الأمم المتحدة تدعو إلى إنهاء “الكابوس” في السودان وتدعو إلى حماية المدنيين ووقف القتال

 


 

 

الأمم المتحدة:

أمام مجلس الأمن الدولي قال أمين عام الأمم المتحدة إن شعب السودان يواجه كابوسا من العنف والجوع والأمراض والنزوح وتنامي العنف العرقي، وحذر من تداعيات الصراع على الاستقرار الإقليمي. وقال إن الظروف ليست ملائمة لنشر قوة تابعة للأمم المتحدة في السودان وقدم للمجلس توصيات لحماية المدنيين.

قال أنطونيو غوتيريش الأمين العام للأمم المتحدة إن المعاناة في السودان تزداد يوما بعد الآخر، وأشار إلى أن 25 مليون شخص يحتاجون المساعدة: "شعب السودان يعيش في كابوس من العنف، فقد قُتل آلاف المدنيين ويواجه عدد لا يحصى فظائع لا يمكن وصفها، بما فيها الاغتصاب والاعتداء الجنسي على نطاق واسع".

وأشار غوتيريش إلى "التقارير الصادمة" خلال الأيام الأخيرة عن أعمال القتل والعنف الجنسي الجماعية في قرى بولاية الجزيرة، شرق السودان.

وأضاف الأمين العام، في كلمته أمام مجلس الأمن أن الشعب السوداني يواجه أيضا كابوس الجوع، حيث يعاني أكثر من 750 ألف شخص من انعدام كارثي للأمن الغذائي مع ترسخ ظروف المجاعة في مواقع النزوح شمال دارفور فيما يكافح الملايين كل يوم لإطعام أنفسهم.

"يواجه السودانيون أيضا كابوس الأمراض، إذ تنتشر بسرعة الكوليرا والملاريا وحمى الضنك والحصبة الألمانية. ويواجهون كابوس انهيار البنية التحتية، مع توقف عمل الأنظمة الصحية الحيوية وشبكات المواصلات وأنظمة المياه والصرف الصحي وخطوط الإمداد والإنتاج الزراعي".

كما يواجه السودانيون أيضا- كما قال الأمين العام- كابوس النزوح، إذ يشهد السودان أكر أزمة نزوح في العالم بعد أن أجبر أكثر من 11 مليون شخص على الفرار من ديارهم منذ اندلاع الصراع بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع في نيسان/أبريل 2023. يشمل هذا العدد ما يقرب من 3 ملايين شخص عبروا الحدود إلى الدول المجاورة.

وقال غوتيريش: "السودان مرة أخرى يصبح بسرعة كابوسا للعنف العرقي، وخاصة التصعيد الكبير للقتال في الفاشر (دارفور)".

وأشار الأمين العام إلى مناشداته المتكررة للجانبين لإنهاء القتال والجلوس على طاولة المفاوضات، وقال "ولكن بدلا من تخفيف التوترات، يقومان بتصعيد العمل العسكري. وفي نفس الوقت تعمل قوى خارجية على تأجيج النار".

وحذر الأمين العام من الاحتمالات الخطيرة لأن يشعل الصراع، انعدام الاستقرار الإقليمي من الساحل إلى القرن الأفريقي والبحر الأحمر.

وأشار غوتيريش إلى قرار مجلس الأمن رقم 2736 الصادر في حزيران/يونيو، والذي يطالب بأن توقف قوات الدعم السريع حصارها للفاشر عاصمة ولاية شمال دارفور، والوقف الفوري للقتال وخفض التصعيد في الفاشر ومحيطها.

وشدد القرار على ضرورة أن تكفل جميع أطراف النزاع حماية المدنيين وفقا للقانون الدولي. وطلب من الأمين العام للأمم المتحدة أن يقدم مزيدا من التوصيات لحماية المدنيين في السودان.

توصيات لحماية المدنيين
وبموجب القرار قدم الأمين العام عددا من التوصيات للمجلس وسلط في كلمته الضوء على 3 أولويات رئيسية:

أولا: اتفاق الجانبين فورا على وقف الأعمال القتالية. قال غوتيريش إن مثل هذا الاتفاق يجب أن يُترجم إلى وقفات محلية للقتال وهدن إنسانية، تخلق سبلا للحوار وتضع أساس وقف شامل لإطلاق النار.

وشدد غوتيريش على ضرورة تكثيف الجهود الدبلوماسية لوضع حد للصراع، وقال إن مبعوثه الشخصي رمطان لعمامرة يعمل على مدار الساعة بهذا الشأن. وحث الأمين العام مجلس الأمن على مواصلة دعم جهود لعمامرة وتشجيع التواصل الفعال مع الشركاء الإقليميين مثل الاتحاد الأفريقي والهيئة الدولية للتنمية (إيغاد) وجامعة الدول العربية.

ثانيا: حماية المدنيين. أكد الأمين العام أهمية أن يدعم مجلس الأمن حماية المدنيين بما يتوافق مع حقوق الإنسان والقانون الدولي الإنساني، بما في ذلك التزامات الطرفين في إعلان جدة.

وقال إن طرفي الصراع يتحملان المسؤولية الرئيسية لضمان حماية المدنيين والجلوس على طاولة المفاوضات. وأعرب عن الجزع إزاء الهجمات المستمرة من قوات الدعم السريع على المدنيين في الفاشر والمناطق المحيطة، والتقارير عن شن هجمات ضد المدنيين من قبل قوات موالية للقوات المسلحة السودانية، في الخرطوم واستمرار النزوح الجماعي للمدنيين بسبب ما يبدو أنها غارات جوية عشوائية على مناطق سكنية.

وشدد على أهمية السماح للمجتمع المدني والصحفيين على القيام بعملهم بأمان بدون خوف من الاضطهاد أو الهجمات. وأكد ضرورة توقف تدفق الأسلحة المباشر وغير المباشر إلى السودان.

وأشار الأمين العام إلى الأصوات السودانية المتنوعة، ومنظمات حقوق الإنسان وغيرهم، ممن طالبوا بوضع تدابير معززة بما فيها نشر شكل من أشكال القوة المحايدة لحماية المدنيين. وقال إن هذه الدعوات تعكس خطورة وإلحاح الوضع الذي يواجهه المدنيون.

وأضاف: "في الوقت الحالي، لا تتوفر الظروف اللازمة للنشر الناجح لقوة تابعة للأمم المتحدة لحماية المدنيين في السودان. الأمانة العامة للأمم المتحدة تقف على أهبة استعداد للتواصل مع مجلس الأمن وجهات أخرى حول مجموعة من الوسائل التشغيلية التي يمكن أن تسهم بشكل مجد في تقليص العنف وحماية المدنيين". وأضاف أن ذلك قد يتطلب نُهجا جديدة تتكيف مع الظروف الصعبة للصراع.
ثالثا: ضمان تدفق المساعدات الإنسانية. على الرغم من استمرار تحديات التمويل والوصول الإنساني، وصلت الأمم المتحدة وشركاؤها إلى نحو 12 مليون شخص بالمساعدات بين يناير وسبتمبر إلا أن هناك فجوات هائلة كما قال الأمين العام.

وأكد ضرورة ضمان الوصول الإنساني العاجل والآمن ودون عوائق على كل الطراق عبر الحدود وعبر الخطوط الأمامية. وحث الأطراف على السماح بتدفق مزيد من المساعدات المنقذة للحياة إلى المناطق التي تشتد فيها الاحتياجات عبر أكثر الطرق فعالية.

ودعا إلى توفير مزيد من التمويل، مشيرا إلى أن النداء الإنساني للسودان المقدر بـ2.7 مليار دولار لم يتلق سوى 56% من قيمته فيما تلقت خطة الاستجابة الإقليمية للاجئين نسبة أقل.

وأشاد أمين عام الأمم المتحدة ببطولة قادة الكثير من المبادرات السودانية التي تقدم المساعدات المنقذة للحياة على الأرض. وقال: "إن غرف الاستجابة للطوارئ في السودان البالغ عددها 700، مثال ملهم للعمل الإنساني الشعبي. عبر عملهم، يظهرون وجها آخر للسودان-أفضل ما في الإنسانية في بلد عانى من أسوأ ما فيها".

وفي ختام كلمته أمام مجلس الأمن، شدد أمين عام الأمم المتحدة على أن الوقت قد حان للعمل الحاسم من أجل السلام وشعب السودان.

ناشطة سودانية: الصراع يدمر المستقبل
تحدثت أمام مجلس الأمن- بعد انتهاء كلمة الأمين العام- الشابة السودانية هناء التيجاني الناشطة في مجال السلام والعدالة ومساعدة أمين عام الشبكة الشبابية للمراقبة المدنية.

قالت التيجاني إن الشبكة توحد "المنظمات ولجان المقاومة بأنحاء السودان لمراقبة الظروف السياسية والأمنية والإنسانية وحقوق الإنسان، وتعزز أصوات الشباب الملتزمين بمستقبل من الحرية والسلام والديمقراطية".

وأضافت هناء التيجاني: "بينما أتحدث هنا، يتواصل ارتكاب الفظائع بأنحاء ولايات السودان، آخرها في الجزيرة وسنار. إن الأزمة الإنسانية في السودان تنمو يوميا. في بعض المناطق يعيش الأطفال على أوراق الشجر، ويموت الكثيرون بسبب سوء التغذية والأمراض. النساء-المهمشات أصلا بسبب عقود من العنف الهيكلي- يواجهن الآن الاعتداءات الجنسية والزواج بالإكراه وغياب الرعاية الصحية، يُسكت الخوف والصدمات أصواتهن. يجب أن نكون صوتهن، ونضمن ألا يُخفي معاناتهن أولئك الذين يعطون الأولوية للقوة بدلا من العدالة".

وقالت التيجاني إن النساء السودانيات يواجهن تحديات كبيرة بسبب قضايا مترابطة مثل الفقر والذكورية والتمييز العنصري وخاصة في المجتمعات المهمشة. وأضافت أن الإقرار بهذا الترابط أمر مهم لإنشاء السودان الذي يجلب فيه السلامُ، الكرامةَ والفرص للجميع بغض النظر عن النوع الاجتماعي أو العرق أو الخلفية الاجتماعية.

وتحدثت الناشطة السودانية الشابة عن دمار البنية التحتية في السودان، من مدارس ومستشفيات ومنازل، فيما يدفع الانهيار الاقتصادي الأسر إلى الفقر، وقالت إن الصراع ليس قتالا مسلحا فحسب، بل إنه يدمر المستقبل أيضا.

وذكرت أن الناشطين الشباب شهدوا أهوالا لا يمكن تصورها: "شهدنا أصدقاءنا وأسرنا يتشردون، ونظامنا الصحي ينهار بما يُعرض أعدادا لا تحصى للخطر. صرخاتنا للعدالة قُوبلت بالقمع والاعتقالات والتعذيب والموت، ولكننا نواصل العمل ونقاوم أي محاولات لإسكات رؤيتنا من أجل سودان أفضل".

وقدمت هناء التيجاني عدة مطالب لأطراف مختلفة، أولا للأطراف المتحاربة: أن توقف على الفور إطلاق النار وتحمي البنية التحتية المدنية وتضمن ممرات إنسانية لتوصيل المساعدات.

ثانيا للمجتمع الدولي: تقديم مساعدات إنسانية شاملة، وتمويل جهود دعم اللاجئين، وضمان إشراك الشباب والمرأة في مفاوضات السلام وعمليات صنع القرار.

ثالثا لمجلس الأمن: الضغط من أجل الامتثال للقانون الدولي، وضمان المساءلة عن جرائم الحرب، وفرض عقوبات وحظر على السفر ضد مرتكبي انتهاكات حقوق الإنسان.

 

 

آراء