الثورة السودانية لماذا؟
زين العابدين صالح عبد الرحمن
26 June, 2021
26 June, 2021
سؤال الثورة السودانية لماذا؟ هو سؤال سيظل يطارد المشهد السياسي السوداني وفقا للأحداث المتصاعدة في الاتجاه السالب مقارنة بحالة الثورة و زخمها و تأييدها الشعبي، و الحالة التي وصلت لها حالة التشظي للقوى السياسية التي دعمت الثورة، و حالة الثوار الذين أصبحوا علي هامش مراكز القرار. هذه الأسئلة تحتاج إلي إجابات من قبل آهل الرأي في السودان. لكن السؤال المطروح هو عنوان كتاب البروف أحمد إبراهيم أبوشوك أستاذ التاريخ الجديد و المعاصر في جامعة قطر " الثورة السودانية لماذا 2018 – 2019" و قدمت رابطة خريجي جامعة الخرطوم فرع الدوحة الدكتور أبوشوك في ندوة يتحدث فيها عن موضوعات الكتاب من خلال خدمة " zoom" مساء أمس الجمعة الثامنة بتوقيت الدوحة. الثالث صباح السبت بتوقيت شرق أستراليا. و هنا شكر رابطة خريجي جامعة الخرطوم للدعوة لحضور الندوة. و أن يستمع الشخص لأساتذة في التاريخ الحديث و المعاصر، و هؤلاء يمثلون قاعدة الوعي الجديد في تناولهم للقضايا ليس فقط من خلال وصف تاريخي للأحداث و لكنهم مزجوا ذلك بعملية التحليل الاجتماعي.
قدمت الندوة الأستاذ محاسن زين العابدين عبد الله، بحضور عدد من المختصين و المؤرخين الجدد علي رأسهم الدكتورة فدوى عبد الرحمن علي طه أستاذة التاريخ و مدير جامعة الخرطوم. الدكتور عبد السلام سيد احمد مؤلف كتاب " السلطة السنارية" وإلي جانب عدد من أهل الفكر و الرآي، و تحدث بروف أبوشوك عن فصول و محتويات الكتاب الذي دون في 640 صفحة، باعتباره يؤرخ للثورة منذ خروج الجماهير في 13 سبتمبر 2018م في النيل الأزرق، ثم عطبرة في 19 ديسمبر. و قال هذه أول ثورة تندلع في الأطراف ثم تزحف للخرطوم. و استعرض فصول الكتاب منها مقدمة الدكتور عزمي بشارة الذي أشار فيها أن الثورة تعد امتداد لثورات الربيع العربي، ثم فصل الأطار النظري و الإنقاذ و الثورة و الفاعلون الثوريون، يوميات الثورة لحظة اندلاعها و تداعياتها، الثورة و خطاب السلطة، الاعتصام أمام القيادة و المبادرات و المفاوضات و غيرها. ثم ينتقل للإجابة علي سؤال لماذا هي ثورة و ليست أنتفاضة؟ و حاول أن يقدم أجتهادات فكرية قدمت من مدارس فكرية عديدة منها تعريف روجر بيترسن نظر الثورة من زاوية السند الشعبي، ثم الدرسة الماركسية الصراع الطبقي باعتبار أن الثورة نتاج لصراع طبقي بين مكونات المنظومة الانتاجية، و تعريف صمويل هنتنتون التغيير الجذري أي أنها حدوث تغيير مفاجيء في القيم و التقاليد السياسية.
أراد بروف أبو شوك من خلال تمرحل الأحداث في الكتاب أن يحلل العوامل التي ساعدت الوعي الجماهيري، ثم انتشاره عندما يطرح الآطار النظري المفاهيمي، و يشير إلي مدارس تتناولت هذا الجانب الفكري و المعرفي، مثلا لذلك البعد السلوكي، و هي أطروحة عالم الاجتماع تيد روبرت و سؤاله لماذا يتمرد الشعب و يلخص في عملية الوعي الجمعي بالظلم و الحرمان النسبي. ثم ينتقل ابوشوك لنظرية تعبئة الموارد أو التأطير. بالإضافة إلي وسائط التواصل الاجتماعي " الانترنيت" و دورها في عملية التعبئة و التنظيم. و يتحدث عن مراحل تطور الثورة منذ الإعداد حتى الانتصار التي تمثلت في تحرك المعارضين في شكل لجان و خليات عملية التحريض . و كان الملفت أن الثورة كان الانتقال فيها من أسفل إلي أعلى أي إنها بدأت من الجماهير العادية في مناطق السودان المختلفة و لحقت بها الأحزاب و منظمات المجتمع المدني. حديث بروف أبوشوك يجعل القاريء للكتاب يطرح أسئلة مهمة جدا إذا كان الوعي الجماهيري بقضية الظلم هو المحرك، لماذا فشلت الأحزاب أن تقوم بدور التثقيف السياسي؟ و كلما يطرح فصل يحفز لاستقبال مدركات أخرى لها أهميتها في عملية الوعي و طرح الأسئلة المهمة التي تفتح أفاق جديدة للتبصر.
أشار بروف أبوشوك أن الانتقال الذي حصل لقضية "الظلم" من الاحساس بالظلم إلي الوعي بالظلم تمثلت في فكرة التمكين لآهل الولاء، حرب الجنوب التي أخذت بعدا دينيا، الحرب في دارفور، خاصة أن الحكومة دخلت لتكون جزءا من الحرب في دارفور، الفساد و خصخصت القطاع العام، كلها كانت جوانب سلبية للنظام، أدت للغبن الشعبي. و يقول أبوشوك في طرحه أن الأحساس ليس كافيا لكي يصنع ثورة لكن تحول الاحساس بالغبن إلي وعي بالغبن هو الذي فجر الثورة.
ثم ينتقل بروف أبوشوك للحديث عن خطاب السلطة و ردة فعلها تجاه الثورة. و قال في البداية أن السلطة بدأت خطابا يشكك في الثورة و لكنه كان خطابا غير فعال. و حاولت القمع و التشكيك في الثورة عندما قال رئيس جهاز الأمن و المخابرات الفريق صلاح قوش هؤلاء مرتزقه و عملاء للموساد. ثم بدأ الحديث عن الاعتراف الشكلي بالحق الدستوري للتظاهر، ثم تحول مرة أخرى للعنف و القمع، و محاولة ألا مبالاة بسفر البشير إلي بعض الدول ثم زيارة الإقليم و مخاطبة الناس، وكانت زيارة أقاليم السودان في محاولة لتهدئة الوضع، و كلها لم تؤثر على مجريات الثورة. لآن الثورة طرحت ثلاثة شعارات مهمة " تسقط بس_ حرية سلام و عدالة إلي جانب الطلقه ما بتقتل بقتل سكات الزول" هي كانت شعارات مؤثرة و لها حيويته في الحشد و التعبئة.
ثم ينتقل إلي مرحلة الاعتصام و هي مرحلة من أهم مراحل الثورة، حيث بدأ الحشد الحقيقي للشباب و تقديم تصوراتهم و إبداعاتهم، ثم بدأت مرحلة تقديم المبادرات، فكانت مبادرة جامعة الخرطوم الداعية لعملية التسليم و التسلم للسلطة، باعتبار أن النظام قد ستنفد أغراضه، ثم تراجع الخطاب التشكيكي في الثورة، و الدور الفاعل في استخدام الوسائط الاجتماعية للرد كل ذلك كان تحاصر السلطة، ثم انحياز اللجنة الأمنية للنظام للثورة لكي تعلن مرحلة سقوط نظام الإنقاذ. و شرح البروف أبوشوك لماذا استخدم مصطلح الشباب و ليس الطلاب كما كان يستخدم سابقا في ثورة أكتوبر و إنتفاضة إبريل، قال باعتبار أن المشاركين أغلبيتهم شباب فيهم الطلاب و غير الطلاب و أيضا اتساع مشاركة المرأة و أغلبيتهم غير طلاب. لكن أعتقد في ثورة أكتوبر و إبريل كان عنصر الطلاب هو الفاعل و أن الجامعات كانت مراكز الثورة الفاعلة، لكن بعد تخرج مئا الألاف من الطلاب أصبحت الجامعات أحد مراكز الوعي و الثورة و أصبح هناك العديد من المركز في المجتمع. و الله أعلم.
أن كتاب أبوشوك يجعلنا أن نطرح العديد من التساؤلات التي تحتاج إلي إجابات من قبل القوى السياسية و آهل الفكر و مجموعات المثقفين. فإذا كانت الوسائط الاجتماعية قد لعبت دورا فاعلا في انتصار الثورة و تعبئة الجماهير لماذا لم تستغل من قبل آهل الرأي في طرح مبادرات وطنية تنقل الناس من مسرح العبث الذي يعرض مسرحياته إلي التوافق حول قضايا إستراتيجية وطنية؟ كان الوعي الجماهيري يتطور مع تطور الأحداث و هذا الوعي يجدد في شعارته لكي تتماشي مع سياسة المراحل لماذا توقف؟ لماذا يتجمد عقل النخبة السياسية السودانية بعد انتصار الثورات و تفشل في قيادة مرحلة البناء الوطني؟ هل تدرك الجماهير أنها في حاجة لتغيير الثقافة الشمولية السائدة إلي ثقافة ديمقراطية؟ أين دور الأحزاب في إنتاج الثقافة الديمقراطية التي تنداح علي الثقافة الشمولية و تقلص دورها في المجتمع؟ و هناك العديد من الأسئلة ألتي تحتاج إلي إجابات لمعرفة الأسباب التي تؤدي للفشل بعد الثورة أو الانتفاضة. حقيقة الكتاب جدير بالقراءة لأنه يحمل العديد من الأفكار و يطرح العديد من الأسئلة. كما أنه يعد المرجع الوحيد عن الثورة كما قالت الدكتورة فدوى عبد الرحمن علي طه. و نسأل الله حسن البصيرة.
zainsalih@hotmail.com
قدمت الندوة الأستاذ محاسن زين العابدين عبد الله، بحضور عدد من المختصين و المؤرخين الجدد علي رأسهم الدكتورة فدوى عبد الرحمن علي طه أستاذة التاريخ و مدير جامعة الخرطوم. الدكتور عبد السلام سيد احمد مؤلف كتاب " السلطة السنارية" وإلي جانب عدد من أهل الفكر و الرآي، و تحدث بروف أبوشوك عن فصول و محتويات الكتاب الذي دون في 640 صفحة، باعتباره يؤرخ للثورة منذ خروج الجماهير في 13 سبتمبر 2018م في النيل الأزرق، ثم عطبرة في 19 ديسمبر. و قال هذه أول ثورة تندلع في الأطراف ثم تزحف للخرطوم. و استعرض فصول الكتاب منها مقدمة الدكتور عزمي بشارة الذي أشار فيها أن الثورة تعد امتداد لثورات الربيع العربي، ثم فصل الأطار النظري و الإنقاذ و الثورة و الفاعلون الثوريون، يوميات الثورة لحظة اندلاعها و تداعياتها، الثورة و خطاب السلطة، الاعتصام أمام القيادة و المبادرات و المفاوضات و غيرها. ثم ينتقل للإجابة علي سؤال لماذا هي ثورة و ليست أنتفاضة؟ و حاول أن يقدم أجتهادات فكرية قدمت من مدارس فكرية عديدة منها تعريف روجر بيترسن نظر الثورة من زاوية السند الشعبي، ثم الدرسة الماركسية الصراع الطبقي باعتبار أن الثورة نتاج لصراع طبقي بين مكونات المنظومة الانتاجية، و تعريف صمويل هنتنتون التغيير الجذري أي أنها حدوث تغيير مفاجيء في القيم و التقاليد السياسية.
أراد بروف أبو شوك من خلال تمرحل الأحداث في الكتاب أن يحلل العوامل التي ساعدت الوعي الجماهيري، ثم انتشاره عندما يطرح الآطار النظري المفاهيمي، و يشير إلي مدارس تتناولت هذا الجانب الفكري و المعرفي، مثلا لذلك البعد السلوكي، و هي أطروحة عالم الاجتماع تيد روبرت و سؤاله لماذا يتمرد الشعب و يلخص في عملية الوعي الجمعي بالظلم و الحرمان النسبي. ثم ينتقل ابوشوك لنظرية تعبئة الموارد أو التأطير. بالإضافة إلي وسائط التواصل الاجتماعي " الانترنيت" و دورها في عملية التعبئة و التنظيم. و يتحدث عن مراحل تطور الثورة منذ الإعداد حتى الانتصار التي تمثلت في تحرك المعارضين في شكل لجان و خليات عملية التحريض . و كان الملفت أن الثورة كان الانتقال فيها من أسفل إلي أعلى أي إنها بدأت من الجماهير العادية في مناطق السودان المختلفة و لحقت بها الأحزاب و منظمات المجتمع المدني. حديث بروف أبوشوك يجعل القاريء للكتاب يطرح أسئلة مهمة جدا إذا كان الوعي الجماهيري بقضية الظلم هو المحرك، لماذا فشلت الأحزاب أن تقوم بدور التثقيف السياسي؟ و كلما يطرح فصل يحفز لاستقبال مدركات أخرى لها أهميتها في عملية الوعي و طرح الأسئلة المهمة التي تفتح أفاق جديدة للتبصر.
أشار بروف أبوشوك أن الانتقال الذي حصل لقضية "الظلم" من الاحساس بالظلم إلي الوعي بالظلم تمثلت في فكرة التمكين لآهل الولاء، حرب الجنوب التي أخذت بعدا دينيا، الحرب في دارفور، خاصة أن الحكومة دخلت لتكون جزءا من الحرب في دارفور، الفساد و خصخصت القطاع العام، كلها كانت جوانب سلبية للنظام، أدت للغبن الشعبي. و يقول أبوشوك في طرحه أن الأحساس ليس كافيا لكي يصنع ثورة لكن تحول الاحساس بالغبن إلي وعي بالغبن هو الذي فجر الثورة.
ثم ينتقل بروف أبوشوك للحديث عن خطاب السلطة و ردة فعلها تجاه الثورة. و قال في البداية أن السلطة بدأت خطابا يشكك في الثورة و لكنه كان خطابا غير فعال. و حاولت القمع و التشكيك في الثورة عندما قال رئيس جهاز الأمن و المخابرات الفريق صلاح قوش هؤلاء مرتزقه و عملاء للموساد. ثم بدأ الحديث عن الاعتراف الشكلي بالحق الدستوري للتظاهر، ثم تحول مرة أخرى للعنف و القمع، و محاولة ألا مبالاة بسفر البشير إلي بعض الدول ثم زيارة الإقليم و مخاطبة الناس، وكانت زيارة أقاليم السودان في محاولة لتهدئة الوضع، و كلها لم تؤثر على مجريات الثورة. لآن الثورة طرحت ثلاثة شعارات مهمة " تسقط بس_ حرية سلام و عدالة إلي جانب الطلقه ما بتقتل بقتل سكات الزول" هي كانت شعارات مؤثرة و لها حيويته في الحشد و التعبئة.
ثم ينتقل إلي مرحلة الاعتصام و هي مرحلة من أهم مراحل الثورة، حيث بدأ الحشد الحقيقي للشباب و تقديم تصوراتهم و إبداعاتهم، ثم بدأت مرحلة تقديم المبادرات، فكانت مبادرة جامعة الخرطوم الداعية لعملية التسليم و التسلم للسلطة، باعتبار أن النظام قد ستنفد أغراضه، ثم تراجع الخطاب التشكيكي في الثورة، و الدور الفاعل في استخدام الوسائط الاجتماعية للرد كل ذلك كان تحاصر السلطة، ثم انحياز اللجنة الأمنية للنظام للثورة لكي تعلن مرحلة سقوط نظام الإنقاذ. و شرح البروف أبوشوك لماذا استخدم مصطلح الشباب و ليس الطلاب كما كان يستخدم سابقا في ثورة أكتوبر و إنتفاضة إبريل، قال باعتبار أن المشاركين أغلبيتهم شباب فيهم الطلاب و غير الطلاب و أيضا اتساع مشاركة المرأة و أغلبيتهم غير طلاب. لكن أعتقد في ثورة أكتوبر و إبريل كان عنصر الطلاب هو الفاعل و أن الجامعات كانت مراكز الثورة الفاعلة، لكن بعد تخرج مئا الألاف من الطلاب أصبحت الجامعات أحد مراكز الوعي و الثورة و أصبح هناك العديد من المركز في المجتمع. و الله أعلم.
أن كتاب أبوشوك يجعلنا أن نطرح العديد من التساؤلات التي تحتاج إلي إجابات من قبل القوى السياسية و آهل الفكر و مجموعات المثقفين. فإذا كانت الوسائط الاجتماعية قد لعبت دورا فاعلا في انتصار الثورة و تعبئة الجماهير لماذا لم تستغل من قبل آهل الرأي في طرح مبادرات وطنية تنقل الناس من مسرح العبث الذي يعرض مسرحياته إلي التوافق حول قضايا إستراتيجية وطنية؟ كان الوعي الجماهيري يتطور مع تطور الأحداث و هذا الوعي يجدد في شعارته لكي تتماشي مع سياسة المراحل لماذا توقف؟ لماذا يتجمد عقل النخبة السياسية السودانية بعد انتصار الثورات و تفشل في قيادة مرحلة البناء الوطني؟ هل تدرك الجماهير أنها في حاجة لتغيير الثقافة الشمولية السائدة إلي ثقافة ديمقراطية؟ أين دور الأحزاب في إنتاج الثقافة الديمقراطية التي تنداح علي الثقافة الشمولية و تقلص دورها في المجتمع؟ و هناك العديد من الأسئلة ألتي تحتاج إلي إجابات لمعرفة الأسباب التي تؤدي للفشل بعد الثورة أو الانتفاضة. حقيقة الكتاب جدير بالقراءة لأنه يحمل العديد من الأفكار و يطرح العديد من الأسئلة. كما أنه يعد المرجع الوحيد عن الثورة كما قالت الدكتورة فدوى عبد الرحمن علي طه. و نسأل الله حسن البصيرة.
zainsalih@hotmail.com