فشل لاعبو الهلال في الثأر لهزيمة أم درمان واحراز نتيجة ترد دين الملايين الوفية، وها هو الفريق يعود أدراجه بعد أن أشبعنا عشماً وبنى في دواخلنا أمالاً تتقاصر أمامها أعمدة الجوهرة الزرقاء. والهلال الذي ظل يدرك ساحات المربع الذهبي أبى ذات المربع إلا أن يتمادى بحجب المنافذ أمامه دون بلوغ النهائي وكأنه قد اكتفى برغبة (لاراش) في صد الموج الأزرق عن إدراك شواطئ الحلم الذي طال.
حال الهلال مع البطولة الافريقية يحتاج لجلسات مطولة من أبناء الهلال والمختصين كما يحتاج إلى جلسات يكون للإخصائيين النفسانيين فيها الدور الأكبر والصوت العالي ، فلابد ان نعترف بأن الأمر يحتاج لكثير من المعالجات النفسية ليس للاعبين فقط ولكن للأجهزة الفنية والإدارية لأن تصرفات الساعات الأخيرة وسلوكيات الجولات المتقدمة تحتاج لكثير من الاحترافية وضبط النفس ، أما أهل الإعلام واصحاب القلم فهم أشد حاجة لمثل هذه الجلسات حتى يتقي القراء شرور أقلامهم وجنوح عباراتهم، كذلك هم أحوج لتنوير الفنيين وتثقيف الحكام، فالأمر لم يعد أماني وأحلام تدغدغ المشاعر وحشد عبارات تبيع الصحف، فالفوز بالبطولات الكبيرة يحتاج عملاً وجهداً واحترافية فضلاً عن ثقافة نفتقدها ولا نعرف سكتها ...
فالزمالك الذي ينتمي لدولة كاد العنكبوت يبني على الدوري فيها، صال وجال في ملاعب أفريقيا وحين انهزم بالخمسة عاد وتغلب بالثلاثة وكان قاب قوسين أو أدنى من التأهل لولا أن القدر رماه أما فريق من تونس التي تملك هي الأخرى ثقافة البطولات، ولو صادف وكان صاحب الخمسة أهداف في شباك الزمالك الهلال أو المريخ ( ودي فيها مبالغة) لاستطاع الزمالك الرد بستة أو سبعة أهداف من (عصراً بدري). أما الأهلي الذي سيطر على لقب كبير أفريقيا زمناً قبل أن تسلك الألقاب درب الكنغولي المريب، ها هو الأهلي يعود من بعيد يزحف نحو بطولة الكونفدرالية وبعدها ستكون الابطال، بينما نكتفي نحن بالتريقة على بعضنا البعض والشماتة غالباً بل وتمني الهزيمة للطرف الآخر عياناً بياناً، ولعل في ذلك سلوك دخيل أتى في زمن (التوجه الحضاري) ليضرب قيم وأخلاق أهل السودان فلم يعد وطننا يستحي من كشف عورات القول والفعل.
وحال الأندية في السودان لم تعد بمعزل من حال الحكم والحاكمين فكل شيئ لم يعد في مكانه وكل فاقد تربوي تمدد سلطانه، ومع قناعتنا بأهمية المال لإدارة الأندية في ظل (الطناش الرسمي) نجد أن من كان يملك المال في الماضي كان يملك الفهم الكروي والإداري ومن رزقه الله المال فقط، ساهم ودعم بلا من ولا أذى وترك الخبز لخبازه.
يوما ما كان يحكم الهلال الإداري الحالة والرئيس المتفرد الزعيم الطيب عبدالله طيب الله ثراه وحشره في زمرة المرضيين والصالحين، وكان يستعين على إدارة الأمر في الهلال مع كفاءته الإدارية، بحبه لهلاله وعشقه وتفانيه، ولما أنفق الرجل كل أملاكة وأراضيه بضاحية المنشية وما هي في قيمتها، زاد الرجل تواضعاً وحباً لهلاله فلم يسحب السيخ ولم (يرفسنا) بعبارات الفول فولي، كما لم يجلب لنفسه السخرية بتحويل الأمثال الشعبية لآيات قرآنية، بل كان عزيزاً في قومه مستريحاً وسط أنصاره. وكان الطيب لا يستحي في استقطاب اصحاب المال الأهلة لدعم ناديهم وكانوا يجودون بالكثير في السر والعلن، والنفس راضية.
كان الطيب نموذجاً رفيعاً للإداري الذي يشبه الهلال مثلما كان (ولدنا) أبو العائلة) نموذجاً في إدارة المريخ، ولهذا كانت غرفة التسجيلات تصطاد أمثال تنقا والمدرجات يجلس عليها أخوان صديق أبو ادريس والصحف لا يدخلها إلا أمثال عوض أبشر، فاين نحن في زمن المنسقين والمنسقات من ذاك الزمن الأنضر.
جملة اخيرة :
كان العشم أن يثأر المريخ للكرة السودانية، لكنه أبى وتمنع ولم تشفع له سنوات غارزيتو التي قضاها بين طرقات لوممباشي وحواريها، فعاد هو الآخر يقطع لسان مريديه الذين هيأوا أنفسهم للفرح المزدوج بتأهل فريقهم وتعثر خصمهم، وبهذا تنكفي الأقلام الحمراء على نفسها حسرة وتتجنب الأقلام الزرقاء زحام الشامتين، ولتتفرغ أحزاب الوهم والانكسارات الكبيرة للنيل من بعضهم بعضاً وتجهيز (عدة الشغل) ضد لجنة الاستئنافات ومجدي وزكي عباس.