الترابي وثوار التحرير
عادل الباز
17 July, 2011
17 July, 2011
1
سيصل شيخ حسن المحروسة يوم الأربعاء المقبل في أول زيارة له بعد أكثر من عشرين عاما ولا بد لي أن أبدي سعادتي بزيارة الترابي لمصر في مثل هذا التوقيت. ومصدر سعادتي أن للترابي من الخبرة والتجربة ما يمكن أن ينفع بها الثورة المصرية وهي تخوض مخاضاتها الخطرة هذه الأيام.
2
عرف الترابي مخاض الثورات وهو لا يزال في شرخ الشباب، وأسهم بجهد وافر في أول ثورة عربية سلمية عرفها الوطن العربي في أكتوبر 1964، بل هو من صناعها الأساسيين. مصر اليوم بحاجة لخبرة الترابي، فالتجربة المصرية في ثورتها اليوم تحمل ذات الجينات ونفس الملامح والشبه.
3
ما تشهده مصر الآن من تجاذب بين المجلس العسكري وميدان التحرير هو ذات ما شهدته ثورة الشعب السوداني في العام 1986بين المجلس العسكري الانتقالي ويكاد يكون المشهد نفسة بين القوى السياسية التي أسهمت في الثورة وتحديدا ميدان التحرير وبين المجلس العسكري الذي أسهم بتضامنه في إنجاح الثورة.
4
بعد ثورة أكتوبر والصراع والمزايدات بين أقطاب الحركة السياسية التي أسهمت في الثورة وبدأ العراك مباشرة بعد الثورة وشهدنا خمس حكومات تقوم وتسقط خلال أقل من أربع سنوات, مما أدى إلى إشعال فوضى في البلاد قادت إلى انقلاب مايو .1969 الآن تشهد مصر ذات العراك والصراع بين قوى المجتمع المختلفة من أحزاب وتيارات سياسية وأحزاب مع بعضها مما أدى لإسقاط حكومة شفيق وهاهي حكومة شرف التي أتى بها ميدان التحرير نفسه تترنح.
5
هناك معركة مستعرة بين النخب السياسية والمجلس العسكري التي بدأت الأصوات تتعالى مطالبة برحيله, في الخرطوم بالعام 1986 نفس الملامح والشبه حين طالبت قوى مختلفة برحيل المجلس العسكري الانتقالي الذي رأسه سوار الدهب وأسموه (مايو تو).
6
ثورة أكتوبر ولدت انقلابا كان الترابي من أول ضحاياه إذ سجن وطورد زهاء سبع السنوات حتى أتيحت الفرصة له بعد المصالحة الوطنية للعمل بحرية. تلك التجربة جديرة بإهدائها اليوم للإخوان المسلمون في مصر الذين ينخرطون في تيار فوضوي يضرب القاهرة اليوم إذ إن التجربة دلت على أن الفوضى السياسية تدفع ثمنها دائماً القوى الحية في المجتمع والتي هي أول ما تستهدف في أول تغيير والذي غالبا ما يأتي على ظهر دبابة. مصر نفسها والإخوان المسلمون عرفوا ذات التجربة بعد ثورة عبد الناصر.
7
الدرس الثاني الذي يمكن للترابي إهدائه للثورة هو تجربته الذاتية حينما كره العمل الديموقراطي السلمي ونفد صبره فخطط وصنع انقلاب يونيو الذي كان هو أيضاً أول ضحاياه. لا بد أن دروسا وحكما بالغة قد استخلصها الترابي من تجربته التاريخية وعرف من خلالها آفات الثورات وكيف يمكن الانقلاب عليها متى ما شعروا أن القوى السيساسية مشتتة تضربها الفوضى ولا تتفق، وهذا جوهر تجربة السودان من خلال ثورتين. حكمة الترابي السياسية يمكن لها أن تجنب ثورة مصر مخاضات طويلة من الآلام وسوء العاقبة التي بإمكانها أن تعود بمصر عشرات السنين للوراء.
8
قادة مصر بحاجة للإصغاء للترابي جيدا في تجربتة في قيادة الدولة في العشرية الأولى , لدى الترابي فيها من العبر ما ينير دروب الحاكمين الجدد والذين هم في غالبهم بلا خبرات في إدارة الدولة، وبنظرة واحدة لحالات الصراع في السودان بين قادة الإنقاذ يمكن أن يهب عِبرة للقيادة المصرية في مجلسها العسكري وبين مجلس وزرائها الذي يشكو من تغول العسكر على صلاحياته كما شكا الترابي وإخوته من تغول إخوتهم العسكريين في العشرية الأولى والثانية على السواء.