الأحزاب والغياب عن منابر الشباب
زين العابدين صالح عبد الرحمن
27 August, 2021
27 August, 2021
وجد الشباب السوداني ضالتهم في الحوارات في القضايا المختلفة في خدمة " Clubhouse" لكي يعبروا عن رؤأهم المختلفة في العديد من القضايا. لذلك تأسست غرف عديدة كل غرفة تتناول قضية من القضايا، و رغم أن العديد من الحوارات تأخذ مسار الجدل البيزنطي، إلا أنها تؤسس لقاعدة مهمة هي أحترام الرأي الأخر، بدأت الحوارات في البداية تأخذ منحى الاتهامات و القضايا العنصرية و القبلية و غيرها، و نقد مقولات بعضهم البعض بالعنف الفظي، و محاولات الإقصاء من الغرف، و لكن بمرور الزمن بدأت تخفت بعض السلوكيات ذات الطابع العنيف، و بدأت ثقافة الاعتذار تظهر في خطاباتهم، الأمر الذي يؤكد أن الشباب بدأوا يثقفون أنفسهم ديمقراطيا بعيدا عن المؤسسات الحزبية التي تفتقد للمواعين الديمقراطية. ثم بدأت تظهر عناونين جديدة للحوار لكي تؤكد أن الشباب ينتقلون من مرحلة ألي مراحل المتقدمة في الحوار، رغم غياب أجندة مهمة و ضرورية هي كيفية بناء السودان و نهضته، و حتى إذا ظهرت لا تأخذ المساحة المطلوبة، لأنها هي نفسها تحتاج إلي تقدم في طريقة التفكير الإيجابي، و الانتقال من سطحية السياسة و شعاراتها إلي العمق الفكري الذي يتطلب اتساع في المعرفة و سعة الصدر و اتقاد الذهن، و لكنها مرحلة ليست بالبعيدة.
أن الشباب الذين يشكلون حضورا في هذه الغرف، ليس مختصرا علي الشباب داخل السودان، و لكن أيضا شباب سودانين في المهاجر المختلفة، و الذين تعلموا في المؤسسات التعليمية الغربية، و يعيشون في دول ديمقراطية يكتسبون منها خبرات جديدة تختلف عن خبرات أبائهم و أمهاتم، هؤلاء يضفون جديدا من خلال خبراتهم و ثقافتهم التي اكتسبوها، و هذا التبان في الثقافة يشكل مظهرا جديدا من مظاهر أحترام الرأي الأخر. و هي التي عجلت بفتح مسارات جديدة في الحوار، و أيضا أن تكون هناك قيما جديدة في التقيد بالزمن في الحديث عدم استخدام الألفاظ الجارحة أو المستفزة، و كلها تؤسس لثقافة ديمقراطية من خلال الممارسة اليومية، و أيضا هناك ملاحظة أن العناوين نفسها بدأت تأخذ منحى حواري أو جاذب للحوار، فالشباب لم ينتظر الأحزاب أن تصدر بياناتها التي تعلق على الأحاث، و لكن يسبقون الأحزاب في إرسال تعليقاتهم السابقة الأحزاب بفترات زمنية، مما يتأكد أن عملية الوعي في الشارع تنمو و تتطور إلي الأفضل بعيدا عن مؤسسات مؤطرة باللوائح و قوانين، و تغيب عنها المواعين الديمقراطية. و كان علي نخب الأحزاب أن تفطن لذلك، خاصة أن بناء قناعات خارج الأحزاب سوف يشكل لها عائقا كبيرا في قضية استقطاب أجيال جديدة.
أن الغرف الحوارية في " Clubhouse " ليست بديلا عن الأحزاب، باعتبار أن الأحزاب هي أعمدة الديمقراطية، لكن الظاهرة التي تحتاج إلي دراسة متأنية أن الوعي السياسي عند الشباب غير المنتمي يسبق الوعي داخل الأحزاب، و كان من المفترض أن تقود هذه الأحزاب الحوارات و هي التي تضع عناوين الحوار التي تخدم قضية المرحلة الانتقالية، لكن للأسف أن الأحزاب السياسية تشكل غيابا كاملا عن هذه الحوارات، لأنها مشغولة في قضايا المحاصصات و الصراع علي السلطة بينها. معلوم أن حركة الوعي ليست في مصلحة القيادات التاريخية، التي تقبض علي مفاصل الأحزاب السياسية ، و هي قيادات قد نضب خيالها، و فقدت القدرة علي تقديم المبادرات السياسية و الثقافية، و تخاف هذه القيادات أن اشتراكها في هذه الحوارات سوف يكشف تواضع مقدراتها، لذلك الأفضل لها أن يلتهي الشباب بالحوارات داخل هذه الغرف، و التي تعتبرها مغلقة و ليس لها أثرا في الساحة السياسية، و هي عليها أن تسعى وراء غنائمها. و هل تعلم القيادات التاريخية أن الغرف كل يوم تزداد بالحضور و تبعد عنها مسافات واسعة؟ كما أنها تكتسب خبرات جديدة و أفكار جديدة. هي التي سوف تحكم و تشترط على مسار العمل السياسي المستقبلي.
الملاحظ من خلال المداخلات الحوارية أن بعض النخب السياسية هي وحدها التي تحاول أن تميل إلي مصطلحات الإقصاء و العنف الفظي عن غيرها، و هي التي تحاول أن تقدم اشتراطات، الأمر الذي يؤكد أن العقل الذي لا يستوعب عملية التغيير و عملية التحول الديمقراطي، هو الذي سوف يشكل ضرارا للعملية السياسية، لأنه غير قادر علي التخلص من الثقافة الشمولية، أو أحكام الأيديولوجية، و لذلك تجد أن هناك هوة كبيرة بين المنتمين الذين غير قادرين علي التعبير بحرية، و مقيدين بإشارات الوقوف التي تفرضها لوائح أحزابهم، و بين الآخرين القادرين أن يفكروا خارج الصندوق. أن التفكير خارج الصندوق يعطي الشخص الشعور بالحرية المفتوحة غير الخاضعة إلي التزامات الكثيرة، و التي تقيد خياله و تقيد مصادر معرفته، و بقدر هذا الاتساع في المعرفة تجده يعدل من قناعته إذا وجد هناك رؤية أفضل من التي يمتلكها، و هو شخص متسق تماما مع نفسه و متصالح معها.
الفارق الكبير بين المنتمي و اللآمنتمي ليس في مقولات كولون ولسون، و لكن في واقع السياسي أن اللامنتمي مقيد التفكير غير قادر أن يغير قناعاته حتى إذا لمس هناك موضوعية عند الأخر، لأنه يخاف من عاصفة من الهجوم عليه تهدف إلي أغتيال شخصيته، لذلك هو مقيد، و حتى لا يستطيع أن يطرح الفكرة الجديدة داخل مؤسسته الحزبية حتى لا يطرد منها باعتباره تحريفيا. فالمؤسسات الحزبية في السودان تعاني من ضيق في مواعين الديمقراطية، و العضوية مقيدة و واقعة تحت رحمة القياداة التاريخية. و هذه ليست في الأحزاب اليسارية أيضا في الأحزاب اليمينة و التقليدية، فجميعها لم تفطن أن الأجيال الجديدة لا يمكن استيعابها داخل مؤسسات تحرمها من قول أرائها في العديد من القضايا. أن الأجيال الجديدة قد وجدت ضالتها ف وسائل الاتصال الاجتماعي، و غرف الحوارات، و أن تقول رأئها بصراحة دون مواربة، و تتعلم من بعضها البعض. و بالتالي هي ليس في حاجة أن تقيد نفسها. و هذه المعضلة التي يجب أن تفطن لها القيادات التاريخية، أن عدم تحديث و تطوير الأحزاب و اتساع مواعين الديمقراطية داخلها سوف تكون معضلة في عملية التحول الديمقراطية.
السؤال الذي يجب أن تجاوب عليه القوى السياسية: هل هي مدركة للتطور الذي حدث في وسائل الاتصال و جعل العامة يمثلون رقابة حقيقية علي الأداء السياسي و تقيمه، و ممارسة النقد علي القرارات التي تتخذ؟ من خلال مراقبة انطباع القيادات التاريخية أنها غير مدركة لهذا التطور، و بالتالي لا تستطيع أن تفهم ماذا تعني مشاركة الجميع في عملية تشكل رآي عام. كما أن المؤسسات المغلقة لا تستطيع أن تستوعب تغيرات الواقع بصورة صحيحة، بسبب أنها لا تملك مساحة واسعة من الحرية لكي تفكر خارج الصندوق. أن غرف " Clubhouse" أصبحت جاذبة لقطاع واسع من الشباب بمختلف تياراتهم الفكرية، و هؤلاء هم الذين سوف يشكلون مستقبل مسار العمل السياسي في السودان. نسأل الله حسن البصيرة. نشر في جريدة إيلاف الخرطوم.
zainsalih@hotmail.com
أن الشباب الذين يشكلون حضورا في هذه الغرف، ليس مختصرا علي الشباب داخل السودان، و لكن أيضا شباب سودانين في المهاجر المختلفة، و الذين تعلموا في المؤسسات التعليمية الغربية، و يعيشون في دول ديمقراطية يكتسبون منها خبرات جديدة تختلف عن خبرات أبائهم و أمهاتم، هؤلاء يضفون جديدا من خلال خبراتهم و ثقافتهم التي اكتسبوها، و هذا التبان في الثقافة يشكل مظهرا جديدا من مظاهر أحترام الرأي الأخر. و هي التي عجلت بفتح مسارات جديدة في الحوار، و أيضا أن تكون هناك قيما جديدة في التقيد بالزمن في الحديث عدم استخدام الألفاظ الجارحة أو المستفزة، و كلها تؤسس لثقافة ديمقراطية من خلال الممارسة اليومية، و أيضا هناك ملاحظة أن العناوين نفسها بدأت تأخذ منحى حواري أو جاذب للحوار، فالشباب لم ينتظر الأحزاب أن تصدر بياناتها التي تعلق على الأحاث، و لكن يسبقون الأحزاب في إرسال تعليقاتهم السابقة الأحزاب بفترات زمنية، مما يتأكد أن عملية الوعي في الشارع تنمو و تتطور إلي الأفضل بعيدا عن مؤسسات مؤطرة باللوائح و قوانين، و تغيب عنها المواعين الديمقراطية. و كان علي نخب الأحزاب أن تفطن لذلك، خاصة أن بناء قناعات خارج الأحزاب سوف يشكل لها عائقا كبيرا في قضية استقطاب أجيال جديدة.
أن الغرف الحوارية في " Clubhouse " ليست بديلا عن الأحزاب، باعتبار أن الأحزاب هي أعمدة الديمقراطية، لكن الظاهرة التي تحتاج إلي دراسة متأنية أن الوعي السياسي عند الشباب غير المنتمي يسبق الوعي داخل الأحزاب، و كان من المفترض أن تقود هذه الأحزاب الحوارات و هي التي تضع عناوين الحوار التي تخدم قضية المرحلة الانتقالية، لكن للأسف أن الأحزاب السياسية تشكل غيابا كاملا عن هذه الحوارات، لأنها مشغولة في قضايا المحاصصات و الصراع علي السلطة بينها. معلوم أن حركة الوعي ليست في مصلحة القيادات التاريخية، التي تقبض علي مفاصل الأحزاب السياسية ، و هي قيادات قد نضب خيالها، و فقدت القدرة علي تقديم المبادرات السياسية و الثقافية، و تخاف هذه القيادات أن اشتراكها في هذه الحوارات سوف يكشف تواضع مقدراتها، لذلك الأفضل لها أن يلتهي الشباب بالحوارات داخل هذه الغرف، و التي تعتبرها مغلقة و ليس لها أثرا في الساحة السياسية، و هي عليها أن تسعى وراء غنائمها. و هل تعلم القيادات التاريخية أن الغرف كل يوم تزداد بالحضور و تبعد عنها مسافات واسعة؟ كما أنها تكتسب خبرات جديدة و أفكار جديدة. هي التي سوف تحكم و تشترط على مسار العمل السياسي المستقبلي.
الملاحظ من خلال المداخلات الحوارية أن بعض النخب السياسية هي وحدها التي تحاول أن تميل إلي مصطلحات الإقصاء و العنف الفظي عن غيرها، و هي التي تحاول أن تقدم اشتراطات، الأمر الذي يؤكد أن العقل الذي لا يستوعب عملية التغيير و عملية التحول الديمقراطي، هو الذي سوف يشكل ضرارا للعملية السياسية، لأنه غير قادر علي التخلص من الثقافة الشمولية، أو أحكام الأيديولوجية، و لذلك تجد أن هناك هوة كبيرة بين المنتمين الذين غير قادرين علي التعبير بحرية، و مقيدين بإشارات الوقوف التي تفرضها لوائح أحزابهم، و بين الآخرين القادرين أن يفكروا خارج الصندوق. أن التفكير خارج الصندوق يعطي الشخص الشعور بالحرية المفتوحة غير الخاضعة إلي التزامات الكثيرة، و التي تقيد خياله و تقيد مصادر معرفته، و بقدر هذا الاتساع في المعرفة تجده يعدل من قناعته إذا وجد هناك رؤية أفضل من التي يمتلكها، و هو شخص متسق تماما مع نفسه و متصالح معها.
الفارق الكبير بين المنتمي و اللآمنتمي ليس في مقولات كولون ولسون، و لكن في واقع السياسي أن اللامنتمي مقيد التفكير غير قادر أن يغير قناعاته حتى إذا لمس هناك موضوعية عند الأخر، لأنه يخاف من عاصفة من الهجوم عليه تهدف إلي أغتيال شخصيته، لذلك هو مقيد، و حتى لا يستطيع أن يطرح الفكرة الجديدة داخل مؤسسته الحزبية حتى لا يطرد منها باعتباره تحريفيا. فالمؤسسات الحزبية في السودان تعاني من ضيق في مواعين الديمقراطية، و العضوية مقيدة و واقعة تحت رحمة القياداة التاريخية. و هذه ليست في الأحزاب اليسارية أيضا في الأحزاب اليمينة و التقليدية، فجميعها لم تفطن أن الأجيال الجديدة لا يمكن استيعابها داخل مؤسسات تحرمها من قول أرائها في العديد من القضايا. أن الأجيال الجديدة قد وجدت ضالتها ف وسائل الاتصال الاجتماعي، و غرف الحوارات، و أن تقول رأئها بصراحة دون مواربة، و تتعلم من بعضها البعض. و بالتالي هي ليس في حاجة أن تقيد نفسها. و هذه المعضلة التي يجب أن تفطن لها القيادات التاريخية، أن عدم تحديث و تطوير الأحزاب و اتساع مواعين الديمقراطية داخلها سوف تكون معضلة في عملية التحول الديمقراطية.
السؤال الذي يجب أن تجاوب عليه القوى السياسية: هل هي مدركة للتطور الذي حدث في وسائل الاتصال و جعل العامة يمثلون رقابة حقيقية علي الأداء السياسي و تقيمه، و ممارسة النقد علي القرارات التي تتخذ؟ من خلال مراقبة انطباع القيادات التاريخية أنها غير مدركة لهذا التطور، و بالتالي لا تستطيع أن تفهم ماذا تعني مشاركة الجميع في عملية تشكل رآي عام. كما أن المؤسسات المغلقة لا تستطيع أن تستوعب تغيرات الواقع بصورة صحيحة، بسبب أنها لا تملك مساحة واسعة من الحرية لكي تفكر خارج الصندوق. أن غرف " Clubhouse" أصبحت جاذبة لقطاع واسع من الشباب بمختلف تياراتهم الفكرية، و هؤلاء هم الذين سوف يشكلون مستقبل مسار العمل السياسي في السودان. نسأل الله حسن البصيرة. نشر في جريدة إيلاف الخرطوم.
zainsalih@hotmail.com