ابتلاءات الدولة السودانية (الاسلاموية كمرض قاتل)
عبدالله مكاوي
3 April, 2024
3 April, 2024
عبدالله مكاوي
abdullahaliabdullah1424@gmail.com
بسم الله الرحمن الرحيم
مدخل اول: يقول نبي الشعر حميد علي لسان السُرة بت عوض الكريم (ما كنا قايلين في حياتنا يجينا اقسي من المضي/ ساعة مروق الانجليز قلنا الظلم راح وانقضي/ تاريهو كمتر .. وقام دقون .. حلفا وعشر ..معيوقة نال .. دمسيس .. ضريسا وشوك جُمال). ويبدو ان شوك الجُمال (نبات شوكي سريع الانتشار واسع الضرر صعب المكافحة) الخالق الناطق مليشيا الدعم السريع.
مدخل ثانٍ: (اذا تجسد الخراب في افراد، فإن ما اصاب الدولة السودانية من دمار شامل، بدأ بالدجال الترابي وانتهي بشراكة الجهل والاجرام حميدتي/البرهان).
الحرب الاجرامية الراهنة التي فككت عري الدولة وهتكت النسيج الاجتماعي واهلكت الحرث والنسل ونذرت المستقبل للمصير المظلم. ليست لأخطاء متراكمة لازمت الدولة منذ الاستقلال، ولكنها بالأحرى محصلة مشروع جهل وغرور ونهب واجرام تولي كبره الاسلامويون. وصحيح كانت هنالك اخطاء وممارسات سياسية وعسكرية بعضها كارثي، ولكنها لم تمس كيان الدولة او تتلاعب بمؤسساتها او تتهاون في امنها القومي او تستبيح مواردها، بكل هذه العنجهية والاستهتار والفوضي وقلة المعرفة وضعف الخبرة، كما تعمد الاسلامويون في تعاملهم مع السلطة، وكانهم في عداء مستحكم مع الدولة ويبغضون المجتمع لوجه الله. وباختصار ما قبل الاسلامويين كانت هنالك مشاكل واخطاء قابلة للحل والعلاج، اذا ما توافرت الارادة وصدقت النوايا وكف العسكر عن تدخلهم فيما لا يعنيهم ولا يفقهون فيه شيء. اما مشكلة وجود الاسلامويين، انهم في الاصل مرض عضال، بدليل انهم منذ ميلادهم المشؤوم، لم يطرحوا انفسهم كسياسيين او برامجهم كوصفات سياسية لحل المشاكل المجتمعية، وانما طرحوا انفسهم كأصحاب الحلول الناجعة حصريا، وأيديولوجيتهم كمسفهة لكافة الحلول المطروحة (اليست حلول دينية واصحابها صنو للصحابة الاجلاء)؟!
واستفحل المرض المميت بعد سيطرة الاسلامويين الغادر علي السلطة، واستيلاءهم علي الدولة واستباحة مواردها. وفاقم من حجم الضرر، الافرازات السيئة لواقعة تغييب الدولة لصالح حضور المكونات والاساليب ما قبل الدولة، كوسيلة للإفلات من الرقابة والمحاسبة، وتجلي ذلك في مولودهم مليشيا الدعم السريع، الذي تفنن في ترسيخ الفوضى والارهاب والنهب! وعليه بوصول الاسلامويين المتعالين علي المجتمع الي سدة السلطة، وبتغلغل أيديولوجيتهم الخواء في مفاصل الدولة، حلت اللعنة واستوطن الخراب. لتتحول السياسة من جهود لترقية احوال المجتمع وانشطة لتجويد أداء الدولة، الي مؤامرة تبرر تحول السلطة الي غول يلتهم عافية الدولة ويحطم حياة المواطنين.
والحال كذلك، ضحت الثورة بتقديم خيرة الشبان كقربان، لرد السلطة الي الشرعية والبلاد الي اهلها. ولكن ما فات علي الثوار ان سمو الطرح ونبل الممارسة وعظم التطلعات، لا تتسق ومدي التوحش الذي وصلت اليه السلطة الفاجرة. وهذا التوحش الذي وصلت اليه السلطة لم يكن مصادفة، ولكنه محصلة الانجاز الوحيد الذي اخلص له الاسلامويون، وهو الاحتفاظ بالسلطة باي ثمن وبكافة الوسائل وعلي الاخص القذرة منها.
المهم، هذا الانشغال بالسلطة، وخصوصا بعد ان تحولت الي آلية لتلبية الرغبات غض النظر عن معقوليتها ناهيك عن مشروعيتها، رداها الي حالة وسواسية من الهواجس والمخاوف والاطماع تجتاح قيادات الاجهزة الامنية والعسكرية والسياسية، وتاليا تتربص ببعضها البعض داخل كابينة قيادة الانقاذ.
ماذا يقول كل هذا؟ يقول ببساطة ان تكوين الإسلامويين سلطوي، ومن ثمَّ يصدرون من موقع الامتيازات والسيادة علي الآخرين. وطالما الامر كذلك، من نافلة القول ان السلطة حقهم الحصري، وتاليا ان يفعلوا بالبلاد واهلها ما يشاؤون. وهذا بدوره قد يفسر اشياء عدة منها، انعدام حساسية الاسلامويين تجاه معاناة المجتمع التي يتسببون فيها، وهذا عندما لا يُتخذ المواطنون كوقود لحروبهم السلطوية وفئران تجارب لمشاريعهم البهلوانية ومطايا لرغباتهم المكبوتة. كما انه يفسر استباحة موارد البلاد وصرفها البذخي علي ملذاتهم وشراء المناصرين وإغراء المقاتلين، علي حساب حاجات اساسية لبقية المواطنين. اما البينة الكبري علي احتقار الاسلامويين لشركاءهم في الوطن، فهي هذه الحرب القذرة علي السلطة بين قيادات الانقاذ، والتي لا تضع اعتبار لما يصيب المواطنون من انتهاكات فظيعة، والبنية التحتية من دمار شامل.
وبالطبع الكلام علي الاسلامويين لا يعني الاسلامويون كافراد، بقدر ما يعنيهم كثقافة وسلوكيات، وهو ما يجعل الفوارق ممتنعة بين الاسلامويين والدعامة من حيث السوء والقذارة. وان كان هنالك فارق في المقدار يتفوق به الدعامة من جهة الجهالة والانحطاط والهمجية والعمالة والارتزاق. وذلك بالطبع يرجع لتكوينهم الاساس، كمليشيا معنية بأداء المهام القذرة نظير مكاسب مادية. وهو ما يجعل حديثهم عن المدنية والديمقراطية يثير الرثاء، ان لم نقل الاساءة لهذه المصطلحات بعد تلطيخها بقاذوراتهم. وعموما تاريخيا امثال اوباش وبرابرة الدعم السريع يلعبون دور اعداء الحضارة ورسل الخراب وسوط العذاب.
وما سلف يقول شيئا واحدا، ان هذه الحرب في اصلها حرب مرض مزمن اصاب الدولة السودانية، وتشخيصه ارتبط بوجود الاسلامويين وتحكمهم بالسلطة، ورفضهم التخلي عنها ولو تفتت البلاد وهلك اهلها. وبما انها حرب الاسلامويين وافرازاتهم الشيطانية، فطبيعي ان تصطبغ بسلوكياتهم وتنتهج نهجهم، من حيث القذارة والهمجية وانعدام الحس الانساني واخلاق الفرسان، كما انها تنذر بشر مستطير بسبب تدني منسوب مسؤوليتهم تجاه الدولة والمواطنين.
واحتمال هذه الحرب الفاجعة بوصفها نتاج لمكونات سلطة تمتاز بالقسوة والتجبر والمكر والتدليس، هو ما اضفي عليها الطابع التراجيدي المأساوي من جهة، ومن جهة اخري الغموض والتناقضات والمفارقات المدهشة، بحيث لا يحيط بها احد علما! لانه ورغم تبيُّن الخطوط العريضة لهذه الحرب، بين الجيش المدعوم من الاسلامويين ومليشيا الدعم السريع المدعومة من الاماراتيين، إلا ان الحيرة تلفها من كل جانب! وعلي راس الغموض ان الجيش ليس بهذا الضعف ولا مليشيا الدعم السريع بهذه القوة، عكس ما يجري علي ارض الواقع! بدليل ان الجيش يعمل وكأن ليس له جهاز استخبارات يمده بمعلومات عن تحركات ونوايا مليشيا الدعم السريع، رغم ان الجيش هو من انتدب ضباط يعملون داخل مليشيا الدعم السريع! بينما المليشيا تتحرك وكأنها تعلم كل خفايا الجيش! وهو ما يشئ بان هنالك قوة خفية تحرك خيوط اللعبة! بمعني هنالك حسابات خاصة وموازين قوي، يلعب فيها النفوذ والطموحات المستقبلية وخارطة الحلفاء الدور الاساس في هذه الحرب. وهذا ما يضرب بكل المخاوف علي مستقبل البلاد وما يصيب اهلها من عناء لا يحتمل، عرض الحائط.
ولكن ما يهم ان الخاسر الاكبر من هذه الحرب بعد المواطنين الضحايا والبلاد المدمرة، هم السياسيون وبقية مكونات المجتمع المدني، الذين انحسر حتي الهامش التاريخي الذي لازمهم بسبب سيطرة العسكر. وبما ان السياسيين بهذه القدرات المتواضعة، ولا ينفك يتشاكسون علي الدوام علي قضايا ومشاكل وطرق حل، اسهل وبما لا يقاس من هذه الحرب الكارثية التي تستهدف وجود الدولة. فالمؤكد ان هنالك حاجة ماسة لوجود طرف ثالث قادر علي تهديد مصالح الاطراف المتصارعة. وكان يمكن ان يكون هذا الطرف المجتمع المدني او قوي الثورة او حتي الاحتمال الضعيف بوحدة القوي السياسية، ولكن حتي لو حصل ذلك وهو ما لا يمكن توقعه، إلا ان القوي المتقاتلة وبما علم عنها من ارتباطها بالسلطة كهوية وكينونة او مصالح وجودية، لا تضع أي اعتبار لهذه القوي المفتقرة للقوة العسكرية، او هي سلفا لا تعلم سوي لغة السلاح، ولا تتعامل إلا بها كوسيلة لحسم الخلافات ونيل المآرب. وإلا لماذا التنمية الوحيدة التي لازمت الحكومة الانقاذية/الاسلاموية هي التنمية العسكرية واللغة العسكرية والمكونات العسكرية وانتشار السلاح في كل اتجاه؟ بل حتي اذا قدر الله وحدث تفاوض واتفاق بين الطرفين المتقاتلين وهو افضل السيناريوهات السيئة، فالمؤكد انه سيكون اتفاق تربص ببعضهما البعض، لان طابعهما الغدر! ولكن ذلك لا يمنع ان أي اتفاق مهما كانت درجة هشاشته واتجاه مصبه، فهو افضل من استمرار هذه الحرب العدمية. بعكس ما يدعي المهجسُون بحدوث تغيير شامل كامل، يجُب ما قبله من تعقيدات ومشاكل واخطاء متراكمة، ان هشاشة الاتفاق دعوة مؤجلة لحرب اشد وطأة. وهنا يبرز سؤال ما هو دور السياسيين اذا لم يعالجوا الهشاشة وينزعوا اسباب عودة الحرب، ويقودون البلاد لبر الامان بمواهبهم السياسية؟ اما اذا عجزوا عن هذه المهام فاليتركوا الساحة لغيرهم.
وللاسف ما يجهله الاسلامويون ان الثورة كانت آخر فرصة لمعالجة مرض طال امده، اضر بالدولة وانهك المواطنين. وبمعالجة مرض الدولة وتحسين احوال المواطنين، تستقيم حتي احوال الاسلامويين كمواطنين علي المدي البعيد، اذا ما اعترفوا بأخطائهم واستردوا وعيهم وانسانيتهم، وسيكتشفون ان البلاد رحبة اذا تصافت النفوس، وخيراتها تكفي الجميع وتفيض.
اما ما يجهله الثوار، ان هذه البلاد من الهشاشة وحكامها من الغشامة، بحيث أي هزة عنيفة تدمر اسسها وتدفع بها للفوضي العارمة. وان الهبوط الناعم الذي يُساء له وكانه عيب، اثبتت التجارب انه كان افضل وسيلة، اذا ما أُحسن استخدامه، لخلخة حكم الاسلامويين وتجريدهم بالتدريج مما اغتصبوه بغير وجه حق، او أقلاه لا يعرض البلاد للانهيار وخسران كل شيء وبما فيها فرصة التغيير. ولكنه كعادة كل حكمة متأخرة، فهي تأتي بطعم العلقم بعد فوات الأوان. ولكن ما يحير بعد كل هذه الفوضى والدمار والنفق المظلم الذي لا يبدو ان هنالك ضوء في آخره، ما زالت تطرق اسماعنا المطالب القصوى والرغبات الوردية، وكأنها متاحة مجانا وليس دونها خرط القتاد!
اما الوجه الآخر لحرب السلطة القذرة، ان افتقار الاسلامويين والدعامة للحد الأدنى من العقلانية والوطنية والانسانية، يجعل كل السيناريوهات كارثية. والاسوأ من ذلك حتي السيناريو الاقل سوء كالتدخل الدولي الذي يردع الطرفين المتقاتلين. هو نفسه محكوم عليه بالفشل او التباطؤ، بعد انشغاله بالحالة الانسانية وتغاضيه عن مسبباتها. كما ان حوافز تدخله يبدو انها خاملة حتي اللحظة، او دونها عقبات لوجستية وتضارب مصالح مكوناته. او كما يري البعض انها جزء من مخطط تقسيم البلاد كمقدمة لعدم استقرارها ونهبها. ولكن غض النظر عن كل ذلك، وامام جنون الاطراف المتقاتلة وضخامة الانتهاكات علي المدنيين، وعلي الاخص من جانب الدعامة الهمجيين، والعجز عن صدها او مجرد التصدي لها، وما يتهدد الدولة من خطر الفناء، كل ذلك وغيره يجعل الهم الاساس يتجاوز الطموحات السياسية الي المحافظة علي كيان الدولة وتخليص اهلها من العذاب. ويبدو ان الطريق الي ذلك يمر عبر تكثيف الجهود لإزاحة كل العقبات امام التدخل الخارجي لفرض ايقاف القتال والفصل بين الاطراف المتقاتلة وحماية المدنيين. ومجرد حصول ذلك يصبح انجاز يستحق الاشادة، اما ما بعده فلكل حادث حديث.
واخيرا
دون التخلص من طريقة التفكير واساليب العمل القديمة او ما يسمي الوسائل المجربة، فيبدو ان ما ينتظرنا ما لقبل لاحد به. واول خطوة للخلاص من العادات القديمة، هي الاعتراف بالواقع كما هو والتعامل علي ضوءه، أي نفوذ الدعامة والاسلامويين وصعوبة تخطيهم في أي افق حل يمر بإيقاف هذه المجزرة. وصحيح يصعب تجرع هذه الحقيقة سواء بوصف الاسلامويين هم المرض الذي سبب كل هذه المصائب، او من جانب الدعامة الذين لا يشبهون السودانيين ولا ينتمون للإنسانية بصلة، وتاليا قبولهم في الحياة الاجتماعية يكاد يشبه بلع الحنظل. ولكن من نكد الدنيا علي السودانيين التعايُش مع اعداءهم وسبب كل مصائبهم وبلاويهم، فقط لكف شرهم الذي يبدو انه لا يتوقف عند تهديد سلامة البلاد وقتل وتشريد اهلها بدم بارد.
نرفع القبعة للاستاذ فيصل محمد صالح وعثمان ميرغني ودكتور الوليد مادبو وغيرهم ممن يتصفون بالاحترام والموضوعية ويقدمون قراءات تحترم عقل المشاهد حتي ولو اختلف معهم. عكس الهرجلة التي يقدمها داعمو الحرب لدرجة احدهم (كنت احترمه غفر لي الله) يتحدث ملء فيه عن ان المواطنين يشعرون بالأمان في كل منطقة يدخلها الدعم السريع! واحدهم وللمفارقة تتقدمه صفة الدكتوراة تحدث عن مقرات الجيش التي استولي عليها الدعم السريع في دارفور سواء بالانسحاب او بمقاومة خجولة، بانها تحولت الي ملاعب اطفال! اما في المقلب الآخر الذي ينظر اصحابه للجيش بعين المحاسن وتقدم بعين المساوئ، لدرجة الانتقال من البهتان البسيط (ان تقدم ظهير الدعامة) الي البهتان العظيم (الدعامة ظهير تقدم) دون ان يطرف لهم جفن. والحال كذلك، اما كفانا عذاب الحرب واهوالها، حتي يتحدث بالإنابة عنا امثال هؤلاء، الله يكفينا شرهم وحقدهم. ودمتم في رعايته.
abdullahaliabdullah1424@gmail.com
بسم الله الرحمن الرحيم
مدخل اول: يقول نبي الشعر حميد علي لسان السُرة بت عوض الكريم (ما كنا قايلين في حياتنا يجينا اقسي من المضي/ ساعة مروق الانجليز قلنا الظلم راح وانقضي/ تاريهو كمتر .. وقام دقون .. حلفا وعشر ..معيوقة نال .. دمسيس .. ضريسا وشوك جُمال). ويبدو ان شوك الجُمال (نبات شوكي سريع الانتشار واسع الضرر صعب المكافحة) الخالق الناطق مليشيا الدعم السريع.
مدخل ثانٍ: (اذا تجسد الخراب في افراد، فإن ما اصاب الدولة السودانية من دمار شامل، بدأ بالدجال الترابي وانتهي بشراكة الجهل والاجرام حميدتي/البرهان).
الحرب الاجرامية الراهنة التي فككت عري الدولة وهتكت النسيج الاجتماعي واهلكت الحرث والنسل ونذرت المستقبل للمصير المظلم. ليست لأخطاء متراكمة لازمت الدولة منذ الاستقلال، ولكنها بالأحرى محصلة مشروع جهل وغرور ونهب واجرام تولي كبره الاسلامويون. وصحيح كانت هنالك اخطاء وممارسات سياسية وعسكرية بعضها كارثي، ولكنها لم تمس كيان الدولة او تتلاعب بمؤسساتها او تتهاون في امنها القومي او تستبيح مواردها، بكل هذه العنجهية والاستهتار والفوضي وقلة المعرفة وضعف الخبرة، كما تعمد الاسلامويون في تعاملهم مع السلطة، وكانهم في عداء مستحكم مع الدولة ويبغضون المجتمع لوجه الله. وباختصار ما قبل الاسلامويين كانت هنالك مشاكل واخطاء قابلة للحل والعلاج، اذا ما توافرت الارادة وصدقت النوايا وكف العسكر عن تدخلهم فيما لا يعنيهم ولا يفقهون فيه شيء. اما مشكلة وجود الاسلامويين، انهم في الاصل مرض عضال، بدليل انهم منذ ميلادهم المشؤوم، لم يطرحوا انفسهم كسياسيين او برامجهم كوصفات سياسية لحل المشاكل المجتمعية، وانما طرحوا انفسهم كأصحاب الحلول الناجعة حصريا، وأيديولوجيتهم كمسفهة لكافة الحلول المطروحة (اليست حلول دينية واصحابها صنو للصحابة الاجلاء)؟!
واستفحل المرض المميت بعد سيطرة الاسلامويين الغادر علي السلطة، واستيلاءهم علي الدولة واستباحة مواردها. وفاقم من حجم الضرر، الافرازات السيئة لواقعة تغييب الدولة لصالح حضور المكونات والاساليب ما قبل الدولة، كوسيلة للإفلات من الرقابة والمحاسبة، وتجلي ذلك في مولودهم مليشيا الدعم السريع، الذي تفنن في ترسيخ الفوضى والارهاب والنهب! وعليه بوصول الاسلامويين المتعالين علي المجتمع الي سدة السلطة، وبتغلغل أيديولوجيتهم الخواء في مفاصل الدولة، حلت اللعنة واستوطن الخراب. لتتحول السياسة من جهود لترقية احوال المجتمع وانشطة لتجويد أداء الدولة، الي مؤامرة تبرر تحول السلطة الي غول يلتهم عافية الدولة ويحطم حياة المواطنين.
والحال كذلك، ضحت الثورة بتقديم خيرة الشبان كقربان، لرد السلطة الي الشرعية والبلاد الي اهلها. ولكن ما فات علي الثوار ان سمو الطرح ونبل الممارسة وعظم التطلعات، لا تتسق ومدي التوحش الذي وصلت اليه السلطة الفاجرة. وهذا التوحش الذي وصلت اليه السلطة لم يكن مصادفة، ولكنه محصلة الانجاز الوحيد الذي اخلص له الاسلامويون، وهو الاحتفاظ بالسلطة باي ثمن وبكافة الوسائل وعلي الاخص القذرة منها.
المهم، هذا الانشغال بالسلطة، وخصوصا بعد ان تحولت الي آلية لتلبية الرغبات غض النظر عن معقوليتها ناهيك عن مشروعيتها، رداها الي حالة وسواسية من الهواجس والمخاوف والاطماع تجتاح قيادات الاجهزة الامنية والعسكرية والسياسية، وتاليا تتربص ببعضها البعض داخل كابينة قيادة الانقاذ.
ماذا يقول كل هذا؟ يقول ببساطة ان تكوين الإسلامويين سلطوي، ومن ثمَّ يصدرون من موقع الامتيازات والسيادة علي الآخرين. وطالما الامر كذلك، من نافلة القول ان السلطة حقهم الحصري، وتاليا ان يفعلوا بالبلاد واهلها ما يشاؤون. وهذا بدوره قد يفسر اشياء عدة منها، انعدام حساسية الاسلامويين تجاه معاناة المجتمع التي يتسببون فيها، وهذا عندما لا يُتخذ المواطنون كوقود لحروبهم السلطوية وفئران تجارب لمشاريعهم البهلوانية ومطايا لرغباتهم المكبوتة. كما انه يفسر استباحة موارد البلاد وصرفها البذخي علي ملذاتهم وشراء المناصرين وإغراء المقاتلين، علي حساب حاجات اساسية لبقية المواطنين. اما البينة الكبري علي احتقار الاسلامويين لشركاءهم في الوطن، فهي هذه الحرب القذرة علي السلطة بين قيادات الانقاذ، والتي لا تضع اعتبار لما يصيب المواطنون من انتهاكات فظيعة، والبنية التحتية من دمار شامل.
وبالطبع الكلام علي الاسلامويين لا يعني الاسلامويون كافراد، بقدر ما يعنيهم كثقافة وسلوكيات، وهو ما يجعل الفوارق ممتنعة بين الاسلامويين والدعامة من حيث السوء والقذارة. وان كان هنالك فارق في المقدار يتفوق به الدعامة من جهة الجهالة والانحطاط والهمجية والعمالة والارتزاق. وذلك بالطبع يرجع لتكوينهم الاساس، كمليشيا معنية بأداء المهام القذرة نظير مكاسب مادية. وهو ما يجعل حديثهم عن المدنية والديمقراطية يثير الرثاء، ان لم نقل الاساءة لهذه المصطلحات بعد تلطيخها بقاذوراتهم. وعموما تاريخيا امثال اوباش وبرابرة الدعم السريع يلعبون دور اعداء الحضارة ورسل الخراب وسوط العذاب.
وما سلف يقول شيئا واحدا، ان هذه الحرب في اصلها حرب مرض مزمن اصاب الدولة السودانية، وتشخيصه ارتبط بوجود الاسلامويين وتحكمهم بالسلطة، ورفضهم التخلي عنها ولو تفتت البلاد وهلك اهلها. وبما انها حرب الاسلامويين وافرازاتهم الشيطانية، فطبيعي ان تصطبغ بسلوكياتهم وتنتهج نهجهم، من حيث القذارة والهمجية وانعدام الحس الانساني واخلاق الفرسان، كما انها تنذر بشر مستطير بسبب تدني منسوب مسؤوليتهم تجاه الدولة والمواطنين.
واحتمال هذه الحرب الفاجعة بوصفها نتاج لمكونات سلطة تمتاز بالقسوة والتجبر والمكر والتدليس، هو ما اضفي عليها الطابع التراجيدي المأساوي من جهة، ومن جهة اخري الغموض والتناقضات والمفارقات المدهشة، بحيث لا يحيط بها احد علما! لانه ورغم تبيُّن الخطوط العريضة لهذه الحرب، بين الجيش المدعوم من الاسلامويين ومليشيا الدعم السريع المدعومة من الاماراتيين، إلا ان الحيرة تلفها من كل جانب! وعلي راس الغموض ان الجيش ليس بهذا الضعف ولا مليشيا الدعم السريع بهذه القوة، عكس ما يجري علي ارض الواقع! بدليل ان الجيش يعمل وكأن ليس له جهاز استخبارات يمده بمعلومات عن تحركات ونوايا مليشيا الدعم السريع، رغم ان الجيش هو من انتدب ضباط يعملون داخل مليشيا الدعم السريع! بينما المليشيا تتحرك وكأنها تعلم كل خفايا الجيش! وهو ما يشئ بان هنالك قوة خفية تحرك خيوط اللعبة! بمعني هنالك حسابات خاصة وموازين قوي، يلعب فيها النفوذ والطموحات المستقبلية وخارطة الحلفاء الدور الاساس في هذه الحرب. وهذا ما يضرب بكل المخاوف علي مستقبل البلاد وما يصيب اهلها من عناء لا يحتمل، عرض الحائط.
ولكن ما يهم ان الخاسر الاكبر من هذه الحرب بعد المواطنين الضحايا والبلاد المدمرة، هم السياسيون وبقية مكونات المجتمع المدني، الذين انحسر حتي الهامش التاريخي الذي لازمهم بسبب سيطرة العسكر. وبما ان السياسيين بهذه القدرات المتواضعة، ولا ينفك يتشاكسون علي الدوام علي قضايا ومشاكل وطرق حل، اسهل وبما لا يقاس من هذه الحرب الكارثية التي تستهدف وجود الدولة. فالمؤكد ان هنالك حاجة ماسة لوجود طرف ثالث قادر علي تهديد مصالح الاطراف المتصارعة. وكان يمكن ان يكون هذا الطرف المجتمع المدني او قوي الثورة او حتي الاحتمال الضعيف بوحدة القوي السياسية، ولكن حتي لو حصل ذلك وهو ما لا يمكن توقعه، إلا ان القوي المتقاتلة وبما علم عنها من ارتباطها بالسلطة كهوية وكينونة او مصالح وجودية، لا تضع أي اعتبار لهذه القوي المفتقرة للقوة العسكرية، او هي سلفا لا تعلم سوي لغة السلاح، ولا تتعامل إلا بها كوسيلة لحسم الخلافات ونيل المآرب. وإلا لماذا التنمية الوحيدة التي لازمت الحكومة الانقاذية/الاسلاموية هي التنمية العسكرية واللغة العسكرية والمكونات العسكرية وانتشار السلاح في كل اتجاه؟ بل حتي اذا قدر الله وحدث تفاوض واتفاق بين الطرفين المتقاتلين وهو افضل السيناريوهات السيئة، فالمؤكد انه سيكون اتفاق تربص ببعضهما البعض، لان طابعهما الغدر! ولكن ذلك لا يمنع ان أي اتفاق مهما كانت درجة هشاشته واتجاه مصبه، فهو افضل من استمرار هذه الحرب العدمية. بعكس ما يدعي المهجسُون بحدوث تغيير شامل كامل، يجُب ما قبله من تعقيدات ومشاكل واخطاء متراكمة، ان هشاشة الاتفاق دعوة مؤجلة لحرب اشد وطأة. وهنا يبرز سؤال ما هو دور السياسيين اذا لم يعالجوا الهشاشة وينزعوا اسباب عودة الحرب، ويقودون البلاد لبر الامان بمواهبهم السياسية؟ اما اذا عجزوا عن هذه المهام فاليتركوا الساحة لغيرهم.
وللاسف ما يجهله الاسلامويون ان الثورة كانت آخر فرصة لمعالجة مرض طال امده، اضر بالدولة وانهك المواطنين. وبمعالجة مرض الدولة وتحسين احوال المواطنين، تستقيم حتي احوال الاسلامويين كمواطنين علي المدي البعيد، اذا ما اعترفوا بأخطائهم واستردوا وعيهم وانسانيتهم، وسيكتشفون ان البلاد رحبة اذا تصافت النفوس، وخيراتها تكفي الجميع وتفيض.
اما ما يجهله الثوار، ان هذه البلاد من الهشاشة وحكامها من الغشامة، بحيث أي هزة عنيفة تدمر اسسها وتدفع بها للفوضي العارمة. وان الهبوط الناعم الذي يُساء له وكانه عيب، اثبتت التجارب انه كان افضل وسيلة، اذا ما أُحسن استخدامه، لخلخة حكم الاسلامويين وتجريدهم بالتدريج مما اغتصبوه بغير وجه حق، او أقلاه لا يعرض البلاد للانهيار وخسران كل شيء وبما فيها فرصة التغيير. ولكنه كعادة كل حكمة متأخرة، فهي تأتي بطعم العلقم بعد فوات الأوان. ولكن ما يحير بعد كل هذه الفوضى والدمار والنفق المظلم الذي لا يبدو ان هنالك ضوء في آخره، ما زالت تطرق اسماعنا المطالب القصوى والرغبات الوردية، وكأنها متاحة مجانا وليس دونها خرط القتاد!
اما الوجه الآخر لحرب السلطة القذرة، ان افتقار الاسلامويين والدعامة للحد الأدنى من العقلانية والوطنية والانسانية، يجعل كل السيناريوهات كارثية. والاسوأ من ذلك حتي السيناريو الاقل سوء كالتدخل الدولي الذي يردع الطرفين المتقاتلين. هو نفسه محكوم عليه بالفشل او التباطؤ، بعد انشغاله بالحالة الانسانية وتغاضيه عن مسبباتها. كما ان حوافز تدخله يبدو انها خاملة حتي اللحظة، او دونها عقبات لوجستية وتضارب مصالح مكوناته. او كما يري البعض انها جزء من مخطط تقسيم البلاد كمقدمة لعدم استقرارها ونهبها. ولكن غض النظر عن كل ذلك، وامام جنون الاطراف المتقاتلة وضخامة الانتهاكات علي المدنيين، وعلي الاخص من جانب الدعامة الهمجيين، والعجز عن صدها او مجرد التصدي لها، وما يتهدد الدولة من خطر الفناء، كل ذلك وغيره يجعل الهم الاساس يتجاوز الطموحات السياسية الي المحافظة علي كيان الدولة وتخليص اهلها من العذاب. ويبدو ان الطريق الي ذلك يمر عبر تكثيف الجهود لإزاحة كل العقبات امام التدخل الخارجي لفرض ايقاف القتال والفصل بين الاطراف المتقاتلة وحماية المدنيين. ومجرد حصول ذلك يصبح انجاز يستحق الاشادة، اما ما بعده فلكل حادث حديث.
واخيرا
دون التخلص من طريقة التفكير واساليب العمل القديمة او ما يسمي الوسائل المجربة، فيبدو ان ما ينتظرنا ما لقبل لاحد به. واول خطوة للخلاص من العادات القديمة، هي الاعتراف بالواقع كما هو والتعامل علي ضوءه، أي نفوذ الدعامة والاسلامويين وصعوبة تخطيهم في أي افق حل يمر بإيقاف هذه المجزرة. وصحيح يصعب تجرع هذه الحقيقة سواء بوصف الاسلامويين هم المرض الذي سبب كل هذه المصائب، او من جانب الدعامة الذين لا يشبهون السودانيين ولا ينتمون للإنسانية بصلة، وتاليا قبولهم في الحياة الاجتماعية يكاد يشبه بلع الحنظل. ولكن من نكد الدنيا علي السودانيين التعايُش مع اعداءهم وسبب كل مصائبهم وبلاويهم، فقط لكف شرهم الذي يبدو انه لا يتوقف عند تهديد سلامة البلاد وقتل وتشريد اهلها بدم بارد.
نرفع القبعة للاستاذ فيصل محمد صالح وعثمان ميرغني ودكتور الوليد مادبو وغيرهم ممن يتصفون بالاحترام والموضوعية ويقدمون قراءات تحترم عقل المشاهد حتي ولو اختلف معهم. عكس الهرجلة التي يقدمها داعمو الحرب لدرجة احدهم (كنت احترمه غفر لي الله) يتحدث ملء فيه عن ان المواطنين يشعرون بالأمان في كل منطقة يدخلها الدعم السريع! واحدهم وللمفارقة تتقدمه صفة الدكتوراة تحدث عن مقرات الجيش التي استولي عليها الدعم السريع في دارفور سواء بالانسحاب او بمقاومة خجولة، بانها تحولت الي ملاعب اطفال! اما في المقلب الآخر الذي ينظر اصحابه للجيش بعين المحاسن وتقدم بعين المساوئ، لدرجة الانتقال من البهتان البسيط (ان تقدم ظهير الدعامة) الي البهتان العظيم (الدعامة ظهير تقدم) دون ان يطرف لهم جفن. والحال كذلك، اما كفانا عذاب الحرب واهوالها، حتي يتحدث بالإنابة عنا امثال هؤلاء، الله يكفينا شرهم وحقدهم. ودمتم في رعايته.