الأحلام الوطنية ليست بنات اليقظة .. بقلم عمـر العمـر

 


 

عمر العمر
12 June, 2016

 


aloomar@gmail.com

كثيرا ما تستبد بك الحيرة حينما تتأمل المشهد الوطني . الكابة تبدو بمثابة القاسم المشترك . كأنما ليس هناك إرادة وطنية أو قضية وطنية . الماكينة الإجتماعية دائرة . إنها تنتج مادة يمكن استثمارها عند كتابة تاريخ لكنها لا تصنع تاريخاً .كذلك دولاب الخدمة المدنية يشي فقط بوجوده . للمرء حق التساؤل عما إذا كان الظرف الراهن أشد ضراوة من إرادة الفعل .السؤال الأكثر إلحاحاً؛ هل نحن في زمن الأحلام المجهضة ؟

نعم ثمة نظام يرفض البتة الحد الأدنى مما يخدش أي من مقومات بقائه .في المقابل هناك معارضة هلامية قابلة للمفاوضة – ربما المساومة – على كل شيء . تحت ضغط القهر إندفعت شرائح مقهورة تواجه القهر بقهر مضاد . كلنا لم ندرك بدء الحرب كان يوم الإعتداء على الحريات الديمفراطية. راهنت فئة على إستبدال الحزم بالإنفلات والعزم بالتردد .رهان خائب غايض الجميع به أوهاما مقابل أوهام اكثر كلفة .

رهاناتنا الخاسرة استفحلت عندما خاض شباب حربا جهلوا مع مخططيها غاياتها أو على الأقل كيفية نهاياتها. كلاهما أدرك الخيبة الفادحة بعد فوات الأوان . إتفاق السلام لم يكن مخرجا وطنيا . الموقعون تجشموابالإضافة للخيبة إدانات بدلاً عن إشادات . تحت الإرتباك العام أخفق المقاتلون والموقعون في الدفاع عن أنفسهم . كما العنف يولد العنف انتشرت جمرات من تحت الرماد .الفرز صار عصياً بين القتلة والمقتولين إبان زمن العتمة الوطنية الممتد .

لأسباب متفاوتة أدرك البعض زوال مواسم الشعارات الباهتة. قلة من هؤلاء لم يستبينوا واقعا إقتصاديا وخيما آخذ في التشكل . السياسات الشوهاء لم تراكم فقط أعباء ثقيلة على الطبقات المتوسطة بل راكمت في الوقت نفسه ثروات شريحة ضيقة . غالبية هؤلاء تسللوا من قاع بئر المجتمع . هم يشكلون الخطوط الصارخة في نسيج طبقة مخلقة على نحو مشوه . حين يتعلق الأمر بالصعود الطبقي والإمتيازات يصاب الجميع بفقدان الذاكرة . البعض يتبرأ من الإنتهازية من منطلق مناصرته قضية . تبرير لايجافي الواقع أحياناً لكنه يسوق إستباحة الحق العام أو العنف المفرط ضد الآخر أو إختطاف الحاضر والمستقبل.

في ظل الواقع المتخثر إنحسر الحلم المشترك بغد أفضل. الخوف من الغد أصبح االكابوس الغالب . المصالح المشتركة امست المفردة المتداولة . الجأر بالشكوى أكثرحضورا و تداولاً . العلاقات الإنسانية لم تعد متكئة على الذكريات أو الأفكار أو الطموحات االمتقاسمة . كل ذلك لايبيح إبقاءنا على أرصفة القعود كما يريد لنا البعض . هؤلاء الناشرون للتثبيط مكان التحفيز ، اصحاب الإتهامات المعلبة من التخوين إلى التكفير. بعضهم عاجز عن التحاور المثمر وبعض منهمك في جدل غير منتج في زمن بلا قيمة . بينهم عبدة نصوص يتحدثون عن تحرير شامل . عند هؤالاء وأؤلئك الحديث عن الأحلام الوطنية هزر بأحلام اليقظة علو نحو مثير للإستهزاء خاصة إذا لم يتوافق مع أمزجتهم أو كانوا مبتدريه .

سر التغيير لايكمن في تكريس الطاقات من أجل القتال ضد الماضي بل - كما قال سقراط – من أجل بناء المستقبل. إذ لا نرغب في دولة تحتكر توزيع الأرزاق نريد كذلك أحزاباً تردم الهوة العميقة بينها وبين الشعب . من لايعرف التاريخ من بين الساسة يعيد إنتاجه على حد تعبير إدموند بيرل . هناك سياسيون لهم أكثرمن ضمير ، أكثر من وجه وأكثر من لسان . الدروس المعاصرة تعلمنا خيبات الرهان على التقدم على جثث الأنظمة القابضة في غياب البوصلة. العراق لايزال يكابد الدماروالجراح رغم مرور أكثر من ثلاثة عقود على زوال نظام صدام . ذلك كان كابوسا لكن الحلم العراقي لم يكن قد تبلور في المخيلة الشعبية أو النخبوية.

المستقبل يتصالح مع حملة مشاعل التجديد . من بين الركام يبرق وميض أمل . فئة من الشباب ترفض السكون والإستكانة .عند هؤلاء الأحلام الوطنية لا تصبح أحلام يقظة .التظاهرات الطلابية لم تكن حركات تمرد مجردة . إنها تفتح فصلا جديداً في العمل الوطني . هي تعبير عن رفض رهن المستقبل بأيدي دولة مستبدة ومعارضة عاجزة. قمع الحراك لم يكن فقط تحت صغط العنف المفرط من قبل السلطة بل كذلك بفعل السلبية المطلقة من معسكر المعارضة .

 

آراء