الإسلاميون بين الواقع و طائر العنقاء (1 – 2)
زين العابدين صالح عبد الرحمن
19 July, 2023
19 July, 2023
في السنة الثانية بعد ثورة ديسمبر 2018م، و تعالت الأصوات بعدم الحوار مع الإسلاميين و المطالبة بمحاكمتهم و إبعادهم عن العمل السياسي، و إرتفعت شعارات الإقصاء سئل الدكتور غازي صلاح الدين العتباني أحد مفكري الحركة الإسلامية ماذا انتم فاعلين و الاسواط تجلد ظهوركم، قال غازي أننا دائما نراهن على الزمن هو الذي يغير مجرى العمل السياسي. و أيضا قبل أيام سأل أحد الأصدقاء غازي هل انتم وراء الحرب الدائرة الآن و أنتم الذين تسيطرون على الجيش و كوادركم تدير دولاب العمل السياسي و الإعلامي لقوات الدعم السريع؟ قال : قد ضحك غازي، و قال: إذا نحن بهذه القوة المتحكمة في كل شيء و معطلة عمل كل شيء هل كانت تسمح أن يسقط نظامها. و أضاف قائلا: أن الإسلاميين أصبحوا شعارا يعلق أغلبية السياسيون فيه أخطائهم . و أيضا يجعله البعض طريق لتغطية رغباتهم الخاصة. و أضاف إذا جاءت نخب عاقلة و متجردة سوف تكتشف أن الشعار ما هو إلا تغطية لمصالح ليس لها علاقة لا بالوطن و لا بالمواطنين.
عندما ظهر أخطر شعار يحمل حمولات غير ديمقراطية ( أي كوز ندوسو دوس) كتبت مقالين ناقدا للشعار، و مدلولاته السياسية، و معلوم هو شعار منتج في معمل تسيطر عليه عقلية شمولية فكرا و ممارسة. و الشعار لا يهدف لمحاصرة الإسلاميين، رغم قاصري النظر يعتقدون ذلك، لكن الهدف من الشعار شعار محاصرة أي شخص ناقدا لسياسة الجهة التي وراء الشعار. أي أداة تعمل كفزاع لكي تخرس أي صوت يبن الحق، الغريب في الأمر أن خالد يوسف عمر القيادي في حزب المؤتمر السوداني احد النقاد الذين نقدوا الشعار لكنه الآن اكثر الناس استخداما له. في الفكر السياسي أن المباديء هي التي تضبط و تحاصر المصالح الخاصة و الحزبية، لكن في السودان أن الأحزاب و السياسيين و حتى المثقفين هم الذين يغيرون المباديء لكي تتوافق مع مصالحهم.
كان المتوقع أن الأحزاب السياسية تنشط لكي تنتج ثقافة ديمقراطية عبر الممارسة و الإنتاج الفكري لكي ينداح على الثقافة الشمولية المتراكمة لعقود تمثل فترات النظم الشمولية، لكن الأحزاب نفسها ( قصر مشيد و بئر معطلة) لذلك لم تستطيع أن تفكر أبعد من الذي كانت تفكر فيه الإنقاذ و تمارسه، رغم أن شعارات الديمقراطية المرفوعة تحتاج لطريق مغاير عن الذي كانت تمارسه الإنقاذ العزل و الإقصاء و غيرها. فالديمقراطية تشيد على عمودين الحوار و التفاوض. لكي لا تخلق أي تحدي أو عائق لمسار عملية التغيير. فهل كان السياسيون مدركون لدورهم في عملية التغيير. اعتقد لا. و دلالة على ذلك أن الانقسام حدث داخل القوى التي كانت تعتقد هي صاحبة المصلحة في التغيير، و هي المناط بها هندسة الفترة الانتقالية لكي تلائم مسار التحول الديمقراطي، و نسيت هذه القيادات أن أهم أداة في التغيير السياسي و الاجتماعي هي الأفكار، و كانت عاجزة عن تقديم الأفكار التي تساعدها على إنجاز مهمتها، هي اعتمدت على الشعارات و احتارت كيف تنزلها على الأرض. فالحرب نتيجة طبيعية لهذا العجز. و أهم اسباب الانقسام و الصراع بي ن التيارات المختلفة لم يكن خلافا في وجهات النظر لعملية التحول الديمقراطي بل كان على الاستحواذ على السلطة.
فشلت القوى السياسية أن تخضع الواقع و متغيراته و المكنزمات المتحكمة فيه للدراسة و البحث، لتعرف مكامن القوة و الضعف فيه، و عجزت القيادات السياسية للقوى التي تعتقد هي صانعة اثورة أن تدير حوارا فيما بينها، هذا العجز يبين أنها لا تملك المقومات التي تجعلها تستطيع أن تدير الأزمة بنجاح. لذلك مالت لمنهج التبرير و بدأت كل مجموعة تخفق في مسعاها تبحث عن شماعة تعلق فيها الأخطاء لذلك استدعت شعار ( أي كوز ندوسو دوس) و وجدت أن حالة الغضب التي ظهرت في الشارع تجاه الإسلاميين تجعلهم أن يجعلوهم شماعة لتعليق الأخطاء. و هم يعلمون أن ثورة ديسمبر 2018م لم تسقط نظام الإنقاذ لوحده هي اسقطت مشروع الحركة الإسلامية، و أصبح غير مقبول عند الشارع. لكن الأحزاب هي نفسها تعاني حالة من الضعف لم تمر في تاريخ السودان.
قال الدكتور التجاني عبد القادر أحد القيادات الإسلامية في برنامج (مقاربات لقناة الشروق) في يونيو 2012م "كنا نعبر عن قضية الحرية والعدل والديمقراطية حينما كنا في المعارضة, سنوات طويلة كنا نتحدث عن الحريات والعدالة وطيلة فترة نميري كان هذا هو الشعار" و يقول ناقدا في ذات المقابلة "لكن بكل أسف في المراحل اللاحقة حينما تحولنا من المعارضة إلى مرحلة الحكم توارت هذه الشعارات وضعفت بعض الشيء وطغت قضايا أخرى وهذه واحدة من سلبيات الحركة الإسلامية ليس هناك اتساق بين مرحلة المعارضة ومرحلة الدولة." و هناك المقال الذي كان قد كتبه الدكتور التجاني عن اخفاقات الإنقاذ، تحدث فيه عن تحالف (القبيلة و الأمن و رأس المال) باعتبارها القوى المسيطرة على النظام الحاكم و تديره، و قدم العديد من النخب الإسلامية انتقادات للنظام الحاكم، كل تلك كانت تبين أن الحركة الإسلامية ليس تيارا فكريا واحدا، بل هناك تيارات مختلفة، راغبة في عملية التحول الديمقراطي، و أن تجربتها في الحكم أثبتت أن مرجعيتها السياسية تحتاج لإعادة النظر، و أيضا البعض يعتقد أن مشروع الحركة الإسلامية فشل، و أي نقد للمشروع و إعادة النظر لن يعيد المشروع السابق.
إذا كان هناك مفكرون في وسط القيادات السياسية كان عليهم أن يستغلوا حركة النقد التي بدأت وسط الإسلاميين أثناء حكم لنظام الإنقاذ، و هي انتقادات لنظام قائم كان يمارس سلطته، لكن القصور للتيار الفكري داخل الأحزاب هو الذي جعل السياسيين لا يستطيعوا النظر ابعد من أرنبة أنوفهم، لذلك تقاعسوا على فتح حوار مع هؤلاء لكي يؤمنوا عملية التحول الديمقراطي، بل بشكل مقصود جعلوهم كلهم في سلة واحدة، و عندما اقتضت المصالح سعوا لاستقطاب عضوية المؤتمر الشعبي لمساندة (الاتفاق الإطاري) و لكن عجز الفكرة و غياب المفكرين هو الذي جعلهم لا يلتفتوا للحوار معهم لدعم مسيرة الديمقراطية نواصل.
zainsalih@hotmail.com
عندما ظهر أخطر شعار يحمل حمولات غير ديمقراطية ( أي كوز ندوسو دوس) كتبت مقالين ناقدا للشعار، و مدلولاته السياسية، و معلوم هو شعار منتج في معمل تسيطر عليه عقلية شمولية فكرا و ممارسة. و الشعار لا يهدف لمحاصرة الإسلاميين، رغم قاصري النظر يعتقدون ذلك، لكن الهدف من الشعار شعار محاصرة أي شخص ناقدا لسياسة الجهة التي وراء الشعار. أي أداة تعمل كفزاع لكي تخرس أي صوت يبن الحق، الغريب في الأمر أن خالد يوسف عمر القيادي في حزب المؤتمر السوداني احد النقاد الذين نقدوا الشعار لكنه الآن اكثر الناس استخداما له. في الفكر السياسي أن المباديء هي التي تضبط و تحاصر المصالح الخاصة و الحزبية، لكن في السودان أن الأحزاب و السياسيين و حتى المثقفين هم الذين يغيرون المباديء لكي تتوافق مع مصالحهم.
كان المتوقع أن الأحزاب السياسية تنشط لكي تنتج ثقافة ديمقراطية عبر الممارسة و الإنتاج الفكري لكي ينداح على الثقافة الشمولية المتراكمة لعقود تمثل فترات النظم الشمولية، لكن الأحزاب نفسها ( قصر مشيد و بئر معطلة) لذلك لم تستطيع أن تفكر أبعد من الذي كانت تفكر فيه الإنقاذ و تمارسه، رغم أن شعارات الديمقراطية المرفوعة تحتاج لطريق مغاير عن الذي كانت تمارسه الإنقاذ العزل و الإقصاء و غيرها. فالديمقراطية تشيد على عمودين الحوار و التفاوض. لكي لا تخلق أي تحدي أو عائق لمسار عملية التغيير. فهل كان السياسيون مدركون لدورهم في عملية التغيير. اعتقد لا. و دلالة على ذلك أن الانقسام حدث داخل القوى التي كانت تعتقد هي صاحبة المصلحة في التغيير، و هي المناط بها هندسة الفترة الانتقالية لكي تلائم مسار التحول الديمقراطي، و نسيت هذه القيادات أن أهم أداة في التغيير السياسي و الاجتماعي هي الأفكار، و كانت عاجزة عن تقديم الأفكار التي تساعدها على إنجاز مهمتها، هي اعتمدت على الشعارات و احتارت كيف تنزلها على الأرض. فالحرب نتيجة طبيعية لهذا العجز. و أهم اسباب الانقسام و الصراع بي ن التيارات المختلفة لم يكن خلافا في وجهات النظر لعملية التحول الديمقراطي بل كان على الاستحواذ على السلطة.
فشلت القوى السياسية أن تخضع الواقع و متغيراته و المكنزمات المتحكمة فيه للدراسة و البحث، لتعرف مكامن القوة و الضعف فيه، و عجزت القيادات السياسية للقوى التي تعتقد هي صانعة اثورة أن تدير حوارا فيما بينها، هذا العجز يبين أنها لا تملك المقومات التي تجعلها تستطيع أن تدير الأزمة بنجاح. لذلك مالت لمنهج التبرير و بدأت كل مجموعة تخفق في مسعاها تبحث عن شماعة تعلق فيها الأخطاء لذلك استدعت شعار ( أي كوز ندوسو دوس) و وجدت أن حالة الغضب التي ظهرت في الشارع تجاه الإسلاميين تجعلهم أن يجعلوهم شماعة لتعليق الأخطاء. و هم يعلمون أن ثورة ديسمبر 2018م لم تسقط نظام الإنقاذ لوحده هي اسقطت مشروع الحركة الإسلامية، و أصبح غير مقبول عند الشارع. لكن الأحزاب هي نفسها تعاني حالة من الضعف لم تمر في تاريخ السودان.
قال الدكتور التجاني عبد القادر أحد القيادات الإسلامية في برنامج (مقاربات لقناة الشروق) في يونيو 2012م "كنا نعبر عن قضية الحرية والعدل والديمقراطية حينما كنا في المعارضة, سنوات طويلة كنا نتحدث عن الحريات والعدالة وطيلة فترة نميري كان هذا هو الشعار" و يقول ناقدا في ذات المقابلة "لكن بكل أسف في المراحل اللاحقة حينما تحولنا من المعارضة إلى مرحلة الحكم توارت هذه الشعارات وضعفت بعض الشيء وطغت قضايا أخرى وهذه واحدة من سلبيات الحركة الإسلامية ليس هناك اتساق بين مرحلة المعارضة ومرحلة الدولة." و هناك المقال الذي كان قد كتبه الدكتور التجاني عن اخفاقات الإنقاذ، تحدث فيه عن تحالف (القبيلة و الأمن و رأس المال) باعتبارها القوى المسيطرة على النظام الحاكم و تديره، و قدم العديد من النخب الإسلامية انتقادات للنظام الحاكم، كل تلك كانت تبين أن الحركة الإسلامية ليس تيارا فكريا واحدا، بل هناك تيارات مختلفة، راغبة في عملية التحول الديمقراطي، و أن تجربتها في الحكم أثبتت أن مرجعيتها السياسية تحتاج لإعادة النظر، و أيضا البعض يعتقد أن مشروع الحركة الإسلامية فشل، و أي نقد للمشروع و إعادة النظر لن يعيد المشروع السابق.
إذا كان هناك مفكرون في وسط القيادات السياسية كان عليهم أن يستغلوا حركة النقد التي بدأت وسط الإسلاميين أثناء حكم لنظام الإنقاذ، و هي انتقادات لنظام قائم كان يمارس سلطته، لكن القصور للتيار الفكري داخل الأحزاب هو الذي جعل السياسيين لا يستطيعوا النظر ابعد من أرنبة أنوفهم، لذلك تقاعسوا على فتح حوار مع هؤلاء لكي يؤمنوا عملية التحول الديمقراطي، بل بشكل مقصود جعلوهم كلهم في سلة واحدة، و عندما اقتضت المصالح سعوا لاستقطاب عضوية المؤتمر الشعبي لمساندة (الاتفاق الإطاري) و لكن عجز الفكرة و غياب المفكرين هو الذي جعلهم لا يلتفتوا للحوار معهم لدعم مسيرة الديمقراطية نواصل.
zainsalih@hotmail.com