الاتحاديون ومنعطفات السياسية والوحدة

 


 

 

عقب الاستقلال و بعد تشكيل الأزهري حكومته، و التي استمرت شهورا قليلة، بدأ الصراع يبرز داخل الحزب "الوطني الاتحادي" و خرج من الحكومة الأزهري و أشقائه، ثم جاء مؤتمر اللجان الفرعية التي بلغت 947 لجنة فرعية، وقف الأزهري مخاطبا لهم قائلا " علينا الآن نخوض معركة التعمير، تعمير القلوب، و النفوس، و ، الثقة بالله، و بأنفسنا، لا فرق بيننا في اللون، أو الجنس، أو الدين، أو الطائفة. و يتحتم علينا أن ننظم صفوفنا في المعركة القادمة" و جاءت بعد مؤتمر اللجان الفرعية، معركة انتخابات المجالس المحلية، و كسب الوطني الاتحادي أغلبيتها في كل أقاليم السودان حتى في مناطق نفوذ أحزاب أخرى.
هذه الجمل البسيطة الخالدة التي جاءت علي لسان الأزهري، كانت دليلا لوحدة قاعدة الوطني الاتحادي. و قراءة التاريخ بهدف الاستفادة لأخذ الدروس و العبر، و اليوم ليس هو الأمس، في تلك الفترة كانت الأمية في السودان أكثر من 90% و رغم ذلك؛ كان هناك وعيا لدى الجماهير، و الدليل علي ذلك؛ دعمها لحزب الطبقة الوسطى الذي كان يمثل الترياق الحي للثقافة و المعرفة، و اليوم اتسعت مساحة الحرية، و زاد الوعي الجماهيري، و خاصة وسط الشباب، و ساعد ذلك التقدم المطرد في تكنولوجيا و وسائل الاتصال، حيث أصبحت المعلومات مملوكة لكل الناس، و أصبح الوعي أكثر تقدما و أنتشارا، و يجب علي النخب السياسية أن تدرك ذلك تماما، و أن الشباب الذين قادوا ثورة سلمية عظيمة، كانت أدواتهم فقط هي الوعي و صدور مفتوحة لمواجهة الآلة القمعية للنظام، و مثل هؤلاء يجب التعامل معهم بشروط الديمقراطية، و ليس بشروط أصبحت من مخلفات الماضي.
أن توقيع عدد من الأحزاب الاتحادية علي وثيقة وحدة تجمع شملهم، هي خطوة تجبر الإنسان علي احترامها و تقديرها، و تقدير لكل الذين ساهموا أن يجعلوها حقيقة و واقعا علي الأرض. فالوحدة تفرض شروطا جديدة يجب التقيد بها، و جعلها سلوكا يمشي بين الناس. أن الوحدات الشكلية التي تؤسس علي المصالح الخاصة، أو لفئات بعينها قد ولي زمنها و انتهي، في عصر العولمة و تكنولوجيا الاتصالات، التي جعلت أي شخص يملك تلفونا ذكيا قادر أن يجعل لرأيه واقعا. أن الوحدة بالضرورة لن تجعل الكل قيادات، و لكنها تعد خطوة تجاه تحقيق الأهداف التي يؤمن بها كل الاتحاديين " الحرية – الديمقراطية – السلام – الاستقرار الاجتماعي و الاقتصادي – و العدل و حكم القانون و الفرص المتساوية" و أيضا معلوم أن مكوث نظاما شموليا علي السلطة ثلاثة عقود، بالضرورة قد خلف ثقافة شمولية تحولت لسلوك في المجتمع، هذه الثقافة الشمولية سوف تستمر سنين، حتى تستطيع الأحزاب و القوى المدنية أن تنتج ثقافتها الديمقراطية لكي تنداح علي الشمولية و تحل محلها، و هذه تحتاج إلي سعة الصدر و سماع الرآي الأخر و المجادلة بالتي هي أحسن، و أيضا فتح الذهن. فالثقافة الديمقراطية لا تشترى و لا تصنع هي ممارسة يومية تحتاج للحرية و توسيع مواعين الديمقراطية و سيادة حكم القانون و احترامه و أحترام اللوائح و العمل بموجبها.
أن وحدة مجموعات أتحادية تشكل قاعدة عريضة من الاتحاديين ليست هي نهاية المطاف، بل هي بداية طريق العمل الشاق الذي يحتاج لكوادر مؤهلة و مدربة علي المجادلة و الخطابة و سعة الثقافة و المعرفة و القدرة علي التنظيم و التعبئة، لكي تتمدد وسط المجتمع، و خاصة في الطبقة الوسطى، الطبقة التي تقوم بدور الاستنارة في المجتمع، و أيضا هي الطبقة التي تحفظ التوازن الاجتماعي. و أن لآ يقف الأشقاء الذين ثابروا من أجل الوحدة أن يعتقدوا ما انجزوه نهاية المطاف بل يواصلوا جمع الشتات، و يقنعوا كل الطيور التي فارقت اسرابها أن مكانها محفوظ و ما عليها إلا أن تشد الرحال للعودة لكي تغرد مع سربها. و كما قال آهل أمدرمان سابقا قبل الاستقلال في منتصف الليل لا تجد في شوارع المدينة غير الأشقاء و القطط و سائقي التكاسي، و هي كناية علي الهمة و حمل هموم الوطن و كيفية تحقيق المقاصد الوطنية.
و نقول للسيد الحسن؛ أن البيان الذي أصدرته لا يمثل السيد الميرغني، بل يمثلك شخصيا، و المجموعة التي من حولك، هؤلاء في عيونهم غبش، و يبحثون عن مصالحهم الخاصة، و لا تنسى أن الذين تريد أن تلاعبهم سياسيا، بهذا البيان الذي أصدرته، هؤلاء يلاعبون البيضة و الحجر، و خبروا السياسية و دروبها و مخابئها، لا تلاعب ثعالب السياسية سوف تغرق في شبر ماء. و لا تذهب في طريق أبن سيدنا نوح عليه السلام قال تعالى: ﴿وَهِيَ تَجْرِي بِهِمْ فِي مَوْجٍ كَالْجِبَالِ وَنَادَى نُوحٌ ابْنَهُ وَكَانَ فِي مَعْزِلٍ يَابُنَيَّ ارْكَبْ مَعَنَا وَلَا تَكُنْ مَعَ الْكَافِرِينَ* قَالَ سَآوِي إِلَى جَبَلٍ يَعْصِمُنِي مِنَ الْمَاءِ قَالَ لَا عَاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ إِلَّا مَنْ رَحِمَ وَحَالَ بَيْنَهُمَا الْمَوْجُ فَكَانَ مِنَ الْمُغْرَقِينَ﴾ [هود: 42- 43]. كما البيان موجه للسيد تاج السر و أقول له أن رجل مثقف، و قاريء جيد، و مطلع علي مجريات الأمر، لا يغيب عن عمل أن تنشده، و تعلم أن الوحدة أفضل من الفرقة، و أنت أحد روادها و داعميها، يجب أن تنسى كل الماضي، و اضغط علي جراحاتك، فالقائد لا يدفع للعمل بل يشق طريقه دون خوف أو وجل، حقيقة أن الوطن يئن و يحتاج للكل من أجل رفعته، تشاكسوا في الحزب كما تريدون، و لكن لا تغيبوا عندما يناديكم الوطن.
أن الشباب في "التجمع الاتحادي" لا شك هم شباب وطني غيور، و أهل علم و ثقافة، و قد حافظتم علي الأسم طوال هاتين السنتين، و تأكدوا أنتم كل المستقبل لهذا الحزب، و أنتم الذين سوف تؤسس على ايديكم القيم الجديدة، أعملوا من أجل الوحدة و من أجل التلاقي بعد شتات. أنقسم الحزب الوطني الاتحادي بعد الاستقلال و ذهبت كل مجموعة فرحة بما عندها، و جاءت انتخابات 1967م قبل الوحدة حيث نال الوطني الاتحادي 54 دائرة و حزب الشعب الديمقراطي 17 دائرة. حيث تقلصت دوائرهم و لكن بعد الوحدة و ظهر الحزب " الاتحادي الديمقراطي" و دخلوا الانتخابا ت موحدين نالوا 101 دائرة. فالوحدة تعزز توجهكم تماما، و لا تنال منكم شيئا. نحترم خياراتكم و آرائكم، لكن مصلحة الوطن و وحدته و نهضته تحتاج أن يتصافى الناس و يصبحوا علي قلب رجل واحد.
و أيضا الجميع يعلم :أن الحاضر ليس هو الماضي، بل يأخذ الدروس منه، أن إدارة الحزب لا يمكن أن تدار كما كانت تدار بالأمس، و لكل فرد فيها سهم واحد و صوت واحد، و كل حديث مهما صدر من أي شخص يجب أن يضع في دائرة الحوار و التصويت، الديمقراطية تجعل الكل سواسية و لكل واحد " vote" و ليس هناك مواقع مخصص لأشخاص بعينهم، أنما الكل يخوض الانتخابات. و هذا لا يعني عدم أحترام للآخرين بل أحترام لشروط الديمقراطية، اسأل الله أن يوفق كل اتحادي حادب علي أمر هذا الوطن. و نسأل الله حسن البصيرة.

zainsalih@hotmail.com
///////////////////

 

آراء