“الحارة ما مرقت”

 


 

 

أهداني أخي وصديق الزمالة دكتور الفاتح إسماعيل ابتر من أميركا مقطعاً لفيديو نشرته قناة العربية عن عادة سودانية رمضانية قديمة " ربما بدأت تتلاشى" يقوم بها الأطفال في القرى يقرعون الطبول وينشدون " الحارة ما مرقت ست الدوكة غلبانة … إلخ" فقلت في نفسي معلقاً "لقد فضحونا والجهل مصيبة" فالحارة ما مرقت، ست الدوكة غلبانة أو تعبانة، خلوها نعسانة إلخ وقد تختلف بعض كلمات الأنشودة من إقليم إلى آخر…. عادة قديمة يقوم بها الأطفال وتكون ظهر خميس آخر جمعة فى رمضان عند منتصف النهار وليس خلال الليل). "ما مرقت" تعني أن هذه الوجبة الساخنة لم تجهز بعد لتصلح لتقدم وجبة تؤكل". للأسف ما هذا العرض على قناة العربية الموقرة إلا جهل وعبث من صانع الفيدو وكان ممكن الإخراج يكون أفضلا وأروعاً لو كما هو معهوداً أثناء النهار وألبس الأطفال جلاليب أو تيشيرتات ذات ألوان جميلة


حليلة جارتنا " عَطَامِنْوُ" ورمضان أيام زمان، رحمها الله وجعل الفردوس مسكنها. كانت تكرم الأطفال بالحَارَّة (مرق اللحم الحار وكسرة وأرز) ظهر كل رمضان ( صدقة منها لله" وهي إمرأة فقيرة لا زوج ولا ولد ولا قريب لها في حياتها سوى الله لأنها كانت فقط تعرف ب" خادم عبيد" ولم نعيش زمن ذاك العبيد ، أو زمن تلك الجاهلية العمياء القبيحة التي حررها وغيرها من مرحلة عبودية محلية مع إستعمار أجنبي إلى حرية الزعيم الأزهري عليه رحمة الله فصار الناس يهتفون " حررت الناس يا اسماعيل الكانوا عبيد يا إسماعيل " . كانت هذه العطاء منه "عطامنو" رحمها الله أيام طفولتنا تمثل فعلياً الحقيقة بعينها وصورة " بنت مجذوب " التي تتصدر حكايات الطيب صالح فى رواية موسم الهجرة إلى الشمال. لكنها تصوفت فى آخر عمرها وصارت تؤلف المدائح النبوية بطريقتها البسيطة العفوية وتم لها صحبة الوالدين وأدت معهم فريضة الحج وزيارة المدينة المنورة التي هامت فطرياً بحبها وحب من يعطر ثراها عليه صلاة الله وسلامه. جاءت فقيرة إلى دنيانا الظالم أهلها، بالطبع إختطفوها شياطين الإنس ذاك الزمن البغيض سلعة بغير ثمن وباعوها طفلة يافعة فى زمن الحمد لله لم نعشه ولم نكن نعي فيه ما يدور حولنا من جهل وجور ، فكبرت حتى شاخت في بلدة غريبة عليها صارت وطنها وغادرت الدنيا فقيرة لكن غادرتها إلى بارئها غنية بكمال دينها وحسن خاتمة حياتها وبحريتها وحب الناس لها وكان تشيع جنازتها بالمئات عرساً مشهوداً. اللهم أغفر لها وارحمها وارحم من حرموا من روعة طفولتها وكبرها "والديها وإخوتها" . للأسف تدور ساعات الزمن لنعيش الآن عهد إسترقاق وإستعباد فى إخراج جديد وشبح قبيح الوجه واللسان ، رخيصة فيه روح بن آدم فى قائمة أسعار أسواق تجارها ليسوا آدميين " فطلقة الكلاش، تعتبر عندهم أغلى من ثمن الضحية التي ما أعظم ثمنها عند الله خالقها محيها ومميتها وباعثها ليوم تشيب من هوله الرؤوس"، لكن إخوة الجهالة هكذا في الشقاوة هم ينعمون.


اليوم ونحن إذ نودع هذا الشهر العظيم ، شهر الصيام والتوبة والغفران أتذكر أيام صبانا وإبراهيم عوض رحمه الله وإن غاب فهو الحاضر دوماً بيننا كان ولا يزال يملأ جوانحنا بالفرح صباح العيد من كل عام عبر الراديو بأغنيته الخالدة " يا عيد تعود يا عيد بالخير علينا سعيد" فيا الله أسالك وأتوسل إليك بإسمك الأعظم يوم هذا الفرح ونحن قد أكملنا صيامنا أن تفرجها على وطننا السودان كله وتنعم عليه بمن يخافك فى الحكم والتخطيط والتنفيذ حقيقةً وليس قاهراً ظالماً ، لينقذ تلك الأمة المغلوبة على أمرها من الظلام إلى النور، وأن تعيد لأهلنا السودانيين كلهم الفرح وبسمة يوم العيد وأن تنعم عليهم بالحرية بالإنعتاق من جديد ليعيشون في " حرية سلام وعدالة"

كل عام وأنتم كلكم بخير

عبدالمنعم


https://fb.watch/cHB-xusGmG/


drabdelmoneim@gmail.com

 

آراء