الترابي بين الغلظة وتصفية الحسابات (١ـ٢)

 


 

 

زفرات حرى

 

الطيب مصطفى

 



eltayebmstf@yahoo.co.uk

 

 



جاء في الأنباء أن الشيخ يس عمر الإمام وهو من أكبر قيادات المؤتمر الشعبي قد بعث برسالة إلى د. حسن الترابي الأمين العام للحزب ناشده فيها بمراجعة نفسه حول بعض القضايا خاصة فيما يتعلق بموقف الترابي من قرار محكمة الجنايات الدولية ومذكرة مدعي تلك المحكمة في حق الرئيس البشير. وقال الشيخ يس مخاطباً الترابي: »المؤمنون يد على من سواهم ويسعى بذمتهم أدناهم وأن أهل الحكم الحالي هم إخوان لنا بغوا علينا والبشير منا وإلينا لن نسلمه إلى الطاغوت ولن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلا). لم أدهش لموقف الشيخ يس عمر الإمام فقد كتبت قبل أيام مقالاً بعنوان: »لا عزاء لأوكامبو والترابي) وذلك بعد أن وصل الرئيس إلى الدوحة للمشاركة في القمة العربية وقلت في ذلك المقال إن المساندين للترابي باتوا يضيقون  به ذرعاً واستشهدت بالشيخ يس الذي قال لي عبر الهاتف   من مستشفاه في الأردن حيث كان يتلقى العلاج عقب صدور مذكرة أوكامبو (إنني والبشير في خندق واحد) بل إن الشيخ يس اتخاذ موقفاً مختلفاً ومضاداً للقوات الدولية التي وافق الترابي على دخولها السودان. تلك كانت مواقف الشيخ يس، لكن اللافت للنظر أن هناك ثورة بدأت تشتعل داخل المؤتمر الشعبي يطالب من خلالها عدد من أعضاء الهيئة القيادية للحزب أمينهم العام بمراجعة مواقفه ومنهجه وأسلوبه الحاد في أداء واجباته ومهامه. د. الحاج آدم القيادي بالمؤتمر الشعبي أكد لصحيفة (الأحداث) وجود خلافات بينه وبين الترابي وبالرغم من أنه آثر عدم الخوض في التفاصيل إلا أن أنباء أخرى أكدت أنه أرسل رسالة إلى الترابي تحدث فيها عن غلظة وضيق صدر الأمين العام بالرأي الآخر وسخريته من المشاركين في أحد اجتماعات الأمانة العامة مؤخراً بسبب الاختلاف حول ورقة رؤية سياسية عن الوضع السياسي الراهن قدمها الأمين العام ـ الترابي ـ وحاول فرضها على الجميع ووجدت الورقة انتقاداً من الأستاذ خليفة الشيخ قوبل باستفزاز شديد من الأمين العام وأشار خطاب الحاج آدم حسب المصادر إلى إصرار الأمين العام على رأيه متجاوزاً ومستخفاً بآراء الآخرين وأشار الخطاب إلى أن الحاج آدم أكد في خطابه أنه (سئم من حدة وغلظة وضيق صدر الأمين العام واصراره على فرض رأيه على الآخرين واستخفافه المستمر بالآراء التي تخالف رأيه). كنت كثيراً ما استغرب مواقف رجال كالذهب الخالص من أمثال الشيخ يس عمر الإمام ود. الحاج آدم ود. عثمان عبد الوهاب والأستاذ خليفة الشيخ ممن لا تأخذهم فيما يعتقدون أنه الحق لومة لائم وممن أكن لهم احتراماً وتقديراً وأعلم أنهم لن يكونوا في يوم من الأيام طائعين يساقون كالأنعام وهم الذين قضوا أعمارهم في شن الحرب على الطائفية السياسية وغيرها والتي تقوم على نظرية: (إن المريد لشيخه كالميت بين يدي الغاسل) وكنت أعلم أنهم يصدرون عن ذات المرجعية التي ندندن حولها وينهلون من ذات النبع الذي نهلنا منه ولا نزال نعب من معينه الصافي ونستقي ما يهدينا إلى الفرقان وسواء السبيل الذي نميز به الحق من الباطل... ذلك النبع وتلك المرجعية التي أخرجت الكثيرين من قيد الترابي وإحنه وأضغانه وجعلتهم يتمردون على سطوة رجل لا يجيز لهم شرعهم أن يجعلوه وسيطاً بينهم وبين الله تعالى... يفكر لهم ويقودهم وفق هواه ورغباته الجامحة. دعونا نتأمل قليلاً في تلك الغلظة والإحن والضغائن التي باتت هي المحرِّك الأساسي للترابي من خلال استعراض رسالة يس عمر إلى الترابي ثم رد الترابي على يس فقد قال يس في رسالته التي نحن بصددها الآن مخاطباً الترابي ما يلي: (فهلاّ وقفتم في لحظة صفاء لمراجعة بعض ما بدر منكم في حق إخواننا؟ ما كان لكم أن تنطلقوا من موجدة أو تكونوا أسرى لمواقف سابقة تتخذونها ذريعة لتصفية الحسابات). إذًا فإن يس مقتنع تماماً بأن المرارات الشخصية وتصفية الحسابات هى التي تحرك الترابي وتملي عليه مواقفه السياسية وهو عين ما عناه الحاج آدم وما أدلى به من خرجوا على الترابي ممن انفضوا من حول الرجل ضيقاً من فظاظته وتمرداً على أسلوب تصفية الحسابات الذي شكا منه الشيخ يس وكيف لا يخرجون وينفضون من حول الرجل والقرآن يحدثنا أن الفظاظة والغلظة كفيلة بفض الناس حتى من حول الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم إن هو اتصف بها لكن لينه وطباعه السمحة هى التي جعلت المؤمنين يلتفون حوله. كانت شخصية الشيخ الترابي قديماً لا تخلو من غلظة لكن تلاميذه كانوا يغفرون له ذلك انبهاراً بشخصيته الكاريزمية وباتخاذه الاسلام مرجعية عليا بها يخاصم وبها يصالح وإليها يأوي ويلوذ ويتحاكم في كل شأن لكن كيف يصبرون على الرجل بعد أن نصب مراراته الشخصية محل مرجعيته القديمة التي لطالما حرَّض الشباب والشيوخ على التضحية بأرواحهم في سبيلها؟! الشيخ يس عمر لم ينف أنه يشعر بشيء من المرارة وذلك حين قال: (هم إخوان لنا بغوا علينا) لكنه تسامى على ذلك وعاتب الترابي على انطلاقه من الغضب ومن المواقف السابقة واتخاذ ذلك ذريعة لتصفية الحسابات أما الترابي فرسالته إلى يس تكاد تصرخ اعترافاً بأن الغضب والرغبة في الثأر هى التي تحرك الرجل وتدفعه إلى ذلك الفجور في الخصومة الذي بلغ درجة تقديم الكافر على المسلم مما سأفيض فيه غداً بإذن الله فقد قال الترابي في رده على يس بشماتة لا تليق بمن هو في مقامه: (فما تشهده الساحة اليوم كما ذكرتم هو بما كسبت أيديهم فنحن نعيش في وضع مأزوم داخلياً تحت سطوة السلطان قهراً وكبتاً) أي أن الترابي أكد أنه ينطلق من الشعور بالمرارة جراء ما أصابه من كبت وقهر، ثم يقول للشيخ يس الذي أقعده المرض وهدته سنون المجاهدة يقول بعد عقود من الزمان أمضاها الشيخ يس إلى جانب الترابي: (فإن ظهر لكم عكس ما ترون فلكم دينكم ولي دين فالاجتهاد في أمر الدنيا أوسع وأرحب لا حجر ولا حكر)!! بربكم هل من غلظة أكبر من هذه... ثم بربكم هل من طغيان أكبر من أن يظن الرجل أنه هو التنظيم وعلى كل من يخالفه الرأي أن يختار له مكاناً خارج التنظيم الذي يقوده الترابي؟! الترابي في رده على الشيخ يس ابتدر خطابه بعبارة: (إلى الأخ يس... سلام) بينما كان خطاب الشيخ يس كالتالي: (سلام عليكم في الأولين والآخرين) الترابي استكثر أن يرد التحية بأحسن منها أو يردها كما هي، امتثالاً للخلق الاسلامي والأمر القرآني الذي يقول: (وإذا حييتم بتحية فحيوا بأحسن منها أو ردوها) لكن ماذا نفعل مع الغلظة التي تزايدت بفعل السنون وربما بفعل الإصابة الشهيرة. نواصل..   

 

آراء