الأستاذ النبيل عباس الزين (ت. 2 مايو 2020م): ترك مقعده شاغراً بمكتبة السودان جامعة الخرطوم؟

 


 

 

 

ارتبط اسم الأستاذ عباس الزين بمكتبة السودان، جامعة الخرطوم، حيث قضى خمسة عقود من عمره النضير في خدمة المكتبة وزوارها من الأساتذة والباحثين والطلبة، ولذلك وصفه الدكتور خالد محمد فرح بـ"عاشق الكتاب، وسادن المعرفة"، ونعته الدكتور إبراهيم الزين صغيرون بأنه "مثال نادر للوفاء في أدائه عمله". هكذا كان عباس يسمو فوق هذه الصفات بتواضعه الجمّ، وأدبه الرفيع، وتفانيه في العمل، بل بنكران ذات عجيب. كانت المكتبة تعني له الزوج، والأسرة، والجليس الصالح؛ لذلك اترحل عنها إلى الدار الآخرة دون أن يقترن بشريك حياة غيرها، بل ترك سجلاً حافلاً شكر الباحثين والطلبة وعرفانهم إليه، لأنه كان يساعدهم بسعة صدر، وطيب خاطر مفعمٍ بالوفاء والإحسان. 

ويرجع تاريخ تأسيس المكتبة التي عمل الأستاذ عباس الزين في كنفها وعشقها حتى الثمالة إلى عام 1961م، عندما قررت إدارة جامعة الخرطوم إنشاء مكتبة، تهتم بشؤون السودان، وتجمع كل ما كُتب عنه، فأطلقت عليها اسم مكتبة السودان. وكان عملية التأسيس على يد الأستاذ القدير في علم المكتبات عبد الرحمن النصري، وأعانه في ذلك نفرٌ من العاملين في مجال علم المكتبات وإدارتها، أمثال الأستاذ قاسم عثمان نور، الذي عمل بمكتبة السودان في الفترة 1965 إلى 1980م، ولا حقاً الأستاذ عباس الزين. وبعد إصدار قانون إيداع المصنفات لعام 1966 وتعديله لعام 1971م، أصبحت مكتبة السودان الحاضنة الأولى للمطبوعات التي تصدر في السودان، بما في ذلك الكتب، والرسائل الجامعية، والصور الفتوغرافية، والخرائط، والتقارير الحكومية، والاتفاقيات السياسية، وأوراق المؤتمرات، والصحف والمجلات، فضلاً عن الكتب التي تصدر خارج السودان. ولذلك وصفها قاسم عثمان نور بذاكرة الوطن، بحكم أنها أكبر وأغنى مكتبة للأدبيات السودانية في داخل القطر وخارجه.
وكان استخدام مكتبة السودان قاصراً على أساتذة الجامعة والباحثين وطلبة الدراسات العليا، للإفادة من نظام الرفوف المفتوحة للحصول على المادة التي يبتغيها كل باحث، وكانت الرسائل الجامعية توضع في خزائن أو رفوف مغلقة؛ أما طلبة البكالوريوس فكانوا يحصلون على مقتنيات المكتبة عن طريق الإعارة الداخلية في المكتبة الرئيسة.
وظلت مكتبة السودان منذ تاريخ تأسيسها في العام 1961م كائنة في الطابق الأول، والركن الجنوبي الغربي لمباني كلية غردون (مكتبة جامعة الخرطوم الرئيسة لاحقاً). وفي العام 1994م تمَّ ترحيل مقتنياتها إلى أحد مباني جامعة الخرطوم المطلة على شارع الجمهورية (مبنى داخلية بحر الغزال سابقاً).
لعمري لم أجد مثيلاً لمكتبة السودان في القطر كله، ولا شبيهاً للأستاذ عباس الزين إلا صديقه الأستاذ سيد مصطفى (سيد ود ريا) بدار الوثائق القومية، فإنهما كانا يشتركان في صفات كثيرة، منها التفاني في العمل، وحب الوظيفة، وحفظ مقتنيات المؤسسة التي ينتمي كل واحد منهما إليها، فضلاً عن مساعدة الطلبة والباحثين. وفوق هذا وذاك مات كل واحد منهما من غير شريك في الحياة إلا مكتبة السودان من طرف، ودار الوثائق القومية من طرف آخر؛ ألا رحم الله عباساً وسيداً بقدر ما قدما للبحث العلمي والباحثين، وبقدر إخلاصهما وتفانيهما في العمل.


ahmedabushouk62@hotmail.com

 

آراء