البرهان وسيرة الطغاة

 


 

 

abdullahaliabdullah1424@gmail.com

بسم الله الرحمن الرحيم
البرهان شأن كل الطغاة، تنتصر لديه شهوة السلطة، ليتحول الي مسخ متسلط تحركه الغرائز وتتضخم اناه، لتصبح اكبر من الدولة بمن فيها وما فيها. وهذا ما يدفعه لربط مصيره بقضية واحدة، ان يظل حاكما للدولة ومتحكما في اهلها. وفي سبيل ذلك يخاطر ليس بسلامة الدولة واهلها فحسب، ولكن قبل ذلك بسلامته الشخصية!
ورغم دروس التاريخ وعِبره وما اظهرته الايام من نهايات دراماتيكية وماساوية للطغاة، الذين ساموا شعوبهم صنوف العذاب، واحالوا دولهم الي مجرد آليات رهن اشاراتهم وادوات لتلبية رغباتهم، غض النظر عن درجة نزقها وطيشها، وانعكاساتها الكارثية علي الدولة وشعبها! إلا ان الطغاة كعادتهم لا يتعظون مما يحدث لسلفهم، ويراهنون فقط علي اجهزة البطش ووسائل الحماية، التي تُكرس لها كل موارد الدولة، وتمنح سلطات مطلقة للتحكم في انفاس المواطنين. لدرجة يمكن فيها الربط بين مصيبة الطاغية ومصيبة الدولة، او الكارثة التي يلحقها الطغاة بالدولة وشعبها، ما هي إلا انعكاس لمركبات نقص وعقد تفوق وجنون عظمة تلازم الطغاة.
والمفارقة الغريبة، كلما كان الطاغية اكثر جبنا وخوفا، كلما كان اكثر حقدا وعسفا، ودعايةً في في اظهار القوة والعظمة، والذي ينعكس بدوره في واقعة الصرف البذخي علي الجوانب الامنية والعسكرية والاستخباراتية واللجوء للتهديد في الفارغة والمليانة. ومن المصادفات تصبح نهايته اكثر اهانة ومذلة وصولا للتمثيل بجثته.
ودونكم القذاقي ملك ملوك افريقيا، الذي جسد الطغيان في نسخته الكاريكاتورية، وجعل الخوف الهواء الذي يتنفسه الليبيون. لتكون نهايته في غاية الاذلال وهو يختبئ في مصرف للمياه، وبعد القبض عليه اظهر درجة من الجبن تثير الغثيان، وهو يستجدي الثوار الغاضبين الحوار والتفاهم، ليلقي جزاءه بعود في دبره وطلقة في راسه! رغم ان المامول كان القبض عليه ومحاكمته علنيا، ليكشف عن سلسلة جرائمه ونهبه الاموال وصرفها بسفاهة، والاهم تعرية شركاءه وعملائه ومتملقيه.
وذات الامر تعرض له الطاغية علي عبدالله صالح، الذي ادمن التلاعب بالتناقضات اليمنية والغدر بالحلفاء، واحتجاز اليمن في خانة القبلية وتجييش المليشيات. لينتهي به المطاف مقتولا وملفوفا في بطانية، كانه متشرد لا اهل له! وليرهن اليمن من بعده لتصفية الحسابات الاقليمية، التي اخرجت حلول اليمن من ايدي اهلها.
اما الطاغية صدام حسين الذي مارس النسخة الدموية للطغيان، وعمَّر العراق بالارهاب وهدمها بالعناد. انتهت به مغامراته مختبئا في حفرة! أًخرج منها اشعثا اغبرا مذهولا، يتعرض للفحص المذل كحيوان وقع في مصيدة. ولحسن حظ صدام ان قبض عليه الامريكان، الذين منحوه فرصة للظهور في محاكمة علنية، اتاحت له رباط الجأش والخاتمة المشرفة. علي عكس لو وقع في ايدي العراقيين، الذين يَتَم اطفالهم واثكل امهاتهم ورمَّل زوجاتهم، وحكمهم بقانون الغاب والارهاب. وما تعرضت له تماثيله من اسقاط وتكسير بعد سقوط نظامه الدموي، عبر خير تعبير عما يجيش بنفس العراقيين تجاه الطاغية صدام حسين.
اما البشير وحسني مبارك الذين ادمنوا كرسي السلطة، حتي اصبح جزء من روحهم التي بين اضلعهم. ورغم الفارق بين حسني مبارك الذي كان اكثر دراية بفنون السلطة وواجبات الدولة والعمل لصالح بلده، من البشير الذي لم يكُف طوال ثلاثة عقود من الرقص والفساد والعنجهية الفارغة، والحط من قدر البلاد وشعبها بين الامم! إلا ان مصيرهما كان اكثر تشابه، لا لشئ إلا لان الثورات في كلا البلدين تم الاجهاز عليها بواسطة جنرالات ينتمون جميعا لذات المؤسسة العسكرية. ليتم التلاعب بالمحاكمات بحيث لا تتلاءم مع جريمة استيلاءهم علي السلطة بطريقة غير مشروعة، او جرم اساءتهم استخدام السلطة للاضرار بالدولتين وشعوبهما.
وبما ان منظومة الطغيان تحدث تخريب في كل شئ، ما عدا ادوات الطغيان التي تتطور باستخدام احدث التقنيات، من وسائل التعذيب والارهاب الي وسائل السيطرة علي الجماهير وتزييف الحقائق، الي افتعال الصراعات وصولا لبناء شبكات المصالح في الداخل والخارج لحماية الطغيان. إلا ان نقطة ضعفها هي اعتمادها الولاء، مما يجعل الهوس والنفاق ديدنها في الصعود لاعلي الرتب والمراتب. لتصبح منظومة الطغيان كعصا النبي سليمان، ذات سطوة خارجية وسوس ينخرها من الداخل.
وبسبب ان هنالك تطابق بين الطغيان والجيوش في الدول النامية، التي تحولت فيها الجيوش لغول ابتلع الدولة واحتكر السلطة وقطع الطريق علي التحول الديمقراطي وتحديث المجتمعات. كنتيجة للافراط في قمع المعارضة وتضييق هامش الحريات والخلل في الاولويات. والحال كذلك، وبدل افساح المجال لمعارضة ناضجة وتداول السلطة والاهتمام بخدمة المجتمع، يستعاض عن ذلك بتعظيم خدمات السلطة وافراز حركات مسلحة علي ذات نموذجه، اي لها نفس تطلعاته السلطوية الطغيانية. لتصبح المصائب والتحديات التي تواجه دول ومجتمعات الطغيان، ذات طبيعة مركبة، اي مصيبة الطغيان من جهة، وافرازات الطغيان من جهة.
واجتماع الولاء مع الطغيان كوصفة للتدهور المطرد، كان ولابد ان يصنع قادة لمؤسسات الطغيان (الجيوش) علي مستوي من تدني مؤهلات القيادة، لدرجة تثير السخرية والحسرة. ولذلك اصبحت الجيوش لاتنتج ابطال، ولكن طغاة و(اعوان طغاة) يتنظر كل ضابط فرصته للاستيلاء علي السلطة، ومن ثمَّ تحكيم اطماعه وهوجسه ونزواته كنمط لادارة دولة الطغيان.
لكل ما سلف ليس بمستغرب التدهور حتي علي مستوي الطغاة، لنعبر من مرحلة مهزلة الطغيان الي طغيان المهزلة، علي ايدي قادة من شاكلة السيسي والبرهان! اللذان لم يستنكفا اجهاض ثورات تتطلع لاستبدال دولة الطغيان بدولة المواطنة، ووطن الطغاة بوطن المواطنين. ولكن ما اضاف الاهانة للجرح، ان وسائلهم وادواتهم لاستعادة دولة الطغيان قائمة علي سلسلة من الادعاءات (السيسي) والاكاذيب (البرهان).
ولكن ذلك لا يمنع الفوارق الجوهرية بين الجنرالين، وهو فارق يلعب فيه السيسي دور السيد والبرهان تابعه. اي البرهان يجسد النسخة الباهتة والمزورة لنموذج السيسي المهزلة. والسبب يعود لضعف قدرات البرهان التي لا تسعفه حتي لاجادة التقليد، ناهيك عن القيادة المستقلة. وهو ما جعله في حالة خضوع تام للجنرال السيسي، من فض الاعتصام مرورا بالانقلاب وصولا لتعطيل الاتفاق الاطاري.
وايضا من الفوارق ان الجنرال السيسي يحتكم علي قوات مسلحة اكثر انضباط ومؤسسية، وصحيح انها تسيطر علي الدولة باذرعها الاستخباراتية، وتتغلغل في الاقتصاد وكافة الانشطة المجتمعية. إلا ان ما يميز انشطتها الاقتصادية غير النواحي الانتاجية، هو التركيز علي البني التحتية. الشئ الذي اتاح للجنرال السيسي اتخاذها منابر لارسال رسالته السياسية. عكس البرهان الذي يحتكم علي قوات مسلحة اسهم بقسط وافر في اضعافها، من خلال دعمه للدعم السريع، قبل تصاعد صراع السلطة مع حميدتي، ليغيير بعدها اتجاه الصراع الي الوجهة المعاكسة، وهي محاولة اضعاف الدعم السريع لتقوية القوات المسلحة بعد خراب مالطة. وفي كل هذا التناقض يظل الدافع الوحيد، هو الاستفراد بالسلطة والتابيد فيها كحق خلق من اجله.
وفي ذات السياق نجد ان انشطة القوات المسلحة الاقتصادية تتسم بالسرية، وتنأي عن الاسهام في تاسيس البنية التحتية او فك الضائقة الاقتصادية. وهذا الفراغ من الجدوي الاقتصادية التي تخدم الدولة والمجتمع، وربما تبرر دخولها دائرة الانشطة الاقتصادية. غيَّب بدوره المشاريع والصروح الاقتصادية التي يفتتحها البرهان، ومن ثمَّ يتخذها منابر سياسية. لتصبح المحصلة، افتعال الاعراس الجماعية والافطارات الرمضانية والمجامع العسكرية لارسال الرسائل السياسية. وعلي طريقة المشابهة، انتجت هذه المنابر المتهافتة خطاب سياسي متهافت، عماده التهديد والوعيد، واثارة الفتنة بين القوات المسلحة والثوار والمدنيين، والتنصل من الوعود، وعرقلة الاتفاقات وتعطيل الانتقال بالمطالب التعجيزية، ومن ثمَّ الدوران في حلقة مفرغة من دعوات الوحدة بين الفرقاء او الذهاب للانتخابات كشرط لتركه السلطة، هو من يعمل في الخفاء لوضع العراقيل امام الشروط التي يطالب بها!!
وكذلك حين نجد السيسي بني مشروعيته الطغيانية علي التصدي للاسلامويين، الذين يشكلون تهديد للحياة العصرية بمنطلقاتهم الماضوية ومخططاتهم واساليبهم الاجرامية. نجد البرهان اعاد الاسلامويين للمشهد بصورة سافرة، لكي يدعمونه في مشروع الطغيان الذي يطمح له. وهو ما حوَّل انقلابه الي وجهة معادية للعصر ومطالبه. الشئ الذي ازال عنه الغطاء الدولي، وجعله تحت رحمة تحالف الموز الفاسد، الذي لا يقل رداءة عن الاسلاموية. لياتي مكرها للاتفاق الاطاري، ويتحين الفرص للانقضاض عليه، اذا ما أُطر للتوقيع وترك المماحكات.
ولكن اكثر ما يحيرني في الذين يلوكون سردية حلم ابيه الذي يبرر به البقاء في السلطة، انها مستلفة نقل مسطرة، لسردية السيسي الذي حلمت امه بوصوله لسدة السلطة! اي هي في الاصل سردية مزورة وتفتقر حتي للابداع في التزوير. وهذا ان دل علي شئ، فهو يدل ليس علي فقر الخيال لدي البرهان، ولكن الاخطر قابليته للتشغيل والتدوير والاستغلال من كل الطامعين. والسبب في ذلك عجزه عن القيام باي مبادرة مهما كانت متواضعة. اي البرهان من شدة سلبيته هو ليس اكثر من صدي لعديد الجهات التي تتحكم به وتستغل شغفه المرضي بالسلطة. والتي في حال دانت له كاملة، وهو لا يرغبها إلا كاملة. مؤكد سيحولها الي طغيان، يداري به مركب ضعفه وخوفه وجهله وغروره.
وخطورة الطغيان سواء كان في نسخته الاصلية كالقذافي وصدام او نسخته المزورة كالسيسي والبرهان، انه في حال بقاءه، يصبح ذا كلفة عالية علي السلطة بحرفها عن مهامها، وعلي الدولة بتشويه دورها، وعلي المجتمع بتعريضه للاستباحة. اما في حالة التصدي له بغرض ازاحته عنوة، فتزداد وتيرة المخاطر، لتهدد بقاء الدولة وسلامة المجتمع. وهذه المعضلة التي كرسها الطغيان، غالبا هي ما جعلت هذه البقعة من العالم، موطنا للبؤس والذل والحرمان، وتحول حياة شعوبها الي سلسلة متصلة من الشقاء. والي حين التوافر علي مقاربة للخلاص اقل كلفة واكثر امان، فان اكبر خدمة يقدمها ابناء هذه المنطقة لانفسهم وللمنطقة، هي تقليل الانجاب.
واخيرا
انا من اشد المعجبين بتجربة الاستاذ جعفر خضر الذي حول الاعاقة الي حضور مقاوم، واسهام في نشر الوعي والتنوير، والحلم والعمل من اجل التغيير المنشود. ولكم آلمتني درجة العنجهية وانعدام الذوق والحس والحساسية في التعبيرات الجارحة لمنشور وزارة المالية الراغب في زيادة الجمارك علي معدات واحتياجات ذوي الاحتياجات الخاصة! ولكن هذا ليس بمستغرب، عندما يعتلي الفاقد القيمي والمبدئ والانساني، من امثال فكي جبريل، منصب وزير مالية من دون مؤهلات سوي البلطجة المسلحة والابتزاز بالتهميش والاحتماء بالانقلاب العسكري، كدلالة فارقة علي مرحلة الانحطاط التي تقبع فيها الدولة البرهانية.
ولكن المستغرب ما فهمته من الهمز واللمز الذي يتعرض له استاذ جعفر، ليس لانه يمتطي الفارهات او يسكن الفلل ويتزوج الحسناوات كثمن للدفاع عن الباطل ومهادنة الكيزان، ولكن لانه توافر له كرسي آلي يستغني به عن المساعدة. وهو ما اضطره حتي للافصاح عن مصادر مساعدته لتبرئة ذمته. يا للهول الي اين وصلنا؟ والي اين نحن مساقون؟ ودمتم في رعاية الله.

 

آراء