الأطفال وثقافة الحرب

 


 

 

د. أحمد جمعة صديق
توفير المعارف والمهارات الضرورية خلال الحروب وبعدها من الأمور الحيوية، لكل المجتمعات وخاصة للأطفال،وذلك لمساعدتهم في التعامل مع آثار النزاعات بوعي ومحاولة التعافي من نتائجها السالبة بصورة فعالة. بالإضافة إلى ذلك، يمكن أن يسهم هذا النوع من الثقافة في توفير مساحات للمحبة والاخاء وفي تعزيز قدرتهم على التكيف ووربما تحقيق قدر من الرفاهية، رغم قساوة وضراوة واقع الحرب التي يعيشونها يوماً بيوم. وفيما يلي ما نظن أنه أهم المعارف والمهارات التي ينبغي تعليمها وإيصالها لهذه الفئة الضعيفة من المجتمع البشري خلال وبعد الحروب.
• المعارف والمهارا ت:
المعارف هي مجموعة الحقائق التي يمكن أن يلم بها الكائن البشري من خلال التجربة عن طريق الحواس المعروفة. والمعارف حقائق ملموسة، يتحصلها البشر العاديون بما وهبهم الله عن طريق هذه الحواس الخمس، ولكنه خصّ أنبياءه بعلم الوحي وتلك وسيلة لا ينالها الا ذو حظ عظيم. إذن دعونا نكتفي من ذلك بهذه الحواس ونتدرب على حسن استعمالها لنصل بها إلى أعلى قدر من الجودة والكفاءة. المعارف توسع الإدراك الفردي، وتزيد من سعة الماعون البشري المناط به التفكير وهو العقل. بينما تعني المهارات القدرة على إعمال القدرات العضلية والفسيولجية في انجاز العمل باليد أو الجسم على أكمل وأحسن وجه بغرض توفير الجهد والمال والوقت مع حسن الأداء. وتعتبر المعارف والمهارات هي القيمّ التي تشملها رسالات التعليم الشامل بصورة عامة.
ويتوقع من المعارف أن تكسب الإنسان قدراً من القيّم العقلية تفيد في حل مشكلاته اليومية في الحياة مع القدرة على تحويل هذه القيمّ الى عمل مادي ايجابي محسوس وملموس، وبالتالي فإن أي معلومة لا تخاطب الحاجة الفعلية للانسان ولا تسهم في حل مشكلاته الحياتية ينبغي الا تاخذ من وقتنا طالما لا يستطيع الانسان ان ينزلها منزل السلوك المادي الملموس، فهذا النوع من المعارف هدرٌ لوقت الدارس والمدرس معاً. إذن ما هي مجموعة المعارف والمهارات التي ينبغي أن يلم بها الأطفال في الحالات الطارئة في الحروب والزلازل أوالحرائق، بحيث تجنبهم مهالك ونتائج هذه المآسي؟
• الوعي بالسلامة ويشمل:
فهم المخاطر: تعليم الأطفال على التعرف وتجنب المخاطر المادية مثل القنابل، وعدم الانتماء الى المجموعات المسلحة، والابتعاد عن المناطق غير الآمنة. لابد من تنبيه الأطفال في عدم الإقتراب أو العبث بالاجسام الغريبة سواء بلمسها أو رميها بحجر من بعيد.
وتشكل الألغام الأرضية والقنابل التي لم تنفجر بعبعاً كبيراً للكبار والصغار معاً وتسنزف الكثير من الجهد والوقت والمال في التنقيب عنها وإبطال مفعولها. وهي تظل قابعة الى سنين عديدة ك في مكامنها داخل الأرض مهددة لحياة الإنسان والحيوان معاً . وأيضاً يجب تنبيه الأطفال من عدم تناول ما يبدو في صورة حلويات أو مخبوزات فربما تكون مواد متفجرة أو سامة. وأخطر ما يمكن أن يتعرض له الأطفال اللعب والدمي التي يبدو في ظاهرها ألعاب للتسلية ولكن ربما تبطن في أحشائها القتل أو السم الزعاف.
إجراءات الطوارئ: يجب تعليمهم ما يجب فعله أثناء القصف أو الهجمات أو عندما يواجهون مواقف خطرة.
• المرونة النفسية وتشمل:
الوعي العاطفي: مساعدة الأطفال في مراعاة مشاعرهم و مساعدتهم في التعبير عنها فيما يتعلق بعناصر مثل الخوف، والفقدان، والحزن، والصدمات مع دعم مواقفهم الايجابية من رجاء وتمني وتطلعات في حدود الحلم الذي يمكن تحقيقه بمجرد أن تتوقف الحرب.
آليات التكيف: يجب تعليمهم استراتيجيات لإدارة الضغوط النفسية والقلق والآثار النفسية الأخرى للحرب، باستعمال تقنيات صرف الإنتباه من المواقف السالبة الى خلق مناخ أكثر إيجابية كتأمل الطبيعة في البيئة المحيطة بالصغار أو شغلهم بالإبداع الفني في التعبير الجمالي بأدوات محلية بسيطة تتكون من القش أو القصب أو الطين أو الرمل وخلافه من الاشياء التي يمكن أن تساعد في تطوير مهارات الفنون التعبيرية لديهم.
وفي الغالب لن نعدم الحيلة في جذب الأولاد لبعض المهن اليدوية من صناعة العناقريب والبنابر والأحذية البلدية والجلود وصناعات الخشب،كما لا نعدم قطعاً وسائل مبسطة لاكساب الفتيات بعض المهارات اليديوية من أشغال الإبرة او مهارات الطهو بما يتيسير أو الحياكة وتصميم ما يمكن بما يتواجد من قماش او بلاستيك بالإضافة الى مهارات الزينة السودانية من تضفير وتصفيف الشعر ووضع الحناء إن تيسر الأمر وصناعة البروش والمصلايات والسجاد مما يتوافر من مواد محلية. في الواقع أن الأم أو الأب أو المربي الجاد لن يعدم الحيلة في إكساب الصغار بعض المهارات المحلية بأقل تكلفة واستخدام ما يتوافر من الوسائل المتاحة.
• استمرارية التعليم ومنها
أهمية التعليم: التأكيد على قيمة التعليم والتعلم بالرغم من الإضطرابات الناجمة عن الحرب، والدعوة إلى توفير بيئات تعلم آمنة
تطوير المهارات: توفير فرص للأطفال لتطوير مهارات عملية يمكن أن تمكنهم اقتصادياً واجتماعياً في مستقبل أيامهم بالإفادة من أمثلة المهارات التي تطرقنا اليها في الفقرة اعلاه.
• حل النزاعات وبناء السلام: وهذه مهمة الكبار لكن على الصغار ايضاً:
تعليم أسس التعايش بسلام: يحب تعليم الأطفال مبادئ السلام، والتسامح، والتعاطف، والجنوح للحلول السلمية للنزاعات والتعايش بسلام مع الآخرين وذلك بتفريغ الغضب المدفون والغبن في كيانهم النفسي وأحاسيسهم المكبوتة.
المشاركة المجتمعية: لابد من إشراك الأطفال وتكلفيهم ببعض الأنشطة مما سيعزز التماسك الإجتماعي، والمصالحة، والتفاهم بين الثقافات والأعراق المختلفة.
• الصحة والرفاهية:
الوصول إلى الرعاية الصحية: ضمان حصول الأطفال على الرعاية الطبية، والتطعيمات، والدعم الصحي النفسي.
التغذية والنظافة: تعزيز الممارسات التي تحافظ على التغذية الجيدة مما يتيسر، والحث على النظافة والصحة العضوية لمنع الأمراض وتعزيز الرفاهية العامةمهما كلف ذلك.
• حقوق الإنسان والحماية:
الوعي بالحقوق: يجب تعليم الأطفال حقوقهم بموجب القانون الإنساني الدولي، والدعوة إلى حمايتهم من استغلالهم كجنود بالتجنيد القسري، أوالإساءة اليهم، كما ينبغي تحذير الأطفال من الإقتراب من الغرباء الا في حدود آمنة.
مهارات الدفاع: تمكين الأطفال من الدفاع عن حقوقهم وحقوق الآخرين في مجتمعهم. غذ يمكن اكسابهم بعض المهارات الدفاعية البسيطة من فنون الكاراتيه والتايكندو والجودو والمصارعة والملاكمة وهي مهارات لا تقتضي توافر مساحات او موائل فباستطاعة مدرب واحد أن يقوم بتمكين الاطفال من اكتساب هذه المهارات الفردية، وهي خاصة بالفتيان والفتيات معاً وربما تكون الفتيات أكثر حاجة لهذا النوع من التدريب للدفاع الفردي لانهن عرضة لكثير من المواقف الحرجة التي ربما تكون أحياناً من مصدر مقرب من المعارف الذين ربما كانت تضع فيه الفتاة ثقتها الكاملة. فالبنات أحرى بالإلمام بهذه المهارات القتالية الفردية فلربما تحتاجها عاجلاً أو آجلاً.
ومن خلال التركيز على هذه المجالات من المعرفة وزرع الثقافة الداعمة، يمكننا مساعدة الأطفال لينموا ويزدهروا ليس فقط خلال الحروب ولكن بعدها أيضاً. لذا فان توفير الآليات والمعلومات التي تمكنهم من فهم النزاعات، والتعامل معها بصورة إيجابية ، والتأثير الإيجابي على بيئاتهم عامل مهم جداً لرفاهيتهم على المدي البعيد والقريب لبناء عالم أكثر سلامة وامناً وسعادة.
• تدابير السلامة:
في كل من هذه النزاعات، عملت المنظمات الإنسانية الدولية والسلطات المحلية على التخفيف من المخاطر التي يتعرض لها الأطفال من خلال توفير مساحات آمنة، والتعليم، والرعاية الطبية، والإمدادات الأساسية. هذه الجهود ضرورية لحماية الأطفال من المخاطر الفورية للحرب ودعم رفاهيتهم على المدى الطويل في ظل الظروف الصعبة.
والمطلوب من الفئات المتحاربة في السودان وضع الإعتبار لهذه الفئات الضعيفة وتسهيل وصول الخدمات إليها لانها ليست طرفاً فيما يجري في الواقع الماثل أمام أعينهم من قتل وتشريد وإذلال ومهانة. وهم بحكم تكوينهم الفسيولجي والعاطفي والفكري لا يجدون تبريراً أو تفسيراً لما يحدث أمام أعينهم. فإذا لم يعالج الأمر بذكاء وحب فإن جميع هؤلاء الأطفال سيتحولون في المستقبل الى قنابل موقوتة سيأتي وقتها لتؤجج الصراع من جديد وبصورة أسوأ لأنهم سيكونون حينها مدفوعين بعنصر الإنتقام والثأر وفش الغبينة. إن الأطفال في الملاجيء ومواقع الحروب هم قنابل موقوتة طال الزمن أو قصر. إذن فمن مصلحة المتحاربين تأمل هذا الواقع الذي سيترتب عليه المستقبل المنظور والبعيد، وحينها لن ينفع الندم.

aahmedgumaa@yahoo.com

 

آراء