إيقاف النفط… هل هو الخيار الوحيد؟
عادل الباز
30 November, 2011
30 November, 2011
30/11/2011م
فوجئت الأوساط الاقتصادية والسياسية بخبر إيقاف تصدير بترول الجنوب عبر موانئ الشمال. إذ لم تسبق هذا القرار أي إرهاصات تفيد بأن الحكومة تتجه لوقف تصدير النفط. ليس غريباً أن تصدر الحكومة قراراً بغير أن تفصح عن كافة الحيثيات التي يمكن أن تساعد في فهم مواقفها بشكل أفضل. الحكومة لا تعني بتبرير قراراتها إنما تقذف بها في رأس الناس هكذا كما اتفق.
يقول الخبر إن الذي صرَّح به السيد وزير النفط بالإنابة أحمد علي عثمات أن الحكومة قررت إيقاف السماح لدولة الجنوب بتصدير نفطها عبر الشمال, والسبب - بحسب الوزير - أن القرار جاء بعد المطالبات المتكررة لحكومة الجنوب بتسديد ما عليها من التزامات واستخدام البنيات التحتية. وقال إن استحقاقات السودان جراء استخدام الجنوب لخطوط الأنابيب خلال الأربعة أشهر الماضية بلغت (727) مليون دولار. وتابع الحكومة اتخذت قرارها يوم 17 من الشهر الجاري، مؤكداً على وجود ترتيبات فنية للحفاظ على خطوط الأنابيب ونصيب الشركات المنتجة قائلاً: (يتم حجز نصيب الجنوب في الميناء والسماح بانسياب نصيب الشركات)، وأردف: (طلبنا منهم عدة مرات وردوا علينا بأن لهم استحقاقات لدى وزارة المالية والاقتصاد الوطني) .
كنت قد سألت وزير المالية الأستاذ علي محمود في وقت سابق عن السبب وراء السماح للجنوب بتصدير النفط ولا يعرف حتى ذلك الوقت فذكر أن للجنوب أموالاً على الشمال، ولذا لا خوف من تصدير النفط على أن تتم تسوية الحساب لاحقا. ما صرَّح به السيد وزير النفط بالإنابة يفيد بأن رصيد الجنوب لدى حكومة الشمال نفد بل إن الحكومة السودانية قد أصبحت دائنة لحكومة الجنوب بمبلغ (727) مليون دولار. ولكن السؤال الذي يطرح نفسه بإلحاح هل إيقاف التصدير هو الحل؟.. وكيف ستستطيع الحكومة تصدير أنصبة الشركات للخارج؟ لكن البترول نفسه لن ينتح لأن الحكومة لم تعد تتحكم في إنتاجه؟. هل هذا القرار سياسي أم اقتصادي بحت؟
مثلاً هل درست الحكومة خيارات أخرى قبل إيقاف التصدير.؟ كان مثلاً يمكن الاتفاق على تجنيب نسبة محددة من قيمة صادرات البترول تستلف الحكومة في الشمال منها مبالغ متفق عليها لحين التوصل الى اتفاق ويجري الحساب بعد الانفاق. لا أعتقد أن الجنوب يمكن أن يرفض مثل هذا الاقتراح؛ خاصة أن صيغة مثل هذه كانت تعمل حين كان لحكومة الجنوب رصيد بطرف الحكومة. فيما العجلة؟. المخاطر التي يمكن أن تتسبب فيها خطوة كهذه بالغة الخطورة ليس على مستوى إيرادات المالية فالحكومة بحاجة اليها ولكن على الخط الناقل كله. فإيقاف الخط لمدة أسبوع يمكن أن ينهي صلاحيته للاستخدام كما أذاع وزير النفط السابق دكتور لوال. إلا أن تكون وزارة الطاقة وجدت حلاً لم تعلن عنه. الافتراض بأن الشركات ستحصل على نصيبها من إنتاج بترول الحنوب بمعنى أنها لن تتضرر من القرار، مجرد وهم. فالبترول لن ينتج أصلا. فكيف تحصل الشركات على أنصبتها؟ وبالتالي سيقود القرار لتوتير العلاقات مع الشركات إلا إذا تم الاتفاق مع تلك الشركات أم أن المطلوب وضع تلك الشركات أمام الأمر الواقع. سؤال آخر من أين سيأتي السودان بما يغطي حاجته من المواد البترولية وهل الإنتاج الشمالي يكفي الآن لتشغيل المصافي. المعلومات المتوفرة تؤكد أن ما ينتح حاليا (177) ألف برميل يوميا لا يغطي احتياجات البلاد ولا يكاد يكفي لتشغيل المصافي بكفاءة عالية.
يبدو لي أن القرار شابتة عجلة غير مبررة؛ خاصة أن القرار يأتي على أبواب مفاوضات في أديس أبابا بين الشمال والجنوب تحت إشراف الآلية الإفريقية بقيادة أمبيكي. قد يكون متخذ القرار حاول استباق المفاوضات ووضع ورقة تفاوضية قوية على الطاولة ولكنها لن تكون مفيدة في هذا التوقيت بالذات. ما لم يكن للحكومة ما يبرر هذه الخطوة أو لديها معلومات لم تذعها فإن ما نشرته لا يبرر الخطوة وسيكون ضررها أكثر من نفعها حال أصرت الحكومة على إبقاء موقفها كما هي الآن.
عادل الباز