إنّ التّاريخ سجّل هزائم كثيرةً للطّوائف الّتي تسمّى رجال الدّين. وقد أرادَ بعضُ الحمقى أن يحوّل هذه الهزائمَ إلى نكبةٍ تحيقُ بالدّينِ نفسِهِ، وهذا ظلمٌ شنيع، فإنّ انهزامَ هذه الأمثلةَ المصطنعة للتّديّن هو في حقيقتِهِ انتصارٌ للفطرةِ الإنسانيّة، للطّبيعةِ المتمرّدة على الغباءِ والجمودِ والنّفاقِ. إنّ هذا الانتصار يجبُ أن يكونَ تمهيداً لفهمِ الدّينِ كما جاءَ من عندِ الله، لا لِنبذِهِ بعدَ ما لوّثتهُ أيدي الباعةِ التّافهين. - محمد الغزالي..
عزيزي القارئ.. قامت ثورة ديسمبر العظيمة ليس فقط لإسقاط البشير ونظامه الديكتاتوري الرجعي البغيض، لكن أيضا لإسقاط معه كل المتاجرين بالدين الذين يستغلون البسطاء في الترويج للروايات المكذوبة والقصص الأسطورية من أجل الحصول على النفوذ والسلطة والجاه. هؤلاء التجار لا يقل خطرهم على المجتمع من النظام السياسي الساقط نفسه، لاستغلالهم للدين مطية للوصول إلى أهدافهم وتحقيق شهواتهم واطماعهم الشيطانية. وعليه كان من الطبيعي جدا ان يبدأوا بحملات شعواء للتشويش على هذه الثورة وشعاراتها لكي يتسنى لهم الاستمرار في تضليل الناس -وكيف لا وليس لدى هؤلاء أية مهارات غير بيع (الكلام) للناس، يخدرون عقولهم باستنهاض عواطفهم، يلعنون، يكفرون، يدقون الأسافين، ولو تعطلت ألسنتهم سيفقدون السلطة الدينية ما يترتب عليها من عيش رغيد. أجسام دينية متعددة في السودان، نصبت نفسها في منصب "المتحدثة باسم الله تعالى"، دون مراعاة لقول الإمام مالك الذي يقول (لا يوجد بين الله وبين أي من الخلائق علاقة نسب)، ومن أبرز تلك الجماعات، جماعة تسمي نفسها بالاتحاد السوداني للعلماء والأئمة والدعاة. هذه الجماعة التي ادعت امتلاك الفهم الصحيح والحقيقة الكاملة، لم تعجبها ما تم الاتفاق عليه في جوبا قبل أيام بين البرهان والحلو فيما يتعلق بموضوع العلمانية ونظام الحكم في السودان، لتخرج ببيان تهريجي تقول فيه، إن توقيع الحكومة السودانية والحركة الشعبية لتحرير السودان على اتفاق فصل الدين عن الدولة هو انتهاك لإرادة غالبية السودانيين. وأضاف الاتحاد في بيان رد فيه على ما سماه "تجاوز رئيس المجلس السيادي عبد الفتاح البرهان حدود ما أنزل الله"، إن توقيع الاتفاق الذي ينص على فصل الدين عن الدولة وهو المعروف بنظام العلمانية، "فيه تجاوز وطغيان وبغي وعدوان، وانتهاك لإرادة الغالبية العظمى من شعب السودان المسلم الذي له هويته وخصوصيته". وحذر الاتحاد من فداحة وخطورة الاتفاق، واعتبره باطلا ومنبوذا "لأنه يقوم على مبدأ يصادم هوية وثوابت الغالبية العظمى من أهل السودان، ويفرض باستبداد فكرة مناهضة للإسلام ومصادمة لنصوصه الواضحة الصريحة، وهي خروج على الدين وحرب عليه وسعي في الأرض المسلمين بفساد لا يحل السكوت عليه أبدا، ويجب وجوبا شرعيا على كل مسلم أن يعلن رفضه التام لهذه الاتفاقية". وأضاف البيان أنه "ليس من حق أي متسلط مهما كان منصبه عسكريا أو مدنيا تحديد هوية الأمة ولا فرض وصاية عليها والتحدث باسمها وتبني الكفر نيابة عنها" وفق تعبير البيان. وكان رئيس مجلس السيادة السوداني وقع مع الحركة الشعبية لتحرير السودان- قطاع الشمال إعلان مبادئ ينص على فصل الدين عن الدولة في السودان. إذن وكما هو ملاحظ من البيان التهريجي التحريضي أعلاه، فإن هذه الجماعة الضلالية الظلامية تريد إعادة عقارب الساعة الى عهد ما قبل ثورة ديسمبر، لكي تستمر في تكييف الدين حسب أهواءها ومناهجها، لكن ما لا تدريها، هي أن عهد استغلال حاجة الناس وبيع الوهم لهم بماء وزيت وعسل مقروء، وغيرها من الأحجبة، لن يعود مجددا، فالحل في أن تلتزم هذه الجماعة بقول الله سبحانه، الذي قال فيه: (قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ، لاَ أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ، وَلاَ أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ، وَلاَ أَنَا عَابِدٌ مَا عَبَدْتُمْ، وَلاَ أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ، لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ) الكافرون: 1-6. كفى المجتمع السوداني بمختلف قطاعاته استغلال جهله ويأسه وبيع الأوهام له باسم الدين.. وعلى اتحاد أئمة السفه والضلال والكسل، البحث عن عمل يسترزق منه، وعهد الغش والتضليل يجب ان يكون قد ولىّ دون رجعة.