البرهان (الرهان الخاسر)!!
عبدالله مكاوي
21 September, 2023
21 September, 2023
بسم الله الرحمن الرحيم
بعد خروج البرهان من تحت الحصار، كان هنالك رهان، ان يُحدث خروجه فارق، من جهة الوصول لاتفاق يوقف الحرب. وهذا الرهان تسنده مسوغات عدة، منها العقلاني للحفاظ علي البلاد وما تبقي من بنية تحتية تُستنزف باستمرار. ومنها الانساني بايقاف عجلة الموت التي تحصد العشرات يوميا، وتقذف بالمئات الي جحيم النزوح والتشرد. ومنها الاقتصادي الاجتماعي، بعد دمار هائل طال المؤسسات والمشاريع والعملية الاقتصادية برمتها، مما خلف معاناة اجتماعية قد يطول امدها وتزداد وطاتها. ومنها الامني الذي يهدد بانكشاف البلاد امام التدخلات الخارجية الخبيثة، واهدار مقدرات البلاد العسكرية المكلفة. ومنها المدني باستئناف الانشطة السياسية والمجتمعية المتعددة. والاهم ايقاف موجة الفتنة العاتية التي اكتسحت المكونات العرقية والاهلية والمناطقية، ناهيك عن استفحال حالة الاستقطاب العسكري/المليشياوي والعسكري/المدني والسياسي/السياسي. وكذلك انفساح المجال امام العودة لمن اشعل الحرب لسدة السلطة مرة اخري (الاسلامويون) او (الانتهازيون) من داعمي الدعم السريع، لاعادة انتاج سلطة الانقاذ الفاسدة بصورة اكثر بطش وهمجية ونهبوية. اي باختصار الرهان كان علي ايقاف الحرب باعتبارها شرا مطلقا.
والمشكلة كالعادة لم تكن في الرهان علي ايقاف الحرب، كآخر الآمال المعلقة لانقاذ ما يمكن انقاذه، ولكن في من يُراهن عليه وهو البرهان. اي بوصفه اقل قامة من الرهان، الشئ الذي جعل الغالبية العظمي محقة في فشل الرهان علي البرهان. وهذا الفشل يؤكده ان كل المسوغات السالف ذكرها لا تجد صدي لدي البرهان، بدلالة:
اولا، مقدراته القيادية المتدنية (استبدال انبل شرعية بافشل انقلاب)، و وعيه المتواضع (تكرار مبررات واقوال واحلام الآخرين دون دراية كالببغاء، اي راسو الكبير دا قرعة فاضية).
ثانيا، انعدام حساسيته المجتمعية والانسانية، بدلالة اشرافه علي الابادات الجماعية في دارفور ومجزرة ساحة الاعتصام وسلسلة اغتيال شهداء الثورة بدم بارد، وصولا لعدم اكتراثه بما يحدث للمدنيين راهنا، بقدر حرصه علي العودة لسدة السلطة سالما.
ثالثا، من الناحية الاقتصادية الاجتماعية، فيكفي انه الحارس الامين لاقتصادات الفساد ومافيا النهب، المشرفة عليها الاجهزة العسكرية والامنية والمليشياوية والمؤسسات والقيادات الكيزانية. وحتي الجزء اليسير الذي اجتهدت لجنة التمكين في استرداده، كشر البرهان عن انيابه لرده للصوص. بل وصلت به الجرأة لقطع طريق امدادات البلاد من المواد الاساسية التي تقوم عليها الحياة، وبما فيها ادوية المرضي وحيلب الاطفال! وذلك بالتواطؤ مع الجاهل ترك، فقط لافشال تجربة الحكم المدني كتمهيد للانقضاض عليها.
رابعا، من ناحية تهديد الامن القومي يكفي ما قدمه للدعم السريع من تسهيلات وخدمات ومواقع استراتيجية! الشئ الذي شجع هذه المليشيات المهددة لوجود الدولة، لمناطحة الجيش ومنافسته في السيطرة علي البلاد! والاسوأ من ذلك رفع من مكانة حميدتي عليا، ليقدم الاخيرة صورة كاريكاتورية هزلية لنوعية القيادة، اضحكت العالم من حولنا.
خامسا، من جهة المهددات الخارجية، نجد البرهان من ناحية، ارتمي في احضان النظام المصري، بكل ما يشكله ذلك من خنوع، لتمرير الاطماع المصرية التي لا تشبع! ومن ناحية اخري، خضوعه رهن الاشارة للمخططات (الاسرامارتية) الخبيثة، وعلي راسها العداء للثورة والحقد علي نعم البلاد والطمع في مواردها وللسيطرة علي موقعها! وبالطبع ذلك قبل ان يلفظوه كالنواة ويستبدلوه بالارجوز حميدتي!
سادسا، وهو الاهم، ان البرهان ومنذ ظهوره علي قمة المشهد السلطوي، تكشفت عنه كل مواصفات الطغاة، وبما فيها الاستعداد لفعل وتمرير وتبرير كل شئ، من اجل اشباع شهواته المحمومة، ودوافعه في الحلول محل الإله.
وما استمرار الحرب الدائرة الآن إلا اكبر دليل علي انتساب البرهان لآل البوربون، الذين لا ينسون شيئا ولا يتعلمون شيئا (صم بكم عمي كالبهيمة، بل اضل سبيلا). لانه وبعد هذه السنوات الجهنمية الاربع بكل فظائعها، ما زال يمارس ذات الحيل والالاعيب وشراء الوقت حتي تستقيم له الامور كما يهوي! رغم ان كل الشواهد تؤكد استحالة ذلك، لانه اذا استمرت الحرب ستزول دولة السودان، مفسحة المجال لسيناريوهات مجهولة ولكن المؤكد انها كارثية. واذا وقفت الحرب باتفاق لن يسمح الدعم السريع للبرهان بالاستفراد بالسلطة، وحتي القوي السياسية ومنظمات المجتمع المدني رغم ضآلة تاثيرها لن تقبل بوجود البرهان. اما موقف القوات المسلحة فهذا ما لا يشغل البال، لانها عودتنا الطاعة العمياء لقادتها، غض النظر عن مؤهلاتهم وممارساتهم، والسبب يعود لخلل بنيوي يطال طبيعتها وعقيدتها وطريقة عملها.
ولكن لماذا لم يستفد البرهان من كل الفرص المتاحة، وبما فيها فرصة خروجه من الحصار الاخيرة؟
السبب يرجع ببساطة لان هذا المكان الذي يحتله ليس بمكانه. لذلك ما يقوم به البرهان ومنذ وصوله لهذا المكان، يحكي عن تراجيديا مأساوية يعيشها السودانيون التعساء ودولتهم المنكوبة. وعليه رهان ايقاف الحرب يتضاءل اما رهان استمرارها، وهذا ما عبرت عنه زيادة وتيرة الحرب واهوالها منذ خروجه. كما ان رهان استمرار الحرب الذي ينفخ فيه انصارها، يجد صداه لدي البرهان. لان هذه الجوقة التي تلتف حول البرهان هي صاحبة التاثير الاكبر عليه، بوصفها الادري به، والاحري هم صُناع العوبته! فهذا البرهان بخفة عقله و(عوارته كصنوه البشير)، لديه استعداد كبير للتلاعب به، سواء بدغدغة رغباته او اثارة مخاوفه، ومن ثمَّ سهولة ايهامه بانه القائد الفذ والمنقذ للبلاد وحكيم الزمان والواهب الامتيازات والقادر علي فعل كل شئ! وبكلمة واحدة، الملتفون حوله هم الاقدر علي تشغيله لتمرير مصالحهم، رغم ما عرف عنه من غدر وتلون وكذب ونفاق. وهذا لا يمنع ان كل صاحب تاثير عليه سواء داخليا او خارجيا، ممن عرف حقيقته ومكامن ضعفه، وجد فيه ضالته كمدخل لنيل مآربه! وعلي راسهم حميدتي الذي استغل البرهان لدرجة ابتلاع حميدتي للدولة، وهو من هو علي هذه الدرجة من الجهل والضحالة واحتراف الاجرام! وهذا لوحده يعكس مدي غفلة وسذاجة البرهان، والذي في سبيل بقاءه في السلطة بكل الحيل، لم يدرِ انه يقوي في اخطر منافسيه (الدعم السريع) ويضعف سنده (القوات المسلحة)، وحتي المدنيون الذين انشغل بهم البرهان وكرس جهده ومؤامراته لكسر شوكتهم، لا يشكلون خطورة حقيقية علي مطامحه، وهذا من وجهة نظر صراع السلطة المحض، والذي اتسم تاريخيا بالحسم العسكري. وكانت النتيجة دخول البرهان في ورطة الحرب من غير استعداد، لتدخل البلاد في نفق مظلم، هنالك احتمالات شحيحة للخروج منه، بكسور يصعب جبرها.
والبرهان الذي ادمن اضاعة الفرص، يبدو ومن خلال تحركاته وسفرياته بعد خروجه، انه في وارد اضاعة هذه الفرصة الاخيرة لايقاف الحرب وانقاذ البلاد. وهي فرصة لو خيب توقعاتنا واهتبلها، لكفر قليلا عن اخطاءه وجرائمه التي لا تغتفر، والتي تتعدي درجة الخيانة العظمي لما بعدها. لان البرهان هو المسؤول الاول عن هذه الحرب بكلفتها البشرية التي طالت الابرياء ودمرت البنية التحتية ووضعت البلاد علي طريق الفشل والانهيار. وقبل ذلك هو المسؤول الاول عن الغدر بالثورة وعرقلة الفترة الانتقالية بعد ان تحالف مع اعداءها. وهو المسؤول الاول كما سلف عن تضخم قوات الدعم السريع، كاداة للمخططات الخارجية التي تستهدف الاستيلاء علي ثروات البلاد بعد تحطيم الدولة وتشريد اهلها، بل تتعدي ذلك لاستهداف دول الجوار ونهب مواردها. واذا جهل البرهان كل ذلك وهو امر مؤكد، فما هو مدي معرفته بالسلطة ومسؤولياتها والقيادة ومهامها؟!
اما ما يجب ان يعلمه البرهان، ان الامر تعدي صراع السلطة الي بقاء الدولة ذاتها. وهو ما لا يقبل اي تلاعب او طموحات سلطوية عبثية. وهو ما يفرض بدوره الرجوع لمنصة الثورة كمرجعية، والاستجابة لنداء الحكماء والخبراء من كل حدب وصوب، للعمل بجدية واخلاص لانهاء هذه الحرب اليوم قبل الغد. واول مؤشرات الجدية عدم التحجج باي اعذار لرفض التفاوض. وكذلك من المرتكزات الاساسية لانجاح التفاوض، التخلص من اطماع الاستمرار في السلطة، وتحرر القوات المسلحة من وهم الوصاية والعودة لمربع فرض هيمنتها علي الدولة. والاهم وضع حد لمستشاري السوء ونفوذ الكيزان والمطالبين باستمرار الحرب لحاجة في نفوسهم. ويمكن ان يسأل نفسه سؤال لماذا من حرضه علي الانقلاب (نظام السيسي)، لم يقدم له الدعم الصريح في الحرب ضد مليشيا الدعم السريع؟ بل لماذا لم يسمِ ويعامل مليشيا الدعم السريع كما تستحق، كجماعة بربرية تمتهن الانتهاكات والنهب وتهدد سلامة الدولة والامن الاقليمي؟
وما يهم ان الجدية المطلوبة والعمل بصدق لايقاف الحرب، وفي وجود الوسطاء المشرفون علي المفاوضات، سيضع مليشيا الدعم السريع امام خيارين، اما الرضوخ لايقاف الحرب، او تحمل عواقب تعنتها. اي بعد الرفض والاشمئزاز والاحتقار الداخلي الذي اصبح يحاصر هذه المليشيات الهمجية، ستنفتح عليها العقوبات والحصار الخارجي، مما يحد من كوارث هذا الكابوس ويقطع الدعم الذي يتغذي عليه. وعموما هذه المليشيا الانكشارية التتارية لهي اسوأ من داعش وبما لا يقاس، ولكن سيطرة الاسلامويين علي المؤسسة العسكرية، هو ما يحجب الدعم عنها ويمنح هذه المليشيا شرعية الحياة.
وحقيقة ايقاف الحرب يحتاج لجهود السياسيين والمدنيين بطريقة غير مباشرة لضعف تاثيرهم، وهذا الدور ينصب في تحرر القوي السياسية والمدنية من الهموم والشعارات المفارقة، التي تشغل هواجس النخب السياسية عكس مجريات الواقع. وهو واقع يطاله القتل المجاني بالمعني الحرفي للكلمة ومن غير حماية، وضياع مصادر القوت وكافة الخدمات. واذا كان الرب ربط عبادته بتوافر الامن والخلاص من الخوف والجوع. فكيف والحال كذلك، التنطع بالحديث عن الديمقراطية والدولة المدنية والتغيير الجذري والي آخره من الرطانة، التي يُمجها الذين يبحثون عن الامان والاستقرار واكل العيش، وهم الغالبية في هذه الظروف القهرية. ومن هنا ذكاء الكيزان رغم خبثهم، والذين يعرفون كيف يدغدغون مشاعر الغالبية واستغلالها! اي باختصار نحن تراجعنا الي مجرد البقاء وحفظ الوجود بتوافر ادني المتطلبات وتوفير ابسط الاساسيات، ومن الغلفلة بمكان القفزة مرة واحدة لتطلعات رومانسية لا نملك مقوماتها!
وما سلف يفرض تساؤل، اذا عجزنا عن انجاز التغيير المتدرج (يكسب فيه الجميع)، فكيف يتسني لنا انجاز التغيير الجذري (هزيمة اصحاب الشوكة) وهو اصعب وبما لا يقاس؟ واذا عجزنا طوال تاريخنا علي منازلة القوات المسلحة وازاحتها من السلطة، فكيف نستطيع ازاحة القوات المسلحة المؤدلجة ومضاف لها مليشيا الدعم السريع الاكثر عنف وانفلات وهمجية؟
اذا صح اعلاه، يترتب علي ذلك الاعتراف بالواقع الردئ كما هو، كخطوة اساسية في تسهيل عملية التفاوض لايقاف الحرب، وقبول ما يتمخض عنها. وهذا الواقع يقر بصعوبة الفصل بين العسكر والاسلامويين، او حل مليشيا الدعم السريع واعتبارها كان لم تكن، او تجاهل مصالح داعميها الاقليمين. اذا سلمنا بهذه المقدمة يترتب عليها، ان اي اتفاق لن يكتب له النجاح دون ان يجد فيها الطرفان المتقاتلان مصلحة. ومؤكد هي مصلحة تتعلق بالحفاظ علي الامتيازات والنصيب من السلطة كضامن.
ولكن هذا لا يمنع الاستفادة مما انزلته هذه الحرب بالطرفين المتقاتيلن من ضعف واهدار مصادر القوة والنفوذ، الشئ الذي يحد من تعاظم طموحاتهما. وهي مساحة يمكن استغلالها واللعب عليها اذا ما نهضت القوي السياسية بمسؤولياتها، وغادرت مرحلة طفولتها المتمثلة في اولوية الاطماع الخاصة والدخول في دوامة الخصومات والصراعات غير المجدية.
وحقيقة رغم كثرة الاسباب والعلل التي اوردتنا المهالك، المعلوم منها والمجهول، إلا ان ازمة السلطة والقيادة والتاثير المتبادل بينهما، ظلا علي الدوام يشكلان كعب اخيل او نقطة الضعف المكزية التي تشدنا الي الوراء. حتي وصلنا مرحلة انقلاب البرهان حميدتي علي حكومة اروع ثورة. لتجسد واقعة اسوأ انقلاب واردأ انقلابيين، بكل ما يعنيه ذلك من تردي لنوع الحكم وانحطاط لنوعية الحكام. اي انتاج بيئة طاردة للكفاءات وجاذبة للانتهازيين، وما يترتب علي ذلك من سوء الاداء والفساد وتردي الخدمات وبؤس الحياة. وطبيعي والحال كذلك، ان تهاجر وتنزوي كفاءات من حجم بروف ابراهيم البدوي ودكتور التجاني الطيب ودكتور سلمان محمد، وغيرهم الكثير من الذين ينهضون بالاوطان ويحسِّنون حياة المواطنين. وليتصدر المشهد البشير والبرهان ومناوي وآل دقلو واردول ..الخ من الطفابيع، التي تقود البلاد الي التهلكة واهلها الي الجحيم.
واخيرا
واحدة من امارات تفاهة الحياة، ان يتحكم فيها السفهاء.
ويستحسن في هذا المقام ايراد اقوال بعض من يصفون حقيقة الحروب، حيث يقول في شانها شوبنهاور (اليس الحروب كلها، سوي عمليات منظمة لقطع الطرق وقطع الارزاق وضرب الاعناق؟) وفولتير (هدف كل الحروب السرقة) ونضيف السلطة الملعونة، عليكم اللعنة جنرالات الحروب. ودمتم في رعاية الله.
abdullahaliabdullah1424@gmail.com
بعد خروج البرهان من تحت الحصار، كان هنالك رهان، ان يُحدث خروجه فارق، من جهة الوصول لاتفاق يوقف الحرب. وهذا الرهان تسنده مسوغات عدة، منها العقلاني للحفاظ علي البلاد وما تبقي من بنية تحتية تُستنزف باستمرار. ومنها الانساني بايقاف عجلة الموت التي تحصد العشرات يوميا، وتقذف بالمئات الي جحيم النزوح والتشرد. ومنها الاقتصادي الاجتماعي، بعد دمار هائل طال المؤسسات والمشاريع والعملية الاقتصادية برمتها، مما خلف معاناة اجتماعية قد يطول امدها وتزداد وطاتها. ومنها الامني الذي يهدد بانكشاف البلاد امام التدخلات الخارجية الخبيثة، واهدار مقدرات البلاد العسكرية المكلفة. ومنها المدني باستئناف الانشطة السياسية والمجتمعية المتعددة. والاهم ايقاف موجة الفتنة العاتية التي اكتسحت المكونات العرقية والاهلية والمناطقية، ناهيك عن استفحال حالة الاستقطاب العسكري/المليشياوي والعسكري/المدني والسياسي/السياسي. وكذلك انفساح المجال امام العودة لمن اشعل الحرب لسدة السلطة مرة اخري (الاسلامويون) او (الانتهازيون) من داعمي الدعم السريع، لاعادة انتاج سلطة الانقاذ الفاسدة بصورة اكثر بطش وهمجية ونهبوية. اي باختصار الرهان كان علي ايقاف الحرب باعتبارها شرا مطلقا.
والمشكلة كالعادة لم تكن في الرهان علي ايقاف الحرب، كآخر الآمال المعلقة لانقاذ ما يمكن انقاذه، ولكن في من يُراهن عليه وهو البرهان. اي بوصفه اقل قامة من الرهان، الشئ الذي جعل الغالبية العظمي محقة في فشل الرهان علي البرهان. وهذا الفشل يؤكده ان كل المسوغات السالف ذكرها لا تجد صدي لدي البرهان، بدلالة:
اولا، مقدراته القيادية المتدنية (استبدال انبل شرعية بافشل انقلاب)، و وعيه المتواضع (تكرار مبررات واقوال واحلام الآخرين دون دراية كالببغاء، اي راسو الكبير دا قرعة فاضية).
ثانيا، انعدام حساسيته المجتمعية والانسانية، بدلالة اشرافه علي الابادات الجماعية في دارفور ومجزرة ساحة الاعتصام وسلسلة اغتيال شهداء الثورة بدم بارد، وصولا لعدم اكتراثه بما يحدث للمدنيين راهنا، بقدر حرصه علي العودة لسدة السلطة سالما.
ثالثا، من الناحية الاقتصادية الاجتماعية، فيكفي انه الحارس الامين لاقتصادات الفساد ومافيا النهب، المشرفة عليها الاجهزة العسكرية والامنية والمليشياوية والمؤسسات والقيادات الكيزانية. وحتي الجزء اليسير الذي اجتهدت لجنة التمكين في استرداده، كشر البرهان عن انيابه لرده للصوص. بل وصلت به الجرأة لقطع طريق امدادات البلاد من المواد الاساسية التي تقوم عليها الحياة، وبما فيها ادوية المرضي وحيلب الاطفال! وذلك بالتواطؤ مع الجاهل ترك، فقط لافشال تجربة الحكم المدني كتمهيد للانقضاض عليها.
رابعا، من ناحية تهديد الامن القومي يكفي ما قدمه للدعم السريع من تسهيلات وخدمات ومواقع استراتيجية! الشئ الذي شجع هذه المليشيات المهددة لوجود الدولة، لمناطحة الجيش ومنافسته في السيطرة علي البلاد! والاسوأ من ذلك رفع من مكانة حميدتي عليا، ليقدم الاخيرة صورة كاريكاتورية هزلية لنوعية القيادة، اضحكت العالم من حولنا.
خامسا، من جهة المهددات الخارجية، نجد البرهان من ناحية، ارتمي في احضان النظام المصري، بكل ما يشكله ذلك من خنوع، لتمرير الاطماع المصرية التي لا تشبع! ومن ناحية اخري، خضوعه رهن الاشارة للمخططات (الاسرامارتية) الخبيثة، وعلي راسها العداء للثورة والحقد علي نعم البلاد والطمع في مواردها وللسيطرة علي موقعها! وبالطبع ذلك قبل ان يلفظوه كالنواة ويستبدلوه بالارجوز حميدتي!
سادسا، وهو الاهم، ان البرهان ومنذ ظهوره علي قمة المشهد السلطوي، تكشفت عنه كل مواصفات الطغاة، وبما فيها الاستعداد لفعل وتمرير وتبرير كل شئ، من اجل اشباع شهواته المحمومة، ودوافعه في الحلول محل الإله.
وما استمرار الحرب الدائرة الآن إلا اكبر دليل علي انتساب البرهان لآل البوربون، الذين لا ينسون شيئا ولا يتعلمون شيئا (صم بكم عمي كالبهيمة، بل اضل سبيلا). لانه وبعد هذه السنوات الجهنمية الاربع بكل فظائعها، ما زال يمارس ذات الحيل والالاعيب وشراء الوقت حتي تستقيم له الامور كما يهوي! رغم ان كل الشواهد تؤكد استحالة ذلك، لانه اذا استمرت الحرب ستزول دولة السودان، مفسحة المجال لسيناريوهات مجهولة ولكن المؤكد انها كارثية. واذا وقفت الحرب باتفاق لن يسمح الدعم السريع للبرهان بالاستفراد بالسلطة، وحتي القوي السياسية ومنظمات المجتمع المدني رغم ضآلة تاثيرها لن تقبل بوجود البرهان. اما موقف القوات المسلحة فهذا ما لا يشغل البال، لانها عودتنا الطاعة العمياء لقادتها، غض النظر عن مؤهلاتهم وممارساتهم، والسبب يعود لخلل بنيوي يطال طبيعتها وعقيدتها وطريقة عملها.
ولكن لماذا لم يستفد البرهان من كل الفرص المتاحة، وبما فيها فرصة خروجه من الحصار الاخيرة؟
السبب يرجع ببساطة لان هذا المكان الذي يحتله ليس بمكانه. لذلك ما يقوم به البرهان ومنذ وصوله لهذا المكان، يحكي عن تراجيديا مأساوية يعيشها السودانيون التعساء ودولتهم المنكوبة. وعليه رهان ايقاف الحرب يتضاءل اما رهان استمرارها، وهذا ما عبرت عنه زيادة وتيرة الحرب واهوالها منذ خروجه. كما ان رهان استمرار الحرب الذي ينفخ فيه انصارها، يجد صداه لدي البرهان. لان هذه الجوقة التي تلتف حول البرهان هي صاحبة التاثير الاكبر عليه، بوصفها الادري به، والاحري هم صُناع العوبته! فهذا البرهان بخفة عقله و(عوارته كصنوه البشير)، لديه استعداد كبير للتلاعب به، سواء بدغدغة رغباته او اثارة مخاوفه، ومن ثمَّ سهولة ايهامه بانه القائد الفذ والمنقذ للبلاد وحكيم الزمان والواهب الامتيازات والقادر علي فعل كل شئ! وبكلمة واحدة، الملتفون حوله هم الاقدر علي تشغيله لتمرير مصالحهم، رغم ما عرف عنه من غدر وتلون وكذب ونفاق. وهذا لا يمنع ان كل صاحب تاثير عليه سواء داخليا او خارجيا، ممن عرف حقيقته ومكامن ضعفه، وجد فيه ضالته كمدخل لنيل مآربه! وعلي راسهم حميدتي الذي استغل البرهان لدرجة ابتلاع حميدتي للدولة، وهو من هو علي هذه الدرجة من الجهل والضحالة واحتراف الاجرام! وهذا لوحده يعكس مدي غفلة وسذاجة البرهان، والذي في سبيل بقاءه في السلطة بكل الحيل، لم يدرِ انه يقوي في اخطر منافسيه (الدعم السريع) ويضعف سنده (القوات المسلحة)، وحتي المدنيون الذين انشغل بهم البرهان وكرس جهده ومؤامراته لكسر شوكتهم، لا يشكلون خطورة حقيقية علي مطامحه، وهذا من وجهة نظر صراع السلطة المحض، والذي اتسم تاريخيا بالحسم العسكري. وكانت النتيجة دخول البرهان في ورطة الحرب من غير استعداد، لتدخل البلاد في نفق مظلم، هنالك احتمالات شحيحة للخروج منه، بكسور يصعب جبرها.
والبرهان الذي ادمن اضاعة الفرص، يبدو ومن خلال تحركاته وسفرياته بعد خروجه، انه في وارد اضاعة هذه الفرصة الاخيرة لايقاف الحرب وانقاذ البلاد. وهي فرصة لو خيب توقعاتنا واهتبلها، لكفر قليلا عن اخطاءه وجرائمه التي لا تغتفر، والتي تتعدي درجة الخيانة العظمي لما بعدها. لان البرهان هو المسؤول الاول عن هذه الحرب بكلفتها البشرية التي طالت الابرياء ودمرت البنية التحتية ووضعت البلاد علي طريق الفشل والانهيار. وقبل ذلك هو المسؤول الاول عن الغدر بالثورة وعرقلة الفترة الانتقالية بعد ان تحالف مع اعداءها. وهو المسؤول الاول كما سلف عن تضخم قوات الدعم السريع، كاداة للمخططات الخارجية التي تستهدف الاستيلاء علي ثروات البلاد بعد تحطيم الدولة وتشريد اهلها، بل تتعدي ذلك لاستهداف دول الجوار ونهب مواردها. واذا جهل البرهان كل ذلك وهو امر مؤكد، فما هو مدي معرفته بالسلطة ومسؤولياتها والقيادة ومهامها؟!
اما ما يجب ان يعلمه البرهان، ان الامر تعدي صراع السلطة الي بقاء الدولة ذاتها. وهو ما لا يقبل اي تلاعب او طموحات سلطوية عبثية. وهو ما يفرض بدوره الرجوع لمنصة الثورة كمرجعية، والاستجابة لنداء الحكماء والخبراء من كل حدب وصوب، للعمل بجدية واخلاص لانهاء هذه الحرب اليوم قبل الغد. واول مؤشرات الجدية عدم التحجج باي اعذار لرفض التفاوض. وكذلك من المرتكزات الاساسية لانجاح التفاوض، التخلص من اطماع الاستمرار في السلطة، وتحرر القوات المسلحة من وهم الوصاية والعودة لمربع فرض هيمنتها علي الدولة. والاهم وضع حد لمستشاري السوء ونفوذ الكيزان والمطالبين باستمرار الحرب لحاجة في نفوسهم. ويمكن ان يسأل نفسه سؤال لماذا من حرضه علي الانقلاب (نظام السيسي)، لم يقدم له الدعم الصريح في الحرب ضد مليشيا الدعم السريع؟ بل لماذا لم يسمِ ويعامل مليشيا الدعم السريع كما تستحق، كجماعة بربرية تمتهن الانتهاكات والنهب وتهدد سلامة الدولة والامن الاقليمي؟
وما يهم ان الجدية المطلوبة والعمل بصدق لايقاف الحرب، وفي وجود الوسطاء المشرفون علي المفاوضات، سيضع مليشيا الدعم السريع امام خيارين، اما الرضوخ لايقاف الحرب، او تحمل عواقب تعنتها. اي بعد الرفض والاشمئزاز والاحتقار الداخلي الذي اصبح يحاصر هذه المليشيات الهمجية، ستنفتح عليها العقوبات والحصار الخارجي، مما يحد من كوارث هذا الكابوس ويقطع الدعم الذي يتغذي عليه. وعموما هذه المليشيا الانكشارية التتارية لهي اسوأ من داعش وبما لا يقاس، ولكن سيطرة الاسلامويين علي المؤسسة العسكرية، هو ما يحجب الدعم عنها ويمنح هذه المليشيا شرعية الحياة.
وحقيقة ايقاف الحرب يحتاج لجهود السياسيين والمدنيين بطريقة غير مباشرة لضعف تاثيرهم، وهذا الدور ينصب في تحرر القوي السياسية والمدنية من الهموم والشعارات المفارقة، التي تشغل هواجس النخب السياسية عكس مجريات الواقع. وهو واقع يطاله القتل المجاني بالمعني الحرفي للكلمة ومن غير حماية، وضياع مصادر القوت وكافة الخدمات. واذا كان الرب ربط عبادته بتوافر الامن والخلاص من الخوف والجوع. فكيف والحال كذلك، التنطع بالحديث عن الديمقراطية والدولة المدنية والتغيير الجذري والي آخره من الرطانة، التي يُمجها الذين يبحثون عن الامان والاستقرار واكل العيش، وهم الغالبية في هذه الظروف القهرية. ومن هنا ذكاء الكيزان رغم خبثهم، والذين يعرفون كيف يدغدغون مشاعر الغالبية واستغلالها! اي باختصار نحن تراجعنا الي مجرد البقاء وحفظ الوجود بتوافر ادني المتطلبات وتوفير ابسط الاساسيات، ومن الغلفلة بمكان القفزة مرة واحدة لتطلعات رومانسية لا نملك مقوماتها!
وما سلف يفرض تساؤل، اذا عجزنا عن انجاز التغيير المتدرج (يكسب فيه الجميع)، فكيف يتسني لنا انجاز التغيير الجذري (هزيمة اصحاب الشوكة) وهو اصعب وبما لا يقاس؟ واذا عجزنا طوال تاريخنا علي منازلة القوات المسلحة وازاحتها من السلطة، فكيف نستطيع ازاحة القوات المسلحة المؤدلجة ومضاف لها مليشيا الدعم السريع الاكثر عنف وانفلات وهمجية؟
اذا صح اعلاه، يترتب علي ذلك الاعتراف بالواقع الردئ كما هو، كخطوة اساسية في تسهيل عملية التفاوض لايقاف الحرب، وقبول ما يتمخض عنها. وهذا الواقع يقر بصعوبة الفصل بين العسكر والاسلامويين، او حل مليشيا الدعم السريع واعتبارها كان لم تكن، او تجاهل مصالح داعميها الاقليمين. اذا سلمنا بهذه المقدمة يترتب عليها، ان اي اتفاق لن يكتب له النجاح دون ان يجد فيها الطرفان المتقاتلان مصلحة. ومؤكد هي مصلحة تتعلق بالحفاظ علي الامتيازات والنصيب من السلطة كضامن.
ولكن هذا لا يمنع الاستفادة مما انزلته هذه الحرب بالطرفين المتقاتيلن من ضعف واهدار مصادر القوة والنفوذ، الشئ الذي يحد من تعاظم طموحاتهما. وهي مساحة يمكن استغلالها واللعب عليها اذا ما نهضت القوي السياسية بمسؤولياتها، وغادرت مرحلة طفولتها المتمثلة في اولوية الاطماع الخاصة والدخول في دوامة الخصومات والصراعات غير المجدية.
وحقيقة رغم كثرة الاسباب والعلل التي اوردتنا المهالك، المعلوم منها والمجهول، إلا ان ازمة السلطة والقيادة والتاثير المتبادل بينهما، ظلا علي الدوام يشكلان كعب اخيل او نقطة الضعف المكزية التي تشدنا الي الوراء. حتي وصلنا مرحلة انقلاب البرهان حميدتي علي حكومة اروع ثورة. لتجسد واقعة اسوأ انقلاب واردأ انقلابيين، بكل ما يعنيه ذلك من تردي لنوع الحكم وانحطاط لنوعية الحكام. اي انتاج بيئة طاردة للكفاءات وجاذبة للانتهازيين، وما يترتب علي ذلك من سوء الاداء والفساد وتردي الخدمات وبؤس الحياة. وطبيعي والحال كذلك، ان تهاجر وتنزوي كفاءات من حجم بروف ابراهيم البدوي ودكتور التجاني الطيب ودكتور سلمان محمد، وغيرهم الكثير من الذين ينهضون بالاوطان ويحسِّنون حياة المواطنين. وليتصدر المشهد البشير والبرهان ومناوي وآل دقلو واردول ..الخ من الطفابيع، التي تقود البلاد الي التهلكة واهلها الي الجحيم.
واخيرا
واحدة من امارات تفاهة الحياة، ان يتحكم فيها السفهاء.
ويستحسن في هذا المقام ايراد اقوال بعض من يصفون حقيقة الحروب، حيث يقول في شانها شوبنهاور (اليس الحروب كلها، سوي عمليات منظمة لقطع الطرق وقطع الارزاق وضرب الاعناق؟) وفولتير (هدف كل الحروب السرقة) ونضيف السلطة الملعونة، عليكم اللعنة جنرالات الحروب. ودمتم في رعاية الله.
abdullahaliabdullah1424@gmail.com