إضراب الثلاثاء يضع قيادة قوى الثورة والتغيير أمام إختبار مصيري. هو يضع بالمعيار نفسه المجلس العسكري على كفة الميزان المقابلة. نجاح الإضراب يثبت بما لا يدعى مثقال ذرة من شك في صدقية قيادة الحراك الجماهيري العارم باعتباره القابض على بوصلة حركة الشعب. على قدر نجاح الإضراب تقاس حجة قيادة الحراك مفوضة للإنابة عن الشعب في تقرير مصير الثورة، من ثم صياغة المستقبل السوداني. في المقابل على مدى إخفاق الإستجابة لنداء الإضراب يحق للمجلس العسكري المضي في زعمه ببطلان حجج مركز الثورة في تمثيل جموع الشعب السوداني.
نجاح الإضراب يحسم بالإضافة إلى جدل الزعامة فرضيات أخطاء قيادة قوى الثورة والتغيير في إهدار فرص تاريخية مصحوب بسوء تقدير معل واختزال معاناة الجماهير المداراة بصبر شعبي مزدوج؛ على القيادة والمجلس العسكري. أبرز تلك الأخطاء الفادحة رهن زخم الفعل الجماهيري المندفع في الشارع إلى قيادة عسكرية ملتبسة الموقف والمظهر. تلك الخطيئة العاطفية المتعجلة أفضت إلى خيبات كبرى لا تزال عالقة. هي نفسها منحت المجلس الملتبس فرصة لتغذية أطماعه كما أوهمت مكامن الثورة المضادة بأحلام الإنقاض على الثورة.
نجاح الإضراب يرد إلى قوى الثورة قوس قوتها كما يمنحها طاقة بلا حدود من أجل مواصلة حركة التقدم على نسق إنطلاقها في البدء على درب صوغ الغد المرتجى. وقتئذ لن يعود أمام المجلس العسكري غير خيارين لا التباس فيهما؛ إما الإستجابة لإرادة الجماهير بمغادرة موقع التمترس الراهن أمام الحراك الثوري أوالخروج من موقع الكمون إلى مصادمة الجماهير بالنار ليس غير.
إذا كان ثمة مجموعة داخل المجلس العسكري تصطف إلى جانب الشارع أو توجد بالفعل جماعات داخل الثكنات تسند ظهر المجلس فنجاح الإضراب لن يسمح بفرص الإختباء خلف سواتر الخوف الواهية إذا لم يعد من الصدام بد.
كما وقع قادة الحراك في أخطاء فادحة سقط المجلس العسكري في خطايا قاتلة. لعل أبرزها سوء تقدير مزدوج؛ لقوى الثورة والموقف. مثلما لم يفلح قادة الحراك في التعامل منذ البدء مع المجلس العسكري كواجهة مزامنة للنظام القديم أخفق المجلس في النفاذ عبر لجان التفاوض غير المتماسكة إلى صلابة قاعدة الثورة. ربما عرقلت إلتزامات لا تبدو خفية بين المجلس والشريحة المنهارة من النظام في إعشاء بصيرة جنرالات المجلس. مع تباين الفرضيات يبقى الثابت إهدار الجنرالات لحظة تاريخية تكفي لترقيتهم إلى مصاف بطولة حقيقية.
الإخفاق الثنائي جعل قادة الحراك والمجلس العسكري كابهى ما يكونا تجسيدا لشخصيتي فلادمير واستراكون في رائعة صمويا بكيت "في انتظار غودو" إذ انشغل كلاهما بغير القضايا الجوهرية على أمل وصول غودو - الذي لم يعد أبداً - بالحسم .
نجاح الإضراب لن يقنع بالضروة مثل هؤلاء الحنرالات في رؤية المشهد كما هو إذ تظل فرضية القرآءة الخاطئة من جانبهم ماثلة. من ثم لا يعود التحرر من تمترسهم الخاطئ ضد أمام حركة التقدم السلمي ضربة لازب.
من الراجح، ربما الأفضل التهيؤ للسناريو الأسوأ حتى في حال تحقيق الإضراب نجاحاً باهراً. كل المؤشرات بل الممارسات الصادرة عن المجلس العسكري توضح بجلاء خطر حدوث نكسة كبرى تعيدنا إلى "عنف البادية". قسمات النكسة آخذة في التشكل كما ملامح "عنف البادية " تتجلى في الواقع مظاهر مجسدة. حين إكتمال أشراط النكسة لن تصبح فقط فتنة ا لإستعارة مكمن الإثارة في "عنف البادية" على نحو ما سك الراحل المقيم عبد الخالق محجوب. بل سيصبح ظاهرة تحت سطوة "العقل الرعوي" المستنسخ في الخليفة عبد الله الت.... الشاخص على خشبة المسرح السياسي المعاصر في دور البطولة المطلقة. هذا العقل غر مهيئ لاستيعاب طموح هذه الجموع الديسمبرية في الإنعتاق من ربقة الشمولية والإستبداد والفساد لجهة بناء وطن يليق بشعب يتوق إلى الحرية والعدالة والتغيير في ظل المواطنة والعدالة والإختيار الطلق.