الأنظمة العربية .. صمت الحملان !!

 


 

 




* القادة العرب لسان حالهم يردد : أُنج سعداً فقد هلك سعيد !

(صمت الحملان)  أو The Silence of the Lambs هوفيلم أُنتج عام 1991م وحاز على العديد من جوائز الأوسكار وقام ببطولته أنتوني هوبكنز وجودي فوستر.. هذا الفيلم يجسد عنوانه واسمه حال الأنظمة العربية في أيامنا هذي. صمت خجول وتوجس.. فزع من وقع السؤال القاسى (من التالي؟) .. إرتباك وتحسب لأي فرقعة في الشارع.. إنهماك في (مذاكرة) تجارب السقوط الطازجة والماثلة أمام الأعين واجتهاد مضنٍ لتجنب كوابيسها .. ما عاد لدى هذه الأنظمة وقت للتأمل في مجازر الأنداد من الطغاة أو إدانتها وشجبها ، فالكل مشغول بنفسه والكل يردد ( أُنج سعداً.. فقد هلك سعيد ) . إننا نعيش أيام الشعوب لا سنوات الطغاة .. نعيش عهد اليقظة الشعبية التي ما عاد يخيفها بطش وذُل أو إفقار وتجويع . أول أمس تونس وأمس مصر واليوم ليبيا التى تُدك وشعبها الباسل يُقصف بالطائرات ولكن هذا أمر لا يعنيهم طالما هم بمنجاة من ذاك الحريق، فقط يعينهم أن تبقى ألسنة النيران بعيداً عنهم.
إن أزمة الأنظمة العربية وأزمة حكامها تتلخص في إزدراء المواطن والتعالي فوق إرادته ، البعض يفعل ذلك  إستناداً إلى ملك عضود متوارث آل إليه عبر سلالة من الجُهال المتجبرين.. وآخرون غنموا الحكم عبر مغامرات ليلية سطو فيها على الدولة ووضعوها بكاملها في جيوب بزاتهم العسكرية ،  وما انفك أولئك وهؤلاء يجاهدون لاستنساخ سنوات قهرهم وعذابهم لشعوبهم في جيل جديد من الأبناء يجسدون طلعاً كأنه رؤوس الشياطين، كأنهم يريدون لذاك القهر أن يظل سرمدياً إلى يوم الدين، وللمواطن أن يظل عبداً خانعاً لشهواتهم وآثامهم، وللوطن أن يبقى ضيعةً وارفةً لنزواتهم.
قتلوا شعوبهم وما قاتلوا سواها ، باعوهم الفقر والجهل والمرض والأوهام الكاذبة ، وانتزعوا لقمة العيش الكريم وجرعة الدواء و(هدمة) الكساء من شعوبهم الصابرة والمحتسبة. أضحت الحدود أسواراً من الأسلاك الشائكة والوطن سجناً كبيراً لا يجسر أحد فيه أن يرفع صوته ، فلا صوت فوق صوت الزعيم ولا بطش إلا بطشه ، الناس متعبون.. لا يهم، جائعون .. لا يهم ، مقهورون.. لا يهم.
فذاك هو العقيد الموتور اليوم يحيل وطنه إلى حمام دم .. يدك عاصمة بلاده بالطائرات ويأتي بالمرتزقة المدججين بالسلاح لقهر شعبه. طرابلس محاصرة تجوبها فرق المرتزقة والعربات المصفحة وهي تطلق النار على المدنيين وحتى على طواقم الإسعاف.. جثث القتلى والجرحى منتشرة في الشوارع.. أكثر من 250 مدنياً قتلوا في يوم واحد في قصف شنته الطائرات الحربية على الأحياء السكنية.. نجله الاهبل المخبول سيف الإسلام القذافي يمارس سياسة الأرض المحروقة ويخير الشعب بين القبول بالنظام أو مواجهة الحرب.. عقيدان في الجيش الليبي رفضا أمراً بقصف المتظاهرين وهبطا بمطار في مالطا وطلبا اللجوء السياسي هناك. ذاك هو أمين القومية العربية وملك ملوك أفريقيا الذي أضحى مثل نيرون الذي أحرق روما وراح يقهقه ويرقص على أشلائها. لا أخال أنه يستحق حتى ميتة شاوشيسكو في رومانيا الذي حصدته مع زوجته بضع رصاصات ، فربما يدخر القدر له ميتةً كنوري السعيد رئيس وزراء العراق عقب الثورة في 14 يوليو 58. خرج نوري السعيد عقب نجاح الثورة متخفياً في عباءة امرأة ولكن يد الثوار أدركته فتم سحله على أسفلت الطرق في بغداد ، ففي عصر ذاك اليوم كانت مظاهرة تجر أطرافه السفلى على ضاحية الرصافة شرق دجلة بينما مظاهرة أخرى تجرجر أطرافه العليا ورأسه في الكرخ غرب النهر. ذاك هو غضب الشعوب الذي تأخذ حقها .. عين بعين وجرح بجرح ونفس بنفس.
لماذا يستطيب هؤلاء وأولئك أن يقعدوا على رقاب الشعوب ويكمموا أنفاسها لعقود من السنين ؟ ما لهم لا يريحون ويستريحون ؟ أو لم يسمعوا بنيلسون مانديلا الذي أمضى بزنزانة في سجن روبن ثلاثين عاماً وجاءته بعد الانتصار الرئاسة طائعة تتهادى فأعرض عنها بعد فترة رئاسية واحدة وآثر أن ينعم بشيخوخة إنسانية دافئة وسط أحفاده وأطفال شعبه ؟ أو لم يسمعوا بـ(ليوبولد سنجور) قيثارة أفريقيا وأول رئيس للسنغال، الذي جاء وهو المسيحي بـ(عبده ضيوف) المسلم ليرشحه خلفاً له ويمضي إلى اهتمامه بالأدب والشعر والفكر؟ لا شك أننا واهمون ونحن ننتظر من هؤلاء وأولئك أن يبيعوا ملكهم العضود مقابل رصيد إنساني كما فعل مانديلا، أو مقابل عشق للشعر والأدب كما سنجور، فأولئك وهؤلاء قوم لا يعنيهم الأدب .. لا يعرفونه ولا يعرفهم ولا تؤرقهم الإنسانية.
بعضهم استهواه الفكر اليساري فلم يدرك من اليسار إلا سجونه وزنازينه وقمعه وانغلاقه، ومضوا يتناسون العدالة الاجتماعية والتداول السلمي للسلطة وحق الشعوب وتطلعها لأنسام الحرية . وآخرون جنحوا لليمين واتخذوا من الإسلام ستاراً ودثاراً وحسبوا  أنفسهم وسطاء سماويين بين الخالق والرعية.. إرادتهم بعض من إرادة الله .. وسطوتهم تتنزل من السماء .. وبطشهم عقاب إلهي يحيق بالشعوب.. لا ظل لله إلا ظل سلطتهم ولا نعيم إلا ملكهم.. يؤتونه لمن يعزوا وينزعونه ممن يذلوا ، تناسوا وغفلوا في سنوات تيههم الطوال أن الإسلام هو العدل والرحمة لا السيف والنطع، وتناسوا أن أيام  الشعوب قادمة وأن سنوات الطغاة مدبرة . وآخرون أيضاً هم ملوك أبناء ملوك، حسبوا  أنفسهم سلالة منتخبة كُتب لها الملك الصولجان وكُتب على شعوبها ورعاياها الطاعة والاستكانة.. اسود ضوارٍ على الرعية وحمائم وادعة في حضرة الأسياد ، حتى إذا ما حانت الساعة وغلي الشارع وانفجر بركانه إرتخت ركبهم وجزعت نفوسهم وهم يلتمسون الفرار.
إذن هو صمت الحملان .. الحملان الواجفة المرتعشة وهي تُساق إلى نصل السكين الباتر فى يد الشعوب الثائرة .. نصل ما من سبيل لتجنبه .. سواءُ طالت السنوات أو تقاصرت الأيام.
fadil awadala [fadilview@yahoo.com]
///////////////

 

آراء