الأمن في جنوب السودان..!!
13 October, 2009
زفرات حرى
٭ بعد أكثر من شهر من الإعلان عن انتهاء حملة جمع السلاح في جوبا عاصمة الجنوب، ها هي المدينة المنكوبة تئن من جديد تحت وطأة هجمات المليشيات القبلية. وفي الحقيقة فإن جوبا وغيرها من مدن الجنوب لم تهدأ في يوم من الأيام من عصابات النهب المسلح ومختلف أنواع الجريمة، إلا أن الذي حدث هذه المرة مما حملته إلينا أنباء الأمس أن «08» شخصاً من مليشيا قبيلة المنداري هاجموا المدينة تحت سمع وبصر حكومة الاستوائية الوسطى، ونهبوا أعداداً كبيرة من الماشية وممتلكات أخرى. ويقول الخبر المنشور في صحيفة «الخرطوم مونتر» في الثامن من أكتوبر، إن الهجوم كان على بعد عدة أمتار من المنطقة المنهوبة، وقتل خلال الهجوم عدد من المهاجمين وأصحاب المواشي.
٭ العجيب في الأمر أنه في نفس الصحيفة وفي نفس اليوم والصفحة الأولى، كان هناك خبر عن مواجهة تمت بين مليشيات المنداري ودينكا بور الذين أحرقوا عشرين من قرى المنداري، مما دفع الآلاف إلى الفرار في وقت يتواصل فيه القتال منذ خمسة أيام بين دينكا بور والمنداري الذين قُتل منهم «12» شخصاً، بينما قُتل «71» من الدينكا وخمسة من الجيش الشعبي. وتقول بعض الروايات إن السبب في اشتعال المعارك أن أبقاراً لدينكا بور أغارت على مزرعة تابعة للمنداري الذين احتج أحدهم على ذلك، فما كان من أصحاب الأبقار إلا أن أردوه قتيلاً، واشتعلت المعركة بعدها بين القبيلتين في مشهد يعيد للأذهان ذكرى حرب داحس والغبراء أو حرب البسوس، بينما تقول رواية أخرى إن المنداري هم الذين بادروا بالهجوم.
٭ اقرأوا ما كتبته صحيفة «الأحداث» غير المتهمة لدى الحركة الشعبية كما «الانتباهة»، اقرأوا ما كتبت بتاريخ 11/01/9002م حول تدخل الجيش الشعبي وانحيازه للقبائل الجنوبية في المعارك الدائرة بين دينكا بور والمنداري، فقد جاء في الخبر إن «الجيش الشعبي اقتحم منطقة تركاكا التابعة لولاية الاستوائية الوسطى وقتل «7» من المنداري وجرح «3» آخرين أُسعفوا إلى مستشفى جوبا لتلقي العلاج، وقالت مصادر موثوقة لـ «الأحداث» إن أفراد فصائل الجيش الشعبي بالمنطقة إنحاز كل منهم إلى قبيلته ـ دينكا بور، المنداري، الباريا ـ مما أثار تخوفاً من اندلاع اشتباكات داخل الجيش الشعبي»، ثم قال الخبر إن «نزاعات وقعت الأسبوع الماضي بين رعاة دينكا بور ومزارعي المنداري تدخل فيها الجيش الشعبي لصالح الأولى وأحرق «02» قرية تتبع للمنداري في مناطق جميزة وسفاري».
٭ إذن فإن قرى المنداري العشرين أحرقها الجيش الشعبي المساند لدينكا بور، الأمر الذي يؤكد مجدداً ولوغ الدينكا المسيطرين على الجيش الشعبي في المعركة، وفي كل المعارك القبلية الدائرة في جنوب السودان..!!
٭ أما فهمتم قرائي الكرام سر انفراط عقد الأمن في جنوب السودان الذي يمارس فيه الدينكا أبشع أنواع التنكيل بالقبائل الجنوبية الأخرى..؟!
٭ افتتاحية «الخرطوم مونتر» بتاريخ 72/9/9002م كانت بعنوان: «انفراط عقد الأمن في جوبا»، حيث عبرت عن خيبة الأمل من حالة الفوضى التي تضرب جوبا، حيث قالت إنك تسمع اليوم عن احتدام الاقتتال القبلي في رومبيك وفي اليوم التالي يتكرر المشهد في ولايات أخرى، على أن أخطر ما ذكرته الصحيفة أن هذه النزاعات القبلية تُشجع من قبل المسؤولين الحكوميين لتلك القبائل المتنازعة، وأن ما يؤكد ذلك نوعية الأجهزة المستخدمة التي يصعب على المواطنين العاديين اقتناؤها.
٭ وهكذا يصبح جنود الجيش الشعبي المنوط بهم توفير الأمن للمواطنين، هم من يشعلون الحرب ويؤججون نيرانها في بلد يفتك به المرض ويحيط به الموت من كل مكان.. بالأمس كان الكلازار يفتك بالمرضى واليوم ينتشر مرض الإيبولا القاتل، ويستمر الأيدز القابض بخناق الجنوب في ظل حكومة عاجزة بل منهارة، كما أشارت إلى ذلك التقارير الأممية.
٭ نائبة الأمين العام للحركة الشعبية «قطاع الجنوب» آن إيتو قالت في تصريحات صحفية إن تسعاً من ولايات الجنوب تعاني من انعدام الأمن، فهل بعد هذا الاعتراف ما يحتاج إلى بيان وإثبات..؟!
٭ ثمة سؤال آخر أوجهه إلى قبيلة النعام: ماذا بربكم تتوقعون من الجيش الشعبي أن يفعل بالشماليين «الجلابة» عندما يصبح هو القوات المسلحة السودانية؟! هذا السؤال أطرحه بخلفية أن نيفاشا منحت الجيش الشعبي نصف القوات المسلحة السودانية، إذا تمخضت عن تقرير المصير وحدة بين الشمال والجنوب. وتخيلوا ما يمكن أن يحدث من جيش الدينكا الذي لم يحتمل القبائل الجنوبية الأخرى التي تحكمها حركته الشعبية، عندما نسلمه رقاب أعدائه «الجلابة» الذين يكن لهم من الحقد ما لا تقوى على حمله الجبال الرواسي.. حقد يعبر عن نفسه في الاحتفال بذكرى تمرد توريت الذي اُعتبر عند الجيش الشعبي يوماً وطنياً في جنوب السودان، بالرغم من أنه يحكي عن أول مذبحة تطهير عرقي في تاريخ السودان الحديث بحق أبناء الشمال الذين قُتلوا وذُبحوا كما الشياه.. تخيلوا بربكم ما يمكن أن يفعله الجيش الشعبي المدجج بالسلاح بالشمال وأهله عندما يصبح هو حامي الحمى «الحارس مالنا ودمنا»؟! إنه الحريق الكبير يا قبيلة النِّعام.. فمتى ترفعون رؤوسكم وتخرجونها من رمال الغفلة..؟!