الحزب الشيوعي وإشكالية الديمقراطية ندوة النرويج

 


 

 

 

حضرت الندوة الاسفيرية علي خدمة " zoom" التي أقامها فرع الحزب الشيوعي السوداني فرع النرويج. و تعتبر الندوة أحدى فعاليات التحضير للمؤتمر السابع للحزب الشيوعي، حيث تحدث فيها السكرتير السياسي محمد مختار الخطيب و الدكتور علي بابكر الكنين رئيس اللجنة التحضيرية للمؤتمر السابع و الدكتورة ماجدلين الحاج الطاهر و قدمها الدكتور أحمد يوسف أدريس و هي بعنوان " الديمقراطية داخل الحزب الشيوعي و أثرها علي الحياة السياسية في السودان" و هي تجربة ديمقراطية جديدة في استخدام تكنولوجيا الاتصالات حيث الحضور الكبير، عندما تم ربطت الندوة علي خدمة "الفيسبوك" حيث أصبحت المشاهدة واسعة جدا داخل السودان، و خارج السودان من قبل المهتمين بقضايا الشأن السياسي السوداني، و أيضا المهتمين بقضية الإصلاح داخل المؤسسات الحزبية في السودان، إلي جانب حضور واسع من قاعدة الحزب و الأحزاب الأخرى. إلي جانب مؤتمر الندوة داخل خدمة " Zoom" و التي لا تزيد علي بضعة مئات في أفضل الحالات. فالندوة من حيث طرح الأسئلة تؤكد أن قضية الديمقراطية داخل الحزب تمثل حجر الزاوية. و طرح الموضوع في ندوة اسفيرية هي خطوة كبيرة لقبول الحوار حولها من قبل الجميع داخل المنظومة الحزبية، و من قبل القيادة، و لذلك لا اتردد في رفع القبة لفرع الحزب الشيوعي في النرويج و أيضا القيادة التي شاركت في الندوة.

في البدية لابد من توجيه شكر للحزب الشيوعي علي هذه الخطوة الديمقراطية، التي تعتبر خطوة سباقة في العمل الحزبي في السودان الذي يسمح بمشاركة واسعة في تقديم الآراء و طرح الأسئلة، و أشكر الزملاء الذين أرسلوا إلي الرابط لحضور الندوة في خدمة "Zoom" للحضور و المشاركة في النقاش، و إن كانت الأخيرة لم تتم لأسباب سوف أتعرض لها في متن المقال، ليست قاصرة علي وحدي، و لكنها عطلت مشاركة جميع الحاضرين داخل خدمة " Zoom" لسبب متعلق بقضية الديمقراطية نفسها. أن فتح ملف الديمقراطية داخل الحزب الشيوعي كورشة مرتبطة بالتحضير للمؤتمر السابع، تعتبر قضية جدل كان قد تم إثارتها داخل أروغة الحزب من قبل، منذ أن تم فتح الحوار الذي كان قد طال قضايا " الماركسية كمرجعية وحيدة للحزب و تغيير أسم الحزب" و كان ذلك في تسعينيات القرن الماضي بعد سقوط حائط برلين و أنهيار الاتحاد السوفيتي، و حسمت القضية داخل المؤتمر الخامس. و أن كان بعض الزملاء قد واصلوا الحديث عنها داخل و خارج الآطر الحزبية، الأمر الذي أدى إلي أبعاد قيادات في المكتب السياسي و اللجنة المركزية قبل انعقاد المؤتمر السادس خوفا من إثارتها داخل المؤتمر. الأمر الذي أكد أن القيادات الاستالينية في الحزب استفادت من قضية " الديمقراطية المركزية" التي تحد من عملية الديمقراطية تماما و تجعل مجموعة صغيرة هي التي تتحكم في الحزب. و ذلك يعود بنا إلي ما فعله استالين عندما قبض علي مفاصل الودلة و الحزب، و شرع في تطبيق ديكتاتورية الفرد مستعينا بالديمقراطية المركزية. و أغلبية الأحزاب التي كانت شيوعية و أصبحت أشتراكية قد تخلت عن " المركزية الديمقراطية" لأنها تقيد حركة العضوية و تضيق مواعين الديمقراطية.
أن قضية الديمقراطية المركزية التي قال عنها الدكتور علي الكنين " أن الديمقراطية المركزية إذا فرضت علي الجميع و لم تقيد سوف تصبح ديكتاتورية. و الممارسة الديمقراطية للأعضاء إذا لم تقيد تصبح فوضة. و لابد من معادلة تضبط الأثنين معا لكي تتيح للاعضاء ممارسة نقدهم و تقديم آرائهم و أيضا أن تجعل الديمقراطية المركزية مرنة و تؤدي دورها بالصورة المطلوبة" و لكنه لم يوضح هذه المعادلة، و لم يحدثنا من هي الجهة التي تستطيع أن تقيم وضع الديمقراطية المركزية، لكي تمنعها من الانحرافها نحو الديكتاتورية" أن الديمقراطية المركزية في الحزب الشيوعي تمثل المعضلة التي تجعل فئة صغيرة هي التي تتحكم في مجريات الأمر في الحزب الشيوعي، و هي التي تقيد عملية النقد و المشاركة الفاعلة للعضوية داخل الحزب، و حتى أختيار الأعضاء الذين يشاركون في المؤتمر العام للحزب يتم الموافقة عليهم من قلة بسبب الديمقراطية المركزية. و كنت أعتقد إنها آلية قاصرة على المشاركة في أتخاذ القرارات و الاختيار للمؤتمر و اختيار أعضاء اللجنة المركزية و المكتب السياسي، لكن من خلال ندوة اليوم أكتشفت هي آلية حتى علي ضبط عملية تقديم الأراء و طرح الأسئلة. بل هي ثقافة رمت بظلالها علي الكل حتى الاشخاص في نشاطاتهم العامة متقيدين بها، أن تكون هناك مركزية تتحكم في الندوات و تسمح فقط ما هو المطلوب سماحه، أو الشيء الذي ترضى به القيادة.
الملاحظ أن الندوة أغلقت باب المشاركة المباشرة للحاضرين داخل الندوة في خدمة " Zoom" و مقدم الندوة هو الذي يختار الأسئلة المقدمة من قبل جدار الفيسبوك، و تقديمها للمتحدثين. للذين لم يستطيعوا فهم "الديمقراطية المركزية" الندوة خير مثال لها كيف؟ " عندما تكون داخل الندوة و تعطى الفرصة للاشخاص في الندوة، لا يستطيع مقدم الندوة التحكم في حديثهم و مداخلاتهم، و يمكن أن تثار قضايا لا تريد القيادة إثارتها و الحديث حولها، أو تجر لجدل فكري غير مطلوب، أو لنقد يطال القيادة، لذلك منع الحاضرون داخل الندوة من المشاركة، إلا بكتابة أسئلتهم و هذه يمكن تجاهلها و لا يتم قرأتها، هنا تعطي فرصة كبيرة للذي يدير الندوة في عملية أختيار الأسئلة التي تتم قرأتها، فالتحكم الذي فعله مدير الندوة في الأسئلة و إغلاق باب الحوار في الندوة، هو الذي تفعله القيادة من خلال الديمقراطية المركزية. حيث أن المكتب السياسي و اللجنة المركزية هم الذين يختارون عناصر اللجنة المركزية القادمة، و لا يتم أختيار أعضاء اللجنة المركزية بالتصوت المباشر من قبل عضوية المؤتمر العام، مما يدل علي أن فئة قليلة هي التي تتحكم في أختيار القيادة، حتى أختيار المناديب يتم باقتراع سري في الأفرع، و ليس بالتصويت المباشر، و كل ذلك يجعل القيادة في الحزب من خلال "الديمقراطية المركزية" هي التي تتحكم في اختيار الاشخاص الذين يصلون للقيادة، الأمر الذي يجعل عضوية الحزبة في حالة من الخنوع الكامل للقيادة، و يمنعها من تقديم نقدها للقيادة، الآمر الذي يحول أغلبية الحزب لمجموعات من الهتيفة. و قد ظهر ذلك واضحا قبل انسحاب الحزب الشيوعي من قوى الحرية و التغيير، إذا نقد الشخص قحت و الحكومة تجد المئات من الزملاء يتصدون له بأنه كوز أو من سدنة النظام السابق، حتى بعضهم لا يستطيعون قراءات و فهم المقال بالصورة المطلوبة، و بعد ما خرج الحزب من قحت و شن هجومه علي الحكومة، كذلك أصبح الشخص الذي يتمسك بقحت أو بالحكومة في مرمى نيرانهم. هذا هو الذي تخلقه " الديمقراطية المركزية" عضوية هدفها كله أن لا تغضب القيادة، و تسبح بأسمها و تقدم لها يوميا فروض الولاء و الطاعة، هذا هو الذي اقعد الحزب الشيوعي. إذا لم يتخل الحزب الشيوعي عن "الديمقراطية المركزية" و تصبح الديمقراطية الحرة هي المبتقى، و التي تكفل للجميع أن يصدعوا بآرائهم دون خوف أو محابة للقيادة لن يحدث إصلاح حقيقي داخل الحزب الشيوعي، و أيضا أن يكون الاختيار للقيادة داخل الافرع و الولايات و المركز من خلال التصويت المباشر للعضوية أن كان في مؤتمراتها القاعدية أو المؤتمر العام، الأمر الذي يفتح كل المنافذ في الحزب أن تمرر الهواء النقي الذي ينعش بدن الحزب و يقدم أصحاب القدرات و الإبداع و الذين يشتغلون بالفكر إلي مقدمة الحزب. حيث يعتبر الحزب الشيوعي واحدا من الأحزاب التي يعول عليها كثيرا في عملية التحول الديمقراطي في السودان و إنتاج الثقافة الديمقراطية، لكن الذي يعطل الحزب هو "الديمقراطية المركزية" التي توفر مأوى أمن من خلال التفرغ الحزبي لقيادات نضب خيالها و قلت قدراتها، حيث تستولى القيادات التاريخية الاستالينية في الحزب من الجنسين علي 90% من المواقع القيادية، و 10% من الشباب الذين تثقفوا بثقافة الحوار مع الشيخ " لا اسمع لا أرى لا اتكلم" كما قال شخص داخل الندوة انتزع الفرصة انتزاعا سأل أولا إذا كان الخطيب حاضرا عندما أكد له أنه مايزال حاضرا. قال " أنت يا الخطيب في الندوات و المؤتمرات الصحفية لا صوتك يساعدك و لا اللغة تساعدك....! يجب أن تعطي الفرصة للشباب الذين يجيدون الخطابة و الصوت الجهور، لكي نؤكد أن الحزب يملك أجيال جديدة بالفعل قادرة علي تقديم الحزب بأبهي صورة ممكنة" و قال أخر داخل الندوة لماذا منعتونا من المشاركة بالصوت لدينا أسئلة كثيرة. و يعلم هو إنها "الديمقراطية المركزية" التي تتحكم حتى في النشاطات العامة للحزب، فهي تحتاج لحوار حزبي داخلي عميق يهدف لتوسيع مواعين الديمقراطية داخل الحزب، و أن يكون النقد بالصوت العالي، و يكون اختيار الاعضاء للمراكز القيادية بالتصويت المباشر.
في الختام: أن الندوة تمثل ظاهرة جديدة، و الحوار نفسه يمثل خطوة إيجابية لتوظيف الآليات الديمقراطية، كما تعتبر مثل هذه الندوات ورش تدريب للعضوية، و علي التحفيز في تقديم آرائهم و سماع الرآي الأخر و أحترامه، و أيضا يخلق وعي جديد لأجيال جديدة، فالندوة رغم نقدنا لمسألة "الديمقراطية المركزية" لكنها كانت ندوة جيدة و تعطي انطباع هناك من يقاوم و يناضل من أجل تفشي الديمقراطية في الحزب. فمشوار الألف ميل يبدأ بخطوة كما يقول المثل الصيني، و هي خطوة أولى نتمنى أن يفتح باب الحوار للأسئلة المكتوبة و المداخلات المباشرة في المرات القادمة و تترك ثقافة الديمقراطية المركزية، فالنظام الديمقراطي وحده هو الذي يشكل البيئة الصالح للإبداع و تفجير الطاقات و نشر الوعي الجماهيري، شكرا للزملاء علي الدعوة، حقيقية هي مبادرة حزبية جيدة أتمنى أن تتبعها بقية الأحزاب الأخرى. و أن يواصل الزملاء ندواتهم المفتوحة، و يعطونا فرصة للمداخلات. نسأل الله التوفيق للجميع.

zainsalih@hotmail.com

 

آراء