الأخيار شيخ مجذوب وأشقائي “حليلهم، دوام أطراهم” – رحمهم الله رحمة واسعة

 


 

 

نكاد حين تناجيكم ضمائرنا
يقضي علينا الأسـى لولا تأسينا
حالت لبعدكم أيامنا فغــــدت
سوداً وكـانت بكم بيضاً ليالينا
بالأمس كنا وما يُخشى تفرقنا
واليوم نحن وما يُرجى تلاقينا
(إبن زيدون الأندلسي، رحمه الله)
عجلات التاريخ تجري سراعاً سراعا والموت في بحار الغفلة يبحر ناشرا أشرعته المهيبة، و مع هجوم إعصار جائحة الكورونا العنيف المدمر على العالم غرق الكثير من سفن الركب الحبيب في بحور الظلمات…. فرحل عنا الأحباب، الأشقاء والأقارب والجيران، و زملاء المهنة، وأخيار من كثرتهم لا نعرفهم داخل السودان وخارجه. إلى جنات الخلود هكذا صاروا يرحلون منذ بداية العام 2020 تباعاً تباعا كالطيور التي تتساقط بالعشرات جراء الوابل من رشاش الصيادين . على صعيد آخر نجد الزمن الذي صار يتقاصر بصورة مذهلة منذراً بقرب قدوم يوم المعاد يعيد علينا سريعاً ذكرى شهر أبريل المؤلمة. اليوم يعود علينا أبريل ويرجعني شخصيا إلى ماض قريب فأذكر كيف كانت النشوة تغذي روحي وتنعش وجداني حينما الحديث العذب كان يجمعني بإخواني أشقائي أحبائي أعزائي بداية ربيع العام الماضي لكنه لم يستمر طويلا وانقلب الحال واليوم أصارع غلبة الحزن على فراقهم الممزوج بذلك الفرح الذي صار تاريخا من ذكريات جميلة في حياتي، للأسف لن يعود فرح ليتجدد مع كل رنة هاتف تصلني من السودان، فأرقامهم نفسها قد ودعت. بحلول هذا الشهر أعيش ذكرى ليلة البارحة فتشتعل نار حزني التي لم تمت بعد فقدي أشقائي، أحبابي الأخيار الطيبين شيخ مجذوب الرجل المسلم الحق المثالي والقدوة الصالح الزاهد ، رجل البر والإحسان ونكران الذات وحب الخير للآخرين، ودكتور بابكر ودكتور علي التوأمين الأطباء الأذكياء الأفاضل، ومن قبلهم بخمس أشهر سبقهم عمر " بن الخطاب" سمح الخصال رقيق المشاعر ، عليهم جميعا رحمة الله. شيخ مجذوب كان شمس حياتنا وكنا النجوم حولها تدور وتستمد منها دفيء الحياة وديمومة التجلي ونظافة النفوس من صدأ الدنيا الغشاشة. لقد كانت التجربة من صدمة الكورونا جداً قوية، لا يمكن وصفها بكلمات أو قصيد لأن الكلام نفسه قد أخرسته
شراستها التي تضررت بها كذلك بيوتا كثير بل إقتصاديات كل دول العالم الصغرى والكبرى .

رغم مرور الأيام والشهور أجد نفسي لا أزال أعيش هول تداعيات ذات المربع الأول المشؤم الذي لا تفارقني ذكراه (شهر ابريل 2021) وتظل عيوني تفضحني فى خلوتي مع نفسي أو فى حضوري بصحبة آخرين عندما يُذْكَرُ الراحلون، إنني لا أستطيع أن أخفي المزيج من لواعج حبي وحزني على فراق الأشقاء العزاز … رغم الحمد لله والشكر على نعمة الإيمان بالقضاء والقدر خيره وشره فالقلب غصباً عنه يحزن والعين تدمع والنفس البشرية بطبعها تتحسر وتكتئب …. آه يا الزمن سريع الخطى ليتك تأنيت شوية وآه منك يا شجن في يتم الفراغ قد احتويت المشاعر ودفنتها تحترق فى صحراء حياتنا التي كانت جنة عدن ، وآه من كربة فراق الأشقاء ….. فكف القدر التي ليس منها مفر زارت ديارنا وأخريات كثر خلال أبريل العام الماضي وفي مرة واحدة وحزمة واحدة أخذت أشقائي الثلاثة مجتمعين إلى الأبد وتركتنا نحن فى حسرة وذهول لتتأرجح أفكارنا بين الإنكار والتصديق . هكذا العزاز عندنا كلمح البصر وهم أشداء رحلوا إلي غير رجعة وما كانوا يحسبون ذلك السفر المفاجئ سيكون خاتمة رحلة الحياة ونحن مثلهم كان ظننا كذلك…. يا حليلهم راحوا….. و برحيلهم تبدل العالم حولنا … تبدلت أحواله، مسخ طعمه وأفراحه وطعم الحياة …. بل زينة الدنيا كلها راحت ، والناس صارت لا تشبه ناس زمان وكل شيء جميل صار تاريخا مطموراً فى طي النسيان …. وما عادت ليالي الأمس الجميلة أو إتصالات التواصل والأنس المحبب عبر الهاتف تجمعنا كما كنا من قبل جسداً واحداً متماسكاً نشعر بنبضه حتى وإن باعدتنا المسافات الطويلة أو أزمان الغربة ال "كلنا نحنا مجبورين عليها". لا حول ولا قوة الا بالله العظيم. أتعجب عندما أخلو لنفسي يراودني الحنين إلي ذاك اللقاء الجميل، لكن للأسف لقد انقضت تأشيرات الدخول وأغلقت أبواب كل محطات التجمع واللقاء …… حتى الوطن بدوره صار شيخاً هرماً ضعيفاً و يبكي بحسرة حاله الميؤوس المتدهور ….. فيا الأمن المصان عليك السلام، ويا الصدق والأمانة عليك السلام ويا النخوة عليك السلام ويا ديننا الحنيف عليكما السلام. فى رحيل شهداء الكورونا وشهداء الرصاص الحي " الذي توثقه الكامرات" من كل من لا يخاف الله له مني التذكرة بالعودة للتوبة والاعتذار لأن السفر جداً لقصير المسافات والزمن (يوم القيامة الحساب الحق "ولد" لأن كتاب كل امريء لا يخطئ التدوين والتحقيق والذان أوكلهما الله بمهامه يطيعان الخالق وبكل صدق ينفذان)

اللهم يا رب أجبر خاطرنا واجبر خاطر كل قلب مجروح أو بيت حزين جراء فقد حبيب وعزيز فالفراق الأبدي عندما يكون قضاء وقدراً
بأمر من السماء العليا ليس لنا فيه ذرة إنكار أو إعتراض ، وليس لدينا باب نطرقه أو ملجأ يحتوينا لنكفكف تحت ستر منه دموعنا ونزرع فى حيشان دياره بذور الصبر لتخضر براحات جوانحنا وتزدهر الحياة من جديد، غير باب السماء المفتوحة بالترحاب من غير ترسانات خفر جبار يقهر ويمنع العباد، فهي الوحيدة بوابة الوصول إلى ذلك الملاذ المرتجى "الله مالك الملك، جبار السموات والأرض ، أرحم الراحمين ". فيا الله يا غياث الملهوفين وملاذ المستضعفين والثكالى والمحرومين أغثنا أرحمنا ، أعنا وصبرنا على ضيق أحوالنا وصعوبة معاشنا وفقد موتانا وارحمهم فهم عبيدك الضعفاء عندك فى عليين ضيوفاً يرجون رحمتك ومغفرتك والعتق من النار ، يرجونك العفو والرضا والإكرام بالجنة…. يا ربنا يا كريم اكرم مثواهم بل إخوانهم موتى كل المسلمين بجنة الفردوس وفي أعلى درجاتها أجعل مسكنهم فيها يسعدون، يا الله فإنك أنت نعم المولى العطوف الكريم الرحمن الرحيم ونعم النصير. يا رحمن الدنيا والآخرة أرحمنا وأرحمهم وفرج كربنا وكرب كل مهموم أو مظلوم ، آمين. رحم الله شاعرة سودانية ويطيل من عمرها ويبارك فيه فقد صدقت فى تعبير عاطفتها بمفارقة أحبابها شاهدتها على أحدي القنوات السودانية تلقي ما تيسر ، ومن ضمن ما تفضلت به قالت بعفوية وعاطفة صادقة :
"عزاز علينا….شالوا نوم عينينا
فراقهم جمري لا لا ما بيدينا"
العزاز الذين بغيابهم يشيلون نوم العيون ولوعة فراقهم تحرق كالجمر القلوب قد يكونون قبائلاً وبطوناً أو أفراداً ولكن عزة المرء واحترامه فى وجوده تبقى فى حبه وتكاتفه مع أشقائه وأقاربه ثم جيرانه وأصحابه الخلص. كل ذلك الترابط فى نظري يمثل الأساس المتين الذي يترتب عليه تكوين وطن جميل معافى وتأصل لمجتمع سليم من الأحقاد والأطماع والتكتلات الاجتماعية والصراعات القبلية والجهوية . يا رب تبارك في الأحياء أبناء السودان الشرفاء وتجمع شملهم علي صدق القول والفعل ونعمة الإيمان والمحبة ونكران الذات وفوق كل ذلك الخوف من الله وهول الوقوف يوم الحساب. إذا كانت قوقل لا تخطئ حساباتها فالهول من قدرة حساب السماء الذي لا يجامل ويحلل ﴿ وَكُلَّ إِنسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ ۖ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَابًا يَلْقَاهُ مَنشُورًا﴾ 
( سورة الإسراء: 13)

عزيزي القاريء الموقر أكرمنا الله هذه الأيام بشهر الصيام ، ربنا يتقبل منا ومنكم واسأله تعالى أن يحفظك فى نفسك وعرضك ودينك وعلمك ومالك وأهلك وأن لا يدخلك فى تجربة قاسية ومريرة وأن لا يحيج أياً منكم لغيره ، تجلت قدرته وعظمته ، وأساله حسن الخاتمة لي ولكم . مرة أخرى أكرر هنا الشكر الجزيل لكل من واسانا وشد من إزرنا في مصابنا الجلل وكذلك الشكر الكثير الخاص للقراء الأعزاء وأصدقاء القلم الأفاضل، فالأشقاء وغيرهم قد رحلوا وعزاؤنا أنهم تركوا لنا سيرة طيبة نقلب صفحاتها فنجد فيها الدواء .

في الختام على الله ليكن توكلنا وحسن رجائنا بعودة حميدة مني ومن كل مغترب غايب في بلاد الله للوطن ليطيب الجمع واللقاء مع الأحباب والتراب بعد كل ذلك الغياب. للأسف لم يبق حيا داخل الوطن سوى القليل من الربع الذي يتوق شوقا لعودتنا ونحن كذلك. فاللهم أجمعنا علي خير وبركة وبارك وأحسن أعمالنا وفي القليل الذي بقي من أيام العمر. الشكر والحمدلله
الثاني من أبريل رحل شيخ مجذوب والثالث منه د بابكر ولحقهم د. عليّ على عجل بعد أيام قلائل ، وتجلى حبهم لبعضهم في ذاك الرحيل العجيب. وفقط نقول "إنا لله وإنا إليه راجعون"

https://youtu.be/3JaVEipkrlM

drabdelmoneim.gmail.com

 

آراء