استراتيجية موحدة لدولتين

 


 

 

 

معركتان مصيريتان مسرحهما حوض النيل. المعركتان لا تنفصلان عن بعضهما، وستؤثر نتائج إحداهما على الأخرى سلبا أو إيجابا، وسترسمان ملامح مستقبل وداي النيل في القرن الحادي والعشرين. مصر تواجه قضية المياه المتصاعدة والتي ستقود لتداعيات خطرة على استقرار وادي النيل إذا فشلت جهود تسويتها، كما يواجه السودان مخاطر وحدة ترابه بالنظر للاستفتاء الذي سيجري في مطلع العام القادم.

في أنباء الأسبوع الماضي وعد الرئيس المصري حسني مبارك الرئيس البشير بتحرك دبلوماسي خارجي على أعلى مستوى لكسب تأييد المجتمع الدولي لوحدة السودان. كما وعد البشير مبارك بتحرك لإقناع دول الحوض لتأجيل قرارها بتوقيع اتفاقية منفصلة بدون مصر والسودان في 14 مايو القادم بأديس أبابا.. لكن السؤال هل لمصر الآن استراتيجية محددة للعب هذا الدور، وهل للسودان نفسه استراتيجية في موضوع مياه النيل أو الوحدة ؟.

الخطوة الأولى لبناء استراتيجية موحدة بين البلدين هي وضع ملف علاقات الدولتين المبعثر في يد جهة واحدة معلومة في كل بلد على حداه. ملف السودان الآن في دهاليز صناعة القرار المصري مبعثر، فبعض منه بيد المخابرات المصرية وتحت رعاية عمر سليمان شخصيا، وآخر بيد الخارجية المصرية لا نعرف إلى أي دائرة ينتمي، الدائرة الأفريقية أم العربية أم يتبع لملف دول حوض النيل الذي يتبع هو الآخر إلى وزارة الري المصري التي تتبع إلى رئاسة الجمهورية في آخر المعلومات. مثل هذا التبعثر يضعف التنسيق، ويشتت الرؤية، وينشئ صراعا داخل الأجهزة المصرية بشأن كيفية التعامل مع قضايا السودان. للتوضيح مثلا ملف السودان في الأضابير الأمريكية الآن بيد المبعوث الأمريكي غرايشن، ولكن المستشارين من السي آي أيه والخارجية الأمريكية والبيت الأبيض ومنظمات المجتمع المدني من مراكز بحوث وغيرها. كل قضايا السودان العالقة مع أمريكا في طيات هذا الملف تتعامل معها جهة موحدة تحت إدارة غرايشن.

ملفا السودان ومصر بحاجة لمثل ذاك النهج الأمريكي، فالملفان يعانيان من حالة تبعثر مريعة. فمثلا ليس هناك جهة واحدة سودانية تدير ملف العلاقات مع مصر ابتداءً من الحدود وحتى قضية المياه. وزارة الخارجية السودانية لايتجاوز دورها المؤتمرات والزيارات واللقاءات غير ذات الجدوى، والفارغة التي تنزع في غالبها للمجاملات ودعم مواقف مصر في شتى القضايا العربية والافريقية. ملف المياه تُرك لوزارة الري وهو أحسن من أن يترك لثلة من الموظفين أو الخبراء بالري، فلقد أصبح هذا الملف ذا أبعاد سياسية خطرة. اقتصاديا تتضارب السياسات والاختصاصات بشكل مريب، وأبرز مثال لذلك مايدور في ملف الكوميسا، قرارات تصدر من وزارة لتلغيها أخرى في غمضة عين!! من يتخذ تلك القرارات، وعلى أي أساس ومدى قابليته للاستمرار.؟.لا أحد يعلم.

متى ما توحدت الملفات بيد جهة معلومة في كلا البلدين يمكن التقدم خطوة أخرى للنظر في القضايا المصيرية التي تواجه البلدين في بحر هذا العام، وحدة السودان ومياه النيل على رأس الأولويات. يمكن للسودان رسم استراتيجية للاستعانة بالدبلوماسية المصرية للتحرك في الدوائر المؤثرة عربيا وعالميا لدعم وحدة السودان، تملك مصر الكثير الذي يمكن أن تقدمه إذا نشطت دبلوماسيتها مستخدمة أوراق عديدة إذ بالإمكان استثمار علاقتها بأمريكا وإسرائيل لمصلحة الوحدة (كيف.. كيف)... يمكن أن تلعب إسرائيل دورا في وحدة السودان إذا طلبت منها مصر أن تفعل مقابل خدمات أخرى في جهات أخرى. شرح هذا الموضوع يطول سنعود إليه في وقت لاحق. المطلوب توظيف مصر واستثمار علاقتها الدبلوماسية لصالح الوحدة وهذا ليس ممكنا دون العمل باستراتيجية موحدة تقسم فيها الأدوار بين البلدين لتحقيق الهدف. نفس الشيء يمكن أن يقال في موضوع مياه النيل إذ بوسع السودان أن يلعب دورا مهما لمصر في قضية المياه وهو يفعل الآن ولكن بطريقة ستفقده دول حوض النيل ولن تكسب مصر الكثير. الأجدى استثمار علاقات السودان مع دول الحوض لتليين موقفها بدلا عن دفع السودان لمجابهتها. السبب في هذا التيه يعود لعدم وجود استراتيجية مشتركة وخطط وبرامج تستثمر علاقات البلدين بشكل أكثر استجابة للمخاطر التي تواجهما. سيخسرالبلدان كثيرا إذا استمرّا بهذه العشوائية في إدارة أخطر ملفين بأجندة الحاضر والمستقبل.

 

آراء