إذا لم تتحقق الوحدة فلنمنع الحرب … بقلم: عادل الباز
• سلفا سيصوّت للانفصال، من منكم سيرفع حاجب الدهشة، هل كان أحدكم يتوقع أن يصوّت للوحدة؟ قالها في نيويورك، وقبلها في الكنيسة، وقبلها صرّح بها قادة الحركة كلهم؛ لم يبقَ هنالك من أحد في الجنوب من قادة الحركة مع الوحدة. الشماليون الذين لايزالون يمنّون أنفسهم بها بدأت لهم كأضغاث أحلام ومجرّد سراب يحسبه الظمآن ماء. ما يحيّرني أن هناك من يغضب أن يصرح أحدهم بأنه سيصوّت للانفصال.
يا سادتي الانفصال خيار، وهو ليس خيار المؤتمر الوطني وحده، إنما خيار كل القوى السياسية الشمالية، وقد اتفقوا على ذلك مع الإخوة في الجنوب، وتواثقوا عليه معهم في أسمرا ونيفاشا، بمعنى أن خيار الانفصال جاء عن تراضٍ بين جميع السودانيين. فإذا اختاره الجنوبيون بطريقة حرة وشفافة على نهج نيفاشا فماذا يُغضب في ذلك؟.
• السيد صابر يعدنا بأن الدولار سيعود إلى سعره القديم في حدود 2600 جينه (بالقديم)، لكن لم يقل لنا السيد صابر ابتداءً لماذا ارتفع أصلاً؟ هذا التصريح ترافق معه أمران: الأول أن الاحتياطي المركزي قد تآكل، والثاني أن البنك المركزي سيقوم بضخ مزيد من العملات الحرة لكي لا يبعد السعر الرسمي عن سعر السوق!! من أين لصابر أن يستمر في ضخ عملات حرة وسط احتياطي متآكل؟ من أين سيأتي سيادته بالدولار، وخاصة أنه يعلن أن الفترة القادمة ستشهد فقدان موارد هائلة جرّاء الانفصال!! السيد وزير المالية يعلن عن إيقاف استيراد عشرات السلع، وليس من بينها السلع الرأسمالية التي لا يتسوردها أحد هذه الأيام، وفي ذات الوقت يعلن صابر أنه سيضخ مزيداً من العملات في خزائن البنوك للمستوردين؟ الآن لن يستورد أحد شيئاً، والوضع الاقتصادي كله كما وصفه السيد بدر الدين محمود مصاب بعدم اليقينية، وهي حالة تأرجح مستحيل أن يعمل السوق في ظلها. الشاهد أن السياسة النقدية في جه، والسياسة المالية بضفة أخرى تماماً.
• لا أعرف لمصلحة مَن يتم نصب أبواق الحرب؟ من يا ترى له مصلحة في نشوب حرب جديدة؟ الملاحظ أن كل الذين يسارعون في الإعلان عن احتمالات الحرب لم يخوضوا قط في حياتهم حرباً واحدة، بل بعضهم لم يشهد حرباً فعليّة!! لو أنهم علموا ما الحرب، ما سارعوا إليها، ولا ارتفعت أصواتهم بالحشد لها. الحرب يا سادتي لعنة ما كسب منها أحد شيئاً، كل من خاضها خاسر ولو انتصر. هي في جوهرها نهر من الجنون يتدفق دماً ودموعاً، ويخلف أرامل ويتامى ومنكسرين، ليس الحرب خياراً لعاقل، ناهيك أن يكون مسئولا. صدق سلفا عندما قال إنه لا يخاف وليس جباناً، ولكنه يعرف معنى الحرب. لا النفط ولا كنوز الأرض تساوي الأشلاء المبعثرة، والجثث المتعفنة!! يا سادتي إذا لم نحقق الوحدة فلنمنع الحرب!! كيف لنا أن نعجز عن تحقيق أيٍّ منهما؟
• قال الرئيس البشير أمس الأول إن اتفاقية السلام صُنعت خصيصاً لوقف الحرب. وهذا قول حق، ولذا فالأولى ألا تكون هي ذاتها سبباً لعودة الحرب. الذين يحاولون أن يروّجوا أن البشير أو المؤتمر الوطني مسئول عن انفصال الجنوب إنما يدفعون باتجاه الحرب. التزام الرئيس البشير أو المؤتمر الوطني بما وقعوا عليه ليس مدعاة لإدانتهم، فاحترام المواثيق والعهود قيمة دينية وإنسانية، فمن الأفضل للبشير ونظامه أن يكتب في التاريخ أنه عبر ببلاده الى بر آمن، واختار السلام لا الحرب لشعبه، اختار الحياة لا الموت. انفصال الجنوب لن يكون نهاية التاريخ ولا العالم، وسيعيش السودانيون كما عاشوا من قبل بدون نفط فلمَ الهلع؟ علينا أن نكف جميعاً بتصوير الانفصال كأنه نهاية الدنيا، كما على المسئولين أن يمتنعوا نهائياً عن إثارة الكراهية، أو التلويح بالحرب مهما ادلهمّت الطرق وأظلمت الدروب، فالقادة يهبون شعوبهم الأمل ولا يقذفون بها في براثن اليأس والخراب.