الأحفاد … من رفاعة الى السوق الخيرى الى أسبوع المرأة

 


 

 


عمود سطر جديد – الصحافة – 10 مارس 2012


( نحن ما بنشحد لى روحنا ... نحن بنشحد عشان الوعى والتنوير والتعليم لكل بنات السودان ) . هذه الكلمات المضيئة كان يرددها دوماً العميد الراحل يوسف بدرى كلما انطلق نفير إستقطاب الدعم الشعبى لمؤسسات الأحفاد التعليمية  ، وهى تجسد فلسفة بسيطة خيرة كانت عماد نهضة التعليم الأهلى فى بلادنا . السوق الخيرى للأحفاد كان أحد سبل ووسائط هذه الفلسفة فقد بدأ نشاطه فى بداية الستينات على ما أذكر وكان مسرحه حدائق المقرن الجميلة فى ذاك الزمن الجميل ، فكانت كل الأسر الأمدرمانية والعاصمية برجالها ونسائها وأطفالها وحتى الحبوبات يترقبونه كما يُترقب العيد ، ويشاركون فى إنجاحه لإيمانهم بنبل الرسالة وسمو المقصد . وحتى نحن الأطفال فى ذاك الزمن كنا نحرص على المشاركة فى هذا البازار الخيرى فنقف على الألعاب الترويحية ونجمع المال تعريفة وقرش وطرادة حمراء ونسلمها آخر النهار للمشرفين ، بينما الحبوبات على البنابر يجهزن العصيدة والملاح الأحمر والأبيض ويبعنه بأسعار رمزية لتذهب الحصيلة لدعم تعليم البنات فى مدارس الأحفاد .
ولقد واجهت الأحفاد خلال قرن من الزمان مصاعب جمة وتربص يستهدف مسيرتها الباسلة منذ النشأة الأولى ، فهى كما كان العميد يوسف بدرى يردد ( جُضماً معوّد على اللطيش ) ، وذاك هو الشيخ الجليل بابكر بدرى يحدثنا عن هذا التربص الجاهل فى السنوات البكر من عمر الأحفاد حين يقول : (كان مستمعيَّ ينكرون عليَّ دعوتى لتعليم البنات كل الإنكار، بل ما كانوا يقولونه لي قد يدعو غيري لليأس، ولكني كنت أدرك أيضاً أن من أخلاق البعض قصر النظر أولاً ثم التقليد بعد ظهور النتيجة ثانياً ، فواصلت دعوتي لتعليم البنات في كل مجتمع كنت أغشاه لعلني أستهوي بعض السامعين، وكثيراً ما كان يبلغني عن بعض السفلة إني أريد أن أتقرب للإنجليز ببناتي وبناتهم، ولكن كل هذا لم يثبط من عزمي ولم يقلل من إرادتي، لتحققي من شرف مطلوبى). لله درك يا شيخنا فقد جاهدت كما الأنبياء لتنشر النور وتبدد العتمة، فإن كانت بعض مناطق الريف السوداني حتى يومنا هذا تنكر على البنات طلب العلم فما بالك وأنت تجهر بهذه الدعوة وتنذر نفسك لها في 1907م، أي قبل أكثر من قرن!
كبرت الأحفاد وكبر الحلم فهاهى اليوم جامعة عتيدة تمسك بخيوط الشمس ، وهى تحتفل فى هذه الأيام بأسبوع المرأة والذى تأتى فعالياته متزامنة مع اليوم العالمى للمرأة ، وقد تخيرت الجامعة شعاراً لهذا الأسبوع عنوانه ( نحو سودان أخضر ) إيماناً منها بما تجسده الخضرة من نماء وتطور لهذا الوطن العظيم . إنطلقت فعاليات الأسبوع وسط سباق تنافسى محموم بين كليات الجامعة الست وهى الطب والصيدلة والعلوم الصحية والإدارة وعلم النفس والتنمية الريفية ... سباق مضماره المعارض  وصحة البيئة ، والشعر والنثر بشقيهما العربى والإنجليزى والموسيقى والدراما والرياضة وغيرها من ضروب الفنون والإبداع ، فتعطرت سماوات امدرمان لثلاثة أيام بنداوة الأصوات وسحر الألحان والبهاء الجميل .
جامعة الأحفاد تضم فى جنباتها اليوم ما يقارب السبع آلاف طالبة  ، ثلاثون بالمائة منهن يدرسن بمنح مجانية من الجامعة ، وذات النسبة أو أكثر قليلاً يدرسن بمصروفات مخفضة بينما البقية هن فقط من يدفعن مصاريف دراستهن كاملة، وبلغ عدد اللاتى تخرجن من الجامعة أكثر من خمس عشر ألف طالبة ، من بينهن أكثر من خمسمائة خريجة من جنوب السودان هن اليوم أمل التنمية هناك وهن سنابل الوعد بعودة الوطن الموحد ذات يوم . تلك هى الأحفاد التى يقول على لسانها الشاعر الكبير عبد الله الشيخ البشير:
فى سبيل العلم والتحصيل نسعى ما حُيينا
نحمل المشعل وضاءً ونمضى طامحينا
إن نهضنا نطلب المجد نهضنا قادرينا
نبتغى فى نهضة السودان بُنياناً حصينا
لا نحابى ... لا نداجى ... لا نلين




fadil awadala [fadilview@yahoo.com]

 

آراء