احذروا استمرار “الاحتقان” الانتخابي”و”الاساءة ” لمرشحي الرئاسة
5 April, 2010
محمد المكي أحمد
modalmakki@hotmail.com
حالت ظروف عمل صحافي كثيف وسفر أيضا دون مواصلة كتابة مقالي الأسبوعي في" الأحداث" خلال الأشهر الماضية ، وللأسف تزامن ذلك مع ظروف وأوضاع سودانية كانت تستحق الكتابة وابداء الرأي أكثر من أي وقت مضى عن قضايا ساخنة ومهمة .
في مقال كتبته غداة زيارة الى مصر وعدت القاريء بمواصلة الكتابة عن تفاعلات دعوة غداء كريمة تلقيتها من الزميلة العزيزة اسماء الحسيني مسؤولة شؤون السودان في صحيفة "الأهرام" المصرية والزميل الصديق العزب الطيب الصحافي الهمام في "الأهرام" أيضا.
وعدت القاريء آنذاك أن أكتب عن "صحافية البنطلون " لبنى أحمد حسين التي التقيتها في القاهرة في صحيفة الأهرام بحضور زملاء أعزاء بينهم الصديق الأستاذ محبوب عبد السلام، وهو أحد أبرز قيادات حزب المؤتمر الشعبي المعارض ومن جيل الشباب "والله اعلم" كم يبلغ من العمر، لكن الأهم أنه صاحب وجدان يحب التواصل مع الآخرين، من كل لون وفكر.
أعود لأقول إنه بسبب مفاوضات الدوحة بين الحكومة السودانية وحركة العدل، ثم بين الحكومة السودانية وحركة التحرير والعدالة حول أزمة دارفور، و بسبب زيارة عمل الى اريتريا لاجراء حوار مع الرئيس اساياس أفورقي نشرته "الحياة" اللندنية وجدت نفسي بعد ذلك غارقا في متاعب مهنية متزايدة .
بعد عودتي الى الدوحة من اسمرا واصلت ومازلت أتابع تفاعلات مفاوضات معقدة وطويلة بشان أزمة دارفور في قطر، ولهذا لم أستطع مواصلة مخاطبة أهلى في السودان عبر حروف أسبوعية شكلت لي متنفسا ، وساحة رأى ، والفضل في ذلك يعود بعد سنوات طويلة من العمل الصحافي خارج السودان الى دعوة طيبة في هذا الشأن تلقيتها من زميلي الأخ الأستاذ عادل الباز رئيس تحرير "الأحداث" .
تطورات الساحة "الانتخابية" الساخنة والمقلقة ساعدتني على كسر حاجز عدم الكتابة ، لكن في البدء أجدد التقدير للزملاء في مصر الذين طوقوني بروح الود ونبض القاهرة الدافيء الودود.
في مصر كما قلت تحس أنك في بلدك، ورغم ذلك ناقشنا مع الزملاء أهمية أن يتجاوز المصريون حكاية "مصر والسودان حته واحدة" لنبحث عن شراكات حقيقة في عصر الاندماج، حتى لا نتقوقع في ساحة الغناء عن العلاقات الأخوية في زمن يحتاج الى لغة المصالح المتبادلة.
في القاهرة التقيت صحافية البنطلون لبنى أحمد حسين ، وازدادت قناعتي بمضمون رأيي الذي كتبته للنشر في "الأحداث " في السابع من أغسطس 2009 تحت عنوان " بنطلون لبنى وقضية افتعال الأزمات " لكن الرقابة الأمنية التي رفعت عن الصحافة السودانية حاليا منعت نشره ونشره موقع "سودانايل" الالكتروني، إذ حطمت ثورة الانترنت حواجز المنع ومصادرة الآراء.
مع "عم كيتا" في كافتيريا صحيفة "الأهرام" كانت لبنى صحافية البنطلون نجمة ، مثلما كانت نجمة وسط صحافيين مصريين أبدى بعضهم إعجابا بقدرتها على "تحدي " أهل الحكم في السودان ، وهكذا كان حضور "صحافية البنطلون " لافتا وكانت صاحبة اطلالة فضائية " لافتة في عدد من الفضائيات .
أخلص مجددا الى أن بعض الممارسات السلبية تجر على الحكومة الحالية ويلات ومشكلات تفتعلها بارادتها الحرة ، وأشير مجددا الى خطورة ذلك خاصة أن قادة الحكم جاهزون الآن للانتخابات.
هذه المرحلة ُيفترض ان تشهد احتراما لحقوق الانسان وابتعادا عن افتعال القضايا او استخدام "خطاب سياسي" يضر بسمعة "النظام الانقلابي" الذي يحاول أن يدخل مرحلة التحول الديمقراطي في الفترة المقبلة عبر الانتخابات، إذا نجح أهل الحكم في تغيير "العقلية الانقلابية" التي تستهين بالآخرين وتحقرهم و تبدو بصماتها واضحة على سبيل المثال في الاساءات والاتهامات من دون حدود التي وجهها للأسف الشديد الرئيس عمر البشير مرشح الحزب الحاكم، كما وجهها بعض قادة الحكم باساليب مختلفة وجارحة لمرشحي الرئاسة من دون احترام لمكانة المرشحين وتاريخهم الوطني وملايين من السودانيين الذين يمثلونهم ويعبرون عنهم وهم يخوضون الانتخابات باسمهم، ومن دون دليل على "عمالتهم" للأجنبي، ما يستوجب المساءلة القانونية اذا كان هناك احترام لحقوق الانسان.
العالم كله استمع عبر الفضائيات الى الرئيس ومرشح حزب المؤتمر الوطني عندما قال إن مرشحي الرئاسة من المعارضة "اشتكوا لأسيادهم الأميركيين" بشأن عدم تأجيل الانتخابات، لكنه لم يشرح للناس ذلك، خاصة أن الحكومة أدخلت آلاف الجنود الدوليين الى السودان وفتحت قلبها وعقلها للأميركيين وتسعى لكسب ودهم بأساليب مختلفة، كما توجد أميركا في كل شأن سوداني، وهاهو السيد مبعوث الرئيس الأميركي سكوت غرايشن يتدخل في كل صغيرة وكبيرة في السودان ويحاور أهل الحكم كما يحاور المعارضة.
اطلاق لغة الخطاب السياسي من دون حدود تثير كثيرين وتسيء الى قيادات الوطن ورجاله ونسائه سواء اتفقنا معهم أو اختلفنا وبينهم السيد الرئيس الذي يجب ان يكون محل احترام وتقدير ، كما أن تلك اللغة توغر الصدور، وتشوه المشهد الانتخابي الذي ينبغي أن يبتعد عن لغة الخطاب الضار الذ ي لا يحترم قواعد المنافسة الانتخابية التي لا تعني الاساءة للآخرين تحت تأثير التنافس على "الكرسي الساخن"، وهي لغة أرفض أيضا أن تستخدم ضد الرئيس ومرشح الحزب الحاكم.
كتبت غير مرة وتحدثت في قنوات فضائية واذاعات دولية عن سعادتي بسعي السودانيين حكومة ومعارضة الى حسم خلافاتهم من خلال صناديق الاقتراع، من أجل تحول ديمقراطي حقيقي، لكنني في الوقت نفسه حذرت من مغبة الاندفاع في عالم الاحتقان السياسي الذي يبدو واضحا هذه الأيام.
مناخ الاحتقان يفسد أجواء التوافق المطلوب ويشوه صورة المشهد الانتخابي ويثير المخاوف من السقوط المدوي في مربع الصراع القاتل ، وآمل ألا يسقط فيه السودان والسودانيون لأنه سيؤدي حتما الى الاضطراب وعدم الاستقرار وحرق الأخضر واليابس لا قدر الله .
قناعتي كانت ومازالت وستبقى ان شاء الله أن الحوار بين السودانيين يمهد لأرضية التحول الديمقراطي الحقيقي، كما يشكل أساسا ضروريا لتجاوز صعوبات كبيرة، في سبيل التمهيد لرعاية جماعية لنظام ديمقراطي ، ربما يولد ولادة قيصرية من رحم وضع انقلابي شمولي .
كتبت وأثرت في منابر اعلامية عدة قبل أشهر أهمية أن تبادر القيادة الحالية أي الرئيس عمر البشير والحزب الحاكم حاليا "من دون منازع" حتى أشعار آخر (المؤتمر الوطني) الى فتح دروب التلاقي مع قوى المعارضة للتوافق على مرتكزات خوض الانتخابات في مناخ يسوده التوافق والتراضي لا الاحتقان.
في هذا المعنى طرحت قيادات في المعارضة رؤى حيوية في هذا الشأن، ولعل القاري يذكر مثلا دعوة رئيس حزب الأمة القومي الامام الصادق المهدي لعقد "قمة سياسية" بين قادة الأحزاب الكبرى، تضم بالطبع قيادة الحزب الحاكم(المؤتمر الوطني) ، كما دعا الى "ميثا ق شرف" انتخابي متوافق عليه.
القابضون على كراسي الحكم لم يستمعوا أو يتجاوبوا مع صوت الحكمة، لأنهم أرادوا أن يلقنوا قادة المعارضة وبقية السودانيين الذين يخالفونهم الرأى درسا جديدا في "التهميش"، استنادا الى سطوة السلطة وقوة الاعتماد على امكانات الدولة السودانية التي تم تسخيرها واستخدامها استخداما ضارا، ليس بالرأي الآخر فحسب، بل بالمواطن الذي يرى جهارا نهارا دور السلطة والمال في تضخيم سلوك انتخابي ديكتاتوري لا يتناسب مع تطلعات معظم السودانييين الى مجتمع "شراكة" وطنية تخلو من عقلية اقصاء الآخر و الغائه وتحقيره.
ما يشهده السودان حاليا من احتقان سياسي قبل موعد الانتخابات بأيام قليلة يتحمل مسؤوليته أولا قادة الحكم الذين أغلقلوا منذ أشهر مضت دروب التفاهم مع قادة المعارضة، كأنهم يريدون الغاء الآخرين، على رغم أن أي نظام ديمقراطي حقيقي يستمد حيويته ومشروعيته وحضارية نهجه من المعارضة أي من الرأي الآخر ، وليس من "التشفي" وأساليب الاساءة أو التخويف للمراقبين الدوليين الذن تم تهديدهم بقطع الأعناق، وقيل الأنوف والآذان حسب ادعاءات "بعض المغرضين" كما تردد.
هذا مناخ لم أكن أتمنى أن يسيطر على الجو الانتخابي ، و كنت ومازلت أدعم أية خطة نحو التحول الديمقراطي الذي يتم عبر انتخابات حرة ونزيهة بتوافق سوداني شامل على شروط نجاحها، وليس من خلال الامعان في لغة خطاب سياسي مستفز ومُنفر، إن لم يكن موغلا في الديكتاتورية.
إذا اراد قادة الحكم الحالي أن ينتقلوا بالوطن من دائرة التطاحن وعدم الاستقرار السياسي فعليهم اتخاذ خطوات سريعة لمعالجة الاحتقان الشديد الذي يسيطر على المناخ الانتخابي، حتى يخوض الناس الانتخابات في أجواء بعيدة عن مناخ الشد والجذب و التعالي والاستبداد بالرأي والموقف من أية جهة سواء كانت في الحكم أو المعارضة.
مطلوب أن يتعالى الجميع على الجراح والخصومات والمواقف الحزبية الضيقة اذا ارادوا "التراضي" بشأن العملية الانتخابية ، " والتوافق حول احتضان جماعي حميم لنتائج مرحلة ما بعد الانتخابات.
هنا يكمن التحدي الذي يتحمل الجالسون على كراسي الحكم مسؤوليات أكبر في مواجهته، لأنهم أصحاب السلطة والمال والاعلام وكل شيء، لكن كل تلك القدرات لا يمكن أن تشيع مناخ "الشراكة" و"التعايش" بين أبناء الوطن اذا استخدمت السلطة الحاكمة ما بيدها من امكانات في قمع الآخرين بفرض مرارة الأمر الواقع على الآخرين عشية الانتخابات.
افتحوا قنوات التواصل والحوار في "الزمن الضائع" حتى تشرق شمس "التراضي" أيا تكن نتائج الانتخابات، ، أهلا بالفائز في الرئاسة لكن في مناخ التراضي والنزاهة والعدالة والحرية ، سواء كان السيد عمر البشير او السيد الصادق المهدي أو السيد عبد الله دينق أو غيرهم من المرشحين.
الأهم عندي أن تتكاتف الأيادي على طريق الحرية والعدل والمساواة والاستقرار كي يساهم الجميع في صناعة و بزوغ فجر التحول الديمقراطي القادر على طي مرحلة الديكتاتورية، لتدخل نسائم الحرية والديمقراطية والعدالة.
لكن ذلك يحتاج الى توفير شروط عدة، في صدارتها الاحتكام الى" عقلية" تؤمن بالحرية وتدفع استحقاتها بقناعة و"طيب خاطر" وبحب حقيقي لأهل الوطن من دون استثناء أو كراهية عمياء .
برقية: أحذروا زراعة "الريح " حتى لا تحصدوا "كتاحة" العاصفة ، أي أحسنوا ادارة الأزمة الانتخابية قبل فوات الأوان.
عن صحيفة (الأحداث )4-4-2010
mohd ameen [modalmakki@hotmail.com]