إضاءة في عتمة الأخبار الملتوية: سيّد الحمار ومسعاه لتبيان الحقيقة وسط الأخبار المضللة !!!

 


 

 

د. الهادي عبدالله أبوضفائر

في ظل الحروب، يسأل العارفون (سيد الحمار لسه ما جاء)؟!!.. الحارس الصامت الذي ينير الظلام بعيون الحكمة، يأتي بالخبر اليقين في بحر الفوضى، ويقود السفن الضائعة إلى شواطئ الأمان. حيث يتصارع الناس لسماع صوت الحق، وكيف ومتى ستنتهى الحرب، لأن انتشار الأقاويل الكاذبة كالنار في الهشيم. أخبار ملفقة هنا وهناك، الكل ينتظرها، امر يتجاوز حدود الكذب ليكون جسراً بين الحقيقة والخيال. أصحاب الدواب السريعة عادة لا يرصدون الواقع بحكمة. على نقيضه فهو يسير بخطوات ثابتة وهادئة، تسمح له بأن يرى كل شيء، ويفهمه، وتتيح له ان يحمل في جعبته أسرار الأمور المخفية. وبهذا يتحول إلى صاحب الخبر اليقين، يمنحنا سيد الحمار دروساً في الصبر والتأمل، وفنون الحياة التي لا تُدرك إلا بعدسة عينه البصيرة المفتوحة.
فهل (سيد الحمار) لسه ما جاء؟؟

في لحظة وصوله، تتجلى حقيقة لا تخفى على العقول النائمة، فالحرب لا تنحصر في البنادق، بل تتجاوز حدودها لتصل إلى أبعاد أخرى، ترسمها أيدي الطامعين في السلطة والثروة، أيد تتلاعب بأرواح البشر كما يتلاعب الأطفال بالدمى، وتتلاشى قيود العقل وندرك أن عدونا الحقيقي، لا يحمل بنادق ولا يرتدي زياً عسكريا بالضرورة، بل ربما تخفى خلف أقنعة الطمع والفساد، كيما يتسلل إلى قلوبنا، لينشر الفتنة ويزرع الشقاق بين أبناء الوطن الواحد. في هذه السراديب المظلمة، اذا اردنا لزهور الأمل ان تتفتح يتعين علينا الأعتراف بأخطائنا، وانتهاج ومنهج و(آلية) (آل فلان) فلو كانت كلمة( آل) للفخر لما ذكر(آل فرعون) ولكنه منهج حياة واتباع طرق وأساليب، وترك آلية قوم سيدنا إبراهيم عندما غلبهم بالحجة، بدل الاعتراف أخذتهم العزة بالإثم. فقالوا (حرقوه وانصروا آلهتكم). أن آلية الحرق والعنف لن تبني دولة مؤسسات تحترم الدستور وتتسق مع الممارسة الفعلية، وتستند إلى العدل وتحترم حقوق الإنسان.. آلية فرعون تقود إلى الظلم والفساد والاستبداد وحرق الرأي الصائب عبر مبررات قد تكون اجتماعية دينية، جهوية أو سياسية.

سيكون النصر حليفنا حينما نصر على بناء مستقبل يتوهج بضياء العدل والعلم، وحينما نحرص على تعزيز الوحدة الوطنية وعندما نجعل الهوية الوطنية أساساً للتعامل، وعندما نسعى جاهدين لمكافحة الفساد واحترام الدستور. والتوقف عن إقصاء الآخر وعندما نقف بقوة ضد الاستبداد، من أجل بناء وطن يحترم التخصصات، وبناء مجتمع يعي أهمية التفريق بين المهن والمجالات المختلفة. حبوبتنا (الفريق الأول)، كما يلقبونها بمحبة واحترام، تعتلي القمة كمرشدة ومحللة عسكرية بارعة. الجيش ما تقدم ليه، وليه ما ضرب في المكان داك. قلنا لها هؤلاء عساكر وعارفين شغلهم. ولكن حبوبة من عمق الصمت المليء بالتفكير، هتفت (بقت بس على أنا ما كلنا عارفين أي حاجة) فمثلا في العيادة يا(دكتور عندي ملاريا)، طيب لما شخصت المرض جاية لشنو، وفي الصيدلية (الدواء ده ما بنفع معاى) وعلى ذلك قس.. في الكورة والهندسة والفلك وفي كل المجالات.. أن احترام التخصصات وتعزيز الوعي بها هو العمود الفقري للتطور والتقدم، ان تقدير دور كل مهنة يعتبر أمراً ضرورياً لتحقيق التقدم في مختلف المجالات.

وإذا كان لا يزال "سيد الحمار" يطوف في الأفق، فمعني ذلك اننا لم نتعلم شيئا.. ان المشكلة تكمن في تكرار الأخطاء والتغاضي عن دروس التاريخ. لازلنا نعيش في دورة متكررة من العمل الثوري، يتحول في النهاية إلى محاولات للسيطرة وتقاسم المنافع، بدلاً من تلبية مطالب الشعب وتحقيق العدالة الاجتماعية.. في انتظار ان يأتي (سيد الحمار) لكي يتغير تيراب العقول، الذي يكرر الفشل ويدمنه وبنفس الأدوات. في كل محاولة تندثر الأحلام وتنتحر الامال ونجد أنفسنا في حفرة اعمق من سابقتها.. ويبقى السؤال : أين تكمن المشكلة؟؟ فكلما حدث تغيير يكون افشل من سابقه ، فالي متي نظل نكرر في التجربة بنفس الأسلوب والادوات، نعبيء الشارع ونمشي للقيادة العامة وتنحاز القوات المسلحة للشعب، ثم نعود لنتقاتل وفي غمرة اقتسام المناصب ننسى مطالب الشعب وحق الشهداء ونتجاهل تقديم الخدمة للمواطن وتصبح ممارسة العنف الآلية الأمثل لانتزاع الحقوق.. وفي الاثناء يزداد الغلاء وتتدهور قيمة العملة، ويشتد الجوع وتسوء الأوضاع، وبنفجر غضب الشارع ، نعود لنبكي على اللبن المسكوب.. وتعودالأحزاب الي لعبتها القديمة حينما تتفق مع معسكر ضد معسكر اخر ، حينها تتمني المواطن (الضحية) حكما شموليا أو انقلابا عسكريا.. وهكذا نظل عالقين في دورة خبيثة.

أن العلة الحقيقية تكمن في المفاهيم والأدوات التي تبنيناها لإقامة الدولة التي لم تتجاوز المعطيات البدائية للاصطفاف. لابد من عقلية سياسية وإجتماعية تتسق مع الغاية وتكون عابرة للعنف بكل أنواعه، العنف الطلابيّ والقبلي والإثني والجهوي والديني والمذهبي والطائفي والاجتماعي. لابد من تكريس عقلية المواطنة المتساوية، التي تؤسس لعقلية مدنية، تحمل في طياتها رؤية لمستقبل سياسي متجدد، يكون تأسيس الأحزاب السياسية فيها نابعاً من رغبة حقيقية لخدمة المواطن وتحقيق مصلحته، رؤية تحترم مبادئ الديمقراطية وتتسق معها، وتقدر قيم المواطنة، تحيط السباق نحو السلطة بقوانين النزاهة والشفافية، بحيث لا يكون الهدف من الوصول للسلطة الحصول لمناصب سياسية, بل لخدمة الشعب وتحقيق طموحاته وتطلعاته. بدلاً من جعله حطب نار لتحقيق اجندة حزبية.

في كل مرة نتسابق لملء الشوارع ونطالب بالتغيير، لكن بمجرد نجاح الثورة، نعود إلى دائرة الفساد والانقسامات. نتناسى مطالب الشعب وحقوق الشهداء، ونفقد الاتصال بالمواطن الذي يستحق ان تلبي متطلباته من التعليم والصحة والعلاج. أن تكرار هذه الدورة الخبيثة يفرض علينا ضرورة البحث عن جذور المشكلة، والتفكير فيها بشكل مختلف ، تفكير يتجاوز الانقسامات، الي افاق المواطنة المتساوية والعدالة الاجتماعية. وتشكيل عقلية تسعى لخدمة المواطن، وتكون فيها المدنية هدف للتحقيق إرادة الشعب، وليس هتافا أو مجرد سلما للصعود إلى كرسي السلطة.

في قلب الظلام وبين وهج الأكاذيب وعتمة الليالي، يترنّح قلبٌ مضطرب، لم تلمح عيناه وصول سيّد الحمار، محمّلاً بأعباء الفراق وأوجاع الغربة. يحمل هم وطن لم يخطر بالبال فراقه، يتيه في غياهب الحنين، ليته يستطيع أن يغادر ويترك الألم خلفه. يا وطن أنت في القلب شريانا يتدفق حبا وحنانا، كيف يمكن للقلب أن يحتمل الم الفراق؟.. ويبقى عزاؤنا الوحيد حينما تضيء ليالي الغربة بذكراه، وحينما تبكي عيوننا حزناً على البعاد، ما يجبر القلب انه مهما طال الفراق سوف تظل خالداً في الدواخل. بالصبر نتحمل قسوة الفراق، لا أريد أن أنساك حتى للحظة واحدة، حيث لم نعتد أبداً على نسيانك. وأنا الذي فارقتك يا وطن بأفعالي والآن في انتظار وصول (سيّد الحمار).

‏abudafair@hotmail.com

 

آراء