الإسلاميون بين الواقع و طائر العنقاء ( 2 -2)
زين العابدين صالح عبد الرحمن
20 July, 2023
20 July, 2023
أن إشكالية الفشل في الفترة الانتقالية، و التي كانت قد لازمت قيادات الحرية التغيير يرجع إلي أنهم لم يستطيعوا أن ينظروا إلي جميع زوايا المسرح بعين بصيرة. كانت الحكمة أن يدرسوا المجتمع و هو في مرحلة تحول و تغيير، لمعرفة ما هي القوى المؤثرة، و التي تملك ميكانزمات للحركة تستطيع أن تخلق تحديات متواصلة لعملية التحول الديمقراطي. و أيضا معرفة كيفية التعامل مع قوى سياسية حكمت ثلاث عقود كسبت فيها خبرات واسعة في إدارة الصراع الأزمات، المسألة الأخرى المهمة التي وضحت من خلال الأحداث في الأربعة سنوات. أن قوى الحرية و التغيير فشلت أن تجد لها مدخل حواري مع القوى الإسلامية أو مع مجموعات من الإسلاميين مؤيدة لعملية التغيير، و المتابع للحركة السياسية السودانية يتضح له أن الإسلاميين ليس حركة واحدة، بل عوامل السلطة قد فرقت بينهم، و تعددت شعبهم و اسمائهم، و لكن كانت هناك قوى سياسية في غاية الذكاء نجحت أن تجعل كل هؤلاء في سلة واحدة من خلال إطلاق شعار ( أي كوز ندوسو دوس) و لأسباب انتقامية تاريخية، لم تبحث تلك القيادات إذا كانت هناك كتل إسلامية لها الاستعداد للدخول في حوار يؤمن مسيرة التحول الديمقراطي أم لا. كانت قيادات الحرية و التغيير تركز في محاصصات السلطة، لذلك ما كانت تفكر في أي حوار يجنب البلاد المنزلقات الخطيرة. هذا أيضا يقود لعدة أسئلة: هل كانت قيادات الحرية و التغيير تضع (التحول الديمقراطي) البند الأول في أجندتها؟ و ماذا كان يعتقد السياسيون في كتلة الحرية و التغيير قبل انقساماتها عن مشروع الإسلاميين سقط قبل سقوط الإنقاذ أم مع سقوط الإنقاذ؟ و هل السقوط هو خلل في المرجعية الفكرية التي جعلت النخب الإسلامية تفشل في التزاوج بين القيم السماوية و بين الرغائب الدنيوية أم صراع لمركز القوى؟ إذا كانت أحزاب الحرية و التغيير تمتلك مفكرين داخل مؤسساتها كانوا بدأوا بالإجابة على هذه الأسئلة، لكي يتبن لهم أفضل الطرق للتعامل مع الإسلامين و لا يجعلونهم جميعا في سلة واحدة، و كانوا أسقطوا شهار أي كوز و استبدلوه بحوارات متعددة تعيد تشابك نسيج الاجتماعي منعا للفرقة و الشتات.
في يوم 17 /7/ 2017م أجرت (جريدة الصيحة) حوارا صحفيا مع البروف حسن مكي الذي لفت فيه قيادات قوى الحرية إلي سؤال: هل يستطيعون التعامل مع الواقع بعقل مفتوح؟ أم يكتفوا بالشعارات ذات المضمون المعوج.. حيث قال مكي " هل تستطيع قيادات ومكونات قوى إعلان الحرية والتغيير أن يكونوا عقلاً سياسياً يتعامل مع ذلك الواقع.؟" و أضاف قائلا "صحيح أنهم الآن قادوا الاحتجاجات، لأن الاحتجاج ساهل بإمكانهم قيادته وكذلك بإمكانهم قيادة المظاهرات وتوجيه الناس، وأن يجعلوا الناس يتحركون بدوافع داخلية، ولذلك لابد أن نفرق بين هذا وبين المجتمع العميق فيه طرق صوفية وحركات عنصرية وفصائل وأشياء أخرى" لا تستطيع قيادات الأحزاب أن تجاوب على هذا السؤال، و إلا كانت سلكا طريقا أخر. و هي قيادات لم يتبين في مسيرة بعضهم القصيرة أو أولئك الذين تجاوزوا عمرهم الافتراضي كانوا يشتغلون بالفكر. جميعهم اعتمدوا على الشعارات في العمل السياسي بديلا عن الفكر، مما يؤكد أنهم لا يشتغلون بلإجابة على الأسئلة ما دام المصلحة معلقة بالسلطة.
أن الثلاث عقود من عمر الإنقاذ قد تسببت في الضعف الذي تعاني منه الأحزاب السياسية، و عندما تفجرت ثورة ديسمبر كانت هناك حالة من الجمود الفكري و الثقافي في الساحة السياسية، و عدم الانتظام في السنة الدراسية خاصة في الجامعات أثرت بصورة سالبة على العملية السياسية، حيث كانت حركة الطلاب في الجامعات تدفع بالعمليات السياسية، و أن منصاتها كانت عبارة عن تيارات ناقد لمجريات العمل السياسي، فالتعطيل الذي حدث في الدراسة و عدم انتظامها أثر بصورة مباشرة على العملية السياسية، خاصة في غياب العناصر المفكرة التي تقود الحوار، هذا الجمود الفكري جعل الكل يتجه نحو السلطة. و في نفس الوقت كانوا جميعا يحاولون حماية انفسهم و مواقعهم من خلال استخدام شعار ( أي كوز ندوسو دوس) لأنهم أطلقوا الشعار لمحاصرة أي رأي معارض لفكرتهم. من مضحكات السياسة و معلومة للكل: أن الحزب الشيوعي خرج ببيانات و تظاهرات بأنه يريد إسقاط حكومة الحرية و التغيير الثانية التي كان يترأسها عبد الله حمدوك، و عندما اسقط الجيش حكومة حمدوك غضب الزملاء و قالوا أن الفلول يريدون العودة رغم ان الجيش حقق لهم مطلبهم، أختطفت قيادات الحرية كلمة الفلول و قالت أن الفلول عملوا انقلاب. و نسيت أن الحزب الشيوعي كان أكبر محرض للإسقاط حكومتهم، و فجأة تذكروا أن الحزب الشيوعي خرج من الحرية و التغيير. و عندما بدأت الحرية و التغيير مفاوضاتها مع المكون العسكري في الغرف المغلقة، بدأت تشعر أن منافسها في السلطة هم الحرية و التغيير الديمقراطي لذلك اسقطت كلمة الفلول و بدأت تصب جام غضبها على (مجموعة الموز) لأن هؤلاء ينافسونهم في السلطة، المصالح تغير القناعات.
في ذات اللقاء السابق قال البروف حسن مكي " أن الحركة الاسلامية في السودان "انتحرت ذاتيا" عندما انخرط رائدها الدكتور حسن الترابي في حالة روحية وعقلية وضعته في مكانة "المهدي"، وسقط مشروعها عندما حاول الرئيس البشير المعزول محاكاة الترابي، موضحا أن فصل السياسي عن الدعوي بدأ مبكرا في السودان بعد الانقلاب العسكري في حزيران (يونيو) 1989م حين أبعد المفكرون والتنويريون في الحركة الاسلامية من اتخاذ القرار في السلطة." هذا الحديث يؤكد أن الصراع داخل الحركة الإسلامية بدأ في الشهور الأولى من الانقلاب، و أن الحركة تخلصت من العناصر المفكرة و التي تلعب دورا في عملية الاستنارة داخل المنظومة الإسلامية. و يؤكد ما ذهب إليه مكي اللقاء الذي أجرته الشروق في يونيو 2012 مع الدكتور التجاني عبد القادر الذي قال فيه " أن كثيراً من الدارسين للحركات الاجتماعية والسياسية يقولون إن الحركة لن تبلغ مرحلة النضج والرشد إلا بتنحي الآباء التأسيسيين لتتاح فرصة لأجيال أخرى تتعاقب في القيادة جيلاً بعد جيل وتجربة بعد تجربة فإذا طال أمد الجيل التأسيسي يضر بتطور الحركة الطبيعي أياً كانت الحركة." و أضاف قائلا "أنا أعتقد أن معظم الانشقاقات التي حدثت تعود إلى أنه أصبحت تبرز تكتلات داخل الحركة الإسلامية ومراكز قوى وقيادات وشيء من هذا القبيل وتضعف الشورى فطبيعي أن تتحول الشورى إلى شعار وتتحول إلى شكل هذا ما يصيب كثيراً من التنظيمات" أن مفكري الحركة الإسلامية كانوا يؤكدون أن هناك تيارا كان رافضا لحكم الإنقاذ، و هناك تيارات أيضا خرجت تعارض الإنقاذ، لكن قيادة الحرية و التغيير لم تكن مشغولة بقضية التحول الديمقراطية و إلا كانت نظرت لتلك التيارات، و تفتح معها حوارا لمصلحة عملية التحول الديمقراطي التي تحتاج لأكبر قاعدة اجتماعية، و تجنبها التحديات القاسية التي تردد الآن. لكن هل كانت لها الصبر ان تخضع ذلك للدراس حتى يتشكل لها منهجا جديدا في العمل و إدارة الأزمة.
في محطة أخرى التقت شبكة (عاين) بالمفكر الاسلامي والقيادي بالمؤتمر الشعبي (المحبوب عبد السلام) قائلاً لشبكة (عاين) “تيار الإسلام السياسي الذي يحوي الحركات الاسلامية جميعها، ويمتد من الغنوشي إلى البغدادي، قد استنفذ أغراضه" الغريب في الأمر هذه المقولة لم تقف عند شبكة ( عاين) بل فتحت الباب لعدد من الحوارات أجرتها قنوات مختلفة مع المحبوب، كانت تناقش القضية من الناحية الفكرية و السياسية، إلا القنوات السودانية ما عدا (قناة البلد) لم تهتم بالموضوع، لكن النخب السياسية التي جعلت الإسلاميين شماعة لإخطائهم لم تلتفت لتلك الأقوال و تجاهلتها إما إنها تريد الاستفادة من شعار (الكوز ندوسو) لخدمة مصالح أو أنها لم تتعود الدخول في حوارات فكرية تفضح مقدراتها المعرفية، و الحوار كان ضروريا لسببين؛ الأول أن تخفف سيل التحديات لعملية التحول الديمقراطي، و الثاني أن تطور لغة الحوار من المنتج الضحل ( أي كوز ندوسو دوس) الذي يبين فقر المعرفة و سطحية العمل السياسي إلي حوار فكري منتج لثقافة ديمقراطية. و عندما اشتد الضغط على شماعة الإسلاميين كتب المحبوب عبد السلام مقالا بهدف تحويل الصراع من الصفري إلي صراع فكري، كتب المحبوب يقول "يخطئ الاسلاميون السودانيون لو ظنوا أن التاريخ يمكن أن تعاد صناعته ويعطى نفس النتائج وفق منهج عملياتى يريد أن يختبر فى المجتمع ما يختبر فى مختبرات العلوم البحتة، ورغم أن التاريخ والمجتمع يتبدل أمام النواظر والبصائر فإن البصائر النافذة وحدها قادرة على إكتناه مدى عمق التغيير وسعة التحولات التى سيحدثها، فإبن خلدون بعد أن كتب مجلداته التسعة عن تاريخ الأمم جلس لاربعة أعوام يتأمل فيما كتب قبل أن يكتب المقدمة، بل إن السبب الرئيس الذي حداه لكتابة المقدمة هو ما أبانه في الصفحات الأولى من مقدمته: إن الانسان كأنما يتبدل من أصله والبشرية كأنما تستأنف من جديد" أن الإشكالية في العقل السياسي السوداني، و أيضا إشكالية المتلقي الذي لا يفحص الشعارات التي يرددها بل يتفاعل معها بشكل عاطفي ، أو تعاطف سياسي بعيدا عن الاستيعاب الذي يقود للوعي. و كلها تحركها مصالح ضيقة.
في ذات الوقت أن العديد من مشتغلي الفكر في الحركة الإسلامية يؤكدون أن المشروع قد ضعف و سقط، و إذا أراد له أن يبعث من جديد سوف يكون خلافا لذلك الذي كان من قبل، إلا بعض السياسيين و أصحاب الأيديولوجية المصابون بحالة الضمور المعرفي و الفكري، أن بتبريراتهم جعلتهم يصنعوا شماعة بإسم الكيزان يعلقون عليها أخطائهم؛ هم يريدون أن يجعلوا الحركة الإسلامية كطائر العنقاء لكي تبعث من جديد ، ليس كحركة سياسية جديدة، و لكن يريدونها كأسطورة أو الميت الذي ينقلب ( البعاتي) في الحكايات الشعبية. قالوا أن الحركة الإسلامية مسيطرة على الخدمة المدنية هي التي قامت بالانقلاب هي التي تقاتل قوات الدعم السريع، هي التي أفشلت مؤتمر أديس أبابا التأمري، هي التي تحتكر الإعلام و لا تريد التفاوض... إذا كانت الحركة الإسلامية بهذه القوة و الفاعلية و الحركة المؤثرة التي تعطل كل شيء... ماذا أنتم فاعلون معها؟ ما هو الحل الذي تقترحونه من أجل استقرار البلاد. من الغرائب كتب ياسر عرمان مقالا يقول ( نريد تحالف جديد يضمنا و الشيوعيين و الثوريين منذ الحرب هذا التحالف قائم ماذا فعل.. الرد كان 9909% من الشعب يهتف جيش واحد شعب واحد. أن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم نسأل الله حسن البصيرة.
zainsalih@hotmail.com
في يوم 17 /7/ 2017م أجرت (جريدة الصيحة) حوارا صحفيا مع البروف حسن مكي الذي لفت فيه قيادات قوى الحرية إلي سؤال: هل يستطيعون التعامل مع الواقع بعقل مفتوح؟ أم يكتفوا بالشعارات ذات المضمون المعوج.. حيث قال مكي " هل تستطيع قيادات ومكونات قوى إعلان الحرية والتغيير أن يكونوا عقلاً سياسياً يتعامل مع ذلك الواقع.؟" و أضاف قائلا "صحيح أنهم الآن قادوا الاحتجاجات، لأن الاحتجاج ساهل بإمكانهم قيادته وكذلك بإمكانهم قيادة المظاهرات وتوجيه الناس، وأن يجعلوا الناس يتحركون بدوافع داخلية، ولذلك لابد أن نفرق بين هذا وبين المجتمع العميق فيه طرق صوفية وحركات عنصرية وفصائل وأشياء أخرى" لا تستطيع قيادات الأحزاب أن تجاوب على هذا السؤال، و إلا كانت سلكا طريقا أخر. و هي قيادات لم يتبين في مسيرة بعضهم القصيرة أو أولئك الذين تجاوزوا عمرهم الافتراضي كانوا يشتغلون بالفكر. جميعهم اعتمدوا على الشعارات في العمل السياسي بديلا عن الفكر، مما يؤكد أنهم لا يشتغلون بلإجابة على الأسئلة ما دام المصلحة معلقة بالسلطة.
أن الثلاث عقود من عمر الإنقاذ قد تسببت في الضعف الذي تعاني منه الأحزاب السياسية، و عندما تفجرت ثورة ديسمبر كانت هناك حالة من الجمود الفكري و الثقافي في الساحة السياسية، و عدم الانتظام في السنة الدراسية خاصة في الجامعات أثرت بصورة سالبة على العملية السياسية، حيث كانت حركة الطلاب في الجامعات تدفع بالعمليات السياسية، و أن منصاتها كانت عبارة عن تيارات ناقد لمجريات العمل السياسي، فالتعطيل الذي حدث في الدراسة و عدم انتظامها أثر بصورة مباشرة على العملية السياسية، خاصة في غياب العناصر المفكرة التي تقود الحوار، هذا الجمود الفكري جعل الكل يتجه نحو السلطة. و في نفس الوقت كانوا جميعا يحاولون حماية انفسهم و مواقعهم من خلال استخدام شعار ( أي كوز ندوسو دوس) لأنهم أطلقوا الشعار لمحاصرة أي رأي معارض لفكرتهم. من مضحكات السياسة و معلومة للكل: أن الحزب الشيوعي خرج ببيانات و تظاهرات بأنه يريد إسقاط حكومة الحرية و التغيير الثانية التي كان يترأسها عبد الله حمدوك، و عندما اسقط الجيش حكومة حمدوك غضب الزملاء و قالوا أن الفلول يريدون العودة رغم ان الجيش حقق لهم مطلبهم، أختطفت قيادات الحرية كلمة الفلول و قالت أن الفلول عملوا انقلاب. و نسيت أن الحزب الشيوعي كان أكبر محرض للإسقاط حكومتهم، و فجأة تذكروا أن الحزب الشيوعي خرج من الحرية و التغيير. و عندما بدأت الحرية و التغيير مفاوضاتها مع المكون العسكري في الغرف المغلقة، بدأت تشعر أن منافسها في السلطة هم الحرية و التغيير الديمقراطي لذلك اسقطت كلمة الفلول و بدأت تصب جام غضبها على (مجموعة الموز) لأن هؤلاء ينافسونهم في السلطة، المصالح تغير القناعات.
في ذات اللقاء السابق قال البروف حسن مكي " أن الحركة الاسلامية في السودان "انتحرت ذاتيا" عندما انخرط رائدها الدكتور حسن الترابي في حالة روحية وعقلية وضعته في مكانة "المهدي"، وسقط مشروعها عندما حاول الرئيس البشير المعزول محاكاة الترابي، موضحا أن فصل السياسي عن الدعوي بدأ مبكرا في السودان بعد الانقلاب العسكري في حزيران (يونيو) 1989م حين أبعد المفكرون والتنويريون في الحركة الاسلامية من اتخاذ القرار في السلطة." هذا الحديث يؤكد أن الصراع داخل الحركة الإسلامية بدأ في الشهور الأولى من الانقلاب، و أن الحركة تخلصت من العناصر المفكرة و التي تلعب دورا في عملية الاستنارة داخل المنظومة الإسلامية. و يؤكد ما ذهب إليه مكي اللقاء الذي أجرته الشروق في يونيو 2012 مع الدكتور التجاني عبد القادر الذي قال فيه " أن كثيراً من الدارسين للحركات الاجتماعية والسياسية يقولون إن الحركة لن تبلغ مرحلة النضج والرشد إلا بتنحي الآباء التأسيسيين لتتاح فرصة لأجيال أخرى تتعاقب في القيادة جيلاً بعد جيل وتجربة بعد تجربة فإذا طال أمد الجيل التأسيسي يضر بتطور الحركة الطبيعي أياً كانت الحركة." و أضاف قائلا "أنا أعتقد أن معظم الانشقاقات التي حدثت تعود إلى أنه أصبحت تبرز تكتلات داخل الحركة الإسلامية ومراكز قوى وقيادات وشيء من هذا القبيل وتضعف الشورى فطبيعي أن تتحول الشورى إلى شعار وتتحول إلى شكل هذا ما يصيب كثيراً من التنظيمات" أن مفكري الحركة الإسلامية كانوا يؤكدون أن هناك تيارا كان رافضا لحكم الإنقاذ، و هناك تيارات أيضا خرجت تعارض الإنقاذ، لكن قيادة الحرية و التغيير لم تكن مشغولة بقضية التحول الديمقراطية و إلا كانت نظرت لتلك التيارات، و تفتح معها حوارا لمصلحة عملية التحول الديمقراطي التي تحتاج لأكبر قاعدة اجتماعية، و تجنبها التحديات القاسية التي تردد الآن. لكن هل كانت لها الصبر ان تخضع ذلك للدراس حتى يتشكل لها منهجا جديدا في العمل و إدارة الأزمة.
في محطة أخرى التقت شبكة (عاين) بالمفكر الاسلامي والقيادي بالمؤتمر الشعبي (المحبوب عبد السلام) قائلاً لشبكة (عاين) “تيار الإسلام السياسي الذي يحوي الحركات الاسلامية جميعها، ويمتد من الغنوشي إلى البغدادي، قد استنفذ أغراضه" الغريب في الأمر هذه المقولة لم تقف عند شبكة ( عاين) بل فتحت الباب لعدد من الحوارات أجرتها قنوات مختلفة مع المحبوب، كانت تناقش القضية من الناحية الفكرية و السياسية، إلا القنوات السودانية ما عدا (قناة البلد) لم تهتم بالموضوع، لكن النخب السياسية التي جعلت الإسلاميين شماعة لإخطائهم لم تلتفت لتلك الأقوال و تجاهلتها إما إنها تريد الاستفادة من شعار (الكوز ندوسو) لخدمة مصالح أو أنها لم تتعود الدخول في حوارات فكرية تفضح مقدراتها المعرفية، و الحوار كان ضروريا لسببين؛ الأول أن تخفف سيل التحديات لعملية التحول الديمقراطي، و الثاني أن تطور لغة الحوار من المنتج الضحل ( أي كوز ندوسو دوس) الذي يبين فقر المعرفة و سطحية العمل السياسي إلي حوار فكري منتج لثقافة ديمقراطية. و عندما اشتد الضغط على شماعة الإسلاميين كتب المحبوب عبد السلام مقالا بهدف تحويل الصراع من الصفري إلي صراع فكري، كتب المحبوب يقول "يخطئ الاسلاميون السودانيون لو ظنوا أن التاريخ يمكن أن تعاد صناعته ويعطى نفس النتائج وفق منهج عملياتى يريد أن يختبر فى المجتمع ما يختبر فى مختبرات العلوم البحتة، ورغم أن التاريخ والمجتمع يتبدل أمام النواظر والبصائر فإن البصائر النافذة وحدها قادرة على إكتناه مدى عمق التغيير وسعة التحولات التى سيحدثها، فإبن خلدون بعد أن كتب مجلداته التسعة عن تاريخ الأمم جلس لاربعة أعوام يتأمل فيما كتب قبل أن يكتب المقدمة، بل إن السبب الرئيس الذي حداه لكتابة المقدمة هو ما أبانه في الصفحات الأولى من مقدمته: إن الانسان كأنما يتبدل من أصله والبشرية كأنما تستأنف من جديد" أن الإشكالية في العقل السياسي السوداني، و أيضا إشكالية المتلقي الذي لا يفحص الشعارات التي يرددها بل يتفاعل معها بشكل عاطفي ، أو تعاطف سياسي بعيدا عن الاستيعاب الذي يقود للوعي. و كلها تحركها مصالح ضيقة.
في ذات الوقت أن العديد من مشتغلي الفكر في الحركة الإسلامية يؤكدون أن المشروع قد ضعف و سقط، و إذا أراد له أن يبعث من جديد سوف يكون خلافا لذلك الذي كان من قبل، إلا بعض السياسيين و أصحاب الأيديولوجية المصابون بحالة الضمور المعرفي و الفكري، أن بتبريراتهم جعلتهم يصنعوا شماعة بإسم الكيزان يعلقون عليها أخطائهم؛ هم يريدون أن يجعلوا الحركة الإسلامية كطائر العنقاء لكي تبعث من جديد ، ليس كحركة سياسية جديدة، و لكن يريدونها كأسطورة أو الميت الذي ينقلب ( البعاتي) في الحكايات الشعبية. قالوا أن الحركة الإسلامية مسيطرة على الخدمة المدنية هي التي قامت بالانقلاب هي التي تقاتل قوات الدعم السريع، هي التي أفشلت مؤتمر أديس أبابا التأمري، هي التي تحتكر الإعلام و لا تريد التفاوض... إذا كانت الحركة الإسلامية بهذه القوة و الفاعلية و الحركة المؤثرة التي تعطل كل شيء... ماذا أنتم فاعلون معها؟ ما هو الحل الذي تقترحونه من أجل استقرار البلاد. من الغرائب كتب ياسر عرمان مقالا يقول ( نريد تحالف جديد يضمنا و الشيوعيين و الثوريين منذ الحرب هذا التحالف قائم ماذا فعل.. الرد كان 9909% من الشعب يهتف جيش واحد شعب واحد. أن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم نسأل الله حسن البصيرة.
zainsalih@hotmail.com