الحرمنة والنهب في زمن الديكتاتور

 


 

حسن الجزولي
27 November, 2020

 

 


نقاط بعد البث

الأسبوع الماضي مرت ذكرى الإنقلاب العسكري الأول في 17 نوفمبر 1958، وفي تذكر الناس للحدث وردت ذكرى الشهداء الذين سقطوا كعسكريين ومدنيين وكانوا ضحايا لذلك الانقلاب الدموي الفاشي، وتذكروا المحاكم العسكرية التي وقف أمامها عدد من وطنيين سودانيين عسكريين ومدنيين، وتذكروا الرصاص الذي حصد المتظاهرين في المواكب، وتذكروا الاعتقالات والبوليس السري والمطاردة والعمالة وظروف البطش والارهاب.

في تلك الذكرى انقسم الناس في تقييمهم لذاك الحدث بين معارض وداعم، وفي أوساط الداعمين نستحضر ذاك الهتاف "الغريب" الذي يقول "يا عبود ضيعناك وضعنا وراك" ويقسمون بأنه في سنوات الانقلاب العسكري الست كانت "الأحوال هادئة" ولم يكن لأعضاء المجلس العسكري العالي الذي حكم بالحديد والنار فساداً يذكر، لم ينهبوا أو يختلسوا، وأن غالبيتهم العظمى نزلت المعاش وهي تسكن بالايجار ولا تملك منزلاً!. بل "تمادوا" بنفس التقييم لينسحب على فترة وقيادات إنقلاب 25 مايو 1969، حيث بدأت ترتفع بعض الأصوات وهي تدافع وتبرئ قيادات انقلاب مايو وتبعد عنهم تهما بالفساد والاختلاس والسرقة والنهب من الخزينة العامة، ونرى أن البعض في مواقع التواصل الاجتماعي ـ وجلهم لم يعيشوا فترة الانقلاب العسكري الثاني ـ أصبحوا يضعون صوراً "للسفاح النميري" ممجدين لحقبته ونافين عنه تهمة أنه اغتنى وأنه لا يملك منزلاً وأن الأمير الراحل زايد بن سلطان بعدما زاره واكتشف أنه لا يملك منزلاً وأنه يعيش في منزل حكومي، منحه مبلغاً كبيراً لتغطية تكاليف بناء منزل لسيادته، إلا أن النميري حول المبلغ للخزينة العامةَ، كذا!.
وإذا ما فحصنا كل ذلك نود أن نشير لعدد من القضايا.
أولاً ورغم أنه لم تثبت بعد أي صحة للادعاء المتعلق بإكرامية الشيخ زايد للنميري، فإنه لا النميري ولا جهاز وبوق إعلامه الذي كان يسبح بحمده وعظمته صباح مساء، ما كان يمكنه ألا يصدع رؤوس السودانيين المغلوب على أمرهم "بأمانة وعفة ونزاهة" شخص كالنميري!.
الأمر الثاني هو أنه لم تتح الفرص الواسعة لفحص قضايا الفساد والاختلاسات بالنسبة للعهدين، الأول بسبب تآمر أحزاب اليمين وتكالبهم على مقاعد الحكم عن طريق الصفقة التي أُبرمت والتعهد بعدم محاكمة "عصابة" 17 نوفمبر، والثاني بسبب التآمر على فترتي الانتفاضة والديمقراطية وكلفتة المسائلات والمحاكمات والتقاضي ضد "سدنة 25 مايو"!.
الأمر الثالث وهو الأهم، فإن الجماهير التي اقتلعت نظامي عبود والنميري، لم تفعل ذلك في المبتدأ لأنهما كانا غارقين في "النهب والسرقة والاختلاس" من خزينة الدولة ومال الشعب، وفي هذا تبسيط متعمد لأصل وفصل "أزمة" الجماهير مع نظامي عبود والنميري، فقد تم إسقاطهما معاً نسبة لأزمة الجماهير معهما فيما يتعلق تحديداً بقضايا الحريات العامة والديمقراطية وتكميم الأفواه وبناء دولة بوليسية باطشة تقنن للديكتاتوية والشمولية والفاشية، حيث نصبا المشانق للوطنيين الأحرار وأرسلا للدروة بخيرة الضباط والجنود البواسل الذين وقفوا بشجاعة أمام ديكتاتوريتيهما وقالوا لها "لا" في وجه صلفهما الكالح، ثم حصدت فوهات بنادقهما العشرات من أبناء الشعب السوداني بالرصاص لمجرد خروجهم في الشارع بمواكبهم التي عبروا فيها عن معارضتهم ومطالبتهم بالحريات العامة وتوفير الديمقراطية.
بهذا فإن هتلر وموسليني وغيرهما من الحكام الفاشيين والنازيين والديكتاتوريين، لم تتم إزاحتهم جميعاً من مواقع حكم الشعوب لأنهم كانوا " مختلسين من الخزينة العامة" أو لأن حكمهم اتصف بعدم النزاهة وامتدت أياديهم للمال العام.
أما عن الديكتاتورية الثالثة ومشيرها عمر البشير فحدث ولا حرج، وقد بانت عوراتها فيما يتعلق بالبطش و"الحرمنة والهبري" المسلح والمصلح دفعة واحدة لجماهير شعبنا المغلوب على أمره!.
في ذكرى انقلاب 17 نوفمبر المشؤووم نطرح السؤال المتجدد والذي لا بد من الاجابة عليه، وهو لماذا "يصرالعسكر" على حكم الشعوب؟!.

hassanelgizuli@yahoo.com

 

آراء