الإعلان السياسي بين الحركة الشعبية وتجمع المهنيين أصاب الإمام الديناصور في مقتل وبدأ يهضرب
الكراهية وجلد الذات، شعور سلبي يتنامى غالبا في أوقات الانتكاسات، تتجلَّى فيه أعلى نسبة للإحباطات المتنامية جرَّاء الإفلاس الناتج عن الهزائم النفسية، والنجاح الزائف الهزيل، وهو بذلك احساس سلبي ينبع من رغبة خفية بالتغلُّب على الاخفاقات، ولكن ليس عن طريق المواجهة وإنما بالهروب منها، وذلك لعجز الفرد عن إدراك مواطن قوته وضَعفه، فجلد الذات هنا سلاح العاجز، ومطيَّة الفاشل، وسبيل الجبان.
بعد عودته من حجه غير الميمونة إلى دولة -آل نهيان الزعبوطي (دولة الإمارات العربية التآمرية)، وفي أول خطبة له في السودان بمناسبة عيد الأضحى المبارك، حث الإمام الديناصور -القوات المسلحة السودانية وميليشيات الجنجويد (الدعم السريع) بتكوين هيئة قيادية موحدة للاستيلاء على السلطة في السودان، ليكوّن هو تحالف الوسط السياسي كحاضنته السياسية.
وزعم الامام الديناصور في خطبته العيدية أن مسألة تشكيل تحالف الوسط السياسي تأتي في مواجهة ما اسماه التحالف الاخواني والتحالف العلمانوي، ويستمد تحالفه أهميته حسب قوله من خطورة هذين التحالفين الاستقطابين في جسد الوطن الهش بفعل الاستبداد، ومن خلق التوازن الفكري لبناء الوطن.
عزيزي القارئ..
هذا هو الإمام الديناصور دائما وابدا، يطرح تحالفات سياسية وقد دجج نفسه بأحدث أسلحة النفاق الخارق والخطاب المزدوج المتبجح بالعقلانية والعابد لصنم الغرور الذاتي الراضخ لحسابات معادلة ضرب الحقيقة في الصفر.
ستون عاما في السياسة، قدم خلالها الإمام الديناصور، عشرات الأفكار والمشروعات السياسية المتناقضة، جميعها لم تنتج سوى اصفارا كبيرة، ومع ذلك استمر الرجل حتى يومنا هذا في التنافخ الظاهري، وتقديم مزيدا من الأفكار التآمرية الفاشلة، ليقول أنا موجود وهو في واقع الأمر فاقد لمعايير الوجود الجماهيري.
الإمام الديناصور في تآمره على الثورة السودانية التي لم يكن هو جزءا منها أصلا، يحاول متعمدا تشويش الإعلان السياسي الذي وقعته الحركة الشعبية لتحرير السودان -شمال مع تجمع المهنيين السودانيين في العاصمة جوبا الشهر المنصرم، ممارسا ثقافة الكذب والجبن، معلقا سيفا مسلولا على رقاب حاملي حقيبة الحقيقة، لكن دون جدوى.
الديناصور في تآمره على الثورة السودانية، قال إن تجمع المهنيين انشق إلى ثلاثة فئات، ووصف الجناح الذي وقع الإعلان السياسي مع الحركة الشعبية بـ (الشيوعي)، وقال بكل غباء وسذاجة مضحكة، ان هذا التحالف، يراعاه اليمين الأنجليكاني الديني المتطرف لتفتيت السودان وتقسيمه إلى خمس "دويلات".. هكذا يقول الإمام الكذاب في زنزانة القوة المهووسة، رغم انه يعلم علم اليقين، أن تقسيم السودان لخمس أو حتى مائة دولة، لا يحتاج لتدخلات خارجية من اليمين المسيحي أو اليهودي، لأن كل عوامل التقسيم والانشطارات متوفرة أصلا، فالسودان أساسا لم تكن دولة موحدة حتى يخلق هذا الديناصور ضجيجا تافها يخنق معاني الحقيقة؟.
إن الإعلان الموقع بين الحركة الشعبية -شمال وتجمع المهنيين، يعتبر انجازا تاريخيا لصالح القوى الثورية الحية. فهذا الانجاز الرائع، جد يخيف الديناصور وحزبه الطائفي الاقطاعي الطفيلي. هذا الحزب الذي لا وجود حقيقي له في الشارع السوداني، لأن الزمن قد تجاوزه، والمستقبل لأحزاب جديدة بأفكار تواكب سودان اليوم.
نعم، هذا الإعلان السياسي يخيف الإمام الديناصور وجعله يهضرب ويهلوس، لأن:
1/ تجمع المهنيين هو الذي قاد الشارع السوداني للانتصار على نظام المخلوع، وله القدرة على تحريكه مرة أخري في كل ولايات السودان ومدنه المختلفة.
2/ الحركة الشعبية لتحرير السودان -شمال، تعتبر اكبر تنظيم مسلح في السودان، وعضويتها موجودة في كل ولايات ومدن السودان.
إذن التوقيع على إعلان سياسي بين تحالف تنظيمين كبيرين يمتلكان قاعدة شعبية جماهيرية واسعة في السودان، ازعج الديناصور ليخرج ويزبد ويرغي، مستجديا العسكر والجنجويد للإستيلاء على الحكم في السودان، ليس خوفا على الوطن كما يدعي، لكن لإنقاذ نفسه من الفشل الدائم. وهذا النهج من التفكير أصبح أمراً متعارفاً عليه عند الصادق المهدي، ويعكس حالة من الضعف ويعبر عن عقلية الفاشل الذي يبحث عن "سيد"، يوفر الحماية حتى ولو كان ثمن ذلك مص دماء طالب الحماية.
في مبررات تحالف المهدي الجديد.. كتب احد المساهمين في تكريس التبعية وتبني إملاءات الإمام الديناصور، يدعى محمد الامين عبدالنبي، قائلا:
1. جنوح بعض قوى الثورة الي فرض الحد الاعلى للايدلوجيات ذات التوجه الراديكالي وتبني العلمانية في نسختها المتشددة ليس المحايدة إتجاه الدين وإنما الرافض لاي دور للدين في الحياة العامة.
2. اندلاع الصراعات القبلية والاقتتال الاثني في دارفور والشرق وجنوب كردفان كعرض للانقسامات الفكرية وعدم مخاطبة قضايا الانتقال المتمثلة في السلام والعدالة والديمقراطية والتنمية.
** "العلمانية".. لم نسمع بالعلمانية غير المحايدة تجاه الدين إلآ عند هذا الغبي الذي يريد تغيير معنى مصطلح العلمانية الذي وقع عليه الإجماع من طرف الأغلبية الساحقة. فكان حريا له ان يصمت بدل الاسترسال في النباح الفارغ.
** أما فيما يتعلق بالنقطة الثانية.. فالجميع في السودان يعلمون أن اندلاع الصراعات القبلية والاقتتال الاثني في دارفور والشرق وجبال النوبة/جنوب كردفان، سببها حزب الأمة الذي يؤجج هذه الصراعات منذ سنين طويلة، كانتقام لهذه المناطق لانها خرجت من عباءة هذا الحزب الطائفي البغيض، وليس لان هناك انقسامات فكرية كما يدعي الانتهازي المنافق محمد الامين عبدالنبي.
يزعم الامام الديناصور ان تحالفه الجديد يستمد أهميته من خطورة ما سماهما بالتحالف الاخواني والتحالف العلمانوي الاستقطابين في جسد الوطن الهش بفعل الاستبداد، ومن خلق التوازن الفكري لبناء الوطن.
لكن قولوا لنا صراحةً، من الذي يمثل أكثر خطرا على السودان وطنا وشعبا.. التحالفين كما زعم الديناصور، أم الديناصور نفسه؟
قال تحالف الإخوان قال!.. لكن ألم يكن الإمام الديناصور نفسه "إخوانجيا" بطرحه ما سماها ب (الصحوة الإسلامية)، إذ ما الفرق بين شعار "الصحوة الإسلامية" الذي يرفعه المهدي، وشعار (الإسلام هو الحل) المرفوع من قبل الإخوان؟
الصادق المهدي لم يكن مجرد "إخواني"، بل هو أسوأ منهم بكثير، فالإخوان على الأقل لم يستدعوا الجيش للإستيلاء على السلطة على نحو ما يفعل هذا الديناصور الذي يتبجح بالديمقراطية، لكنه لا يطبقها في نفسه إذ ظل رئيسا لحزب الأمة منذ 1967م والساقية لسع مدورة.
_المهدي عندما أصبح رئيسا للوزراء عام 1986م، كان عليه الغاء قوانين سبتمبر الرجعية، لكنه لم يفعل ذلك لأنه إخواني وأخطر منهم بكثير..
_المهدي عندما اطيح بحكومته المنتخبة، لم يطرق الأبواب الإقليمية والدولية لاستعادة شرعيته، بل استكان للانقلابيين، وعاد بعد سنوات قليلة ليتصالح معهم.. فالرجل إذن إخواني بل أسوأ منهم بكثير..
_المهدي من أكثر السودانيين استفادةً من النظام الساقط من كل النواحي.. فهو إذن أسوأ بكثير من النظام السابق ومن الإخوان بكل فئاتهم.
الإخوان في مصر سقطوا وذهبوا من حيث جاءوا.. وفي تونس غير الإخوان جلودهم.. وفي الأردن هزموا هزيمة نكراء وتشتتوا إلى اتجاهات مختلفة. هذا هو حال تنظيم الإخوان في كل مكان اليوم، إما تشتتوا أو اختفوا من الساحة السياسية. لكن الصادق المهدي -الإخواني المندس، لم ولن يتغير رغم أنه أصبح مكشوفا لدى كل السودانيين.
ثورة ديسمبر كانت بجد عظيمة، جاءت لتغيير الوضع -سياسيا واقتصاديا واجتماعيا وولخ، وأنه من سخرية القدر أن يأتي الإمام الديناصور ليبيع ويوزع الأفكار التافهة مجانا لاستقطاب عشاق الانخراط في موجة العبودة الاختيارية والتبعية المجانية.. تارة لخلق التوازن الفكري لبناء الوطن.. وتارة أخرى باسم الحداثة والتجديد.. وتارة ثالثة باسم زراعة البطيخ وإنتاج الجلود وتصدير الحمير!.
الصادق المهدي، تجاوزته الأحداث والزمن معا، فلا يستطيع إعادة عقارب الثورة إلى الوراء بطرح تحالف تآمري زعبوطي مفضوح، يجعل المتأمل له يستلقي على قفاه من شدة الضحك لمفارقات ساخرة وتقاطعات تراجيدية مستفزة لكل عقل يرغب في الحفاظ على ماء وجهه ومنطقه المتوازن.
المهدي في خطبته العنقربية، تحدث عن التدخلات الإقليمية والدولية في الشأن السوداني بصورة استقطابية وبمشروعات انقسامية، لكنه اخفى حقيقة مهمة وهي أن التحالف الذي يطرحه هو، ليس انتاجا سودانيا، بل من انتاج دولة الإمارات العربية التآمرية التي مدت الصادق المهدي في زيارته الأخيرة لها بملايين الدولارات لتنفيذ هذا المشروع التخريبي. وعليه ليس هناك بديل عن التحالف الوطني المعلن بين الحركة الشعبية لتحرير السودان -شمال وتجمع المهنيين، لأنه يؤسس لمفهوم المواطنة المتساوية الحقيقية.
الحقيقة جلية وواضحة فليس بمقدور الصادق المهدي مهما سخر امكانياته ومقدراته. وقفت معه دولة الإمارات أم لا، ان يمحي دور تجمع المهنيين والحركة الشعبية -شمال في صناعة الاحداث الجارية والقادمة.. فالدور الكبير الذي اضطلع به التنظيمين سواء في ثورة ديسمبر 2018م أو ما قبلها، لا يمكن طمسه والقفز عليه مهما كانت حجم المؤامرات التي تُحاك ضدهما.
bresh2@msn.com