الأمن أولوية… والتأسيس ضرورة!

 


 

 

أوشكت هذه الحرب اللعينة، التي فرضت على جيشنا وشعبنا، أن تضع أوزارها وتنتهي بهزيمة المليشيا المتمردة، بإذن الله تعالى. ووفقاً للمثل السوداني الذي يقول: "الجري قبل الشوف قدلة" لابد من الاستعداد لمرحلة ما بعد الحرب وحسم التمرد. ومهما كانت الخسائر التي تكبدها الناس جراء الغدر والخيانة إلا أن الحرب قد أدت إلى تمايز الصفوف واكتشاف أمور كانت غير واضحة للشعب السوداني الباسل؛ أولها أن لدينا جيش قومي قوي، وهو بالتالي ليس جيش كيزان ولا غيرهم كما يقول المرجفون في الخرطوم والقنوات المأجورة، فقد قاتل أبناء السودان من مختلف الجهات والانتماءات تحت راية واحدة وهم يرددون شعار المرحلة "جيش واحد شعب واحد" ويقف معهم الشعب السوداني من الرجال والنساء والأطفال حتى أثناء سير العلميات العسكرية وهم يشجعون الجند بصيحات النصر والشجاعة والزغاريد، في تلاحم لم تشهده بلاد غير السودان، الذي تعرض لغزو غاشم شارك فيه جنود مرتزقة من عدة دول وساندته قوى عالمية وإقليمية ومحلية وخططت له وجلبت له السلاح والذخيرة وكافة أنواع العتاد الحربي، ودفعت الأموال الطائلة في سبيل ذلك ولكنها كانت حسرة عليها ولله الحمد والمنة، وعلى الباغي تدور الدوائر!
ومن نتائج الحرب أننا عرفنا "عدونا من صليحنا" بعد أن تمايزت الصفوف وأنكشف الغطاء عن العملاء والخونة والمأجورين الذين باعوا وطنهم بدراهم معدودة، ولكنهم اليوم أصبحوا كالأيتام لا يجدون ملجأ ولا مأوى وباتوا تطاردهم اللعنة وتلاحقهم دعوات الصالحين، من عباد الله في السودان، الذين يرفعون أكف الضراعة مبتهلين لله تعالى أن يهلك عدونا وينصر قواتنا المسلحة نصراً مؤزراً فاستجاب الله لهم في هذه الأيام المباركة فها هي بشريات النصر تلوح في الأفق حت باتت قاب قوسين أو أدنى وما النصر إلا من عند الله. ومن الدروس المستفادة من هذه الحرب قد اتضح لنا لماذا كان الاستهداف للجيش السوداني وقوات الشرطة والأجهزة الأمنية في البلاد، إذ من الواضح أن ذلك الاستهداف كان ضمن المخطط الكبير للإجهاز على الدولة والشعب السوداني بعد خلخلة أمنه ونسف استقراره وإخراج أهله منه بقوة السلاح حتى يحل غيرهم ويسكنوا الديار والدور، ولكن هيهات فقد كان جيشنا وشعبنا لهم بالمرصاد فتصدوا لهم بكل عزم وثبات وقوة مستعينين بالله جلت قدرته وعظم شأنه.
واستعدادا لمرحلة ما بعد الحرب من الضرورة بمكان أن نعيد بناء جيشنا وشرطتنا، وأجهزتنا الأمنية المختلفة، وتزوديها بأحدث الأسلحة والمركبات وأجهزة الاتصال وكل ما يتطلبه العمل العسكري والأمني من أشياء مادية ومعنوية وتدريب على أحدث الأساليب العسكرية والشرطية والأمنية؛ لأن الأمن ضرورة ملحة في هذه الفترة؛ خاصة بعد ظهور بعض التشوهات الناجمة عن ضعف الأداء الحكومي قبل الحرب؛ نتيجة لمنازعة بعض الجهات السياسية التي تجاهلت المصلحة الوطنية العليا وأعلت من حظوظها الحزبية خدمة لبعض الأجندة الخاصة والخارجية التي يعلمها كثير من المراقبين، وهي تهدف في جملتها للنيل من مرتكزات الشعب السوداني وموروثه القيمي والأخلاقي وربما المعرفي والتاريخي أيضاً بقصد اجتثاث كل القيم من مجتمعنا الأبي! ولابد في هذا الصدد من كنس آثار هذه الهجمة الشرسة افقد خلفت آثاراً سالبة عديدة منها ما هو اجتماعي وأسري ونفسي ومالي واقتصادي وسياسي وغير ذلك من الآثار السالبة التي تحتاج معالجة عاجلة وحكيمة حيث ظهرت مواقف عنصرية وجهوية بغيضة ينبغي الوقوف ضدها بكل حزم وعزم كجزء من حفظ الأمن؛ لأن تماسك النسيج الاجتماعي يعد ركيزة مهمة تتطلب جهداً مقدرا من جهات الاختصاص.
ومن جانب آخر نحتاج لفترة تأسيس يقودها أشخاص من ذوي الخبرة والحنكة والتدبير من أبناء الشعب السوداني بعيداً عن أية محاصصات جهوية أو قبلية أو حزبية، بل كفاءات نزيهة ومخلصة تضع لبنات قوية لحكم راشد يستوعب كل الشعب السوداني بمختلف توجهاته وانتماءاته الفكرية والإثنية؛ لأن الحصة وطن في هذه المرحلة. ولكي يتحقق هذا الأمر من الضرورة أن توكل القيادة لشخصية حازمة تستطيع التعامل مع الجوانب العسكرية والسياسية وتكون ذات قدرة وكفاءة عالية وتتمتع بقبول شعبي واسع، لأن التأسيس لحكم وطني راسخ هو بلا أدنى شك ضرورة قصوى حتى يتجاوز السودان آثار هذه المرحلة التي اتسمت بكثير من الخلل والتراخي وتجاذب مراكز القوة؛ ولهذا لابد أن يكون في البلاد جيش واحد ذو عقيدة تتسق مع أمن الوطن وسلامته وألا تكون هنالك حركات مسلحة لا داخل ولا خارج العاصمة المثلثة.
السودان لا يحتاج دعم أو عون خارجي للنهوض لكنه فقط بحاجة للاستفادة من كوادره البشرية التي تعيش في الداخل وفي المهاجر المتعددة وقد اكسبت خبرات كبيرة في شتى المجالات وتستطيع استغلال تلك الخبرات في استخدام مواردنا الطبيعية التي اغرت الآخرين بالتفكير في السيطرة على بلادنا وخيراتها التي نحن أولى بها من غيرنا وقد حان الأوان للاستفادة منها حتى تنعم بلادنا بالأمن والاستقرار وينعم شعبنا بالعيش الكريم ولهذا فإن الأمن أولوية... والتأسيس ضرورة.

tijani@hejailanlaw.com
//////////////////////

 

آراء