التروتسكيون الجدد والتراجع الثوري
زين العابدين صالح عبد الرحمن
10 August, 2021
10 August, 2021
يعد ليون تروتسكي من أهم المنظرين الماركسيين في الحزب البلشفي أثناء حكم لينين، و كان رجلا خطيبا و كان قد تصدى لكل الذين شكلوا حالة من العداء للثورة البلشفية، و هو الذي كتب كتابا بعنوان " الثورة الدائمة" يدعو فيه إلي الثورة العالمية الدائمة، و هي ثورة يجب أن تتعدى حدود الدولة السوفيتية. و قال عن إمكانية قيام الثورات الاشتراكية في دول لم تحتل الطبقة الرأسمالية مساحة واسعة فيها مثل دول العالم الثالث، علي أن يكون هناك تحالف بين البوليتاريا الطبقة العمالية التي جاءت نتيجة لتطور الصناعة مع طبقة المزارعين " الفلاحين" الأمر الذي يحاول أن يركز عليه الحزب الشيوعي السوداني أن يصل لقيادة العمال عبر العمل النقابي " أتحاد العمال" و أيضا قيادة المزارعين عبر " اتحاد المزارعين" لكي يحقق كرنفال الثورة. و لكن دعوات الشيوعي المتواصل الآن من أجل استمرار الثورة للوصول إلي أهداف ثورية لم يحدد ماهيتها،هي حالة نرجسية تروتسكية انتابت القيادة الاستالينية لكنها في ذات الوقت سوف تجمع المتناقضات.
الغريب في الأمر أن أغلبية الكتاب الذين يعشقون أن تطلق عليهم وصفة اليسارية، هم في حالة أحتفاء غير منظور الآن بفلسفة ليون تروتسكي عن الثورة الدائمة، رغم أن تروتسكي نفسه قتل في المكسيك علي يد الاستالينين بعد مطاردة ستالين له في العديد من عواصم الدول. و تم دفن الثورة الدائمة مع صاحبها في المكسيك، و لم يتطرق لها أحد كل هذه العقود، و لكن تم إعادة قراءتها الآن من جديد بعد ثورة ديسمبر. فالكل الآن مع الثورة الدائمة، رغم أن الشرعية الثورية يجب أن تتوقف بعد صدور الوثيقة الدستورية، و الذي يريد استمرار في الثورية يهدف إلي تحقيق مصالح و أجندة خاصة تتعلق بالذي يدعو للثورة، و إذا استطاع أن يعبيء الناس مرة أخرى للثورة، سوف تكون ثورة جديدة ليس لها علاقة بثورة 19 ديسمبر 2021م، و بالتالي يستطيع أن يحقق أهدافه التي يريدها. فالتروتسكيون الجدد ينتفضون كل ما سمعوا مصطلحات بعينها مثل " التوافق الوطني" و " جمع الصف الوطني" و " التحول الديمقراطي الخ" هذه المصطلحات تسبب لهم حالة من الأرق تجعلهم ينتفضون بسرعة، لأنها بالضرورة تشكل عائقا للثورة الدائمة. و الشكر حقيقة للشباب و خاصة الذين دفعوا ارواحهم أن تكون ضريبة للحرية لكي تجعل البعض يبحث في اضابير التاريخ لكي يستدعي التروتسكية من جديد، لكن للأسف دون رؤية سياسية مقنعة.
لم يقدم التروتسكيون الجدد أي برنامج سياسي يحددون فيه أهداف الثورة الدائمة، و رؤيتهم لكيفية القضايا التي يجب أن تنجز في الفترة الانتقالية، إلي جانب أنهم لا يتحدثون بلسان منظومتهم السياسية إذا كانت يسارية أو أنها قد انحرفت نحو اليمين، باعتبار أن تروتسكي نفسه في نظر أستالين كان تحريفي يميني، رغم أنه أكثر علما و ثقافة و أجتهادا فكريا من ستالين حتى البعض يعتقد أنه أكثر ثقافة و وعيا سياسيا من لينين نفسه، لكنه سقط في الانتخابات في تنافسه مع استالين. و هنا نجد أن التروتسكيون الجدد لا يتحدثون بلسانهم و لكنهم مستلفين لسان الجماهير. و هناك أسئلة لابد منها؛ هل التروتسكية تعتبر حالة تقمص للنرجسية؟ و كيف يتم التخلص منها؟ و لماذا الرجوع إليها الآن؟ هل لعدم اجتهادات جديدة لم يتعرف عليها هؤلاء؟ أم أنها مناسبة للظرف الحالي؟ لآن في بعض الحالات أن الاعراض الجانبية تكون أخطر من حالة المرض نفسه. أنتظرنا طويلا صدور البرنامج السياسي لهؤلاء دون حتى وعد بتقديمه، حتى الآن لا يفعل هؤلاء غير التعليق علي مبادرات الآخرين، و محاولة الوقوف ضدها، لأنها سوف تنقل الناس لمربعات أخرى ربما تتعطل فيها عملية التفكير الثوري.
و معلوم أن الثورات في العالم دائما تحمل معها قيما يتوق لها المجتمع، مثل الشعار الذي أطلقته ثورة 19 ديسمبر " حرية – سلام – عدالة" رغم أن سلطة الفترة الانتقالية شرعت في عملية السلام، و هناك مساحة من الحرية، لكن عربة سلطة الانتقالية تعطلت تماما أمام بوابة العدالة، و العدالة ليست قيمة ثورية، و غير مطلوبة في الاندفاع الثوري و لكنها تعد أهم ركن في البناء الديمقراطي الذي يفصل بين السلطات الثلاث التنفيذية و التشريعية و القضاء، و العدالة وقف أمامها العقل السوداني القابض علي الفترة الانتقالية حائرا، يريدها شعارا و لكنه لا يريدها واقعا مطبقا في المجتمع، لأنها ربما تكون مدخلا يتم من خلاله نقد العديد للممارسات التي تخالف الوثيقة الدستورية، و أي قوى تحاول أن تعطل العدالة هي تؤسس لنظام شمولي حتى لو تعددت شعاراتها الديمقراطية، فمصطلح العدالة هو القضية التي لا يتحدث عنها التروتسكيون الجدد، الأمر الذي يظهر التناقض في مواقفهم و شعارات الديمقراطية التي يرفعونها. و ذلك معروف في الدراسات الاجتماعية أن الثورة لها شرعيتها الخاصة التي لا تتقيد بنصوص القوانين بل تعطلها تماما و تخلق قوانينها الثورية. لذلك أي عمل يعطل مسار الثورة الدائمة مرفوض عند التروتسكيون حتى إذا جاء للناس بالمن و السلوى.
يعتبر بعض الليبراليين الدعوة للثورة الدائمة حالة عجز للنخب التي تفشل في صياغة برنامج سياسي تطرحه للحوار، و لكن بعض المتطرفة يعتقدون أن التروتسكيين لا يقدمون مبادرات للحوار مع البرجوازية الصغيرة التي لم تنحاز لجانب الكادحين، لآن اعتقادهم أي طريق يجب أن يؤدي للثورة حتى تصبح حالة دائمة في المجتمع. الأمر الذي يعقد مسألة التوافق الوطني المطلوبة لتحقيق عملية التحول الديمقراطي الذي يؤسس علي الشرعية الدستورية. فأصبحت القضية معقدة جدا بالتصورات الجديدة، و هي حالة يصعب الخروج منها، لأنها ليس لها حدود أو أفق تقف عندها.
التروتسكيون الجدد الذين أظهرتهم ثورة 19 ديسمبر بعد ما كانواخارج سياج السياسة، يذكرونني بمقال كتبه الدكتور المصري قدري حفني في جريدة الإهرام في مايو 2013م بعنوان " الثورة الزائفة" تحكي حالة من فقدان التوازن يقول فيه " تؤكد دراسات علم النفس السياسي مؤداها أن المرء إذا ما رسخ في روعه أو حيال عدو شيطاني يمثل خطرا داهما لا سبيل لدفعه، فمهما ارتفعت صرخاته الثورية، فإنها لا تعدو أن تكون تبريرا لإحجامه عن دفع ثمن محاولة التغيير، فضلا عن أنها لن تؤدي عمليا إلا إلي تثبيت الواقع المرفوض، بحيث لا يصبح من يرفضه سوى الهجرة أو الانتحار أو الجنون أو الاستسلام و القبول" و هي حالة من الروع تنتاب العديد من السياسيين السودانيين الآن، و الذين وجدوا أنفسهم أمام ظرف سياسي فريد من نوعه، ثورة شعبية علي قمتها الشباب تنتصر علي نظام ديكتاتوري تتعدد فيه الأجهزة القمعية، ثم يترك الثوار الساحة لأحزاب لا تملك تصورا لإدارة الفترة الانتقالية، يدب الصراع بينها و تفقد قوى متمرسة سياسيا القدرة علي إدارة الأزمة، و تجد نفسها بعيدة تماما عن مقاليد السلطة التي كانت قريبة منها، لكنها كانت تريدها بشروطها دون جدل الآخرين، و من ثم تبحث مرة أخرى عن سبل ترجعها لموقعها الأول في بداية الثورة و لا تجد لها نصيرا. بعد ذلك أختارت أن ترجع لتاريخ الأفكار السياسية، و عثرت على ملف الثورة الدائمة و قبضت عليه، و لكن هذا الملف نفسه يتناقض مع بنائها الفكري، ماذا تفعل؟ أن تقف خارج السياج و تبدأ مرحلة التعبئة للثورة الدائمة، دون استجابة لدعوتها، و كفرت بالكل و لم يبق إلا طريق أحلام اليقظة و نقد كل ما يصدر من الأخرين. يذكرني بكلمات عبد الرحمن الكواكبي في كتاب " طبائع الاستبداد" يقول فيه " أن الغرب إذا أطاح بحكومة مستبدة ظالمة، جاء بحكومة عادلة و في الشرق عندما يطاح بحكومة مستبدة ظالمة يجيء بحكومة أكثر استبدادا و ظلما علي الناس" نسأل الله حسن البصيرة. نشر في جريدة إيلاف الخرطوم
الغريب في الأمر أن أغلبية الكتاب الذين يعشقون أن تطلق عليهم وصفة اليسارية، هم في حالة أحتفاء غير منظور الآن بفلسفة ليون تروتسكي عن الثورة الدائمة، رغم أن تروتسكي نفسه قتل في المكسيك علي يد الاستالينين بعد مطاردة ستالين له في العديد من عواصم الدول. و تم دفن الثورة الدائمة مع صاحبها في المكسيك، و لم يتطرق لها أحد كل هذه العقود، و لكن تم إعادة قراءتها الآن من جديد بعد ثورة ديسمبر. فالكل الآن مع الثورة الدائمة، رغم أن الشرعية الثورية يجب أن تتوقف بعد صدور الوثيقة الدستورية، و الذي يريد استمرار في الثورية يهدف إلي تحقيق مصالح و أجندة خاصة تتعلق بالذي يدعو للثورة، و إذا استطاع أن يعبيء الناس مرة أخرى للثورة، سوف تكون ثورة جديدة ليس لها علاقة بثورة 19 ديسمبر 2021م، و بالتالي يستطيع أن يحقق أهدافه التي يريدها. فالتروتسكيون الجدد ينتفضون كل ما سمعوا مصطلحات بعينها مثل " التوافق الوطني" و " جمع الصف الوطني" و " التحول الديمقراطي الخ" هذه المصطلحات تسبب لهم حالة من الأرق تجعلهم ينتفضون بسرعة، لأنها بالضرورة تشكل عائقا للثورة الدائمة. و الشكر حقيقة للشباب و خاصة الذين دفعوا ارواحهم أن تكون ضريبة للحرية لكي تجعل البعض يبحث في اضابير التاريخ لكي يستدعي التروتسكية من جديد، لكن للأسف دون رؤية سياسية مقنعة.
لم يقدم التروتسكيون الجدد أي برنامج سياسي يحددون فيه أهداف الثورة الدائمة، و رؤيتهم لكيفية القضايا التي يجب أن تنجز في الفترة الانتقالية، إلي جانب أنهم لا يتحدثون بلسان منظومتهم السياسية إذا كانت يسارية أو أنها قد انحرفت نحو اليمين، باعتبار أن تروتسكي نفسه في نظر أستالين كان تحريفي يميني، رغم أنه أكثر علما و ثقافة و أجتهادا فكريا من ستالين حتى البعض يعتقد أنه أكثر ثقافة و وعيا سياسيا من لينين نفسه، لكنه سقط في الانتخابات في تنافسه مع استالين. و هنا نجد أن التروتسكيون الجدد لا يتحدثون بلسانهم و لكنهم مستلفين لسان الجماهير. و هناك أسئلة لابد منها؛ هل التروتسكية تعتبر حالة تقمص للنرجسية؟ و كيف يتم التخلص منها؟ و لماذا الرجوع إليها الآن؟ هل لعدم اجتهادات جديدة لم يتعرف عليها هؤلاء؟ أم أنها مناسبة للظرف الحالي؟ لآن في بعض الحالات أن الاعراض الجانبية تكون أخطر من حالة المرض نفسه. أنتظرنا طويلا صدور البرنامج السياسي لهؤلاء دون حتى وعد بتقديمه، حتى الآن لا يفعل هؤلاء غير التعليق علي مبادرات الآخرين، و محاولة الوقوف ضدها، لأنها سوف تنقل الناس لمربعات أخرى ربما تتعطل فيها عملية التفكير الثوري.
و معلوم أن الثورات في العالم دائما تحمل معها قيما يتوق لها المجتمع، مثل الشعار الذي أطلقته ثورة 19 ديسمبر " حرية – سلام – عدالة" رغم أن سلطة الفترة الانتقالية شرعت في عملية السلام، و هناك مساحة من الحرية، لكن عربة سلطة الانتقالية تعطلت تماما أمام بوابة العدالة، و العدالة ليست قيمة ثورية، و غير مطلوبة في الاندفاع الثوري و لكنها تعد أهم ركن في البناء الديمقراطي الذي يفصل بين السلطات الثلاث التنفيذية و التشريعية و القضاء، و العدالة وقف أمامها العقل السوداني القابض علي الفترة الانتقالية حائرا، يريدها شعارا و لكنه لا يريدها واقعا مطبقا في المجتمع، لأنها ربما تكون مدخلا يتم من خلاله نقد العديد للممارسات التي تخالف الوثيقة الدستورية، و أي قوى تحاول أن تعطل العدالة هي تؤسس لنظام شمولي حتى لو تعددت شعاراتها الديمقراطية، فمصطلح العدالة هو القضية التي لا يتحدث عنها التروتسكيون الجدد، الأمر الذي يظهر التناقض في مواقفهم و شعارات الديمقراطية التي يرفعونها. و ذلك معروف في الدراسات الاجتماعية أن الثورة لها شرعيتها الخاصة التي لا تتقيد بنصوص القوانين بل تعطلها تماما و تخلق قوانينها الثورية. لذلك أي عمل يعطل مسار الثورة الدائمة مرفوض عند التروتسكيون حتى إذا جاء للناس بالمن و السلوى.
يعتبر بعض الليبراليين الدعوة للثورة الدائمة حالة عجز للنخب التي تفشل في صياغة برنامج سياسي تطرحه للحوار، و لكن بعض المتطرفة يعتقدون أن التروتسكيين لا يقدمون مبادرات للحوار مع البرجوازية الصغيرة التي لم تنحاز لجانب الكادحين، لآن اعتقادهم أي طريق يجب أن يؤدي للثورة حتى تصبح حالة دائمة في المجتمع. الأمر الذي يعقد مسألة التوافق الوطني المطلوبة لتحقيق عملية التحول الديمقراطي الذي يؤسس علي الشرعية الدستورية. فأصبحت القضية معقدة جدا بالتصورات الجديدة، و هي حالة يصعب الخروج منها، لأنها ليس لها حدود أو أفق تقف عندها.
التروتسكيون الجدد الذين أظهرتهم ثورة 19 ديسمبر بعد ما كانواخارج سياج السياسة، يذكرونني بمقال كتبه الدكتور المصري قدري حفني في جريدة الإهرام في مايو 2013م بعنوان " الثورة الزائفة" تحكي حالة من فقدان التوازن يقول فيه " تؤكد دراسات علم النفس السياسي مؤداها أن المرء إذا ما رسخ في روعه أو حيال عدو شيطاني يمثل خطرا داهما لا سبيل لدفعه، فمهما ارتفعت صرخاته الثورية، فإنها لا تعدو أن تكون تبريرا لإحجامه عن دفع ثمن محاولة التغيير، فضلا عن أنها لن تؤدي عمليا إلا إلي تثبيت الواقع المرفوض، بحيث لا يصبح من يرفضه سوى الهجرة أو الانتحار أو الجنون أو الاستسلام و القبول" و هي حالة من الروع تنتاب العديد من السياسيين السودانيين الآن، و الذين وجدوا أنفسهم أمام ظرف سياسي فريد من نوعه، ثورة شعبية علي قمتها الشباب تنتصر علي نظام ديكتاتوري تتعدد فيه الأجهزة القمعية، ثم يترك الثوار الساحة لأحزاب لا تملك تصورا لإدارة الفترة الانتقالية، يدب الصراع بينها و تفقد قوى متمرسة سياسيا القدرة علي إدارة الأزمة، و تجد نفسها بعيدة تماما عن مقاليد السلطة التي كانت قريبة منها، لكنها كانت تريدها بشروطها دون جدل الآخرين، و من ثم تبحث مرة أخرى عن سبل ترجعها لموقعها الأول في بداية الثورة و لا تجد لها نصيرا. بعد ذلك أختارت أن ترجع لتاريخ الأفكار السياسية، و عثرت على ملف الثورة الدائمة و قبضت عليه، و لكن هذا الملف نفسه يتناقض مع بنائها الفكري، ماذا تفعل؟ أن تقف خارج السياج و تبدأ مرحلة التعبئة للثورة الدائمة، دون استجابة لدعوتها، و كفرت بالكل و لم يبق إلا طريق أحلام اليقظة و نقد كل ما يصدر من الأخرين. يذكرني بكلمات عبد الرحمن الكواكبي في كتاب " طبائع الاستبداد" يقول فيه " أن الغرب إذا أطاح بحكومة مستبدة ظالمة، جاء بحكومة عادلة و في الشرق عندما يطاح بحكومة مستبدة ظالمة يجيء بحكومة أكثر استبدادا و ظلما علي الناس" نسأل الله حسن البصيرة. نشر في جريدة إيلاف الخرطوم