الجيش والمدنيين في حضرة بلزاك
زين العابدين صالح عبد الرحمن
1 August, 2023
1 August, 2023
الكاتب الأدبي الفرنسي المشهور؛ أونوريه دي بزاك، و الذي تتجاوزت منشوراته 200 عملا ادبيا و قصص و روايات. يقال تزوج في أخر أيامه من إمراة يحبها، و سافر معها من روسيا إلي باريس، و من فرط حبه لها قال لها: أنني سوف أشتري لك هدية من كل مدينة نصل إليها في طريقنا إلي باريس، و إذا تعذر علي الشراء سوف أحكي لك قصة، و يقال أن أجمل قصص بلزاك تلك التي لم تفصح عنها محبوبته.
أن كل فرد سوداني؛ عندما يجلس مع نفسه، يتمنى أن يرى هذا البلد المنكوب بأيادي أبنائه، أن يكون أجمل بلدا في العالم، لأنه مايزال يحمل في أحشائه مغتنيات أجمل من قصص بلزاك، و لكن مشكلة أبنائه إنهم يجيدون الاحتراب، و الخصام، و لغة الهدم و العزل، و لكنهم لا يجيدون غيرها، فكل مجموعة تأتي إلي الحكم أول ما تفكر فيه كيف تنفرد لوحدها بالحكم دون الآخرين، لا تتعظ من تجارب ما قبلها، و هؤلاء الذين يرحلون عن السلطة إذا كانوا يحكون قصص فشلهم في الحكم، و روايات مطارداتهم للقوى الأخرى، و عن السجون و الانتهاكات التي كانوا من قبل تعرضوا لها ثم جاء دورهم لكي يمارسوا أسوأ منها، كانت تلك الحكايات و السرديات تكون هي أجمل القصص التي سوف تغيير مجرى التاريخ في بلد أٍسمها السودان. و لكن يعجزون أن يجدوا البداية للسرديات، لأنهم لا يريدون أن يفضحوا أنفسهم أمام أبنائهم، و يأتي الأبناء يمارسون ذات الأفعال التي تسببت في فشل أبائهم. و تؤكد أن القصص التي لم تحكى تبين أن النظام الذي رحل أفضل من الأتي.
يخاف السياسيون أن يحكوا قصص الحكم لابنائهم حتى لا يتعروا أمامهم، لذلك درجوا على تعليمهم كيف يستخدمون منهج التبرير منذ نعومة أظافرهم، و التبرير يقوم على خدعة الذات قبل الآخرين. تذكرني بقصة شهرزاد في (كتاب الف ليلة و ليلة) التي رفضت أن تحكي في تسليتها للملك قصة ( الأميرة بدور) خوفا أن يطيح برأسها. و بدور كانت تتخفى في ثياب زوجها بهدف خداع الناس. فالروية في السياسية السودانية حبكتها ( الخدعة) على الكل، و الكل يخاف من العدل و الحساب لأنه يعري الكل أمام الجماهير. و القصص نفسها يشارك فيها كمية كبيرة من الكمبارس بدون أجر، المطلوب إظهار الموقف الذي لا يؤسس على وعي سياسي، و هناك الراغبين في الغنائم.
قال الروائي السوري حنا مينا في كتاب (حوارات .. و أحاديث) عن دوره ككاتب في الوصول للكل القراء دون تخصيص " أنني أكتب للجميع و لكني أتحدث فيما أكتبه، عن قطاعات بعينها بعيدا عن ترف الصالونات، ثم أرغم بقوة الفن، حتى رواد الصالونات على قراءتي أرغم أعدائي، و كذلك الذين يخالفونني الرأي، على قراءة ما أكتب و هذا هو كسبي و كسب كل كاتب" يعلمنا حنا مينا أن الكتابة تعد عملا تواصليا بين الكاتب و الناس، و خاصة القصص و الحكايات، فالغة و التواصل الاجتماعي هما العاملان الذان بنى بهما هابرماس نظرية ( الفعل التواصلي) التي فارق بها الجيل الثاني من معهد فرانكفورت الذين تبنوا النظرية النقدية في علم الاجتماع و الذين يطلق عليهم ما بعد الحداثة. أننا في السودان لم نسرد قصص الحكم و حكايات الفشل المستمرة بهدف أبعاد النشء من هذا الطريق الذي أطلق عليه الدكتور منصور ( النخبة و إدمان الفشل) و حرصت النخب في فترات الشمولية و حتى الديمقراطية أن تسيطر على أجهزة الإعلام القومية لكي تجعلها أداتها التي تحاول أن تنقل بها تبريراتها، لذلك كل نظام يأتي يهدم ركن من أركان الفن أو إهماله. أهمال المسرح و الدراما التلفزيونية و الإذاعية و عدم تخصيص الميزانيات المطلوبة لنهضتها خشية أن تهدم هذه الفنون ( صرحهم المنهج التبريري) لذلك لا يرغبون في دعم هذه الأدوات لأن رسائلها أكثر فهما و يتجاوب معها الجمهور.
أن الجيش و النخب المدنية يتساويان في رؤيتهم للفن، لذلك هم الذين يحبون قصص بلزاك التي لم ترى النور لأنهم يحبون ( التقية) لا يظهرون ما يبطنون. يتساوى الإثنان في الحكم و في التبرير. الفرق أن العسكر حكموا فترات طويلة و أن المدنيين فتراتهم قصيرة لكنها اسرع سقوط من مثيلاتها، المدنيون لا يجيدون فن المراوغة مع العسكر، و يخسرون دائما القوى التي قدمت لهم الحكم على طبق من الدماء. نسأل الله حسن البصيرة.
zainsalih@hotmail.com
/////////////////
أن كل فرد سوداني؛ عندما يجلس مع نفسه، يتمنى أن يرى هذا البلد المنكوب بأيادي أبنائه، أن يكون أجمل بلدا في العالم، لأنه مايزال يحمل في أحشائه مغتنيات أجمل من قصص بلزاك، و لكن مشكلة أبنائه إنهم يجيدون الاحتراب، و الخصام، و لغة الهدم و العزل، و لكنهم لا يجيدون غيرها، فكل مجموعة تأتي إلي الحكم أول ما تفكر فيه كيف تنفرد لوحدها بالحكم دون الآخرين، لا تتعظ من تجارب ما قبلها، و هؤلاء الذين يرحلون عن السلطة إذا كانوا يحكون قصص فشلهم في الحكم، و روايات مطارداتهم للقوى الأخرى، و عن السجون و الانتهاكات التي كانوا من قبل تعرضوا لها ثم جاء دورهم لكي يمارسوا أسوأ منها، كانت تلك الحكايات و السرديات تكون هي أجمل القصص التي سوف تغيير مجرى التاريخ في بلد أٍسمها السودان. و لكن يعجزون أن يجدوا البداية للسرديات، لأنهم لا يريدون أن يفضحوا أنفسهم أمام أبنائهم، و يأتي الأبناء يمارسون ذات الأفعال التي تسببت في فشل أبائهم. و تؤكد أن القصص التي لم تحكى تبين أن النظام الذي رحل أفضل من الأتي.
يخاف السياسيون أن يحكوا قصص الحكم لابنائهم حتى لا يتعروا أمامهم، لذلك درجوا على تعليمهم كيف يستخدمون منهج التبرير منذ نعومة أظافرهم، و التبرير يقوم على خدعة الذات قبل الآخرين. تذكرني بقصة شهرزاد في (كتاب الف ليلة و ليلة) التي رفضت أن تحكي في تسليتها للملك قصة ( الأميرة بدور) خوفا أن يطيح برأسها. و بدور كانت تتخفى في ثياب زوجها بهدف خداع الناس. فالروية في السياسية السودانية حبكتها ( الخدعة) على الكل، و الكل يخاف من العدل و الحساب لأنه يعري الكل أمام الجماهير. و القصص نفسها يشارك فيها كمية كبيرة من الكمبارس بدون أجر، المطلوب إظهار الموقف الذي لا يؤسس على وعي سياسي، و هناك الراغبين في الغنائم.
قال الروائي السوري حنا مينا في كتاب (حوارات .. و أحاديث) عن دوره ككاتب في الوصول للكل القراء دون تخصيص " أنني أكتب للجميع و لكني أتحدث فيما أكتبه، عن قطاعات بعينها بعيدا عن ترف الصالونات، ثم أرغم بقوة الفن، حتى رواد الصالونات على قراءتي أرغم أعدائي، و كذلك الذين يخالفونني الرأي، على قراءة ما أكتب و هذا هو كسبي و كسب كل كاتب" يعلمنا حنا مينا أن الكتابة تعد عملا تواصليا بين الكاتب و الناس، و خاصة القصص و الحكايات، فالغة و التواصل الاجتماعي هما العاملان الذان بنى بهما هابرماس نظرية ( الفعل التواصلي) التي فارق بها الجيل الثاني من معهد فرانكفورت الذين تبنوا النظرية النقدية في علم الاجتماع و الذين يطلق عليهم ما بعد الحداثة. أننا في السودان لم نسرد قصص الحكم و حكايات الفشل المستمرة بهدف أبعاد النشء من هذا الطريق الذي أطلق عليه الدكتور منصور ( النخبة و إدمان الفشل) و حرصت النخب في فترات الشمولية و حتى الديمقراطية أن تسيطر على أجهزة الإعلام القومية لكي تجعلها أداتها التي تحاول أن تنقل بها تبريراتها، لذلك كل نظام يأتي يهدم ركن من أركان الفن أو إهماله. أهمال المسرح و الدراما التلفزيونية و الإذاعية و عدم تخصيص الميزانيات المطلوبة لنهضتها خشية أن تهدم هذه الفنون ( صرحهم المنهج التبريري) لذلك لا يرغبون في دعم هذه الأدوات لأن رسائلها أكثر فهما و يتجاوب معها الجمهور.
أن الجيش و النخب المدنية يتساويان في رؤيتهم للفن، لذلك هم الذين يحبون قصص بلزاك التي لم ترى النور لأنهم يحبون ( التقية) لا يظهرون ما يبطنون. يتساوى الإثنان في الحكم و في التبرير. الفرق أن العسكر حكموا فترات طويلة و أن المدنيين فتراتهم قصيرة لكنها اسرع سقوط من مثيلاتها، المدنيون لا يجيدون فن المراوغة مع العسكر، و يخسرون دائما القوى التي قدمت لهم الحكم على طبق من الدماء. نسأل الله حسن البصيرة.
zainsalih@hotmail.com
/////////////////