الحزب الشيوعي ومصادرة الديمقراطية
زين العابدين صالح عبد الرحمن
18 July, 2021
18 July, 2021
المقال لا يريد أن يسجل إتهاما للحزب الشيوعي في مصادرة الديمقراطية، لكنه مأخوذ من عنوان لسلسلة من المقالات للكاتب الراتب و القيادي التاريخي في الحزب الشيوعي تأج السر عثمان أبو بعنوان " الهجوم علي الحزب الشيوعي مقدمة لمصادرة الديمقراطية" و مقال أبو في اتجاهه العام هو استعراض تاريخي لمسيرة الحزب الشيوعي، و الصراعات التي حدثت داخل الحزب في مسيرته منذ التكوين حتى الآن، إذا كانت فكرية أو سياسية، و تناول المقال محطات عديدة لهذه الصراعات بأسماء متعددة، و معروف أن محطات الصراع الفكري بدأت منذ اربعينيات القرن الماضي و دائما تنتج من خلال أحداث لها علاقة بالفلسفة الماركسية، أو بالمرجعية الفكرية و لائحة الحزب، و الصراع دائما يحدث عندما تبدأ مجموعة أو حتى فرد في نقد و مراجعة للمرجعية الفكرية، و معروف أن الحزب الشيوعي يسمح بالطرح الفكري النقدي داخل أدوات الحزب الداخلية " جريدة الشيوعي" و إذا رضيت القيادة علي مسار الطرح الفكري، تنقلها لجريدة الميدان بهدف السماح لعناصر أخرى المشاركة في الحوار الفكري، و يصل أن تصدر نشرة أو مجلة أخرى لتوسيع دائرة الحوار مثل " مجلة قضايا سودانية" التي أصدرتها قيادة الحزب بالخارج تحت أشراف المرحوم التجاني الطيب بابكر بهدف توسيع دائرة الحوار في الخارج و توقفت بعد أنتهاء فترة الحوار. و هذه تعتبر محمدة للحزب في نقل الحوار خارج دائرة التنظيم لتشمل كما يسميهم الحزب " الديمقراطيون" باعتبارهم غير اعضاء في الحزب و لكنهم ليس ببعيدين عنه. لكن هناك أيضا رؤى أخرى تؤكد عكس ما ذهبت إليه إذا تتبعنا المسيرة.
أيضا يحمد للكاتب الراتب تاج السر عثمان أبو كتاباته المتواصلة في القضايا الوطنية و السياسية و التعليق على الأحداث، و له كثير التقدير و الاحترام في ذلك. و أبو معجون بالرؤية الإرثوذكسية الاستالينية، و يعتبر البيان الشيوعي الذي صدر من قبل ماركس و انجليز عام 1848م و صادف صدور البيان مع ثورات حدثت في العديد من دول أوروبا، و يمثل البيان تلخيص موجز للماركسية يعتبره أبو هو خلاصة الفكر الماركسي و يجب الوقوف طويلا في محطته، و معلوم أن الماركسية حركة اجتماعية سياسية تقوم علي الصراع الطبقي. و جاء لينين بعد ذلك و أضاف للماركسية حزب الطليعة الذي يقوم بدور التحريض للثورة البوليتارية. أبرزت الثورة البلشفية في روسيا عدد من المنظرين أبرزهم لينين و تروتسكي و استالين و خارج الدائرة روزا لكسمبرج و غيرهم. في هذا التاريخ وقف تاج السر عثمان أبو و الرجل يعتبر أي تجاوز لهذه المرحلة هو خروج علي الماركسية، لذلك لا يعترف بمدرسة فرانكفورت التي تأسس عام 1923م في ألمانيا، و من عدد من الفلاسفة الماركسيين الذين نقدوا الحضارة الغربية، و ما أفرزته هذه الحضارة من داخل البناء الفكري الماركسي، و يطلق علي أطروحاتهم الفكرية " ما بعد الحداثة" و لذلك اعتبرت متجاوزة لأفكار كانط . و من كتابها ماكس هوركهايمر و هربرت ماركوزا و تيودر أدورنو و إريك فروم فرانز ليوبولد نيومان و هبرماس و غيرهم، هذه المدرسة لا تعني إلي أبو شيئا بل يعتقد أنهم ليس بالمجددين، بل هؤلاء فلاسفة متجاوزين للكلاسيكية الماركسية. و إذا قرأ أبو نظرية الفاعلية التواصلية عند هبرماس سوف يجد الجديد في الفكر الماركسي حيث النظر تقدم رؤية لممارسة الديمقراطية في آطار جماعي. أفضل من " المركزية الديمقراطية" الذي فرضها لينين علي الأحزاب الشيوعية.
تناول أبو قضايا عديدة في المسار التاريخي للحزب الشيوعي، و سوف أخذ منها نماذج تتوافق مع " عنوان المقال" و هي التي دفعتني للكتابة باعتبار أنني كنت علي صلة باصحابها و معرفة من طرحهم الفكري في القضية مسار الجدل. يقول أبو في مقاله5 "كانت ظروفا معقدة وعصيبة مرّ بها الحزب الشيوعي ، والتي كانت منعطفا خطيرا في مسيرته، بحيث تركت اثرها في الاهتزاز الفكري والسياسي لعدد قليل من الكادر والأعضاء في ظل تلك الظروف فتحت اللجنة المركزية في اغسطس 1991م، مناقشة عامة، وبدأت تنشر المساهمات في مجلة “الشيوعي”، و”قضايا سودانية” التي كانت تصدر في الخارج في التسعينيات من القرن الماضي." و يضيف قائلا "واستمرت المناقشة العامة جنبا الي جنب مع نضال الحزب الشيوعي ضد الديكتاتورية ومن اجل إسقاطها وإستعادة الديمقراطية، والسلام ، ومن أجل تحسين الاوضاع المعيشية ، والحل الشامل والعادل لقضايا البلاد، وعقد المؤتمر الإقتصادي الذي يساعد في علاج الخراب الاقتصادي" لا أدري لماذا يحاول أبو أن يفرق و يصعب المشكل أبو عندما يتحدث عن الصراع الفكري داخل الحزب الذي جاء نتيجة لأكبر حدث في القرن العشرين، سقوط التجربة السوفيتية الشيوعية و سقوط حائط برلين و توحيد ألمانيا، ثم تبعتها سقوط عروش كل النظم الشيوعية في أوروبا. هذا الحدث أي شخص مؤمن بالماركسية يجب أن يقف عنده و يـتأمل و يبحث عن اسباب سقوط التجربة، و يجري مراجعة فكرية. لكن يحاول أبو أن يربطها بصراع الحزب ضد النظام الشمولي في البلاد. من رؤية أي مفكر أن القضية واحدة، هي النضال من أجل " الديمقراطية" و الذين دعو للمراجعة الفكرية داخل الحزب و تغيير اسمه كانوا يعتقدون هو نضال واحد من أجل الديمقراطية. لكن القيادة التاريخية نظرت إليه من جانب واحد أنهم يريدون هدم الحزب الشيوعي و بعثرة تاريخه النضالي. رغم أن الدعاة كانوا يعتقدون هي عملية تطور تطبيعي للبناء التنظيمي و الفكري الذي يفرضه الواقع من خلال التغييرات التي تحدث في المجتمع، و من خلال التطور الذي يحدث في العلم و له انعكاساته علي الواقع الاجتماعي، أن العقلية التي تقف في محطة واحدة لا تستطيع استيعاب هذه التحولات و التغييرات. أن ربط أبو غير مقنع و هي متأصلة في العقلية الاستالينية، في منتصف تسعينات القرن الماضي أثارت بعض القيادات الاتحادية قضية " إصلاح الاتحادي" قال لي التجاني الطيب هل هذا توقيت مناسب لعملية الإصلاح و الناس مشغولة بالنضال ضد الإنقاذ. و ماذا كانت النتيجة هزيمة " التجمع الوطني الديمقراطي" في اتفاقية " نيفاشا 2005م" و أكبر خطأ وقت فيه الأحزاب السودانية خروجها لحمل السلاح.
خرج الخاتم عدلان و معه عدد من الزملاء في اعتقاده؛ أن الحوار داخل مؤسسة تمتلك القرار فيها قلة صغيرة تستطيع أن تغير النتيجة لصالحها كما تشاء من خلال "المركزية الديمقراطية" يبقي الحوار غير مفيد، باعتبار أنهم يعتقدون القيادات التاريخية لن تقبل بأي نتيجة إلا لصالحها. و قال التجاني الطيب في لقاء كانت قد أجرته معه جريدة " الخرطوم" إذا وافق 85% من الحزب علي عملية التغيير عليهم أن يشكلوا حزبهم الجديد و ال 15% يستمروا في الحزب الشيوعي. هذا الحديث كان مؤيد لمجموعة الخاتم عدلان و الحاج وراق و الدكتورعمر النجيب و الدكتور خالد الكد و غيرهم، و كانت هناك مجموعة أخرى تؤمن بذات الفكرة، لكنها تريد أن يحدث التغيير داخل الحزب، حتى تعرف نتيجة الحوار الفكري، و هؤلاء كان علي رأسهم الدكتور الشفيع خضر. و في النصف الثاني من عقد التسعينات في القاهرة كنت قد أقمت لهم عدد من الندوات في " المركز السوداني للثقافة و الإعلام" ثلاثة للخاتم واحدة منفرد و الثانية مناظرة بينه و الدكتور الشفيع خضر و الثالثة الخاتم عدلان و الدكتور الباقر العفيف. كان رؤية الشفيع خضر؛ أن الخاتم يستعجل الأحداث، و كان عليه أن يقدم دفوعاته داخل البناء الحزبي، حتى يكسب قطاع واسع من القاعدة، لكن الذي حدث مع الدكتورالشفيع خضر، و ابعاده من الحزب قبل المؤتمر السادس مع زملائه، يؤكد أن الذين ينادون بالديمقراطية من الزملاء عليهم أولا هزيمة " المركزية الديمقراطية" و جعل الانتخاب في كل هيئات الحزب و القرارات بالاقتراع الحر المباشر، و مغادرة الثقافة الينينية، و هي ثقافة تجعل قلة تمتلك القرارات في الحزب و تصعد آهل الولاء. و أيضا قد أكد أن مجموعة الخاتم كانت رؤيتها صائبة. و الآن يدعو صديق الزيلعي في المقال الذي كتبه ردا علي " مقال صغيرون" يؤكد فيه بأنه مازال داخل الحزب و يثير قضاياه الخلافية داخل البناء الحزبي، بمعنى الصراع داخل الحزب كما أراد الدكتور الشفيع خضر و زملائه و هزمتهم الاستالينية.
لكن الدكتور فاروق محمد إبراهيم يعتقد في المقال الذي كتبه في مجلة " قضايا سودانية" أن الحزب واقع تحت تأثير العقلية التي خلفها عبد الخالق محجوب، و هي عقلية مسيطرة، و قال أن عبد الخالق لوحده اسقط مؤتمر بكل القراراته و توصياته التي اتخذها المؤتمر " مؤتمر الجريف" و بالتالي لا يكون هناك إصلاح داخل المؤسسة الحزبية، و لا هامش لممارسة النقد و طرح الأفكار في ظل هذه العقليات، فالتغيير لابد أن يكون تغييرا جوهريا. لكن التجاني الطيب اعتبر أن فاروق محمد إبراهيم يهدف إلي " أهدم عبد الخالق محجوب تهدم الحزب الشيوعي" و لا اعرف لماذا القيادات التاريخية تقف بشراسة أمام كل نقد، أو دعوة للمراجعات الفكرية بأعتبارها عملية دس السم في العسل " هدم للحزب الشيوعي" و حديث الدكتور فاروق محمد إبراهيم يعانق الحقيقة، باعتبار أن عبد الخالق محجوب كان يقف ضد أي دعوة نقدية أو رؤية فكرية تخالف رؤيته و يطرد صاحبها من الحزب. بدأت عندما اعترض عبد الوهاب زين العابدين أمين الجبهة الوطنية المعادية للاستعمار ثم تحولت إلي الحركة السودانية للتحرر الوطني، الذي اعترض علي تأسيس الحزب الشيوعي، و قال؛ يجب أن تكون الحركة جزء من التيار الاتحادي، و تصبح هي عموده الفقرى المنتج للأفكار، و يقود الحركة من خلال مد يساري، اعتبر عبد الخالق هذا انحراف يميني و طرده من الحزب و أيضا ذات الفعل مارسه مع الأمين الأخر عوض عبد الرازق، الأمر الذي أصبح عرفا داخل الحزب، غير مسموح للعناصر ذات الأفكار أن تبقى داخل المنظومة الحزبية، لذلك ظل الحزب الشيوعي يعتمد علي العناصر التنفيذية التي تتمسك بالشعار دون المجادلات الفكرية، فهؤلاء لا يشكلون ضغط ذهني للقياداة، و يؤثرون في العضوية بطرح أفكار تهزم الإرث الثقافي للعناصر الاستالينية. نسأل الله حسن البصيرة
نواصل قراءة مسلسل مقالات الزميل تاج السر أبو
zainsalih@hotmail.com