الحرب والدعوة لبروز طريقة تفكير آخر

 


 

 

أن طريقة التفكير التي صعدت الأزمة في البلاد، و أوصلتها للحرب؛ لا يمكن أن تكون صالحة أن توقف الحرب، و تسهم في عملية بناء السودان. و لابد من وجود عقلية جديدة لها رؤى تخالف ما كان سائدا في السابق، و الفكر وحده هو الذي يقود إلي مسارات جديدة، و يخلق طريقة مغايرة للتفكير. أن طريقة التفكير السائدة لم تستطيع أن تنقل تفكير الناس لمربعات جديدة تتجاوز حدة الاستقطاب الحادثة في المجتمع. و هناك خلافا كبيرا بين عقلية المعارضة التي تريد تعبئة من أجل هدم نظام و تبحث عن ثورة جديدة، و عقلية بناء تحتاج لتعبيئة من أجل أن يطلق الكل طاقاتهم الإبداعية لتقديم رؤى لعملية البناء قابلة للحوار و التعديل و التغييروفقا لمعطيات الواقع و الأحداث الجارية. معلوم أن صراع السلطة يعتبر صراعا دائما يعطل فاعلية العقل و يجمد الأفكار، لأنه صراع رغائبي تحكمه المصالح الضيقة، لذلك تكون فاعلية العقل في إنتاج الأفكار ضعيفة، و التفكير في عملية البناء و التحول الديمقراطية تتسع فيها فاعلية العقل؛ و يصبح المفكرون و المبدعون لهم الفاعلية في تقديم الأفكار و المبادرات و التصورات الإبداعية المفتوحة للكل و الحوار مع الجميع. أن دعاة الديمقراطية يعرفون تماما أن الديمقراطية تؤسس على القيم الفاضلة و حوار الأفكار، و التي تقنع الكل أن يشاركوا في بناء بلدهم، و يريدون إصلاح للكل حتى تتوافق أفكارهم و قناعاتهم مع عملية التحول الديمقراطي و ليس دفعهم لكي يكونوا عائقا لها.
بدأت بعض النخب السودانية أن تقدم أراء جديدة و جدير أن يقف المرء عندها. يقول الدكتور الواثق كمير في حديث مسجل له، (أن النخب السياسية إذا ظلت تقف عند استلام السلطة فقط من العسكر و غيرهم، لن تساعد في حل المشكل بل تعمق الأزمة أكثر، و كان عليها أن تكون في مقدمة أجندتها قضية إعادة بناء الدولة " أن البلاد في حاجة إلي إعادة النظر في هيكلية الدولة، و مخاطبة جذور المشكلة التي قادت للحروب و النزاعات التي حدثت في البلاد، و أدت إلي عدم الاستقرار السياسي و الاجتماعي في البلاد) أن إعادة بناء الدولة على أسس جديدة تحتاج لطريقة جديدة في التفكير، و في نفس الوقت تتجاوز كل شعارات الإقصاء و العزل... و في مقابلة تلفزيونية مع الدكتور خالد التجاني (يذكر القوى السياسية أنها تحصر خطابها السياسي فقط في قضية السلطة و إصلاح المؤسسة العسكرية، و في ذات الوقت تغض الطرف عن إصلاح المؤسسات السياسية التي لا تواكب شعار التحول الديمقراطي الذي ترفعه، لا يمكن أحزاب تغيب فيها الممارسة الديمقراطية قادرة أن تقود البلاد إلي الديمقراطية) أن طرح الأفكار الجديدة، و تقديم تصورات تخرج النخب من إعادة إنتاج عوامل تتسبب في إعادة الأزمة تستهلك طاقات الناس و إمكانيات البلاد في تجارب خاسرة. البلاد في حاجة لطرح أفكار جديدة تغير طريقة التفكير التي تسببت في الأزمة و قادت للحرب.
في ذات الموضوع نشرت جريدة الراكوبة يوم 7 نوفمبر 2023م خبرا سمته تصريحات جديدة للحزب الشيوعي جاء فيه (اكد الحزب الشيوعي السوداني، موقفه الرافض لإعادة إنتاج الأزمة وإدارة عقارب الساعة للوراء والنكوص عن مواقف الشعب التى تربط وقف الحرب باسترداد الثورة وتحقيق اهدافها( الأزمة هي قائمة و أدت للحرب، يصبح السؤال كيف الخروج من الحرب و ما هي الرؤية لمستقبل العمل السياسي؟ كان من المفترض أن تكون محور تفكير الزملاء، طبعا الزملاء لا يستطيعون أن يتخلوا عن عادتهم في استلاف لسان الشعب و الحديث بأسمه.. بالقول النكوص عن مواقف الشعب التي تربط وقف الحرب باسترداد الثورة و تحقيق أهدافها.. و أيضا السؤال كيف؟ ينتقل الخبر إلي نقطة أخرى يقول فيها (ليس فقط استعادة مسار الانتقال الديمقراطى الذى لازمته اخطأ جسيمة بدأت بالتوقيع على الوثيقة الدستورية المعيبة التى شرّعت شراكة العسكر واللجنة الأمنية فى السلطة وأبقت على المليشيات ووقعت اتفاق جوبا الذي عصف بالسلام وتفشت بسببه النزاعات وانتهت بحرب الخامس عشر من ابريل هذا المسار سيؤدى حال استعادته من قبل ذات الأطراف يؤدى فى احسن الأحوال إلى شراكة دم جديدة) هذه نقلة تتماشى مع رؤية المقال يجب أن تكون هناك طريقة جديدة للتفكير، تتجاوز سلبيات الماضي و أن تخضع كل الأراء للحوار دون أن يكون هناك تحالفا أو حزبا يردوا فرض شروطهم على البقية، بل كل يجب أن يقدم رؤيته و تخضع كل الأراء للحوار للوصول لتوافق حول مشروع سياسي واحد فهل يستطيع الزملاء التواضع و قبول أراء الآخرين؟
قال الشيوعي تعليقا على اجتماعات الجبهة المدنية لايقاف الحرب (نحن مع مطاب شعبنا، بشعاره الواضح بأن الثورة ثورة شعب و السلطة سلطة شعب و العسكر للثكنات و الجنجويد ينحل) و يضيف قائلا ( فدون مواربة و إعادة نصوص إنشائية لابد من سلطة مدنية كاملة و محاسبة طرفي الحرب سياسيا و جنائيا) و أقول أيضا دون مواربة أن الزملاء إذا لم يغيروا طريقة تفكيرهم و النزول من برجهم العالي و يتحاوروا مع الآخرين بندية، و عجزوا أن يشكلوا موقفا إيجابيا في عملية التحول الديمقراطي. و محاولة استفزاز الآخرين بالقول إعادة نصوص إنشائية رغم أن تصريحهم إنشائي و لا يحمل أي جديد غير نقد غير مؤسس للآخرين. إذا نظرنا بتواضع نجد أن الكل موافق على عملية التحول الديمقراطي، و بناء جيش واحد مهني ،و لا وجود لأي مليشيات مستقبلا، هذه الأفكار رغم الاتفاق عليها من قبل الكل إلا أن البعض يحاول أن يستخدمها أداة فرقة و تباعد. ولا اعتقد أن الحزب الشيوعي أفضل من القوى السياسية الأخرى لكي يملي شروطه عليهم، و يريدها فقط أن تتبني رؤيته. هذا يعيق عملية الحوار. و يقول الزملاء في تصريحهم ( نوه الشيوعي إلي أنه يسعى بكل إيمان عميق مع الجماهير إلي البدايات الصحيحة و الناجحة لبناء أوسع جبهة جماهيرية لوقف الحرب و استرداد الثورة و تحقيق أهدافها) أيضا قوى الحرية و التغيير قد بدأت في تشكيل جبهة مدنية لماذا لا يتم التحاور معها في المخرجات و الاتفاق على مشروع واحد. قبل الحرب أصر الزملاء على تكوين تحالف "الجذرية" و لم يجدوا أي قوى تتحالف معهم غير واجهاته التي درج على استخدامها في مناوراته مع القوى السياسية الأخرى، كان عليه أن يتعظ من التجربة. الحزب الشيوعي الآن يمر باكبر أزمة في تاريخه لذلك لا يستطيع قيادة أي تحالف لعملية التحول الديمقراطي.
أن إجاد طريقة للتفكير تتجاوز الطريقة ألتي أدت للحرب و عمقة الأزمة مسألة في غاية الأهمية، و إذا ظلت العقليات التي صنعت الأزمة وحدها تحتكر التفكير، و تعتقد وحدها هي القادرة على إيجاد الحلول تصبح هي نفسها الأزمة التي يجب العمل من أجل تجاوزها. و نسأل الله حسن البصيرة.

zainsalih@hotmail.com
////////////////////

 

آراء