استعراض!!
عادل الباز
12 July, 2011
12 July, 2011
12/7/2011
كلما تأزمت السياسة لوح عقار بالحرب.... بعد نهاية الانتخابات وقد بدا في الأفق أنه خسرها حرك جيوشه مما أسهم في توتر المنطقة كلها.... ولكن بعد أن جرى ما جرى بداخل الصناديق أرجع عقار قواته إلى ثكناتها!!. بالأمس وأنظار العالم كلها تنظر جنوبا استعراض نائب عقار جيشة في الكرمك!!. الإشارة واضحة لمن يعنيهم الأمر. لم يكن عقار ولا نائبه بحاجة لمثل هذا التهويش فلا يمكن لسياسي مسئول يعتقد أنه بمجرد الإقدام على حركة بهلوانية كفيل بتحقيق مكاسب سياسية لا يستحقها.
خلفية الحدث لا بد من قرائتها في ما جرى بأديس أبابا من اتفاق مجهض. في لقاء قصير مع الأستاذ أحمد البلال قال عقار إن الاتقاق هو اتفاق إطاري و أي شيء يمكن أن يحدث حتى العودة للحرب!!. في ذلك الوقت لم يكن المؤتمر الوطني قد رفض الاتفاق ولم يكن من داعٍ للتلويح بالحرب. حين تصاعدت الأحداث بعد إخطار الرئيس لأمبيكي بأديس أن المؤتمر الوطني رفض الاتفاق أصدرت الحركة بيانا لم يشاء عرمان ولا عقار توقيعه ووقعه رمضان شول أفرد فيه فقرة كاملة عن قصة الإبادة والمحكمة الجنائية ملوحين بالحرب وهذا ابتزاز سياسي مكشوف ورخيص لا يليق بقادة حركة تقول إنها تعبر عن الهامش فتستخدم ذات أدوات المركز القديمة.
إجهاض اتفاق أديس ليس نهاية السياسية ولا زلت أعتقد أن الاعتراضات عليه شكلية وليست جوهرية ولا يملك المؤتمر الوطني بدائل له وسيجد في نهاية المطاف أنه لا بد مما ليس منه بد. تلك قصة نعود إليها لاحقا. لكن هب أن الاتفاق أجهض ولم تقبله قيادة الوطني فكم مرة خرقت الحركة الشعبية اتفاقها مع الوطني لأن هناك جهة ما لم تقبله داخل مؤسسات الحركة آخرها اتفاق النائب الأستاذ علي عثمان ورياك مشار الذي تبخر بمجرد وصول مشار لمطار جوبا حاملا الاتفاق. قلت لصديق بالحركة.. عليكم أن تتفهوا ما يجري بداخل المؤتمر الوطني ما يجري من اختلاف في الرؤى والتقدير والصراعات وليس في ذلك ما يعيب ومن الذكاء تقدير الموقف بشكل صحيح، ودعوته للتمسك بجوهر الاتفاق وليس القشور. المؤتمر الوطني لم يرفض الاعتراف بالحركة إنما طالب بتسجيلها بشكل قانوني وقدم الترتيب الأمني على الحوار السياسي ورغم أن هذه معضلة ولكن في النهاية حلها ليس مستحيلا. فخير للحركة أن تترك هذه العاصفة تمر وتعود مجددا للتفاوض لأنه لا سبيل غير التفاوض مهما تطاول وتعثر. ثم إنه من المفيد للحركة كسب قطاع واسع من الذين يدعمون جوهر الاتفاق بالمؤتمر الوطني في مقابل القارعين لطبول الحرب. ذلك خير لها من التمسك بشكليات لا تقدم ولا تؤخر. فالحركة مثلا لن تكسب شيئا إذا ما وقع أمبيكي كشاهد على الاتفاق أو اختصر التوقيع على المتفاوضين من الطرفين. فتوقيع المجتمع الدولي شاهدا أو ضامنا لاتفاق نيفاشا لم يحقق الأهداف المرجوة ولم يجعل العلاقة بين الشريكين سالكة، فلا معنى للإصرار على التفاوض خارجيا ولا استجلاب شهود خارجيين للاتفاق.
ستقع الحركة في خطأ استراتيجي إذا ما ظنت أن الخارج يعينها في فرض واقع ووقائع سياسية بالضغوط أو قوة السلاح. ذلك طريق وعر ومحفوف بالمخاطر ونتيجتة معلومة. بإمكان قطاع الشمال أن يطلق الرصاصة الأولى ولكن ليس بإمكانه حسم صراع الهوامش مع المركز بالسلاح. عبرة الجنوب ودافور ماثلتان ففي النهاية اكتشف الجميع ألا حل سوى الجلوس لطاولة التفاوض طال الزمن أم قصر. من ميزات القادة العظام أنهم يجنبون شعوبهم طريق الآلام والدماء وخاصة إذا ما كانت فرص البدائل الأخرى متوافرة ولا تطلب شيئا سوى الصبر وسعة الأفق والصدر. كنت حتى زمان قريب أعتقد أن عقار قد وعى الدرس حين صرح أكثر من مرة بعد (الهجمة) في جنوب كردفان أنه لن يطلق رصاصة واحدة في النيل الأزرق فإذا به يستعرض جيشا!!. الحل ليس في تحسس المسدسات في أول خلاف سياسي ولا في استعراض الجيوش ففي النهاية لن يستطيع عقار ابتزاز الدولة السودانية عبر هذه التحركات البهلوانية. يا سيد عقار كل تجربة لا تورث حكمة تكرر نفسها أرجو أن تكون تجربة الحرب الطويلة في الجنوب قد أورثتك شيئا من الحكمة فلا تخُضْ ذات المخاضات المجربة فلن تكسب من الحرب شيئا.