتقال للانتخابات؟.
- ما هو جدول الأولويات؟
- ماذا سنفعل بالتركة الإسلاموية الثقيلة التي أثقلوا كاهلنا بها في كل مؤسسات الدولة؟.
- ليس من سيحكم ويدير الدولة في الفترة الانتقالية (بعد الاتفاق عليها)، بل كيف يحكم؟ وكيف سيكون الحكم؟.
وبما أن الأسود تتربص والجوارح تحلق، فإن كل ذلك مرهون بيقظة وعينا، وتوحدنا.
"إذا اتحد القطيع، نام الأسد جائعاً"
8
آخر سطر
- مثل الذي باع بلاده و خان وطنه ، مثل الذي يسرق من بيت ابيه ليطعم اللصوص ، فلا أبوه يسامحه، ولا اللص يكافئه.
جيفارا

 

izzeddin9@gmail.com

 

آراء