الحرب وتغيير معادلات السياسية

 


 

 

أن الحرب الدائرة في البلاد لها أسباب عديدة، منها التشوهات البنيوية العسكرية التي أوجدها رئيس النظام السابق عمر البشير بتكوينه لمليشيات موازية للقوات المسلحة، و تراكم كبير للثقافة الشمولية لإمتداد ثلاثة عقود، و اقتصاد مشوه خارج دائرة مؤسسات الدولة الرسمية يتبع للمكونات العسكرية، إلي جانب مؤسسات موازية لمؤسسات الدولة و غيرها. بعد ثورة ديسمبر 2018م كان المتوقع أن تكون القوى السياسية واعية لهذه التشوهات، و أن يكون لها مشروعا سياسيا موازيا تحاول من خلاله علاج هذه التشوهات، و العمل على هندسة الدولة لكي تتلاءم مع شعارات عملية التحول الديمقراطي، و هذه تتطلب من القيادات التي إوكلت لها هذه المهمة أن تكون مدركة لدورها و عملها في علاج التشوهات من جانب، و من الجانب الأخر لها رؤية واضحة في عملية تفكيك دولة الحزب لمصلحة دولة التعددية السياسية. و أيضا مستوعبة الفارق الكبير بين الخطاب السياسي الداعم للشمولية و يريد السير على نهجها، و الخطاب المرن الذي يجب أن يؤسس على شروط العمل الديمقراطي. خاصة أن الساحة السياسية تتكيء على ثقافة ديمقراطية ضعيفة، ملغمة بخطاب أيديولوجي ينهاض العملية الديمقراطية في مسارها الاجتماعي و السياسي. إلا أن القوى السياسية التي تولت القيادة بعد توقيع الوثيقة الدستورية في اغسطس 2019م كانت منشغلة بالسلطة و محاولة تمكين نفسها فيها دون النظر لمستقبل العملية السياسية، التي تواجه تحديات جسام ليس من عناصر النظام السابق لوحدهم، و أيضا المكون العسكري، و عناصر دخل المؤسسات الحزبية في تحالف قوى الحرية و التغيير. هو الذي أدى لتعقيدات الأزمة السياسية، ثم أدى للحرب أيضا بسبب تكالبهم على السلطة، و اسقطوا فكرة التحول الديمقراطي. السؤال هل تملك القوى السياسية الآن رؤية لوقف الحرب؟ و هل تملك مشروعا سياسيا لما بعد وقف الحرب؟
استضافت قناة ( الجزيرة مباشر) يوم الثلاثاء 6 / 6 / 2023م خالد عمر يوسف و قدمته بصفته القيادي بحزب المؤتمر السوداني، و متحدثا بأسم الحرية و التغيير المركزي، و قال له المذيع لماذا سحبت الناطق الرسمي بأسم العملية السياسية، قال يوسف: أن العملية السياسية كانت تضم ثلاث أضلاع، و هذه الأضلاع لم تكن موجودة الآن. هذا التوصيف يتماشى مع الحديث الذي قاله يوسف عن العملية السياسية بعد الحرب " أن الحرب أفرزت واقعا جديدا لابد أن تصحبه متغيرات، و هذه المتغيرات سوف تؤثر بالضرورة على الواضع السياسي الذي كان قبل 15 إبريل 2023م . و هناك مباديء أشارت إليها العملية السياسية ( الاتفاق الإطاري) هي أن يكون هناك جيشا وحدا بعقيدة قتالية وطنية، و العمل من أجل التحول الديمقراطي، و تكوين مؤسسات العدالة" أن المباديء التي ذكرها يوسف باعتبارها مضمنة في ( الاتفاق الإطاري) هي مباديء عامة؛ لم يكن هناك خلافا عليها مطلقا من قبل القوى السياسية، الخلاف الذي نشب تمحور حول أحتكارية العمل السياسي، و من هي الجهة التي يقع عليها عبء هندسة الدولة و مؤسساتها في الفترة الانتقالية، فالحرية المركزي كانت تصر أن تدير العملية السياسية برؤيتها هي، و تطالب القوى الأخرى أن تنتظر حتى يحدد لها زمن المشاركة، و قد وصل الأمر أن تمد أرنبة أنفها داخل المكون العسكري و تجري عملية الاستقطاب. الأمر الذي أدى لانقلاب قامت به مليشيا الدعم السريع، و مادام هناك انقلاب بالضرورة تكون هناك حاضنة سياسية لها، هذه المسألة لم يتطرق لها خالد عمر يوسف، و أيضا لم يتطرق عن تعريف الحرب و من الذي بدأ بها. و في ذات الموضوع صدر بيان من قبل حزب المؤتمر السوداني تحت عنوان ( حرب 15 إبريل ... الأسباب ، السيناريوهات و أفاق الحلول) البيان فيه كثير من التغبيش، و محاولة لإظهار أن الحزب محايد يقف في الحياد رغم أن تفاصيل البيان تؤكد غير ذلك، و يحاول أن يساوي بين المليشيا التي ارتكبت جرائم حرب في اتخاذها المواطنين دروع و طرد المواطنين من منازلهم و اتخاذهم دروعا و دخولها مؤسسات الخدمات لإعاقة عملها. فالحزب ذهب في طريق الإنحياز لمليشيا الدعم السريع بإرادة قيادته، لذلك لا يستطيع حزب المؤتمر السوداني أن ينقد ممارسات مليشيا الدعم السريع خوفا من ردة فعل قياداتها، و فضح كل شاركوا معها في عملية الانقلاب و غيرها.
يقول بيان حزب المؤتمر السوداني في أول فقرة في أسباب حرب 15 إبريل: " ورثت ديسمبر وضعا بالغ التعقيد خلفه النظام السابق تمثل في تعدد الجيوش و انخراطها المتمدد في السلطة السياسية و العملية الاقتصادية مما أدى لعسكرة بالغة للحياة و المجتمع" إذا كان هذا الواقع الموروث من النظام السابق لماذا وقع حزب المؤتمر و تحالفه على الوثيقة الدستورية مع المكون العسكري؟ و ما هو التصور الذي كان يملكه الحزب لمعالجة هذه التشوهات؟ أنتم ذهبتم في هذا الطريق بل خالد عمر و وجدي صالح كانوا يطالبون الجماهير أن لا تعادي الدعم السريع لأنه قوى داعمة للثورة. و كله مسجل للتاريخ. رغم أن شعارات الشارع كانت واضحة جدا ( الجيش للثكنات و الجنجويد ينحل) هذا الشعار يؤكد أن الشارع مستوعب للمشكلة، و يؤكد على بقاء و استمرار مؤسسة الجيش بعيدا عن العمل السياسي، و أيضا على إصلاح المؤسسة، لكنه أكد على حل الجنجويد لأنه مدرك لخطورة مليشيا موازية للجيش. لكن في منبر الحرية و التغيير المركزي هناك من أعلن أن الجنجويد يجب أن تكون نواة لجيش المستقبل، لماذا لم يعترض حزب المؤتمر السوداني على هذه المقولة أن تذاع على الملأ من منبر هو فاعل فيه. حتى صباح 15 إبريل كانت هناك قيادات من الحرية المركزي جالسة مع حميدتي في مقره، و هذا ما أكده حميدتي نفسه في اللقاء الذي كان قد أجري معه من قبل قناة ( الشرق) و أيضا أكده يوست عزت مستشار حميدتي لقناة ( الجزيرة مباشر) ماذا كان هؤلاء يعملون حتى انطلاق أول طلقة للحرب؟ قال البعض كانوا يحضرون للقاء المرتقب بين حميدتي و البرهان، و لماذا يكون الجلوس مع حميدتي منذ غروب شمس يوم 14 إبريل و ليس مع البرهان؟ أن الشعب الذي قدم مئات الضحايا في ساحة الاعتصام و أيضا في التظاهرات لازم يعلم من هم الذين أضاعوا الثورة.. و من الذين طالبوا بمعاقبة الذين قاموا بانقلاب 25 أكتوبر و في نفس الوقت ساندوا انقلاب 15 إبريل. فالديمقراطية و العملية النقدية تتطلب الحقائق لمعرفة تناقضات العقل السياسي، رغم أن الأغلبية من النخب السودانية تميل للتبرير حتى لا تدين مواقفها.
يقول البيان في إحدى فقراته " عقب انقلاب 25 أكتوبر 2021م عملوا على تفعيل جميع أدواتهم السياسية و الإعلامية و الأمنية لتحقيق هذا الهدف، حتى انطلقت شرارة الحرب صبيحة 15 إبريل، كما استمروا في التعبئة و التحشيد عبر عمليات ضخمة للتضليل الإعلامي عملت على ابتزاز الجمهور عاطفيا، و بإستخدام منطق مزيف يرسخ لمفهوم حتمية الحرب للحفاظ على الدولة" الغريب في الأمر أن مليشيا االدعم السريع و دولة عربية خليجية أيضا بدأت في شراء العديد من الناشطين في وسائط الاعلام الاجتماعي و ( Clubhouse – Zoom , وعمل الايفات) و قطاعات إعلامية أخرى قبل الانقلاب بإسبوعين، هذا ما تقوله بعض قيادات الدعم في العديد من القروبات بأنهم دفعوا ملايين الدولارات خارج السودان لشراء الداعمين. و الغريب أن 60 % من الذين حصلوا على نصيب من الملايين كانوا ينتمون للحركة الإسلامية، و تنظيمات المؤتمر الوطني، و هؤلاء بدأوا بإدانة الكيزان و الفلول و الإسلاميين بأنهم وراء الحرب، غيروا مواقفهم 180 درجة، و 40 % من غير الإسلاميين، بدأوا هؤلاء أيضا أدانة للقوات المسلحة و أنها مؤسسة للكيزان و يسيطر عليها الفلول، و في جانب أخر نجد بدأت عناصر خليجية تلمح في تغريداتها عن شكوى السودانيين من تدخل الدول الخليجية في شأنهم الداخلي. و تسألوا هل الدول الخليجية تدخلت من خلال مؤسساتها أو من عناصر خليجية أم أنها استغلت عناصر سودانية؟ و على السودانيين أن لا يعلقوا مشاكلهم على الأخرين و يجب أن يبحثوا عن الأماكن الرخوة في مجتمعهم. و بالفعل يجب معرفة الأماكن الرخوة في النسيج الاجتماعي، و يجب معرفة الأسباب التي أدت للحرب و من وراءها. الإجابة بوضوح دون تهرب منها و محاولة تبريرها، هو الذي يخلق المعادلة السياسية الجديدة، فالحرب هي فارق بين فترتين يجب استغلالها من أجل بناء وطن معافى. نسأل الله حسن البصيرة.،

zainsalih@hotmail.com

 

آراء