الثورة وحمدوك وخيارات المستقبل 

 


 

 

أن خروج الشارع أمس في العديد من مدن السودان، و خاصة في العاصمة المثلثة، يؤكد أن نبض الثورة مايزال مستمرا في الأجيال الجديدة، و لديها الاستعداد أن تدفع ضريبة الموت من أجل تحقيق أهدافها، و أكد خروج الجماهير براياتها المختلفة دون أن تكون هناك احتكاكات أنها بالفعل لديها الاستعداد الأكبر لكي تسير في طريق الديمقراطية، و أثبتت أنها لا تقبل بأي مغامر جديد يقوم بانقلاب علي الديمقراطية، و أن عهد الجلالات التي يستيقظ عليها الناس من خلال المذياع قد ولي و أنتهى. و أكدت مسيرات أمس أن توازن القوة في المجتمع مايزال في مصلحة الثوار، رغم العدد الكبير للجيوش التي تطوف شوارع العاصمة و آلياتهم العسكرية المحملة بالأسلحة الثقيلة، فالشعب هو السلطة العليا في البلاد، و مادام هو كذلك يجب أن يبدأ التفكير من هذه الحقيقة، و يجب علي الكل أن يخضع لسلطة الشعب، أن أحترام خيارات الشعب هو الطريق الصحيح الذي يؤدي إلي الديمقراطية.

في جانب أخر؛ أن الإجراءات التي قامت بها سلطة الفترة الانتقالية، كان يؤكد توجسها من المسيرة، عندما أعلنت يوم المسيرة عطلة رسمية في العاصمة القومية، و أعلنت إغلاق الجسور الرابطة بين مدن العاصمة، و إصدار العديد من البيانات الشفاهية و المنقولة، تؤكد توجسها من حركة الجماهير، و الاعتراف أن الشارع وحده القادر على أن يقرر كيف يكون نظام الحكم و استمراره، و أيضا يقرر بقاء أو إسقاط الحكومة في هذه المرحلة، لذلك أرتجفت فرائيس العديد، و كانت واضحة لكل سياسي و محلل أن الإجراءات التي تمت، كانت تؤكد هذا التوجس، و الدعوة لخروج الجماهير للشارع هي الحظة التي لا يعرف آهل الحكم ماذا يريد أن يقرر الشارع فيها. لذلك كل ما كانت الحكومة أكثر شفافية كانت قريبة للشارع و نبضه، و كل ما كانت بعيدة و تريد أن تصدر القرارات لكي تطبق علي رأسه، تجعل هناك هوة كبيرة بينها و الشارع، فهي دروس يجب أن تستفيد منها في مقبل الأيام. و هناك بعض الناشطين السياسيين الذين قدموا مسرحيات هزلية لكي تحد من خروج الشارع هؤلاء دائما يثبتوا أن ثقافتهم المؤسسة علي تجارب شمولية غير مفيدة في مجتمع تنسم هؤاء الديمقراطية. هؤلاء يتأكدوا أن الشارع أكثر وعيا منهم.

أنتهي يوم أمس و قد أرسلت فيه الجماهير رسائل عديدة، للذين في السلطة من الجانبين المدني و العسكري، أن الشارع مايزال يراقب الأداء. لذلك مطلوب من رئيس الوزراء أن يسرع بصورة مباشرة في تنفيذ مبادرته التي كان قد طرح للشعب قبل أيام من المسيرة. حيث هناك مؤسسات قد تم إهمالها و لم يعطيها رئيس الوزراء أولوية و هي المؤسسات العدلية، و التي تعتبر حجر الزاوية في النظام الديمقراطي، إلي جانب المؤسسة التشريعية. و المطلوب هو:-

1- تكوين مجلس القضاء و هو المسؤول لوحده أن يختار رئيس القضاء، أن اختيار القوى الحزبية من خلال المحاصصات لرئيس القضاء سوف يضعف هذه المؤسسة، و تأتي برئيس للقضاء ولاءه للجهة التي اختارته، و لكن أختياره من مجلس القضاء يكون ولاءه لمؤسسة القضاء وحدها و تمنع أي تدخل للقوى السياسية و التنفيذية في شأن القضاء. و كل ما كانت المؤسسة العدلية قوية كانت سندا للنظام الديمقراطي.

2- أن تكوين مجلس القضاء هو الذي يقع عليه عبء أختيار محكمة الاستئناف و أيضا المحكمة الدستورية العليا و هي ضرورة ملحة لكي تمنع العديد من التجاوزات التي بدأت تظهر في أداء السلطة التنفيذية و مؤسساتها. و أيضا الاختراق المستمر للوثيقة الدستورية و تجاوزها.

3- تكوين مجلس النيابة العامة و أيضا أن يتم أختيار النائب العام من هذا المجلس دون تدخل القوى السياسية، و يجب أن لا يكون أختيار النائب العام من قبل الأحزاب السياسية. نريد نيابة قوية غير خاضعة للسلطة التنفيذية.

4- الاسراع بتكوين المجلس التشريعي، لكن هناك إشكالية تواجه المجلس، إذا تم اختيار الأغلبية من الأحزاب السياسية المكونة لسلطة الفترة الانتقالية سوف يكون مجلسا مدجننا لا يستطيع أن يحاسب عناصر يكن لها بالولاء، و يجب أن تعطى نصف مقاعد المجلس التشريعي إلي الثوار الذين يمثلون الأجيال الجديدة، حتى يستطيع أن يطلع بدوره المطلوب. و يكون لكل كتلة في "قحت" ممثل واحد أو أثنين فقط في المجلس. أن الأحزاب التي جنحت للمحاصصة لا تريد أن تكون هناك مؤسسة لها القوة تستطيع محاسبتها و متابعة الأداء.

5- يجب أختيار مراجع عام للدولة السودانية يرفع تقاريره للمجلس التشريعي، أن هناك العديد من المؤسسات، و الهيئات التي لا ترقب أن يكون هناك مراجعا عاما. و علي المراجع العام أن يراجع كل حسابات مؤسسات الدولة و وزاراتها لا تستثنى منها أي مؤسسة مدنية أو عسكرية.

6- وقف التعينات في الخدمة المدنية التي لا تخضع لقانون العمل، و إعادة النظر في كل الوظائف التي تم ملأها، و جعلت هناك شك أن التمكين استبدل بتمكين جديد، و كل ذلك يقع تحت مسؤولية رئيس الوزراء.

كان المتوقع بعد الثورة أن تنتهي كل الممارسات السالبة التي كانت تتم في نظام الإنقاذ الشمولي، و لكن للأسف أن بعض الأحزاب السياسية حاولت أن تستفيد من ظرف الشرعية الثورية لكي تعين عناصرها في الوظائف القيادية في الخدمة المدنية، دون مراعاة أن البلاد في حالة تغيير أهمها تغيير السلوك السالب الذي كان يجري سابقا. و السؤال أيضا هل رئيس الوزراء نفسه رغم مبادرته هل لديه الاستعداد أن يبتعد عن المظاهر السالبة للشللية و أن يجعل كل بناء السودان في مستوى واحد لكي يفاضل بينهم من خلال شروط الخبرة و الكفاءة و المؤهل العلمي، أم أنه سوف يسير في طريق الترضيات، و هو طريق مؤدي إلي الفساد. و نسأل الله حسن البصيرة.


zainsalih@hotmail.com

 

آراء