استبشِروا أهل الشمال فقد لاحت بشريات الخلاص!!
18 April, 2010
زفرات حرى
الطيب مصطفى
eltayebmstf@yahoo.com
كان أصحاب البصيرة يعلمون أن الحركة الشعبية تحمل بذور انشقاقها في أحشائها يوم قبلت طائرَي الشؤم باقان وعرمان في صفوفها ولعل هذا أول ما ينبغي أن يتعلمه أهل السياسة... أن لا تُمكَّن الشخصيات الخلافية وذات الأجندة والأهواء الشخصية من اعتلاء المناصب القيادية في التنظيم.
كان قرنق بشخصيته الطاغية وقدراته الهائلة صمام أمان يستطيع أن يحتوي عن طريق المكر والدهاء كثيراً من التفلُّتات داخل الحركة الشعبية فبالرغم من وجود تيارَين متناقضَين يحملان رؤيتَين مختلفتَين تجاه قضية الوحدة والانفصال إلا أن الرجل استطاع أن يرسم سيناريوهات ويقدِّم أطروحات تمكِّن الرأيَين من التعبير عن نفسَيهما وبذلك قدَّم الرؤية التي عبَّر عنها في عددٍ من محاضراته ليستوعب التيارَين من خلال فقه البدائل الذي نجح في تنزيله وجعل خيار الوحدة مرتبطاً بمشروع السودان الجديد الذي سمّاه بالنموذج الأول ووضع خيار الانفصال نموذجاً خامساً وتمكَّن من فرض الانتخابات في اتفاقية نيفاشا بحيث يعمل من خلالها على تحقيق الانتصار للحركة بحيث تحكم الشمال والجنوب بما يُسقط من خيار الانفصال أو اللجوء لخيار الانفصال من خلال الاستفتاء الذي يعقب الانتخابات إذا لم يحقق الفوز.
كان لكل من التيارَين رموزُه وقياداتُه ففي حين تمترس الشيوعيون من أمثال باقان وعرمان خلف رؤية السودان الجديد وبالتالي الوحدة انحاز آخرون خاصة من العسكريين لخيار الانفصال ولعله من المدهش أنه في حين كان قرنق وحدوياً متعصباً لرؤية السودان الجديد التي اختير لقيادتها من قِبل الأمريكان منذ أيام الدراسة الجامعية كان نائبه سلفا كير انفصالياً قُحّاً وكانت أولى بوادر الخلاف قد ظهرت للعيان في مؤتمر رومبيك الذي انعقد قبل شهر من توقيع اتفاقية نيفاشا في التاسع من يناير 2005..
ما إن هلك قرنق في حادث الطائرة حتى انكشف أثر غيابه الذي كان بمثابة الطامة الكبرى لأولاده اليساريين والعلمانيين الوحدويين فقد تولى الانفصالي سلفا كير قيادة الحركة وبدأ من يومها الصراع الذي لم يخمد أواره حتى اليوم ولطالما ألجأ أولاد قرنق سلفا كير إلى الحائط وأهانوا من كبريائه وقادوا الصراع والمعارضة لشريكهم المؤتمر الوطني بالرغم من أنهم كانوا المشاركين في الحكومة وجعلوا نصب أعينهم إسقاط المؤتمر الوطني ليُقيموا على أنقاضه مشروع السودان الجديد وتواصلت علاقة الكرّ والفرّ بين تيار سلفا كير وتيار أولاد قرنق إلى أن حدث الموقف الأخير من الانتخابات الذي استطاع سلفا كير أن يُقصي من خلاله عرمان من حلبة المنافسة في رئاسة الجمهورية وكانت صدمة قوية أفقدت الرجل بل أفقدت أولاد قرنق توازنهم فقد كانوا يحلمون من خلال كسبهم للانتخابات بإقامة حكم الحركة الشعبية وتحقيق مشروع السودان الجديد.
هنا كان أمام أولاد قرنق خياران فإما أن ينصاعوا وينحنوا للعاصفة أملاً في جولة أخرى من الصراع مع غريمهم وإما أن يفجِّروا الموقف ويتصدَّوا لغريمهم سلفا كير.
إحدى نقاط الضعف لدى سلفا كير أنه علاوة على ضعفه القديم أمام أولاد قرنق الذين كانوا مسنودين من قِبل أمريكا صاحبة مشروع السودان الجديد فإنه ترك قطاع الشمال ينمو بمفرده بمعزل عن التيار العام للحركة الذي يقوده من جوبا وكان معلوماً تماماً أن عرمان ظل يعمل على تمكين قطاع الشمال من أن يصبح حزباً سياسياً كامل الدسم ومستقلاً عن الحركة متى ما تعرضت لهِزّة كالتي تشهدها الحركة هذه الأيام ولو درس سلفا كير شخصية كلٍّ من باقان وعرمان لعلم أنهما لا يحبان شيئاً مثل حبهما للصراع الذي يتربى الشيوعيون عليه من خلال الماركسية التي تقوم أساساً على الصراع الطبقي وكنت أعلم أنهما لن يستسلما بهذه السهولة ولذلك نستطيع أن نفهم رفضهما ورفض بقية أولاد قرنق وحلفائهم الشيوعيين الذين يجيدون كما ذكرنا كثيراً دور حصان طروادة وامتطاء ظهور الآخرين والانزراع في أحشائهم... رفض أولاد قرنق للهزيمة وإحداث الجلبة التي يشعلونها والنيران التي يضرمونها هذه الأيام.
بالطبع أول ما فعلوه هو تأليب مرشحي الحركة في ولايات السودان الشمالي ما عدا النيل الأزرق وجنوب كردفان حيث ضغطوا باتجاه إلغاء الانتخابات في كل هذه الولايات ما عدا تلكم الولايتين.
الهدف بالطبع هو أن يلغي أولاد قرنق الانتخابات ويكسروا قرار سلفا كير ويُحيلوا هزيمتهم إلى انتصار على سلفا كير ويقللوا من قيمة النصر الذي باتوا موقنين أنه سيكون من نصيب المؤتمر الوطني الذي لن يقوم مشروع السودان الجديد إلا من خلال دحره وهزيمته.
أما لماذا استثناء جنوب كردفان والنيل الأزرق فلأن الولاية الأولى أُجِّلت فيها الانتخابات فضلاً عن أنها وولاية النيل الأزرق تحظيان باهتمام خاص حيث مُنحت الحركة فيهما نسبة أكبر في السلطة ويكفي أن النيل الأزرق يتولى حكمُها الآن مالك عقار القيادي بالحركة كما أن الحركة تطمع في ضم هاتين المنطقتين إلى جنوب السودان الأمر الذي أخشى أن يكون المؤتمر الوطني غافلاً عنه وإذا فازت الحركة بولاية النيل الأزرق فإن ذلك في نظري يعدل فوز المؤتمر الوطني بكل ولايات الشمال الأخرى.
أما السؤال عما إذا كان قطاع الشمال قد اتخذ قراره منفرداً أم أنه قرار الحركة بكاملها فقد تبين أن قطاع الشمال اتخذ قراره بدون الرجوع إلى المكتب السياسي للحركة بما يعني أن أولاد قرنق قد انشقوا بقطاعهم ولا يخالجني أدنى شك في أنه سيكون انشقاقاً مدوياً الحديث عنه يطول لكنه يحمل بشريات انفصال سيجعل جناح سلفا كير يسوق الجنوب إليه من خلال الاستفتاء القادم.