الاستفتاء وأوباما وكرت الإهارب!! … بقلم: عادل الباز

 


 

عادل الباز
18 October, 2010

 


تصريحات أوباما الأخيرة لم تكن هي المرّة الأولى التي تستخرج فيها الولايات المتحدة كرت الإرهاب في شأن يهم السودان. في نيروبي قبل ثلاثة أشهر وفي مؤتمر صحفي شهير قال جون بايدن نائب الرئيش الأمريكي: (إن من شأن قيام دولة فاشلة في جنوب السودان أن يحوّل الإقليم إلى جنة للإرهابيين). قبل عملية كمبالا التي قام بها شباب صوماليون، والتي أودت بحياة سبعين يوغندياً، كانت أمريكا قد أدركت أن منظومة الصراع في هذه المنطقة - منطقة شرق ووسط إفريقيا - منظومة صراع متداخل لا يمكن الفصل بينها، فإذا ما تداعى الأمن الإقليمي في الصومال، فإن شأن ذلك أن يجر سلسلة من التداعيات في أرجاء الإقليم. فأزمة الصومال جرّت رجل إثيوبيا لغزوها، وقذفت بالآف اللاجئين الصوماليين في الحدود الكينية، ثم جاءت بقوات إفريقيا كلها إلى داخل الصومال. وسرعان وصل الإرهاب إلى قلب يوغندا قريباً من نار أخرى تشتعل في الشمال اليوغندي بواسطة جيش الرب الذي تصنفه الدوائر الغربية كجيش إرهابي.
كل ذلك كان في ذهن بايدن وهو يدلي بتصريحه ذاك، فلم يتبقَّ لدائرة الإرهاب لكي تكتمل إلا أن يتفجر عنف فوضوي في جنوب السودان، وكل الاحتمالات الغربية ترجح اندلاع حرب مدمرة هناك، ويكاد لا يكون هناك سبيل لمنعها. حرب ليس بالضرورة بين الشمال والجنوب، بقدر ما هي صراعات قبلية وإثنية تلتهب في مناطق كثيرة في الجنوب. فالتقارير الغربية تقول إن الذين قُتلوا في الصراعات القبلية والإثنية في الجنوب أكثر من الذين قتلوا في دارفور.
على هذا الخط مضى أوباما أمام حشد من الشباب الأمريكي يحذّر من اندلاع عنف أو حرب، نتيجة لفشل عمليات الاستفتاء، مستخدماً لغة مرعبة للحاضرين، مؤكدا أن الحرب التي ستندلع في السودان يمكن أن تنتقل تداعياتها لأمريكا، لأن المنطقة ستصبح جنّة للإرهاربيين!! لماذا استخدم أوباما هذا الكرت وفي مثل هذه الأوقات بالذات؟ هنالك احتمالان: الأول يتعلق فعلاً بوجود مؤشرات قوية ترجّح احتمال تفجّر عنف في المنطقة أثناء أو عقب الاستفتاء، وهو الذي تحاول أمريكا تجنبه بأي ثمن، ولذا تراها تبذل جهوداً مضنيّة مع الأطراف كافة داخل وخارج السودان، وآخرها مفاوضات أديس أبابا التي انهارت، ولكن الولايات المتحدة تحاول الآن أن ترفع مستوى التمثيل السوداني ليقود الوفدين الأستاذ علي عثمان والسيد سلفاكير في المفاوضات المقبلة، إلى جانب دفعها بأطراف أخرى في المجتمع الدولي إلى مائدة التفاوض في إديس نهاية الشهر المقبل.
الاحتمال الثاني أن أوباما وإدارته أخرجا كرت الإرهاب لأنه يمس وتراً حساساً في نفوس الأمريكيين وخاصة أن هذا الأرهاب في هذه المرّة سيكون ضحاياه طائفة من المسيحيين السودانيين الذين لهم مجموعات متعاطفة مع قضاياهم, ثم إن آثار هذ الإرهاب ستمتد لداخل الولايات المتحدة نفسها. لكن الأهم من ذلك أن إدارة أوباما تعاني في هذه الأوقات من أزمات مقلقة على كافة الجبهات التي تعمل بها. فالعراق يعاني ما يعاني من فوضى سياسية وأمنية في أعقاب فشل الأحزاب - الطوائف- المختلفة، في التوصل لاتفاق، لتشكيل حكومة مسئولة تحفظ الأمن وتيسر الانسحاب الأمريكي الذي بدأت مسيرته من المدن العراقية. في أفغانستان الفشل الأمريكي أظهر ما يكون؛ فطالبان تتقدم كل يوم ولا تكاد الإدارة الأمريكية تجد لها مخرجاً كريماً.. في فلسطين انتهت المحادثات العبثية بين الفلسطينيين والإسرائيليين إلى لا شيء، وانهارت على جدار الاستيطان الصهيوني.
باختصار إدارة أوباما حتى الآن هي بلا أي إنجاز حقيقي في الخارج، مما يفسر نتيجة آخر الاستطلاعات التي كشفت عن أدنى مستوى لشعبية أوباما منذ انتخابه؛ كانت نهاية الشهر الماضي.
ولذا فإن إدارة إوباما تبحث لها عن إنجاز وحيد تدخل به انتخابات الكونغرس القادمة، وليس هناك من مناسبة أقرب من استفتاء جنوب السودان لتحقق فيه إنجازاً وحيداً لها على المستوى الدولي. لذا فإن تحذيرات أوباما تُفهم في إطار أنها رسائل للداخل الأمريكي مطلوب منها إبراز أن هنالك كارثة كبرى ستنفجر وتقتل ملايين الناس، لكن التدخل الأمريكي والجهود المضنية التي قامت بها إدارة أوباما هي من أوقفت وقوع تلك الكارثة!! وبذا يستحق أوباما المنقذ لملايين السودانيين من قتل أنفسهم، أن يحصد ثمن هذا الإنجاز أصوات مئات الآلاف من الأمريكيين المتعاطفين مع السود المسيحيين السودانيين!!
من المرجح أن يكون الاحتمالان أعلاه هما ما دفعا بأوباما لاستخراج كرت الإرهاب والقذف به في طاولة السياسة الأمريكية التي تزداد سخونة كلما اقتربت الانتخابات النصفية للكونغرس. غالباً ما سنشهد في الأيام المقبلة تصاعد التهديدات والتحذيرات الأمريكية، وتضخيم ما سيجري في السودان، بغرض حصد نتائج جيدة، بعبور الاستفتاء دون أن تجري على جانبيه أنهار من الدماء أو تطفو على أمواجه جثث آلاف الضحايا!!
 

 

آراء