الإسلامويون بين المكابرة والدجل وثقافة القطيع !!
خالد ابواحمد
26 January, 2023
26 January, 2023
شاهدت قبل أيام فيديو عبر (اليوتيوب) يتحدث فيه القيادي بالحركة (الإسلامية) المهندس طارق محجوب، في ندوة نظمتها ما يعرف بـ(الحركة الوطنية للبناء والتنمية) بعنوان (عبرة الاخفاقات منذ الاستقلال حتي الانقاذ) في3 يونيو 2022م، في اطار سعي الجماعة إلى عودة حركتهم تحت مسمى جديد، جمعت فيه عددا كبيرا من الشباب في محاضرات وفعاليات مختلفة، الشباب غالبيتهم من طلاب الجامعات والمنبهرين بالقيادات التنظيرية، طارق محجوب واحدا منهم، كان نشطا بداية تسعينات القرن الماضي في مخاطبة الطلاب بالجامعات المختلفة وله خبرة طويلة في أركان النقاش الطلابية.
في هذا الفيديو اعترف المهندس محجوب اعترافا صريحا وهو الأول من نوعه لقيادي حركي أمام مجموعة من الشباب حديثي التجربة بالتنظيمات السياسية المتلبسة بالفكر الإسلامي، اعترف بأن نظام (الانقاذ) ألغى الدولة نهائيا، وكرره اعترافه بأن النظام البائد "ألغى المؤسسية" ولم يعترف بالفصل بين السلطات.. محجوب قدم اعترافات يجب على المُهتمين نشرها على نطاق واسع خاصة للشباب والمغرّر بهم فقال بالنص الآتي:
"في قراءة (الانقاذ) 30 سنة لا أتحدث عن جرائمها أنا أتحدث عن الأخطاء الإستراتيجية، (الإنقاذ) ألغت كل الدولة، الآن الضياع الذي نحن فيه سببه لأننا لم نرث دولة من (الإنقاذ)، وحولت بالدستور رئيس الجمهورية إلى فرعون بمطلق السلطات، وهو يلغي الدستور ويلغي البرلمان يلغي مجلس الوزراء، ويعيّن الغفير ورؤساء الجامعات ويُعيّن رئيس القضاء ويُعيّن كل شئ، أورثنا نظام بائس عشان كده عندما يأتي الرجل الأول في الدولة لا يعرف الرأس من المؤخرة، أضاع الرئيس الفصل بين السلطات، وما في أي مؤسسية لا في الدولة ولا في المجتمع، تم إلغاء المؤسسية تماما".
ويواصل الاعترافات فيقول:
"عندما نتحدث عن تجربة (الانقاذ) هي أعمق من مجرد نقد الجرائم التي ارتكبوها، وفي التفكيكات والتأثيرات التي فعلوها ومن إلغاء للنظام الاتحادي وإلغاء النظام الإقتصادي والنظام السياسي، وإلغاء لأي نظام موجود، أصبحت الدولة تدار بواسطة الأطفال المعجزين مثل الطفل المعجزة "اعتقد انه يقصد د. مصطفى عثمان اسماعيل"، وغيره، يدير كل شئ من خارج المؤسسية، عشان كدا عندما أتوا ناس قحت راحوا وما عرفوا يعملوا شئ ليس لأن هناك حكومة خفية لأنه لا يوجد نظام أصلا".
لكن..!!!!
كنت أتوقع من قيادي شاب مثل طارق محجوب الذي اعتبره من المستنيرين أن يكون منطقيا وواقعيا بحيث يطلب من قيادته أولا الاعتذار الصريح للشعب السوداني وفق ما أعترف به، ويعقب هذا الاعتذار ارجاع الأمانات لأهلها وفق النهج الإسلامي المعروف كما جاء في قوله تعالى: {إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل إن الله نعما يعظكم به إن الله كان سميعا بصيرا} (النساء:58)، وقد وصف القرطبي هذه الآية، بأنها "من أمهات الأحكام، تضمنّت جميع الدين والشرع.
إن الدين الإسلامي الحنيف عند طارق محجوب وغيره من الإسلامويين هو تنظير وخالي من أي إلتزامات عليهم وعلى كيانهم، وبما أنه قد أكد بالقول الصريح ما ارتكبته الجماعة فعليه أن يكون عادلا لأن ما أسماه بالأخطاء الاستراتيجية ترتبت عليها حقوق كثيرة جدا، وهي بطبيعة الحال لا تسقط بالتقادم، فإن مئات الآلاف الذين قتلوا في السودان بأشكال مختلفة هُم بشرأنزل الله فيهم آيات تتلى في رد الأمانة واحقاق الحق وإقامة العدل.
السيد طارق محجوب وبعد حديثه مباشرة حول " الأخطاء الاستراتيجية" طفق يتحدث عن ضعف الأحزاب السياسية (الأمة) و(الاتحادي) و(الشيوعي) وهو حديث سمج ومكرر طيلة فترة الديمقراطية الثالثة كنا في إعلام الحركة قد قتلناه نشرا وقراءة حتى مله الناس، وبعد الانقلاب المشؤوم مباشرة استمرت الألة الإعلامية للنظام في تبخيس الأحزاب الوطنية والإساءة إلى قواعدها وقياداتها، وبقوة عين عجيبة هرب المهندس طارق محجوب من استحقاقات الشعب السوداني الذي اكتوى بنار النظام البائد.
لو يدري طارق محجوب بأن اعترافه بإلغاء النظام البائد للدولة نهائيا وإلغاء مؤسسية الحُكم في السودان لهو أمر جلل وكبير جدا، وترتب عليه كما ذكرت الكثير من الحقوق التي يفترض أن ترجع لأصحابها ومن بينها وأقلها محاسبة المسؤولين عن الجرائم، والتعويض المادي لكل الأسر السودانية التي تاثرت بشكل أو آخر بفقدان معيلها أو أحد أفرادها، فلماذا يبقى الذين تسّببوا في الجرائم التي يندى لها الجبين حتى الآن..؟!.
المصيبة الكُبرى في الإسلامويون أنهم يعترفوا بـ"الأخطاء الاستراتيجية" التي دمرت وقتلت واغتصبت وعذبت وسرقت الموارد وارجعت السودان القهقهري آلاف السنين الضوئية، لكنهم لا يعترفوا أبدا بحقوق الآخرين لديهم، ثم يجتهدوا في إعادة الحُكم العضوض مرة أخرى، ثم بلا خجل يتحدثوا عن الفكر الإسلامي، وعن عمالة الآخرين..!.
الحركة (الاسلامية)..!
الكثير من قادة الإسلامويون في السودان يمارسوا الفهلوة واللعب على الدهون، والقيادي طارق محجوب في الندوة المشار إليها تناول جرعة كبيرة من الفهلوة بحيث كشف للمشاهدين عن نيته استغفال وتحمير عقول الناس، قال كلاما كثيرا حول ترتيب الأمور وعودة المؤسسات الديمقراطية وأعادة وهيكلة الجيش كما كان سابقا، هذا كله لا يهم في الوقت الحالي، وما يهم أنه تحدث عن (الانقاذ) وأخطائها الإستراتيجية بعيدا جدا عن الحركة (الإسلامية) ولم يذكرها في حديثه ألبتة، وهي أس المشكلة التي يعاني منها السودان الآن، أصلا من أين جاءت (الانقاذ)..؟، الجميع يعلم هي المولود الشرعي لما يُعرف بالحركة (الإسلامية) وقد تحدث الدكتور حسن الترابي بالتفاصيل الدقيقة عن ولادة (الإنقاذ) من رحمة الحركة، والترتيبات الأمنية التي صاحبتها وسيناريو " أذهب للقصر رئيسا وأنا أذهب للسجن حبيسا"، فالحركة هي التي أعطت الرئيس الساقط صلاحيات الفرعون ليكون هو الحاكم بأمر السودان في كل شئ، وسلمته زمام أمرنا بكل رضاء وقناعة ليفعل ما يريد، فكيف تغيب الحركة (الإسلامية) في الحديث عن (عبرة الاخفاقات منذ الاستقلال حتي الانقاذ)..!.
المكابرة والدجل
قيادي اسلاموي آخر اشتهر بالرعونة والبُعد عن الأخلاق هو أحمد ابراهيم الطاهر قرأت له رسالة قبل فترة يواسي فيها (الرئيس) البائد بلغة ايمانية شديدة التأثير، يمدحه فيها، يا سبحان الله، عمر البشير نفسه الذي اعترف بقتل أهل دارفور لأتفه الأسباب، وغيرها الكثير من الاعترافات البلهاء لم يقل أنه بطل، لكنها سنة الله في الطغاة عندما لا يجدوا من يردعهم، إلا أننا في السودان قد ابتلينا بطغيان فرعون وتجبّره كما قال المهندس طارق محجوب ألغى الدولة ومؤسساتها، وأصبح هو وحده من يُعيّن من الغفير حتى رئيس القضاء، فإن طغيان فرعون نموذج لطغيان سلطة (الإنقاذ) الظالمة فالإنسان المتجرد من التقوى والصلاح إذا ترأس وكان ذا قوة فإن من عادته أن يطغى ويعيث في الأرض الفساد، فالطغيان والبغي يولد معه الفساد والظلم كما قال تعالى (وَفِرْعَوْنَ ذِي الْأَوْتَادِ، الَّذِينَ طَغَوْا فِي الْبِلادِ، فَأَكْثَرُوا فِيهَا الْفَسَادَ) الفجر:(10ـ12)
جاء في تفسير هذه الآيات الكريمات "وفرعون ذي الأوتاد: أي الجنود والعساكر والجموع التي تشد ملكه، طغوا أي تمردوا وعتوا وتجاوزوا القدر في الظلم والعدوان"، كما حدث في السودان ولا زال يحدث "فأكثروا فيها الفساد أي الجور والظلم وهذه الصورة تتكرر مع كل سلطة ظالمة وهي أوضح ما تكون في الوجه البشع الكالح لنظام (الانقاذ) الذي انتشر شره وفساده في أرجاء البلاد.
وقبل يومين اطلعت على رسالة كتبها احمد ابراهيم الطاهر (من صفحة الزميل زهير ابوالزهراء- موقع سودانيزأونلاين) يواسي فيها زوجة الرئيس البائد وداد بابكر التي دانتها محكمة الامتداد بالخرطوم يوم الأحد الماضي 22 يناير 2023م وذلك خلال جلسة محاكمتها بتهم الثراء الحرام، وأصدرت حُكماً بمصادرة أملاكها وتغريمها مبلغاً كبيراً، حكمت عليها المحكمة بموجب قانون الثراء الحرام، مؤكدة أنها ظلت تتحصل على معاش زوجها بعد زواجها بـ11 عاما، في مخالفة لقانون القوات المسلحة وقانون الثراء الحرام. كما أكدت المحكمة أن الأحجار الكريمة التي تمتلكها "تمثل ثراء حراما ومشبوها"، وداد بابكر كما قالت المحكمة "طرأت عليها ثروة وعقارات وأحجار كريمة ولم تفلح في إثبات وجه امتلاكها".
في أبلغ صور النفاق والدجل يقول احمد ابراهيم الطاهر في رسالته لهذه اللصة الكبيرة:
"ان البراءة قادمة ان شاء الله لأن (الله اختارك من بين النساء جميعا لهذا الامتحان العسير)، إن كل ما تعرضت له من كيد وعداوة ولؤم غير مسبق في النيابة، وفي لجنة التفكيك مرصود عند الله في كتاب لا يضل ربي ولا ينسي، وما صدر ضدك من حكم هو نتاج طبيعي للضغوط التي تمارس ضد القضاء ليحيد عن العدل، ما أصابك أختي الكريمة مقصود به الإهانة للأخ الرئيس في محبسه ولأخي الشهيد ابراهيم في عليائه".
ويقول لا فض فوه ابراهيم الطاهر "فأنت لست امرأة عادية وإنما أنت رمز رفيع من رموز حركة التغيير الإسلامي في بلادنا فأبشري بالنصر إن شاء الله ولو بعد حين، ولا تلتفتي للشامتين فكلهم الآن غارق في وحل الفساد إلى أذنيه إلى حين، فيلضحكوا قليلا الآن وليبكوا كثيرا عند زوال الكرب وبزوغ النصر، وإنهم يرونه بعيدا ونراه بنور الله قريبا".
منتهى البُعد عن الله سبحانه وتعالى، ومنتهى الكذب والتلفيق والتمثيل ومحاولة الظهور بمظهر التقي الورع الذي يخاف الله ويجتنب نواهيه، 34 عاما لم نسمع عنه يوما انتقد مسلكا للنظام حتى داخل القنوات التنظيمية، ولانه طيلة حُكم الفرعون يتقلب في المناصب العدلية منها والسياسية الظاهرة منها والخفية، كان متوافقا مع سياسة البطش والقتل والتعذيب والسرقة والنهب لأبعد الحدود، احمد ابراهيم الطاهر اشتهر بمدح الرئيس البائد بما ليس به من حكمة وبطولة وشجاعة.
استحمار العقول..!!.
إن قادة الاسلامويون اعتادوا على الدفع بالناس وخاصة عضويتهم من الشباب والنائشة إلى الجهالة والغفلة والرضوخ والاستسلام، وقد وصف المفكر الإيراني د.علي شريعتي في كتابه المعروف بـ(النباهة والاستحمار) الانقياد الأعمى، وهي الاستحمار التي يرهن خلالها الفرد عقله لدى الآخرين، ليفكروا بدلاً منه، ويتحدثوا بلسانه، ويتصرفوا باسمه، فهي درجة استعبادية سالبة لحرية الفرد، وهذه الحالة متوفرة بكثرة في عضوية الاسلامويون في السودان الذين نطلق عليهم (القطيع) لأن كل مؤيدي الثورة هم الذين استجلوا الحقيقة منذ سنوات طويلة، وعرفوا مصدر الخطر الذي يتهدد بلادهم وأهليهم، ويهدد مستقبلهم فهم إذ يقفون الموقف المعارض لنظام الحركة (الاسلامية) بشرف وأخلاق ووطنية، يخرجوا للشوارع بدون مقابل مادي أو غذائي كما يفعل الجماعة في التحشيد.
الإسلامويون طيلة مسيرتهم يعتقدوا في أنفسهم الأهلية الكاملة لكل شئ، وعداهم لا يساوي شيئا، فقط هم المخولون من لدن الله سبحانه وتعالى بحُكم السودان، لذلك يوما ما قال أحد قادتهم بأنهم سيسلموا السودان لسيدنا عيسى (عليه السلام)، وكانوا على قناعة قوية جدا أنهم خالدين في الحُكم إلى يوم الدين، وكانوا متمسكين بالحاءات الثلاث، (الحركة والحزب والحُكم)، وبالمعنى السوداني "زيتنا في بيتنا"، ومن خلال القراءة لحال الجماعة اقول أنهم فقدوا انسانيتهم لأنهم فقدوا القدرة على استخدام العقل وراهنوا على القوة العسكرية والأمنية، وكان ولا زال الشعب السوداني ينظر إليهم بشفقة خاصة عندما يرى (القطيع) ينشر ويروج لما يصله من أعلى قمة الجماعة من أكاذيب وتلفيق، واصرار شديد على المغالاة وتحريف الكلم في محاولات بائسة لثبات موقفهم وصواب منهج الحركة وما تقوم به.
الإنسان الواعي والناضج فكراَ وسلوكاَ، قادر على التفكير المستقل والرؤية النقدية بحيث لا يسمح لنفسه أن يصبح فرداَ في قطيع لا يعرف أين هو ذاهب، فالحمدلله على نعمة العقل، وهو أعظم هبة منحها الله سبحانه وتعالى للإنسان، والبوصلة التي تهديه سواء السبيل بين مغريات الحياة التي لا تنتهي، والقيم والمبادئ الاسلامية الحقة، ويوم يفقد الانسان القدرة على تنمية هذه الهبة أو أستخدام هذه البوصلة، فإنه بالتالي يفقد إنسانيته كما حدث للإسلامويون الذين أصبحوا اليوم أجسادا بلا روح، كالببغاوات يرددون في الوسائط الاعلامية المختلفة كلاما بلا وعي.
وعندما نتحدث عن أصرار الجماعة البليغ على تجاهل حقوق الضحايا، فإن الثورة مستمرة وحتما ستصل إلى مبتغاها وانتزاع الحقوق بقوة القانون، وغدا لناظره لقريب.
26 يناير 2023م
khssen@gmail.com
في هذا الفيديو اعترف المهندس محجوب اعترافا صريحا وهو الأول من نوعه لقيادي حركي أمام مجموعة من الشباب حديثي التجربة بالتنظيمات السياسية المتلبسة بالفكر الإسلامي، اعترف بأن نظام (الانقاذ) ألغى الدولة نهائيا، وكرره اعترافه بأن النظام البائد "ألغى المؤسسية" ولم يعترف بالفصل بين السلطات.. محجوب قدم اعترافات يجب على المُهتمين نشرها على نطاق واسع خاصة للشباب والمغرّر بهم فقال بالنص الآتي:
"في قراءة (الانقاذ) 30 سنة لا أتحدث عن جرائمها أنا أتحدث عن الأخطاء الإستراتيجية، (الإنقاذ) ألغت كل الدولة، الآن الضياع الذي نحن فيه سببه لأننا لم نرث دولة من (الإنقاذ)، وحولت بالدستور رئيس الجمهورية إلى فرعون بمطلق السلطات، وهو يلغي الدستور ويلغي البرلمان يلغي مجلس الوزراء، ويعيّن الغفير ورؤساء الجامعات ويُعيّن رئيس القضاء ويُعيّن كل شئ، أورثنا نظام بائس عشان كده عندما يأتي الرجل الأول في الدولة لا يعرف الرأس من المؤخرة، أضاع الرئيس الفصل بين السلطات، وما في أي مؤسسية لا في الدولة ولا في المجتمع، تم إلغاء المؤسسية تماما".
ويواصل الاعترافات فيقول:
"عندما نتحدث عن تجربة (الانقاذ) هي أعمق من مجرد نقد الجرائم التي ارتكبوها، وفي التفكيكات والتأثيرات التي فعلوها ومن إلغاء للنظام الاتحادي وإلغاء النظام الإقتصادي والنظام السياسي، وإلغاء لأي نظام موجود، أصبحت الدولة تدار بواسطة الأطفال المعجزين مثل الطفل المعجزة "اعتقد انه يقصد د. مصطفى عثمان اسماعيل"، وغيره، يدير كل شئ من خارج المؤسسية، عشان كدا عندما أتوا ناس قحت راحوا وما عرفوا يعملوا شئ ليس لأن هناك حكومة خفية لأنه لا يوجد نظام أصلا".
لكن..!!!!
كنت أتوقع من قيادي شاب مثل طارق محجوب الذي اعتبره من المستنيرين أن يكون منطقيا وواقعيا بحيث يطلب من قيادته أولا الاعتذار الصريح للشعب السوداني وفق ما أعترف به، ويعقب هذا الاعتذار ارجاع الأمانات لأهلها وفق النهج الإسلامي المعروف كما جاء في قوله تعالى: {إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل إن الله نعما يعظكم به إن الله كان سميعا بصيرا} (النساء:58)، وقد وصف القرطبي هذه الآية، بأنها "من أمهات الأحكام، تضمنّت جميع الدين والشرع.
إن الدين الإسلامي الحنيف عند طارق محجوب وغيره من الإسلامويين هو تنظير وخالي من أي إلتزامات عليهم وعلى كيانهم، وبما أنه قد أكد بالقول الصريح ما ارتكبته الجماعة فعليه أن يكون عادلا لأن ما أسماه بالأخطاء الاستراتيجية ترتبت عليها حقوق كثيرة جدا، وهي بطبيعة الحال لا تسقط بالتقادم، فإن مئات الآلاف الذين قتلوا في السودان بأشكال مختلفة هُم بشرأنزل الله فيهم آيات تتلى في رد الأمانة واحقاق الحق وإقامة العدل.
السيد طارق محجوب وبعد حديثه مباشرة حول " الأخطاء الاستراتيجية" طفق يتحدث عن ضعف الأحزاب السياسية (الأمة) و(الاتحادي) و(الشيوعي) وهو حديث سمج ومكرر طيلة فترة الديمقراطية الثالثة كنا في إعلام الحركة قد قتلناه نشرا وقراءة حتى مله الناس، وبعد الانقلاب المشؤوم مباشرة استمرت الألة الإعلامية للنظام في تبخيس الأحزاب الوطنية والإساءة إلى قواعدها وقياداتها، وبقوة عين عجيبة هرب المهندس طارق محجوب من استحقاقات الشعب السوداني الذي اكتوى بنار النظام البائد.
لو يدري طارق محجوب بأن اعترافه بإلغاء النظام البائد للدولة نهائيا وإلغاء مؤسسية الحُكم في السودان لهو أمر جلل وكبير جدا، وترتب عليه كما ذكرت الكثير من الحقوق التي يفترض أن ترجع لأصحابها ومن بينها وأقلها محاسبة المسؤولين عن الجرائم، والتعويض المادي لكل الأسر السودانية التي تاثرت بشكل أو آخر بفقدان معيلها أو أحد أفرادها، فلماذا يبقى الذين تسّببوا في الجرائم التي يندى لها الجبين حتى الآن..؟!.
المصيبة الكُبرى في الإسلامويون أنهم يعترفوا بـ"الأخطاء الاستراتيجية" التي دمرت وقتلت واغتصبت وعذبت وسرقت الموارد وارجعت السودان القهقهري آلاف السنين الضوئية، لكنهم لا يعترفوا أبدا بحقوق الآخرين لديهم، ثم يجتهدوا في إعادة الحُكم العضوض مرة أخرى، ثم بلا خجل يتحدثوا عن الفكر الإسلامي، وعن عمالة الآخرين..!.
الحركة (الاسلامية)..!
الكثير من قادة الإسلامويون في السودان يمارسوا الفهلوة واللعب على الدهون، والقيادي طارق محجوب في الندوة المشار إليها تناول جرعة كبيرة من الفهلوة بحيث كشف للمشاهدين عن نيته استغفال وتحمير عقول الناس، قال كلاما كثيرا حول ترتيب الأمور وعودة المؤسسات الديمقراطية وأعادة وهيكلة الجيش كما كان سابقا، هذا كله لا يهم في الوقت الحالي، وما يهم أنه تحدث عن (الانقاذ) وأخطائها الإستراتيجية بعيدا جدا عن الحركة (الإسلامية) ولم يذكرها في حديثه ألبتة، وهي أس المشكلة التي يعاني منها السودان الآن، أصلا من أين جاءت (الانقاذ)..؟، الجميع يعلم هي المولود الشرعي لما يُعرف بالحركة (الإسلامية) وقد تحدث الدكتور حسن الترابي بالتفاصيل الدقيقة عن ولادة (الإنقاذ) من رحمة الحركة، والترتيبات الأمنية التي صاحبتها وسيناريو " أذهب للقصر رئيسا وأنا أذهب للسجن حبيسا"، فالحركة هي التي أعطت الرئيس الساقط صلاحيات الفرعون ليكون هو الحاكم بأمر السودان في كل شئ، وسلمته زمام أمرنا بكل رضاء وقناعة ليفعل ما يريد، فكيف تغيب الحركة (الإسلامية) في الحديث عن (عبرة الاخفاقات منذ الاستقلال حتي الانقاذ)..!.
المكابرة والدجل
قيادي اسلاموي آخر اشتهر بالرعونة والبُعد عن الأخلاق هو أحمد ابراهيم الطاهر قرأت له رسالة قبل فترة يواسي فيها (الرئيس) البائد بلغة ايمانية شديدة التأثير، يمدحه فيها، يا سبحان الله، عمر البشير نفسه الذي اعترف بقتل أهل دارفور لأتفه الأسباب، وغيرها الكثير من الاعترافات البلهاء لم يقل أنه بطل، لكنها سنة الله في الطغاة عندما لا يجدوا من يردعهم، إلا أننا في السودان قد ابتلينا بطغيان فرعون وتجبّره كما قال المهندس طارق محجوب ألغى الدولة ومؤسساتها، وأصبح هو وحده من يُعيّن من الغفير حتى رئيس القضاء، فإن طغيان فرعون نموذج لطغيان سلطة (الإنقاذ) الظالمة فالإنسان المتجرد من التقوى والصلاح إذا ترأس وكان ذا قوة فإن من عادته أن يطغى ويعيث في الأرض الفساد، فالطغيان والبغي يولد معه الفساد والظلم كما قال تعالى (وَفِرْعَوْنَ ذِي الْأَوْتَادِ، الَّذِينَ طَغَوْا فِي الْبِلادِ، فَأَكْثَرُوا فِيهَا الْفَسَادَ) الفجر:(10ـ12)
جاء في تفسير هذه الآيات الكريمات "وفرعون ذي الأوتاد: أي الجنود والعساكر والجموع التي تشد ملكه، طغوا أي تمردوا وعتوا وتجاوزوا القدر في الظلم والعدوان"، كما حدث في السودان ولا زال يحدث "فأكثروا فيها الفساد أي الجور والظلم وهذه الصورة تتكرر مع كل سلطة ظالمة وهي أوضح ما تكون في الوجه البشع الكالح لنظام (الانقاذ) الذي انتشر شره وفساده في أرجاء البلاد.
وقبل يومين اطلعت على رسالة كتبها احمد ابراهيم الطاهر (من صفحة الزميل زهير ابوالزهراء- موقع سودانيزأونلاين) يواسي فيها زوجة الرئيس البائد وداد بابكر التي دانتها محكمة الامتداد بالخرطوم يوم الأحد الماضي 22 يناير 2023م وذلك خلال جلسة محاكمتها بتهم الثراء الحرام، وأصدرت حُكماً بمصادرة أملاكها وتغريمها مبلغاً كبيراً، حكمت عليها المحكمة بموجب قانون الثراء الحرام، مؤكدة أنها ظلت تتحصل على معاش زوجها بعد زواجها بـ11 عاما، في مخالفة لقانون القوات المسلحة وقانون الثراء الحرام. كما أكدت المحكمة أن الأحجار الكريمة التي تمتلكها "تمثل ثراء حراما ومشبوها"، وداد بابكر كما قالت المحكمة "طرأت عليها ثروة وعقارات وأحجار كريمة ولم تفلح في إثبات وجه امتلاكها".
في أبلغ صور النفاق والدجل يقول احمد ابراهيم الطاهر في رسالته لهذه اللصة الكبيرة:
"ان البراءة قادمة ان شاء الله لأن (الله اختارك من بين النساء جميعا لهذا الامتحان العسير)، إن كل ما تعرضت له من كيد وعداوة ولؤم غير مسبق في النيابة، وفي لجنة التفكيك مرصود عند الله في كتاب لا يضل ربي ولا ينسي، وما صدر ضدك من حكم هو نتاج طبيعي للضغوط التي تمارس ضد القضاء ليحيد عن العدل، ما أصابك أختي الكريمة مقصود به الإهانة للأخ الرئيس في محبسه ولأخي الشهيد ابراهيم في عليائه".
ويقول لا فض فوه ابراهيم الطاهر "فأنت لست امرأة عادية وإنما أنت رمز رفيع من رموز حركة التغيير الإسلامي في بلادنا فأبشري بالنصر إن شاء الله ولو بعد حين، ولا تلتفتي للشامتين فكلهم الآن غارق في وحل الفساد إلى أذنيه إلى حين، فيلضحكوا قليلا الآن وليبكوا كثيرا عند زوال الكرب وبزوغ النصر، وإنهم يرونه بعيدا ونراه بنور الله قريبا".
منتهى البُعد عن الله سبحانه وتعالى، ومنتهى الكذب والتلفيق والتمثيل ومحاولة الظهور بمظهر التقي الورع الذي يخاف الله ويجتنب نواهيه، 34 عاما لم نسمع عنه يوما انتقد مسلكا للنظام حتى داخل القنوات التنظيمية، ولانه طيلة حُكم الفرعون يتقلب في المناصب العدلية منها والسياسية الظاهرة منها والخفية، كان متوافقا مع سياسة البطش والقتل والتعذيب والسرقة والنهب لأبعد الحدود، احمد ابراهيم الطاهر اشتهر بمدح الرئيس البائد بما ليس به من حكمة وبطولة وشجاعة.
استحمار العقول..!!.
إن قادة الاسلامويون اعتادوا على الدفع بالناس وخاصة عضويتهم من الشباب والنائشة إلى الجهالة والغفلة والرضوخ والاستسلام، وقد وصف المفكر الإيراني د.علي شريعتي في كتابه المعروف بـ(النباهة والاستحمار) الانقياد الأعمى، وهي الاستحمار التي يرهن خلالها الفرد عقله لدى الآخرين، ليفكروا بدلاً منه، ويتحدثوا بلسانه، ويتصرفوا باسمه، فهي درجة استعبادية سالبة لحرية الفرد، وهذه الحالة متوفرة بكثرة في عضوية الاسلامويون في السودان الذين نطلق عليهم (القطيع) لأن كل مؤيدي الثورة هم الذين استجلوا الحقيقة منذ سنوات طويلة، وعرفوا مصدر الخطر الذي يتهدد بلادهم وأهليهم، ويهدد مستقبلهم فهم إذ يقفون الموقف المعارض لنظام الحركة (الاسلامية) بشرف وأخلاق ووطنية، يخرجوا للشوارع بدون مقابل مادي أو غذائي كما يفعل الجماعة في التحشيد.
الإسلامويون طيلة مسيرتهم يعتقدوا في أنفسهم الأهلية الكاملة لكل شئ، وعداهم لا يساوي شيئا، فقط هم المخولون من لدن الله سبحانه وتعالى بحُكم السودان، لذلك يوما ما قال أحد قادتهم بأنهم سيسلموا السودان لسيدنا عيسى (عليه السلام)، وكانوا على قناعة قوية جدا أنهم خالدين في الحُكم إلى يوم الدين، وكانوا متمسكين بالحاءات الثلاث، (الحركة والحزب والحُكم)، وبالمعنى السوداني "زيتنا في بيتنا"، ومن خلال القراءة لحال الجماعة اقول أنهم فقدوا انسانيتهم لأنهم فقدوا القدرة على استخدام العقل وراهنوا على القوة العسكرية والأمنية، وكان ولا زال الشعب السوداني ينظر إليهم بشفقة خاصة عندما يرى (القطيع) ينشر ويروج لما يصله من أعلى قمة الجماعة من أكاذيب وتلفيق، واصرار شديد على المغالاة وتحريف الكلم في محاولات بائسة لثبات موقفهم وصواب منهج الحركة وما تقوم به.
الإنسان الواعي والناضج فكراَ وسلوكاَ، قادر على التفكير المستقل والرؤية النقدية بحيث لا يسمح لنفسه أن يصبح فرداَ في قطيع لا يعرف أين هو ذاهب، فالحمدلله على نعمة العقل، وهو أعظم هبة منحها الله سبحانه وتعالى للإنسان، والبوصلة التي تهديه سواء السبيل بين مغريات الحياة التي لا تنتهي، والقيم والمبادئ الاسلامية الحقة، ويوم يفقد الانسان القدرة على تنمية هذه الهبة أو أستخدام هذه البوصلة، فإنه بالتالي يفقد إنسانيته كما حدث للإسلامويون الذين أصبحوا اليوم أجسادا بلا روح، كالببغاوات يرددون في الوسائط الاعلامية المختلفة كلاما بلا وعي.
وعندما نتحدث عن أصرار الجماعة البليغ على تجاهل حقوق الضحايا، فإن الثورة مستمرة وحتما ستصل إلى مبتغاها وانتزاع الحقوق بقوة القانون، وغدا لناظره لقريب.
26 يناير 2023م
khssen@gmail.com