في شهر أغسطس 2015 المنصرم ، زار وفد من مجلس السلم والأمن الأفريقي السودان ،وقام بجولات داخلية للوقوف على أحوال الناس في المناطق التي تشهد صراعاً مسلحاً بين النظام والحركات المسلحة. وبعد ختام زيارته ، دعا في قرار له ، الحكومة والمعارضة في السودان ، إلى لقاء تحضيري بمقر الاتحاد الأفريقي في أديس أبابا برعاية الآلية الأفريقية ، تمهيداً لبدء حوار وطني شامل ، وطالب أيضا بوقف لإطلاق النار في منطقتي النيل الأزرق وجنوب كردفان وإقليم دارفور ، وهدد في حالة عدم التجاوب الإيجابي مع هذا القرار بإحالة قراراته الخاصة بالشأن السوداني إلى مجلس الأمن الدولي.
استجابت المعارضة السودانية بما فيها –المعارضة المسلحة بقرار مجلس السلم والأمن الأفريقي. إلآ أن عمر البشير رفض هذه الدعوة ، واستبق إحالة القرارات الأفريقية بشأن الحوار الوطني لمجلس الأمن الدولي. وقال إنه سيرفض أي قرار من المجلس بهذا الشأن ، مؤكداً عدم سماحه بنقل الحوار خارج السودان ، ورفض التنازل عن رئاسة لجنة الحوار الوطني.
وجدَّد البشير تمسك الحكومة بإقامة الحوار الوطني داخل السودان، معلناً رفضه لأية جهود أوضغوط أفريقية أوأممية أوغربية في هذا الاتجاه. مؤكداً أنه لا مجال لتحويل مسار الحوار إلى خارج السودان وأن الحوار سيكون سودانياً بالكامل.
وقال "سنمزق أية قرارات تصدر في هذا الشأن، مثلما مزقنا قرارات سابقة "، وجدد تأكيده على توفير الضمانات للحركات المسلحة للمشاركة في الحوار في الداخل، وهددهم قائلاً: "من يرفض التفاوض نادم.. وسنلقن كل العملاء درساً لن ينسوه". كما أن اللجنة التي شكلتها والمسمى بآلية "7+7" الخاصة بالحوار الوطني في السودان لدراسة قرار مجلس السلم والأمن الأفريقي الأخير بشأن الحوار، أوصت برفض القرار واعتباره غير موفق ومعيقا للعملية برمتها.
والجدير بالذكر أن لجنة 7+7 من صناعة النظام وواقعة تحت تأثير رفض الرئيس البشير والحزب الحاكم لعقد مؤتمر تحضيري في أديس أبابا.
قلنا من قبل ونقوله اليوم وغد وبعد غد ، أن النظام السوداني أصلا لا يريد أي حوار حقيقي مع معارضيه لأن هذا يعني تفكيكه ومن ثم القضاء عليه في نهاية المطاف. ولأنه يخاف من هذا المصير ، فضل الدخول في مواجهة مفتوحة غير مبررة مع الإتحاد الأفريقي بحجة استماع الأخير الشهر الماضي ، لتحالف قوى "نداء السودان" المعارض ، الذي اعتبره سابقة نادرة وتجاوزا خطيرا للوائح وأعراف الاتحاد الأفريقي.
رفض النظام السوداني لقرار الإتحاد الأفريقي الذي قبل به هو نفسه كطرف نزيه للتوسط بينه وبين المعارضة لإيجاد حلول دائمة وشاملة للسودان ، يعني أنه لا يريد حواراً جاداً وحقيقياً ، وعلى الجميع تكثيف الجهود لإخراجه من العملية السياسية بكل الوسائل الممكنة.
السودان اليوم يعيش وضعاً مزرياً وسيئاً واستثنائياً ، تتطلب حلولاً استثنائياً. الناس لا تريد حلولاً ترقيعياً لهذه الأوضاع المأساوية ، إنما تريد أن تقطع الصلة نهائياً مع نظام الاستبداد والإفساد الذي يريد البقاء في الحكم بأي ثمن.
المعالجة السياسية التي نفهمها تتمثل بإخراج النظام الحاكم من العملية السياسية نهائياً لتجاوزه كل الحدود. جاء بفكرة الحوار الوطني ثم رفضها ، طلب من الإتحاد الأفريقي التوسط بينه وبين المعارضة ثم رفض الحلول التي أتى بها. إنه نظام متغطرس بكل المعاني ، يراوغ الجميع لكسب الوقت. يعطي للمجتمع الدولي اشارات ايجابية بخصوص الحوار السوداني ويستقبل الوفد الأمريكي ، وفي نفس الوقت يهاجم ومن دون أي مبرر الإتحاد الأفريقي ومجلس الأمن.
الآن –الكرة في ملعب المعارضة السودانية بشقيها المدني والمسلح للرد على تعنت النظام وتحديه المسبق للقرارات التي لم تصدر بعد من مجلس الأمن ..لكن هل ستكون المعارضة هذه المرة على قدر المسئولية وترد عملياً على هذا الرفض.. أم ستكتفي كالعادة بإصدار بيانات الشجب والإدانة والتهديد الأجوف بتحريك الشارع واشعال انتفاضة شعبية ضد النظام؟.
نعم "الكرة في ملعب المعارضة السودانية الآن بعد رفض النظام للقاء أديس التحضيري وأن الشعوب السودانية كلها تراقبها وتنتظر منها خطوات عملية وملموسة وسريعة ، وفى تقديري أن الضمانة الأساسية لنجاح هذه الخطوة هي وحدة المعارضة وموقفها ، وعندها سيكون الإتحاد الأفريقي ومجلس الأمن حاضرين ودائمين لها.
أقولها صراحة أن السودان ليس بحاجة إلى أي حوار مع النظام الحاكم ، بل يحتاج إلى حزمة من الإجراءات التي تعيد الحقوق لأصحابها ووقف سفك الدماء في كل أنحاء البلاد ، لأن خيار الشعوب السودانية كان منذ البدء واضحا وهو إسقاط النظام ومحاكمته لا الجلوس معه للحوار.