الثورة السودانية مصيرها الانتصار الحتمي مهما كبر حجم التآمر

 


 

 

 

واضح لكل ذي بصيرة أن معسكر الشمولية، مصر والسعودية والإمارات، يقف حجر عثرة في طريق مضي الثورة السودانية نحو تحقيق غاياتها المنشودة، وتطلعات شعبنا المناضل الجسور في نيل حقه المشروع في الحرية والسلام والعدالة والديمقراطية والعيش الكريم.

ساعدهم في ذلك الميلاد المشوه للمجلس العسكري، بأن قام الفريق أول بنعوف الذي لفظه الشعب، بتعيين الفريق اول برهان بدلا عنه، ثم بتشكيلته التي ضمت ذات الوجوه التي كانت تقف خلف المشير قبل سقوطه بسويعات، تشاركه كل جرائمه بالفعل أو الصمت، فاذا بالمجلس الذي نشأ بشرعية الانحياز للثورة، لا يخرج عن كونه تناسل طبيعي لدكتاتورية المشير، المدجج بكل أنواع الأسلحة القاتلة ، المهزوم بسلاح السلمية.

لهذا لم يكن مستغرباً أن يظهر المجلس العسكري ككيان مهزوز، شديد الارتباك والتردد وفاقد للإرادة الصادقة نحو السير في خطى هذه الثورة العظيمة، لذلك نجد العديد من القرارات والإجراءات التي اتخذها ، أو التي امسك عمدا عن اتخاذها، تصب في اتجاه تقويض الثورة وإعادة إنتاج الدكتاتورية...
كمثال نشير لقرار المجلس المريب، بدمج قوات الدفاع الشعبي وغيرها من الأجسام الموازية، في القوات المسلحة!! وعدم شروع المجلس ومنذ اللحظة الأولى في تأمين الثورة بالاعتقالات التحفظية .!!! والغموض الذي لازم ولا يزال، وقت ومكان اعتقال من تم اعتقالهم، والجهة المسؤولة عنهم !!

وكذلك عدم اتخاذ القرارات اللازمة لضمان عدم هروب المزيد ممن تحوم حولهم شبهات الفساد، وما اكتنزوه من المال العام ، ليس هذا فحسب، لكننا نشاهد المجلس العسكري يجتمع علنا بذات الرموز التي قوضت النظام الديمقراطي وافسدت الحياة العامة في كافة مناحيها، وحولت حياة الناس الي جحيم لا يطاق.

ان تهاون المجلس العسكري في حماية الثورة وأموال الشعب، شجع بعض أطراف النظام الفاشل البائد والمنتفعين من خلفه، لإخفاء أموالهم، بل وتجريب حظهم في محاولة الإلتفاف على الثورة.. كما تسبب بعضهم في بعض مظاهر الفوضى والعنف لكي تنسب للثوار، بغرض الإساءة للثورة وخلق حالة من التذمر.

كما أن المؤتمر الصحفي الأخير للمجلس العسكري ، بشأن المفاوضات بينه ووفد قوى الحرية والتغيير، يشكك في نوايا المجلس وأنه يبحث عن أي ثغرة يعطل بها المفاوضات ، فما أورده بشأن الكباري والمتاريس، وهو أن هاجسه ينصب حول فض الاعتصام !!
أيضا مما يشكك في نوايا المجلس محاولة استعطاف الرأي العام بدمغ الثوار بتهم لا أساس لها، بعيدة جدا عن شعار السلمية الذي التزموا به ونفذوه، وبعيدة جدا عن ادبياتهم المعلنة وواقعهم الذي يشهد عليه زوار الميدان من اجانب وغيرهم، أن بنات وأبناء السودان الذين جعلوا أنفسهم وقودا للثورة، ولا زالوا يقدموا التضحيات، من العيب بل من العار وصفهم بما لا يليق.

ثم انظروا إلى ناطقهم الرسمي وهو يقول ( فوجئنا بعرض مختلف عن المتفق عليه.) ثم يعود ويؤكد أنه تم الاتفاق حول تقديم رؤية شاملة للحل..!!! فما دام الاتفاق قد تم بينهم حول إجراء معين، فما معنى الحديث عن مفاجأة !!! ثم اين العرض المختلف، ما دام الأمر كله يدور حول هياكل الحكم الانتقالي وفي مقدمتها المجلس الرئاسي، تكوينه واختصاصاته.. الخ.!!

للأسف هذه الأساليب توضح أن المجلس العسكري يستلهم طريقة النظام البائد في الحوار، المتمثلة في الإرهاق النفسي والعقلي والجسدي للمفاوض الآخر، من باب كسب الوقت والحصول على النتيجة المطلوبة.

أن تصريح المجلس العسكري الذي سبق مؤتمرهم الصحفي، بأنهم سيحتفظوا بسلطة السيادة، خلافا لاتفاق سابق.، يمس مصداقية المجلس ويكشف محاولة التشبث بالسلطة سيرا في خطى الرئيس المخلوع.

يجب أن لا يغيب على السادة أعضاء المجلس العسكري، أن السلطة اصلا ملك للشعب وان قوات الشعب المسلحة بدورها ملك الشعب وحامي أمن الوطن والمواطن، وبهذه الصفة طلب منها الشعب ان تحقن الدماء وتنحاز لصف الثورة بالاستيلاء على السلطة ، ويبقى قيامها بهذا الدور لا ينفي حقيقة أن تظل السلطة للشعب... بالتالي ليس من المقبول أن يخضع المجلس هذا الأمر للمناورة ومحاولة كسب الجولة.

نعلم أنه من غير المتصور أن يكون انحياز القوات المسلحة للشعب بفتح أبواب القصر لكل الشعب، لكن الحوار يجب أن يكون فقط حول ترتيبات وكيفية تسليم السلطة للشعب وليس الدخول في مساومات، لأن ذلك يعني أننا أمام انقلاب عسكري....هذا مع ضرورة اقتناعنا بأن طبيعة هذه المرحلة الاستثنائية تحتم أن يكون هناك تمثيل حقيقي للمجلس العسكري داخل المجلس السيادي..

أن الحديث عن حكومة مدنية دون تمثيل حقيقي للمؤسسة العسكرية، يهدد أمن وسلامة واستقرار المرحلة الانتقالية، وحتى كحديث نظري نجد أنه محل نظر، فبالوقوف على أهم هياكل الحكم الانتقالي.. المجلس الرئاسي، المجلس التشريعي ومجلس الوزراء، نلاحظ أنها تستند على الشرعية الثورية، ولا ينفي ذلك تقنينها بإعلان دستوري، لأن الإعلان الدستوري بدوره يستند على الشرعية الثورية... بالتالي فإن الحديث عن حكم مدني حقيقي لن يكون إلا بعد قيام الإنتخابات وتشكيل مؤسسات الحكم الدستوري.

أن تشكيل المجلس الرئاسي في تقديري.، يجب أن يكون بعيدا عن التمثيل الجغرافي وكافة أشكال المحاصصة، فذلك يؤدي إلى الإختلاف والترهل وشل الفعالية، لذلك يجب أن يقتصر على شخصيات قومية وطنية مؤهلة وذات إيمان عميق بالثورة ومتطلباتها، ويجب أن تكون لها الغلبة بفارق صوت واحد، على الجانب العسكري، ولا أرى ما يمنع أن تكون الرئاسة للجانب العسكري.

يبدو لي ان ما أقوله ليس بعيدا عن أذهان الآخرين، لكن تشكيل المجلس العسكري، وطريقته المريبة التي ظل يدير بها الأمور، جعلته محل شك وريبة..
من سوء حظ الثورة أن الانحياز العسكري لجانبها لم يأت من قبل ضباط مؤمنين بها، لكن وقد أصبح الجميع أمام أمر واقع علينا أن نتفهمه ونتعامل معه بحكمة ، وليس أمام الجانب العسكري غير التحلي بحسن النية والوطنية والحكمة والمضي في طريق الانحياز للشعب.. وحتى هذه اللحظة تبقى مطلوبات فض الإعتصام في يد المجلس العسكري، لكن ليس من بينها المناورة أو التهديد باستعمال القوة، لكن تبقى الحصة وطن، كما قال السيد برهان بلسانه.
مع ضرورة التأكيد هنا بأن هذه الثورة العظيمة ليست مدينة لأحد، إلا لدماء الشهداء وتضحيات الشباب المستمرة ، وسيبقى هذا الشعب عصيا على الطغيان والاستبداد، وحريا بأن تنحني أمامه الهامات وترفع له القبعات.

أن استقرار الأوضاع والحفاظ على أمن وسلامة بلادنا، يتطلب الإسراع في إصدار الإعلان الدستوري وتشكيل المجلس الرئاسي ومجلس الوزراء وان يتولى الأخير مهمة التشريع لحين تشكيل المجلس التشريعي.. كما يجب الإسراع في تعيين رئيس القضاء والنائب العام بتوصية ملزمة من قوى الحرية والتغيير، للمجلس الرئاسي، بعد أن تتشاور قوى التغيير مع كافة الجهات المعنية ذات الاهتمام والمؤمنة بالمرحلة ومتطلباتها.

ما يجب أن نعلمه جميعا، أن هذه الثورة حققت هدفا ساميا وغاليا، حصن بلادنا وللابد ضد الانقلابات العسكرية وكافة أشكال الشمولية، هذا الهدف يتمثل في اكتمال تحالف الوعي الجماهيري بالحق الطبيعي الموروث في الحرية والسلام والعدالة والعيش الكريم، وان الحكم الشمولي هو العدو اللدود الذي يقف في طريق نيل هذه الحقوق المشروعة ، التي دونها يهون كل غال ونفيس.
بالتالي ليس أمامنا سوى الثبات والتحلي بالحكمة والتمسك بالسلمية والاستعداد للمزيد من التضحيات، وستنتصر الثورة رغم محاولات الكيد والتآمر، لأن إرادة الشعوب لا غالب لها مهما كان حجم التآمر .
نسأل الله السلامة لبلادنا وجميع أهلها.


aadvoaahmad2019@gmail.com
///////////////////

 

آراء