الحرب تبدل أحوال السودانيين: حياة الحد الأدنى
رئيس التحرير: طارق الجزولي
20 June, 2023
20 June, 2023
العربي الجديد
يجلس الحاج صالح (70 عاماً)، في ظلّ أحد المحال التجارية بمنطقة التريعة، في أقصى جنوب العاصمة السودانية الخرطوم، واضعاً أمامه خمس سمكات بانتظار من يشتريها، بينما يخلو المكان حوله من زملاء آخرين كانوا يشاركونه الظلّ والسوق، ويحضرون يومياً في الصباح الباكر الكثير من الأسماك النيلية، يبيعونها ويغادرون بحلول الحادية عشر صباحاً، حاملين معهم ما توفر من جنيهات لإطعام أطفالهم بما تيسّر، في ظلّ الأوضاع المعيشية الصعبة التي يعانون منها.
هدنٌ قصيرة وأحوال متراجعة
ومنذ اندلاع القتال في السودان بين الجيش وقوات "الدعم السريع" في 15 إبريل/ نيسان الماضي، تتدهور الأحوال المعيشية لعشرات الآلاف من السودانيين، وفقد الكثيرون منهم أعمالهم ومصادر رزقهم نتيجة توقف عمل المؤسسات الحكومية والخاصة والمصانع والشركات. كما دُمّرت معظم الأسواق في العاصمة الخرطوم، وارتفعت أسعار السلع الاستهلاكية. وفيما تمّ الإعلان، مساء السبت الماضي، عن هدنة جديدة يفترض أن تنتهي صباح الأربعاء، فإن اقتصار الهدن على أيام معدودة لا يساهم في تحسن أحوال المواطنين.
وقد أدى حرق وتدمير وإغلاق المصانع ومستودعات الغاز والوقود في البلاد بفعل الحرب إلى شحّ السلع الغذائية، وتوقفت معظم المخابز بسبب انعدام الغاز وانقطاع الكهرباء وهروب العمال، ما زاد سعر الخبز بنسبة 100 في المائة. وتضاعف سعر الخبز، إذ أصبح رغيف الخبز الواحد بمائة جنيه بعدما كان بـ50 جنيهاً (الدولار يساوي حوالي 600 جنيه سوداني).
توقف عمل المؤسسات الحكومية والخاصة والمصانع والشركات جرّاء الحرب
يقول الحاج صالح لـ"العربي الجديد"، إنه ينوي بيع سمكاته بمبلغ ألف جنيه سوداني، موضحاً أن الوضع المعيشي ساء كثيراً والصيد لم يعد أمراً جيداً ربما بسبب أصوات الرصاص والقصف المتواصل، لهذا غاب الكثير من بائعي الأسماك وتحول بعضهم إلى عمل آخر. ويتابع: "كما ترى، لم يأت أحد اليوم سواي، فقد سافر الكثير من الصيادين ولم يعد من تبقى يأتي إلى السوق، لأن التجارة تراجعت جداً، فيما الأسعار ارتفعت وأصبحنا نعاني في توفير قوت يومنا".
وتضطر العديد من النساء، تحديداً بائعات الشاي والأطعمة، للعودة إلى العمل في بعض المناطق السودانية التي تشهد هدوءاً نسبياً، وذلك لتأمين قوت يومهن وإطعام صغارهن، كما تقول زينب التي تعمل في بيع الشاي. وتضيف: "توقفت لشهر كامل وانتهى ما لدي من مال، لذا لا بد أن أعود للعمل لإطعام صغاري رغم خوفي المستمر من الاشتباكات القريبة من هنا".
وقد تمّ خلال الأيام الماضية الإعلان عن أن مواد إغاثية ستصل إلى المتضررين من الحرب والنازحين، وجرى فعلاً توزيع بعض المساعدات، فيما طالبت لجان الأحياء السكّان بتسجيل أسمائهم لديها بهدف تجهيز قوائم المساعدات، المنتظر وصولها من وكالات الأمم المتحدة والمنظمات الإنسانية.
اقتصار الهدن على أيام معدودة لا يساهم في تحسن أحوال المواطنين
وتخرج في الأيام الأخيرة دعوات من بعض المساجد موجهة للناس من لأجل تفقد جيرانهم والتصدق على الأسر الضعيفة والأيتام. وتقرر في عدد من الأحياء توزيع الأسماك والحليب والطحين مجاناً على الأسر المحتاجة، وأيضاً على السكان الجدد الذين قدموا إليها هاربين من الاشتباكات في مناطقهم.
ويقول أحمد طاهر، الذي يعمل في مجال الإعلان، إنه اضطر للفرار وأسرته من الخرطوم إلى مدينة كوستي بعد اشتداد المعارك في الحي الذي يسكنونه، مؤكداً أنه لا يملك سوى القليل من المال الذي لن يكفيهم لشهر آخر في حال استمرت الحرب. ويشرح طاهر: "كنا نعاني من ظروف سيئة أصلاً قبل الحرب والآن أصبح الأمر بمثابة كارثة حقيقية، فقد ارتفع سعر المواد الغذائية وأصبحنا نعتمد على وجبة واحدة يومياً أو وجبتين".
مجدي الخير، الذي كان يعمل محاسباً في شركة إطارات محلية، يروي لـ"العربي الجديد"، أن هذه الشركة توقفت عن العمل منذ اليوم الأول للحرب، وغادر صاحبها إلى مصر، وعندما انقضى الشهر لم يجدوا أحداً ليصرف للموظفين رواتبهم، خصوصاً أن مكتب الشركة تعرض للكسر والنهب. ويضيف الخير أنه يستأجر منزلاً بمبلغ 100 ألف جنيه سوداني، ولم يعد قادراً على دفع الإيجار، لافتاً إلى أن أسعار السلع الاستهلاكية ارتفعت، وأن لديه أربعة أطفال.
ويشرح مجدي أنه لم يعد لديه سوى القليل من المال لتغطية مصاريف المنزل، كما أنه يعاني من مرض السكري ويتناول دواء يومياً لم يعد متوفراً في الصيدليات. ويقول حول ذلك: "تبقى لدي القليل من أقراص الدواء، وإذا نفدت سأتوقف عن العلاج لأنه غير متوفر في الصيدلية الوحيدة التي تعمل في الحيّ، ولا يمكنني البحث عنه بسبب خطورة الوضع الأمني واستمرار الاشتباكات".
السودانيون والحرب: شحٌّ في كلّ شيء
بدوره، يتحدث المواطن عادل إبراهيم لـ"العربي الجديد"، عن معاناته في ظلّ الحرب، شارحاً أنه كان يعمل سمساراً في تأجير وبيع المنازل، وهو عمل توقف تماماً بعد انطلاق الحرب. ويضيف أنه وجد فرصة كعامل مؤقت في أحد المخابز، مبيناً أنه يجني 5 آلاف جنيه نقداً في اليوم، ويحصل على كيس خبز بقيمة ألفي جنيه، لكنه يؤكد أن هذا المبلغ "ينتهي في شراء حاجيات المنزل التي ترتفع أسعارها يومياً". وأصبحت العائلة، كما يقول، تخشى ألا يصيب أحد من أفرادها أي مرض، خصوصاً الأطفال، "لأنه لا يوجد لا مستشفى ولا عيادة".
هيثم فتحي: تضرر القطاعان الصحي والتعليمي بشدة جرّاء الحرب
ويؤكد الباحث والمحلل الاقتصادي هيثم فتحي، لـ"العربي الجديد"، أن "الشعب السوداني أصبح يعيش حياة اقتصادية صعبة جداً بعد مرور شهرين على الحرب". ويلفت فتحي في حديثه، إلى أن هذا الصراع خلّف الكثير من الآثار السيئة، التي انعكست بشكل مباشر على حياة الناس، فالعاصمة الخرطوم لم يعد بها أي نشاط اقتصادي، لا زراعي ولا صناعي ولا تجاري. ويضيف أنه "حتى الموظفين والإداريين في القطاع العام والخاص توقفت أعمالهم دون وجود أي دعم لهم".
كما يلفت فتحي إلى توقف الخدمات خصوصاً في القطاع الصحي العام والخاص ما عدا جزء قليل جداً منه، فيما لا تقدّم المستشفيات العاملة سوى تدخل بسيط وعمليات صغيرة، كما توقف التعليم تماماً.
وبالنسبة إلى المحلل الاقتصادي، فإن "العامل الجيد فقط هو أن هناك ولايات لا تزال تعمل لبعدها عن المعارك"، محذراً من أن كل ما يجري سيؤثر إن لم يكن حالياً فعلى المديين المتوسط والبعيد، في زيادة نسبة الفقر والجريمة، لأن كثراً من الناس فقدوا مصدر عيشهم، ما سيزيد معدلات البطالة خصوصاً مع تعطل القطاع الخاص أيضاً". ويرى فتحي أنه "حتى يعود الوضع إلى ما كان عليه، فإن ذلك يحتاج ما بين ثلاث وخمس سنوات، وفي القطاع العام من المرجح ألا يتم استيعاب أي قوة عاملة جديدة في غضون هذه السنوات".
وبرأي المحلّل الاقتصادي السوداني، فإنه لا بد من وضع خطة إسعافية عاجلة تنموية لتقليل الفقر والبطالة، فضلاً عن تأمين التمويل للقطاعات الإنتاجية المحتاجة، عبر تمويل صغير وأصغر ومتوسط، والوقوف إلى جانب الشركات التي تحتاج إلى التمويل الكبير بعد الحرب.
يجلس الحاج صالح (70 عاماً)، في ظلّ أحد المحال التجارية بمنطقة التريعة، في أقصى جنوب العاصمة السودانية الخرطوم، واضعاً أمامه خمس سمكات بانتظار من يشتريها، بينما يخلو المكان حوله من زملاء آخرين كانوا يشاركونه الظلّ والسوق، ويحضرون يومياً في الصباح الباكر الكثير من الأسماك النيلية، يبيعونها ويغادرون بحلول الحادية عشر صباحاً، حاملين معهم ما توفر من جنيهات لإطعام أطفالهم بما تيسّر، في ظلّ الأوضاع المعيشية الصعبة التي يعانون منها.
هدنٌ قصيرة وأحوال متراجعة
ومنذ اندلاع القتال في السودان بين الجيش وقوات "الدعم السريع" في 15 إبريل/ نيسان الماضي، تتدهور الأحوال المعيشية لعشرات الآلاف من السودانيين، وفقد الكثيرون منهم أعمالهم ومصادر رزقهم نتيجة توقف عمل المؤسسات الحكومية والخاصة والمصانع والشركات. كما دُمّرت معظم الأسواق في العاصمة الخرطوم، وارتفعت أسعار السلع الاستهلاكية. وفيما تمّ الإعلان، مساء السبت الماضي، عن هدنة جديدة يفترض أن تنتهي صباح الأربعاء، فإن اقتصار الهدن على أيام معدودة لا يساهم في تحسن أحوال المواطنين.
وقد أدى حرق وتدمير وإغلاق المصانع ومستودعات الغاز والوقود في البلاد بفعل الحرب إلى شحّ السلع الغذائية، وتوقفت معظم المخابز بسبب انعدام الغاز وانقطاع الكهرباء وهروب العمال، ما زاد سعر الخبز بنسبة 100 في المائة. وتضاعف سعر الخبز، إذ أصبح رغيف الخبز الواحد بمائة جنيه بعدما كان بـ50 جنيهاً (الدولار يساوي حوالي 600 جنيه سوداني).
توقف عمل المؤسسات الحكومية والخاصة والمصانع والشركات جرّاء الحرب
يقول الحاج صالح لـ"العربي الجديد"، إنه ينوي بيع سمكاته بمبلغ ألف جنيه سوداني، موضحاً أن الوضع المعيشي ساء كثيراً والصيد لم يعد أمراً جيداً ربما بسبب أصوات الرصاص والقصف المتواصل، لهذا غاب الكثير من بائعي الأسماك وتحول بعضهم إلى عمل آخر. ويتابع: "كما ترى، لم يأت أحد اليوم سواي، فقد سافر الكثير من الصيادين ولم يعد من تبقى يأتي إلى السوق، لأن التجارة تراجعت جداً، فيما الأسعار ارتفعت وأصبحنا نعاني في توفير قوت يومنا".
وتضطر العديد من النساء، تحديداً بائعات الشاي والأطعمة، للعودة إلى العمل في بعض المناطق السودانية التي تشهد هدوءاً نسبياً، وذلك لتأمين قوت يومهن وإطعام صغارهن، كما تقول زينب التي تعمل في بيع الشاي. وتضيف: "توقفت لشهر كامل وانتهى ما لدي من مال، لذا لا بد أن أعود للعمل لإطعام صغاري رغم خوفي المستمر من الاشتباكات القريبة من هنا".
وقد تمّ خلال الأيام الماضية الإعلان عن أن مواد إغاثية ستصل إلى المتضررين من الحرب والنازحين، وجرى فعلاً توزيع بعض المساعدات، فيما طالبت لجان الأحياء السكّان بتسجيل أسمائهم لديها بهدف تجهيز قوائم المساعدات، المنتظر وصولها من وكالات الأمم المتحدة والمنظمات الإنسانية.
اقتصار الهدن على أيام معدودة لا يساهم في تحسن أحوال المواطنين
وتخرج في الأيام الأخيرة دعوات من بعض المساجد موجهة للناس من لأجل تفقد جيرانهم والتصدق على الأسر الضعيفة والأيتام. وتقرر في عدد من الأحياء توزيع الأسماك والحليب والطحين مجاناً على الأسر المحتاجة، وأيضاً على السكان الجدد الذين قدموا إليها هاربين من الاشتباكات في مناطقهم.
ويقول أحمد طاهر، الذي يعمل في مجال الإعلان، إنه اضطر للفرار وأسرته من الخرطوم إلى مدينة كوستي بعد اشتداد المعارك في الحي الذي يسكنونه، مؤكداً أنه لا يملك سوى القليل من المال الذي لن يكفيهم لشهر آخر في حال استمرت الحرب. ويشرح طاهر: "كنا نعاني من ظروف سيئة أصلاً قبل الحرب والآن أصبح الأمر بمثابة كارثة حقيقية، فقد ارتفع سعر المواد الغذائية وأصبحنا نعتمد على وجبة واحدة يومياً أو وجبتين".
مجدي الخير، الذي كان يعمل محاسباً في شركة إطارات محلية، يروي لـ"العربي الجديد"، أن هذه الشركة توقفت عن العمل منذ اليوم الأول للحرب، وغادر صاحبها إلى مصر، وعندما انقضى الشهر لم يجدوا أحداً ليصرف للموظفين رواتبهم، خصوصاً أن مكتب الشركة تعرض للكسر والنهب. ويضيف الخير أنه يستأجر منزلاً بمبلغ 100 ألف جنيه سوداني، ولم يعد قادراً على دفع الإيجار، لافتاً إلى أن أسعار السلع الاستهلاكية ارتفعت، وأن لديه أربعة أطفال.
ويشرح مجدي أنه لم يعد لديه سوى القليل من المال لتغطية مصاريف المنزل، كما أنه يعاني من مرض السكري ويتناول دواء يومياً لم يعد متوفراً في الصيدليات. ويقول حول ذلك: "تبقى لدي القليل من أقراص الدواء، وإذا نفدت سأتوقف عن العلاج لأنه غير متوفر في الصيدلية الوحيدة التي تعمل في الحيّ، ولا يمكنني البحث عنه بسبب خطورة الوضع الأمني واستمرار الاشتباكات".
السودانيون والحرب: شحٌّ في كلّ شيء
بدوره، يتحدث المواطن عادل إبراهيم لـ"العربي الجديد"، عن معاناته في ظلّ الحرب، شارحاً أنه كان يعمل سمساراً في تأجير وبيع المنازل، وهو عمل توقف تماماً بعد انطلاق الحرب. ويضيف أنه وجد فرصة كعامل مؤقت في أحد المخابز، مبيناً أنه يجني 5 آلاف جنيه نقداً في اليوم، ويحصل على كيس خبز بقيمة ألفي جنيه، لكنه يؤكد أن هذا المبلغ "ينتهي في شراء حاجيات المنزل التي ترتفع أسعارها يومياً". وأصبحت العائلة، كما يقول، تخشى ألا يصيب أحد من أفرادها أي مرض، خصوصاً الأطفال، "لأنه لا يوجد لا مستشفى ولا عيادة".
هيثم فتحي: تضرر القطاعان الصحي والتعليمي بشدة جرّاء الحرب
ويؤكد الباحث والمحلل الاقتصادي هيثم فتحي، لـ"العربي الجديد"، أن "الشعب السوداني أصبح يعيش حياة اقتصادية صعبة جداً بعد مرور شهرين على الحرب". ويلفت فتحي في حديثه، إلى أن هذا الصراع خلّف الكثير من الآثار السيئة، التي انعكست بشكل مباشر على حياة الناس، فالعاصمة الخرطوم لم يعد بها أي نشاط اقتصادي، لا زراعي ولا صناعي ولا تجاري. ويضيف أنه "حتى الموظفين والإداريين في القطاع العام والخاص توقفت أعمالهم دون وجود أي دعم لهم".
كما يلفت فتحي إلى توقف الخدمات خصوصاً في القطاع الصحي العام والخاص ما عدا جزء قليل جداً منه، فيما لا تقدّم المستشفيات العاملة سوى تدخل بسيط وعمليات صغيرة، كما توقف التعليم تماماً.
وبالنسبة إلى المحلل الاقتصادي، فإن "العامل الجيد فقط هو أن هناك ولايات لا تزال تعمل لبعدها عن المعارك"، محذراً من أن كل ما يجري سيؤثر إن لم يكن حالياً فعلى المديين المتوسط والبعيد، في زيادة نسبة الفقر والجريمة، لأن كثراً من الناس فقدوا مصدر عيشهم، ما سيزيد معدلات البطالة خصوصاً مع تعطل القطاع الخاص أيضاً". ويرى فتحي أنه "حتى يعود الوضع إلى ما كان عليه، فإن ذلك يحتاج ما بين ثلاث وخمس سنوات، وفي القطاع العام من المرجح ألا يتم استيعاب أي قوة عاملة جديدة في غضون هذه السنوات".
وبرأي المحلّل الاقتصادي السوداني، فإنه لا بد من وضع خطة إسعافية عاجلة تنموية لتقليل الفقر والبطالة، فضلاً عن تأمين التمويل للقطاعات الإنتاجية المحتاجة، عبر تمويل صغير وأصغر ومتوسط، والوقوف إلى جانب الشركات التي تحتاج إلى التمويل الكبير بعد الحرب.