ابوقردة على مسرح لاهاي!! … بقلم: عادل الباز

 


 

 

هل أصبحت المحكمة الجنائية مسرحا للهزل؟ كيف لا وهاهي تستعد لعرض مسرحية أبوقردة!! يا ترى من سيصدّق ممثلي ومُخرجي هذه المسرحية؟ انظر للحبكة المضحكة ثم عاين للممثلين المهرجين على خشبة المسرح، لاشيء ينبئ بجدية العرض المقدم على مسرح الجنائية فى لاهاي. لقد اختارت المحكمة نصّها المسرحي بعناية كما اختارت بطلها بشكل مهني فائق البراعة. فى ظني أن هذه المسرحية مدفوعة الأجر، ولذا فالدخول لها مجانا. النص اُختير بعناية لضعفه وبؤس أدلته، وتم الاتفاق مع البطل (أبوقردة) على سيناريو محدد ودور مدفوع الثمن.

اختارت المحكمة أبوقردة الذي هو رئيس سابق لهيئة أركان جيش حركة العدل والمساواة والذي كوّن له جيشا بعد انشقاقه منها، وأصبح قائدا ذا شوكة. الإشارة المطلوبة هنا إيهام الرأي العام أن المحكمة جادة في مطاردتها للمتسببين في جرائم حرب بدارفور، فهاهي تقدم أحد قادة التمرد للمحاكمة!!.

 

ماهي التهم التي يواجهها أبوقردة؟. لحبكة النص اختارت المحكمة تهمة بعيدة كل البعد عن الجرائم التي تم بموجبها اتهام المسئولين السودانيين في جرائم دارفور. نص تهمة السيد أبوقردة التي لبسها له مخرج المسرحية (اوكامبو) يشير الي ان أبوقردة من مرتكبي ومنسقي الهجوم على جنود قوات حفظ السلام وقتلهم. قال المخرج (قد هاجموا ملايين المدنيين الذين أتى اؤلئك الجنود لحمايتهم ولكنهم اُغتيلوا حيث يعتبر الهجوم على جنود قوات حفظ السلام جريمة خطيرة بموجب القانون وستقام عليها الدعوى).

 

فى حوار مع هذه الصحيفة أُعيد نشره أمس أفاد أبوقردة أن التهم الموجهة له من قبل الجنائية لا أساس لها. وحينما سُئل عن حادثة قتل جنود قوات حفظ السلام بحسكنيتة قال: (صحيح نحن كنا موجودين فى دارفور، ولكن بعيدين عن موقع الأحداث. وكانت حركة العدل والمساواة تعاني من الانشقاقات، وكنا أنا وعبد الله بندة بعيدين جدا. وهذا أمر يمكن إثباته بشهادة الكثيرين من أهل دارفور). حين وقع هجوم حسكنيتة على قوات حفظ السلام فى سبتمبر 2007 لم يكن أبوقردة رئيسا لهيئة أركان حركة العدل المساواة وهذه حقيقة ثابتة يعلمها الجميع بمن فيهم المخرج الذي لفق هذه التهمة ليكمل الديكور المطلوب لتزيين المسرح!! ثم إن (أبو قردة) أيا كان موقعه، فكيف سيثبت السيد أوكامبو أنه ضالع فى الهجوم حيث لاتتوفر أدلة لعدم إثبات التهمة وهو المطلوب لعدم كفاية الأدلة!!. السيد المدعي ومحكمته يسعيان لتوجيه عدة رسائل بإقامتها لهذا العرض المسرحي لـ(أبوقردة): الرسالة الاولى هي أن المحكمة التي اُنتقدت بأنها لسنوات ظلت عاطلة عن العمل هاهي قد بدأت تعمل وتوقيف المجرمين مما يكسبها أهمية فى نظر العالم، ويبرر الصرف الهائل عليها. الرسالة الثانية للعالم هي أن المحكمة فى الوقت الذي تطلب فيه مسئولين حكوميين تطلب زعماء حركات متمردة أيضا، وهكذا تبدو الصورة للرأي العام ان المحكمة غير منحازة لطرف من أطراف الصراع، على الرغم من أن تهمة أبو قدرة لاعلاقة لها بجرائم دارفور!!. الرسالة المهمة هنا أيضا هي محاصرة الحكومة السودانية بالنتائج التي ستنتج عن مثول أبوقردة ومايعقبها من إطلاق سراحه كما هو متوقع وكما هو موجود فى نص مسرحية أبوقردة. فإذا ما مثل أبوقردة وخرج، فالدعوة موجهة للمسئولين السودانيين أن يحذوا حذوه ويثقوا فى عدالة المحكمة!!

 

 إليكم سيناريو ماجرى فى مسرحية أبوقردة علما بأنني كاتب درامي لي أكثر من مائة عمل تذخر بها مكتبة التلفزيون السوداني. أرجو أن تكون موجودة ولم يلحقوها (بأُمات طه) مثما فعلوا بكل روائع الفنان مكي سنادة!!

 

اتفق السيد مخرج المسرحية مع الممثل القائد أبوقردة للعب دور البطولة فى عرض لاهاي. اطلع أبوقردة على النص ووافق عليه، إذ أنه نص هزيل لايمكن أن يدينه بأي حال. كان على أبوقردة أن يسأل عن الثمن، وهو فعل مخفي داخل النص يُشتم من خلال أفعال البطل، وممارسات المخرج، حين يتضح أن صفقة ما قد تمت.

 الأمر الثاني ماهي الضمانات التي توفرت لـ(أبو قردة) حتى يأتي مطمئنا غير هيّاب ولا وجل للاهاي. قال المخرج (إن مثول أبوقردة لم يكن أمرا سهلا بدون مساعدة عدد من الدول التي عملت مع مكتب المدعي خلال الثمانية أشهر). إذن هذه هي الدول التي هي في الغالب قد تعهدت بخروج أبوقردة سالما وهي تشاد ومالي ونيجيريا وهولندا.!! وضع أبوقردة الضمانات في جيبه ثم صعد الطائرة المتجهة الى لاهاي، فأعلنت المحكمة في بيان عاجل لها بأن مجرم الحرب أبوقردة قد وافق طواعية على المثول أمامها، استجابةً لمذكرة الاستدعاء الصادرة بحقه في السابع من مايو الحالي!! وقالت إن المدعي أخطرها بقبول أبوقردة للمثول طواعية أمامها، ولذا لم يكن هناك داع لاستصدار مذكرة اعتقال (ياترى هل تمت شورة أحمد هارون وكوشيب قبل إصدار مذكرة اعتقالهما). أرأيتم كيف تتم الصفقات بين المدعي ومجرمي الحرب المرضي عنهم؟.وصل أبوقردة على متن طائرة تجارية (غالبا على مقاعد الفيرست كلاس) قادما من أحراش دارفور!! في مطار امستردام تم استقبال أبو قردة كما يُستقبل النجوم وأُخذ من المطار بسيارت فاخرة (بي ام دبليو) الى جهة ما في لاهاي. في صباح أمس ظهر أبوقردة على مسرح المحكمة وهو فى كامل أناقته كبطل إغريقي حقيقي. وقف زعيم جبهة المقاومة المتحدة ( أبوقردة) بعد مثوله أمام المحكمة لفترة وجيزة قائلا “أؤكد أنني لست مذنباً في جميع التهم الموجهة لي على الإطلاق ولكن من المهم جدا لأي زعيم نزيه أن يأتي لمواجهة العدالة). كانت هذه هي العبارة المطلوبة في كل المسرحية وقد أداها الممثل القائد أبوقردة بمهنية عالية يحسده عليها مكي سنادة وعلي مهدي (إن شاء الله أشوفهم الاتنين في لاهاي).سيقضي أبوقردة ليلته هذه داخل سجن لاهاي وياله من سجن بهيج. لقد رأيته الشهر الماضي بعيني رأسي هاتين عبارة عن حديقة مزهرة يتوفر داخل غرفه، التلفزيون وخدمات الانترنت وملاعب الرياضة. سيقضي أبوقردة يومين ممتعين داخل جنة لاهاي، وإذا لم يغير رأيه سيعود بعدها مطمئنا الى أحراش دارفور مزهوا. فلقد أدى دوره ببراعة، ونال جائزته، وقفل راجعا الى أهليه يتمطّى، ويمتطي (الكي ل ام) وما أدراك ما (الكي ل ام). أُسدل الستار على فصل من مسرحية أبوقردة وحدث إظلام تام، فبكى من بكى وضحك من ضحك على هذه التراجيكوميديا البائسة.

 

آراء