الحرب هي فضاء ظهور اليسار المشوه
زين العابدين صالح عبد الرحمن
10 May, 2023
10 May, 2023
أن الحرب الدائرة في السودان الآن قد تمايزت فيها الصفوف، و كل أتخذ له ركن يحاول أن يتخندق فيه دون أن يقدم أي رؤية أو مبادرة أو تصور يفتح به أفقا إيجابيا للحل. يتجاوز فيه مقولات ثقافة ما قبل حرب 1967م، و التي كشفت ضعف قوى اليسار القومي بكل أنواعه، و التي كانت لا تعرف أن تقدم غير شعارات زائفة سقطت مع أول طلقة أطلقت في حرب 1967م، و جاء الرئيس السادات لكي يؤكد أن الحرب ليست شعارات و تصريحات نارية، و لا أمنيات تفارق الواقع. بل الحرب استعداد و تخطيط و معرفة بحقيقة العدو مكامن قدرته و ضعفه، ليسجل أول انتصار على إسرائيل، لكنه في ذات الوقت عرى قوى اليسار العربي التي لا تجيد غير الشعارات الزائفة، و التي وظفتها لقيام النظم الديكتاتورية تحت شعار ( لا يعلو صوت فوق صوت المعركة) كان الصوت السائد قبل حرب 1967م هو صوت القوى اليسارية وحدها، و كانت قد أحكمت الحصار على القويالسياسية المخالفة لها و كل التيارات الفكرية الأخرى، و التي تتطلع للحرية و الديمقراطية، فتحت الباب لصعود قوى أيديولوجية أخرى ( الحركات الإسلامية) التي سارت في ذات الخط الذي كان يسير فيه اليسار، و سعت أن تخرس كل الأصوات و لا تبقى إلا صوتها، في اعتقاد هو صوت الحق. أصبح الصراع إيديولوجي بين تيارين لا يؤمنان إلا بالمعادلة الصفرية.
الأن السودان يشهد أعمق أزمة سياسية في تاريخه المعاصر، و حرب بين جيش قومي تأسس قبل مائة عام و بين مليشيا كونتها الإنقاذ لكي تحقق بها المعادلة الصفرية، أن تكون عصى مسلطة على ظهر كل من لا يقدم صكوك الولاء و الطاعة. في هذه المعادلة لا تصبح هناك منطقة أوسطى مطلقا، بل الوقوف مع القوات المسلحة حتى النصر و لا بديل إلا النصر. لكن الحرب سوف تخلق واقعا جديدا يؤسس على العقل المدرك للعملية السياسية و كاشف لكل الشعارات الزائفة التي تؤسس على قواعد أيديولوجية لا تؤمن بالحرية و الديمقراطية، بل تؤمن أنها وحدها يجب أن تحتكر السلطة. لذلك هللت عندما أعلن قائد قوات الدعم السريع أنه داعم للديمقراطية و سوف يحارب من أجل ذلك هللت و كبرت، و أصدرت البيانات المؤيدة. يذكر بقول الشاعر جرير " زعم الفرزدق أن سيقتل مربعا أبشر بطول سلامة يا مربع" هؤلاء عندما وقع إنقلاب قوات الدعم السريع الذي خططت له مع بعض القوى السياسية، هل كانت تعتقد أن مليشيا قادرة على هزيمة أمة متمثلة في رمزها الوطني الجيش؟
أن الحرب ستكون فارقا بين عهدين. عهد بدأ منذ انقلاب 1969م و استمر حتى اليوم، تحكمت فيه الأيديولوجية اليسارية و اليمينية بكل سلبياتها و شعاراتها الزائفة و انقلاباتها التي لم تقدم فيها للوطن غير خارب مؤسسات الدولة و الخدمة المدنية و الفساد بكل انواعه. و عهد جديد بدأ يتخلق، رغم كبر التضحيات و الضحايا، و يصبح فيه الواقع بكل خرابه و نقائصه و مشاكله و نزاعاته و صراعاته هو المحور الذي يركز فيه العقل المفكر لإصلاحه، و يجب أن يتأكد للجميع لا يمكن الإصلاح و البناء و التنمية إلا بتقديم الأفكار التي تجد طريقها للواقع. عهد جديد تسقط فيه الطائفية و العشائرية و القبلية و الأثنية و كل المكونات الأولية التي لا تجعل أن يكون الوطن أولا. عهد جديد بقيادات جديدة... المصلحة ألاولى و الثاني و الثالثة عندهم الوطن ثم الوطن، و تختفي فيها المصالح الضيقة الحزبية و الشخصية و المحسوبية و الانتهازية و الوصولية و كل الأمراض الاجتماعية، و أيضا الولاءات الضيقة و غيرها من المنقصات للحقوق الوطنية، عهد جديد لا تتقدم فيه القيادات السياسية إلا عبر أختيارها من قواعدها الجماهيرية، عهد تؤسس فيه الديمقراطية و تنمو و تترسخ عبر الممارسة و إلانتاج المعرفي، و ليس الشعارات الزائفة التي لا تنزل على الأرض، عهد جديد يختار الناس فيه المشروع السياسي الذي يخدم مصالهم و تطلعاتهم و أمالهم، عهد جديد أن نجد فيه نسبة الشباب من الجنسين يمثلون أغلبية بنسبة 65% من قيادات الأحزاب و الحقائب الدستورية و قيادة المؤسسات في البلاد، أن كان في المركز أو الولايات، عهد جديد يتراجع فيه ممثلي الإرث السياسي و الثقافي التقليدي من رجال الصوفية و الإدارات الأهلية و حيرانهم و حيران السياسة. الذين أورثوا البلاد الفشل تلو الفشل و الخراب تلو الخراب.
في هذه الحرب نجد أن صوت الحزب الشيوعي قد صمت، و صمته يؤكد أنه يريد الحرب أن تضعف الجانبين، أو أنه فقد القدرة على تقديم مبادرة للحل. و الحزب الشيوعي كان يقول أن المكون العسكري يمثل اللجنة الأمنية للنظام السابق، و لا يريد أن يتعامل معها، و كان يعتقد أن الدعم السريع هي مليشيا يجب عدم التعامل معها مطلقا، بل يجب أن تقدم قيادتها للمحاكمة بسبب ممارساتها القمعية التي مارستها ضد الجماهير، و أيضا القتل الذي مارسته في عملية فض الاعتصام، و أيضا قتل المتظاهرين، و نجد لهم العذر باعتبار هذا موقف مبدئي كان معلنا من قبل الزملاء. و لكن المشكلة الآن ظهور ما يسمى (اليسار المشوه) الذي لا تحكمه أي قاعدة قيمية، و ليس له أي أهداف معلنة، غير أن يقف في الجانب الأخر الناقل لثقافة الضد، و حتى يعجز أن يعرف ما هي ثقافة الضد التي يؤمن بها، هو رافض لكل شيء، و هذا اليسار المشوه ليس له هدف يحكمه أو يحكم تصرفاته. ظهر اليسار المشوه في عهد لينين تحت مسمي (البوليتاريا الرثة) عندما جاءوا يحملون شعاراتهم و يهتفون و كان لينين يخاطب الجماهير؛ قال لينين لجماهيره أضربوا هؤلاء، الذين لا يعرفون ما يقولون و إلي أين يساقون. و ظهر أيضا في ثورة الطلاب في فرنسا عام 1968م عندما خرجت قيادات اليسار بقيادة جان بول سارتر تقف إلي جانب الطلاب خرج اليسار المشوه يطالب ديجول من خلال وزير داخليته أن يسمح لهم بضرب الذين يقفون ضد الجمهورية الخامس و يناصرون ثورة الطلاب. قال ديجول قولته المشهورة كيف نضرب عقول و مثقفي الأمة. ظهر اليسار عندما أعلن ليخ فاليسا زعيم نقابة تضامن البولندية موقفهم المؤيد لعملية الديمقراطية و قيام انتخابات حرة، خرج اليسار المشوه يطالب الحزب الشيوعي باعتقالهم و محاكمتهم، هؤلاء لا ينطلقون من أرضية معرفية، أو من مشروع سياسي معلن، غير أنهم يجيدون تعكير الأجواء بالغبار الوقوف ضد الكل.
تصنع الحروب دائما واقعا جديدا عندما تصمت أصوات المدافع و البنادق، حيث يخلق واعيا جديدا بالعملية السياسية، و تتكشف فيها معادن القوى و مدي تمسكها بالمباديء التي تطلقها من خلال شعاراتها، و تتكشف الحمولات الزائفة كلما ضاقت الحرب و ضرب الخناق على صناعها. في أجواء الحرب تظهر القيادات الجديدة التي تقدم مبادراتها و تصوراتها التي تؤسس على أرضية وطنية جامعة تهدف من خلالها للتوافق الوطني، و جمع أكبرقاعدة اجتماعية تناصر قضية التحول الديمقراطي. نسأل الله النصر للحق و العزة لله و الوطن.
zainsalih@hotmail.com
الأن السودان يشهد أعمق أزمة سياسية في تاريخه المعاصر، و حرب بين جيش قومي تأسس قبل مائة عام و بين مليشيا كونتها الإنقاذ لكي تحقق بها المعادلة الصفرية، أن تكون عصى مسلطة على ظهر كل من لا يقدم صكوك الولاء و الطاعة. في هذه المعادلة لا تصبح هناك منطقة أوسطى مطلقا، بل الوقوف مع القوات المسلحة حتى النصر و لا بديل إلا النصر. لكن الحرب سوف تخلق واقعا جديدا يؤسس على العقل المدرك للعملية السياسية و كاشف لكل الشعارات الزائفة التي تؤسس على قواعد أيديولوجية لا تؤمن بالحرية و الديمقراطية، بل تؤمن أنها وحدها يجب أن تحتكر السلطة. لذلك هللت عندما أعلن قائد قوات الدعم السريع أنه داعم للديمقراطية و سوف يحارب من أجل ذلك هللت و كبرت، و أصدرت البيانات المؤيدة. يذكر بقول الشاعر جرير " زعم الفرزدق أن سيقتل مربعا أبشر بطول سلامة يا مربع" هؤلاء عندما وقع إنقلاب قوات الدعم السريع الذي خططت له مع بعض القوى السياسية، هل كانت تعتقد أن مليشيا قادرة على هزيمة أمة متمثلة في رمزها الوطني الجيش؟
أن الحرب ستكون فارقا بين عهدين. عهد بدأ منذ انقلاب 1969م و استمر حتى اليوم، تحكمت فيه الأيديولوجية اليسارية و اليمينية بكل سلبياتها و شعاراتها الزائفة و انقلاباتها التي لم تقدم فيها للوطن غير خارب مؤسسات الدولة و الخدمة المدنية و الفساد بكل انواعه. و عهد جديد بدأ يتخلق، رغم كبر التضحيات و الضحايا، و يصبح فيه الواقع بكل خرابه و نقائصه و مشاكله و نزاعاته و صراعاته هو المحور الذي يركز فيه العقل المفكر لإصلاحه، و يجب أن يتأكد للجميع لا يمكن الإصلاح و البناء و التنمية إلا بتقديم الأفكار التي تجد طريقها للواقع. عهد جديد تسقط فيه الطائفية و العشائرية و القبلية و الأثنية و كل المكونات الأولية التي لا تجعل أن يكون الوطن أولا. عهد جديد بقيادات جديدة... المصلحة ألاولى و الثاني و الثالثة عندهم الوطن ثم الوطن، و تختفي فيها المصالح الضيقة الحزبية و الشخصية و المحسوبية و الانتهازية و الوصولية و كل الأمراض الاجتماعية، و أيضا الولاءات الضيقة و غيرها من المنقصات للحقوق الوطنية، عهد جديد لا تتقدم فيه القيادات السياسية إلا عبر أختيارها من قواعدها الجماهيرية، عهد تؤسس فيه الديمقراطية و تنمو و تترسخ عبر الممارسة و إلانتاج المعرفي، و ليس الشعارات الزائفة التي لا تنزل على الأرض، عهد جديد يختار الناس فيه المشروع السياسي الذي يخدم مصالهم و تطلعاتهم و أمالهم، عهد جديد أن نجد فيه نسبة الشباب من الجنسين يمثلون أغلبية بنسبة 65% من قيادات الأحزاب و الحقائب الدستورية و قيادة المؤسسات في البلاد، أن كان في المركز أو الولايات، عهد جديد يتراجع فيه ممثلي الإرث السياسي و الثقافي التقليدي من رجال الصوفية و الإدارات الأهلية و حيرانهم و حيران السياسة. الذين أورثوا البلاد الفشل تلو الفشل و الخراب تلو الخراب.
في هذه الحرب نجد أن صوت الحزب الشيوعي قد صمت، و صمته يؤكد أنه يريد الحرب أن تضعف الجانبين، أو أنه فقد القدرة على تقديم مبادرة للحل. و الحزب الشيوعي كان يقول أن المكون العسكري يمثل اللجنة الأمنية للنظام السابق، و لا يريد أن يتعامل معها، و كان يعتقد أن الدعم السريع هي مليشيا يجب عدم التعامل معها مطلقا، بل يجب أن تقدم قيادتها للمحاكمة بسبب ممارساتها القمعية التي مارستها ضد الجماهير، و أيضا القتل الذي مارسته في عملية فض الاعتصام، و أيضا قتل المتظاهرين، و نجد لهم العذر باعتبار هذا موقف مبدئي كان معلنا من قبل الزملاء. و لكن المشكلة الآن ظهور ما يسمى (اليسار المشوه) الذي لا تحكمه أي قاعدة قيمية، و ليس له أي أهداف معلنة، غير أن يقف في الجانب الأخر الناقل لثقافة الضد، و حتى يعجز أن يعرف ما هي ثقافة الضد التي يؤمن بها، هو رافض لكل شيء، و هذا اليسار المشوه ليس له هدف يحكمه أو يحكم تصرفاته. ظهر اليسار المشوه في عهد لينين تحت مسمي (البوليتاريا الرثة) عندما جاءوا يحملون شعاراتهم و يهتفون و كان لينين يخاطب الجماهير؛ قال لينين لجماهيره أضربوا هؤلاء، الذين لا يعرفون ما يقولون و إلي أين يساقون. و ظهر أيضا في ثورة الطلاب في فرنسا عام 1968م عندما خرجت قيادات اليسار بقيادة جان بول سارتر تقف إلي جانب الطلاب خرج اليسار المشوه يطالب ديجول من خلال وزير داخليته أن يسمح لهم بضرب الذين يقفون ضد الجمهورية الخامس و يناصرون ثورة الطلاب. قال ديجول قولته المشهورة كيف نضرب عقول و مثقفي الأمة. ظهر اليسار عندما أعلن ليخ فاليسا زعيم نقابة تضامن البولندية موقفهم المؤيد لعملية الديمقراطية و قيام انتخابات حرة، خرج اليسار المشوه يطالب الحزب الشيوعي باعتقالهم و محاكمتهم، هؤلاء لا ينطلقون من أرضية معرفية، أو من مشروع سياسي معلن، غير أنهم يجيدون تعكير الأجواء بالغبار الوقوف ضد الكل.
تصنع الحروب دائما واقعا جديدا عندما تصمت أصوات المدافع و البنادق، حيث يخلق واعيا جديدا بالعملية السياسية، و تتكشف فيها معادن القوى و مدي تمسكها بالمباديء التي تطلقها من خلال شعاراتها، و تتكشف الحمولات الزائفة كلما ضاقت الحرب و ضرب الخناق على صناعها. في أجواء الحرب تظهر القيادات الجديدة التي تقدم مبادراتها و تصوراتها التي تؤسس على أرضية وطنية جامعة تهدف من خلالها للتوافق الوطني، و جمع أكبرقاعدة اجتماعية تناصر قضية التحول الديمقراطي. نسأل الله النصر للحق و العزة لله و الوطن.
zainsalih@hotmail.com