اكراد السودان الجُدد … بقلم: محمود الدقم

 


 

محمود الدقم
23 December, 2010

 


(1)
 
 حتي لعام 2000م، كانت سوريا ولبنان والعراق وايران وتركيا يجزمون جزما لا يغادر سقما بان اكراد العراق المبعثرون في هذه البلدان لا  ولم ولن تقوم لهم دولة خاصة بهم قط، وان اي مشروع دوله لهم سيكون مجرد احلام واشواق واوهام، وان اللغة التركية ستمارس سريا في محيطهم الكردي حتي تخرج الشمس من مغربها او حتي يلج البعير من سْم الخِياط، ولكن كانت "لاحقا" اولى سياسات الاحتلال الاميركي للعراق بعد عام واحد من ذلك الغزو، هو منح هؤلاء الاكراد بلدا خاص بهم، بل ذهب حكمدار عام العراق وقتها بريمر المسؤول عن هندسة العراق عرقيا ودينيا واثنيا ابعد من ذلك، سلطات واسعة في حكم العراق وادارته من اقصاه الى اقصاه ،  كعربون صداقة كونهم -الاكراد- ساعدو الغزو بمعية بعض عناصر الجيش العراقي، و نكاية في العراقيين السُنة، او الشيعة الموالون لاية الله خامنئيء وايران عموما، وهكذا اصبح الكُرد ملوكا في بغداد بعد ان كانوا مطاردين فيها مثل بطل رواية (احدب نوتردام)، يحكمون العراقيين بقيادة الرئيس الكردي جلال الطالباني، ويحكمون بلدهم الكردي بقيادة الكردي الاخر مسعود البرزاني، وهيمنوا على السلك القضائي فشنقو لاحقا صدام حسين نفسه بحبل، علما ان الشنق بالحبل في ثقافة الكابوي الامريكي لا تنفذ الا في اللصوص والنشالين

وبينما كان كل جزء في العراق يغلي مثل المرجل من اثار التفجيرات والتفخيخات والاغتيالات، بل تحولت مناطق المسلمون السُنة (بتشديد النون) الى ما يشبه البُفوتيك المفروم من كثرة الدماء والجثث والحروب الطائفية، وخصوصا تكريت مسقط راس وعشيرة صدام حسين، كانت مدن كردستانية مثل السيلمانية واربيل ودهوك تنتشر فيها مطاعم البيرغر والفاست- فوود، واشرطة موسيقي الهيب-هوب الامريكية على شاكلة جارور، و"المرحوم" توباك،ونييلي،جي زد، وشاغاي وغيرهم، وكانت دور السينما مفتوحة على مصرعيها لمشاهدة الافلام الامريكية مثل فيلم "ملوك ثلاثة" لجورج كلوني، ورامبو الذي لم ينقهر قط، حتي ان الكاتب البيروفي ماريو فرغاس يوسا الذي زار تلك المدن النابتة وسط الجبال الصماء، حيث لا مقومات الدولة فيها مثل النفط او غيرها من مصادر الاعتماد الذاتي، كانت له (تلك المدن) بمثابة الهام روائي، اكثر من مشروع دولة نابتة، فطفق الرجل يكتب من كردستان مادحا ومثنيا مثني وثلاث ورباع تارة، ومُملسا ضهر الاحتلال شاكرا في احسن ما تكون عبارات الشكر لسياسة اليمين المحافظ الامريكي على هذا الجهد تارة اخرى، و كوفيء الرجل بعدها بسنوات قلائل بان نال جائزة نوبل للاداب هذا العام2010م

وكان الجلبائين او الجلبيين العراقيين منهم والاكراد يتقاضون مرتبات خُرافية من واشنطن التي فطمتهم على الدولار والباسبورات الامريكية، التي لم تشفع للجلبي عندما هجمت على غرفة نومه ذات مساء حزين دورية امريكية، وبعثرت كل وريقة فيه كاجراء روتيني، فعند الامريكان لا فرق بين الجلبي ونوريغا، او بقية قطع الشطرنج، او قطع الدمينو، الجميع
سواسية امام حضرة العم سام مثل كلاب اسنان البادية.
 وبخصوصنا، فقد نشر بحاثة من خبراء الجيوسياسة البريطانية في ثمنينيات القرن المنصرم كتاب (القرن الافريقي الجديد)
تنبا فيه القوم البريطانيين بان القرن الافريقي يحتاج الى بويا وحدادة وسنكرة من جديد سوءا الصومال او اثيوبيا وارتريا وجيبوتي او غيرها من مناطق اخرى، وجزموا تماما بان دويلة جنوب السودان لابد وان تشرق بحلول ربيع العام 1995م، شاء من شاء وابى من ابى، فكل المعطيات التي بين ايديهم تُقسِم وتجزم وتؤكد مما من شيء يمنع قيامة هذه الدويلة البتة، ضعف الديمقراطية في الخرطوم، الجوع في كل انحاء السودان، تفلتات امنية، حرب طاحنة في الجنوب، ومنظمات تعمل على قدم وساق لاطعام الجنوبيين، نهب مسلح في الغرب، احزاب تمضغ بعضها البعض من الحقد والكراهية، وزيادة في ثقتهم المفرطة بهذا المشروع بصموا خارطة جنوب السودان، وجمهورية ارض الصومال الجديدة، في صدر الغلاف وهكذا، لكن شنهم لم يلاقي طبقة، فقد انقض البشير على السلطة، واطاحة بالصادق المهدي، وانقلبت الطاولة على رؤس هؤلاء البحاثة، وتبين لهم بان السودان رمال متحركة لا تستطيع بناء اي شيء فيه.
الان السيناريو يتكرر، لكن فيه من الجدية ما لم تكن ولن تكن منذ ذي قبل، وذلك بخصوص مباراة المؤتمر الوطني والحركة والشعبية ودائما بملعب ابيي، تكتيكات الحركة الشعبية تدل حتى الان بانهم فعلا خبراء في المناورات، او انطبق فيهم المثل الدارجي (الحُوار الغلب شيخو)خمسة سنوات جاوروا المؤتمر الوطني فتعلموا منه الكثير في فن الحيل وتمرير الباصات، وكيفية صنع التسلل، وتنسيق المواقف وطرحها، عرفو من اين تؤكل كتف الخروف، او قل من اين سياكلون الخروف كله، تساعدهم الولايات المتحدة الامريكية تحت شعار اقامة الاستفتاء في وقته بدون اي تاخير يذكر، من غريشن الى رايس واخير السناتور كيري، بينما شركات النفط الامريكية الاخرى على شاكلة هاليبرتون سال لعابها حتى بلغ الركب، والهدف واحد نفط ابيي، اما مستقبل قبيلة المسيرية فلهم الله وعيشة السوق، والنقوك يتم ترحيلهم الى بحر الغزال، لاخلاء المنطقة للجرارات والعمال والمطارات ومساكن المهندسيين والفنيين وقوات بلاك ووتر الخُفراء الجدد.

الحركة الشعبية تدير معركتها مع المؤتمر الوطني بذكاء عجيب، هدوء عسكري وضبط للنفس، عدم جنوح للعنف، تشهيد العالم وتذكيره بان الخرطوم تتلكاء في تنفيذ البرتوكلات، توظيف تصريحات المؤتمر الوطني السالبة او الخادشة للحياء احيانا بانها عنصرية، اغراء مصر بان النيل سيكون هو ذاته النيل، والدول العربية بانها مرحب بهم الان قبل يناير، واسرائيل ايضا مرحب بها في وقت وفي اي فصل من فصول السنة، العمل على جمع لم صف الجنوبيين على صعيد واحد مؤتمر الحوار الجنوبي- الجنوبي الاخير ليس عنا ببعيد، العفو على المتمردين السابقين، انسجام في التصريحات بين قادتها، عزف منفرد لكن اللحن واحد، هو نشيد الانفصال القومي للجنوب، بينما المؤتمر الوطني يتخبط تخبطا لم نشاهده قط، لا نحن ولا اباؤنا الاولون، تصريحات غير متناسقة، تهديد بعدم تطبيب الجنوبيين ولو بحقنة في المستشفي، يحرم عليهم حتى فرش الطماطم ولو في ناصية الشارع، ستسحب منهم الجنسية ولو لَحِسوا قرص الشمس، ووالي ولاية الخرطوم يامر بتحويل معسكرات اللاجئين الجنوبيين بالخرطوم لمساكن دائمة لهم جريا وراء الوحدة، لكن هيهات هيهات، فقد ادار منقو ظهره للشمال والشماليين وللابد
Tall man almiram2011 [almiram2011@hotmail.co.uk]
 

 

آراء