الحلم الأمريكي والديمقراطية في السودان
زين العابدين صالح عبد الرحمن
3 September, 2022
3 September, 2022
بعد قبول الفريق أول عبد الفتاح البرهان أوراق أعتماد السفير جون غودفري سفيرا للولايات المتحدة الأمريكية لدى السودان. و عقب مراسم الاعتماد قال السفير غودفري في تصريح صحفي ( أن اعتماده سفيرا لبلاده لدى السودان، بعد فراغ امتد ٢٥ عاما، يعد تأكيدا علي التزام الولايات المتحدة بتعزيز وتعميق علاقاتها مع الشعب السوداني( و أضاف قائلا ( أنه يتوقع خلال المدى القريب، تشكيل حكومة جديدة في السودان بقيادة مدنية، ضمن سياق حوار وطني شامل يضم جميع الأطراف السودانية( . يصبح السؤال كيف يستطيع أن يوفق بين جميع الأطراف المتصارعة، و العديد من المبادرات التي تخرج في كل يوم من مجموعة تختلف عن الأخريات؟ الإجابة على السؤال؛ هو التحدي الذي يواجه السفير الأمريكي و المجموعة الأخرى التي توافقه الرأي، و سوف تعمل معه في ذات الاتجاه، بهدف تقريب وجهات النظر، و الهدف الأساسي هو الوصول لفترة انتقالية تنقل البلاد لعملية تحول ديمقراطي حقيقي.
معلوم لكل الذين إطلعوا على التشريعات الأمريكية التي تحدد كيف تتعامل أمريكا مع البلاد التي يقع فيها انقلابا عسكريا، أن توقف كل التعامل معها، و توقف المساعدات التي كانت تقدم لها، فضلا عن توقيع عقوبات عليها، لكن الإدارة الأمريكية نفسها بعض المرات تتحايل على هذه التشريعات وفقا للمصالح الأمريكية، لذلك لم تعلن أمريكا أن الذي وقع في السودان صبيحت 25 أكتوبر 2021م هو انقلابا عسكريا، ثم تتعامل معه وفقا للتشريعات المنصوص عليها، بل اعتبرته انقلاب على الشراكة في الحكم بين طرفين موقعين على وثيقة دستورية و يمكن إصلاحه وفقا لهذه الوثيقة. لذلك أيدت مبادرة الأمم المتحدة لرأب الصدع و عودة المدنيين للحكم مرة أخرى بحكم ما جاء في الوثيقة، لذلك كان الاهتمام بالتواصل مع قوى الحرية و التغيير باعتبارها أحد طرفي الوثيقة الدستورية، و المحاولات التي قادتها نائبة وزيرة الخارجية الأمريكية مولي في أبان زيارتها الخرطوم مع سفير المملكة العربية السعودية و جمع طرفي الوثيقة الدستورية تؤكد ذلك.
و إذا نظرنا نظرة فاحصة إلي تصريح السفير الأمريكي، نجد أن حديثه مركز على سلطة مدنية خالصة، و هي القاعدة المتفق عليها بين كل الأطراف، و أبعاد العسكر من العمل السياسي عبر مؤسسات الدولة، القضية الأخرى أن السفير لن يسقط الوثيقة الدستورية، لأنها تعتبر نقطة انطلاقه للتعامل مع القضية السودانية وسعيه لعملية التوافق الوطني. لذلك استهل السفير لقاءاته مع بعض من اسر الشهداء، و هؤلاء هم الذين وقعت عليهم الفاجعة، و يكونون أكثر ألما و حزنا من متغيرات السياسية و تقلباتها. ثم ألتقى ببعض المجموعات المهتمة بالسياسة و لكنها ليس بالقرب المطلوب من دائرة الانتماء الحزبي. و سوف يواصل هذه اللقاءات مع كل الذين جعلوا أقدامهم علي خشبة المسرح السياسي، هذه اللقاءات سوف تجعله يأخذ فكرة عامة عن مجريات الوضع السياسي في السودان، إلي جانب معرفة كيف يفكر الناس في الحل، و هي محاول لجمع المشتركات و تصنيفها و تحيلها، ثم كيف التعامل من خلالها.
قال السفير الأمريكي في ختام تصريح الصحفي جملة في غاية الأهمية، و هي تعد المفتاح الذي يحاول أن يدير به عملية التقارب بين مشتركات الكل، حيث قال ( أعتبر وجودي في السودان؛ فرصة للتعرف على الشعب السوداني وفهم ثقافته بصورة أفضل.) و معلوم أن الثقافة أقرب طريق لمعرفة كيف يفكر أهل الثقافة، كما هي المدخل لكل المجموعات المتنوعة التي تشكل النسيج السوداني في التنوع و السياسة، و أيضا هي التي تشكل شخصياتهم و اهتماماتهم و أذواقهم و تؤثر في سلوكهم، و تقصر طريق المعرفة، فالرجل تم اختياره باعتباره كان يعمل منسقا لمكافحة الإرهاب و مستشارا في الرياض و مسؤولا سياسيا في سفارة أمريكا في سوريا، و يدقن العربية بطلاقة. و الخرطوم تعتبر ترفيعا للرجل كسفير، هذه الخبرة تبين؛ من أين سوف يبدأ الرجل مشوار مهمته من أجل جمع السياسيين السودانين تحت رأية التوافق الوطني، بهدف الوصول إلي السلطة المدنية التي تعتبر أداة للانتقال الديمقراطي في البلاد، فالثقافة الشعبية هي جواز مرور أما الثقافة الديمقراطية التي يحملها هي التي سوف تضع قواعد الحوار و عملية الاقناع.
و السلطة العسكرية مادام سمحت لنائبة وزير الخارجية الأمريكي مولي في مجهوداتها مع السفير السعودي لرأب الصدع بين المكون العسكري و قوى الحرية و التغيير، أنها لا تمانع في تحرك السفير الأمريكي من أجل التقارب بين المكونات السياسية المختلفة، و ليس هناك قناعة أن تضع بعض الشروط لعملية التوافق. لكن السفير سوف ينطلق من قاعدة مهمة جدا "هي ثقافته الديمقراطية" و هناك فارق كبير بين المثقفين الغربيين و السودانيين حاملي الثقافة الديمقراطية، فالأخيرة ثقافة ديمقراطية ضعيفة مختلطة بكثير من شوائب الثقافة الشمولية المتراكمة لأكثر من نصف قرن، هي حكم النظم الشمولية التي حكمت البلاد، و كانت الإنقاذ أكثرها إنتاجا للثقافة الشمولية، و هو التحدي الذي سوف يواجهه السفير الأمريكي في عملية تشكيل السلطة المدنية. أنه يتحدث مع قوى ترفع شعارات ديمقراطية و تتعامل من خلال ثقافة شمولية، و الثقافة الأخيرة هي التي تدفعهم أن يقدموا شروطا تجعل كل فئة تريد القول هي الأصلح أن تدير البلاد دون الأخرين.
المشكلة الأخرى في الأزمة السودانية؛ أن المجموعات السياسية المختلفة ليست متجردة في عملية التحول الديمقراطي، فكل مجموعة تعتقد هي الأحق في استلام سلطة الفترة الانتقالية، الأمر الذي يصعب المهمة على الذين يحاولون البحث عن مخرج للأزمة. فتعلق كل مجموعة بالسلطة يجعلها تضع شروطا تحاول أن تحرم بها بقية المجموعات الأخرى، أو السعي لحرقها جماهيريا. و إذا استطاعت هذه المجموعات أن تتجرد من فكرة السلطة، سوف تفسح الطريق للحل السياسي و الاتفاق على تشكيل حكومة مدنية. لكن الخوف الأكثر أن كل المجموعات السياسية ليس عندها القدرة الكافية أن تقنع لجان المقاومة أن توقف خروج مسيراتها المتواصلة، و أيسر الطريق هو أن يبدأ الحوار مع لجان المقاومة، خاصة الذين ليس لهم ولاءات سياسية أو انتماءات سياسية. و هؤلاء هم الذين سوف يشكلون الأرضية الأولى للحوار حول السلطة المدنية. أن حديث السفير الأمريكي بأنهم بصدد تشكيل حكومة على المدى القريب، سوف لن يتم لها النجاح إلا إذا بدأت الحوار الجاد مع لجان المقاومة غير المحزبين. و نسأل الله حسن البصيرة.
zainsalih@hotmail.com
معلوم لكل الذين إطلعوا على التشريعات الأمريكية التي تحدد كيف تتعامل أمريكا مع البلاد التي يقع فيها انقلابا عسكريا، أن توقف كل التعامل معها، و توقف المساعدات التي كانت تقدم لها، فضلا عن توقيع عقوبات عليها، لكن الإدارة الأمريكية نفسها بعض المرات تتحايل على هذه التشريعات وفقا للمصالح الأمريكية، لذلك لم تعلن أمريكا أن الذي وقع في السودان صبيحت 25 أكتوبر 2021م هو انقلابا عسكريا، ثم تتعامل معه وفقا للتشريعات المنصوص عليها، بل اعتبرته انقلاب على الشراكة في الحكم بين طرفين موقعين على وثيقة دستورية و يمكن إصلاحه وفقا لهذه الوثيقة. لذلك أيدت مبادرة الأمم المتحدة لرأب الصدع و عودة المدنيين للحكم مرة أخرى بحكم ما جاء في الوثيقة، لذلك كان الاهتمام بالتواصل مع قوى الحرية و التغيير باعتبارها أحد طرفي الوثيقة الدستورية، و المحاولات التي قادتها نائبة وزيرة الخارجية الأمريكية مولي في أبان زيارتها الخرطوم مع سفير المملكة العربية السعودية و جمع طرفي الوثيقة الدستورية تؤكد ذلك.
و إذا نظرنا نظرة فاحصة إلي تصريح السفير الأمريكي، نجد أن حديثه مركز على سلطة مدنية خالصة، و هي القاعدة المتفق عليها بين كل الأطراف، و أبعاد العسكر من العمل السياسي عبر مؤسسات الدولة، القضية الأخرى أن السفير لن يسقط الوثيقة الدستورية، لأنها تعتبر نقطة انطلاقه للتعامل مع القضية السودانية وسعيه لعملية التوافق الوطني. لذلك استهل السفير لقاءاته مع بعض من اسر الشهداء، و هؤلاء هم الذين وقعت عليهم الفاجعة، و يكونون أكثر ألما و حزنا من متغيرات السياسية و تقلباتها. ثم ألتقى ببعض المجموعات المهتمة بالسياسة و لكنها ليس بالقرب المطلوب من دائرة الانتماء الحزبي. و سوف يواصل هذه اللقاءات مع كل الذين جعلوا أقدامهم علي خشبة المسرح السياسي، هذه اللقاءات سوف تجعله يأخذ فكرة عامة عن مجريات الوضع السياسي في السودان، إلي جانب معرفة كيف يفكر الناس في الحل، و هي محاول لجمع المشتركات و تصنيفها و تحيلها، ثم كيف التعامل من خلالها.
قال السفير الأمريكي في ختام تصريح الصحفي جملة في غاية الأهمية، و هي تعد المفتاح الذي يحاول أن يدير به عملية التقارب بين مشتركات الكل، حيث قال ( أعتبر وجودي في السودان؛ فرصة للتعرف على الشعب السوداني وفهم ثقافته بصورة أفضل.) و معلوم أن الثقافة أقرب طريق لمعرفة كيف يفكر أهل الثقافة، كما هي المدخل لكل المجموعات المتنوعة التي تشكل النسيج السوداني في التنوع و السياسة، و أيضا هي التي تشكل شخصياتهم و اهتماماتهم و أذواقهم و تؤثر في سلوكهم، و تقصر طريق المعرفة، فالرجل تم اختياره باعتباره كان يعمل منسقا لمكافحة الإرهاب و مستشارا في الرياض و مسؤولا سياسيا في سفارة أمريكا في سوريا، و يدقن العربية بطلاقة. و الخرطوم تعتبر ترفيعا للرجل كسفير، هذه الخبرة تبين؛ من أين سوف يبدأ الرجل مشوار مهمته من أجل جمع السياسيين السودانين تحت رأية التوافق الوطني، بهدف الوصول إلي السلطة المدنية التي تعتبر أداة للانتقال الديمقراطي في البلاد، فالثقافة الشعبية هي جواز مرور أما الثقافة الديمقراطية التي يحملها هي التي سوف تضع قواعد الحوار و عملية الاقناع.
و السلطة العسكرية مادام سمحت لنائبة وزير الخارجية الأمريكي مولي في مجهوداتها مع السفير السعودي لرأب الصدع بين المكون العسكري و قوى الحرية و التغيير، أنها لا تمانع في تحرك السفير الأمريكي من أجل التقارب بين المكونات السياسية المختلفة، و ليس هناك قناعة أن تضع بعض الشروط لعملية التوافق. لكن السفير سوف ينطلق من قاعدة مهمة جدا "هي ثقافته الديمقراطية" و هناك فارق كبير بين المثقفين الغربيين و السودانيين حاملي الثقافة الديمقراطية، فالأخيرة ثقافة ديمقراطية ضعيفة مختلطة بكثير من شوائب الثقافة الشمولية المتراكمة لأكثر من نصف قرن، هي حكم النظم الشمولية التي حكمت البلاد، و كانت الإنقاذ أكثرها إنتاجا للثقافة الشمولية، و هو التحدي الذي سوف يواجهه السفير الأمريكي في عملية تشكيل السلطة المدنية. أنه يتحدث مع قوى ترفع شعارات ديمقراطية و تتعامل من خلال ثقافة شمولية، و الثقافة الأخيرة هي التي تدفعهم أن يقدموا شروطا تجعل كل فئة تريد القول هي الأصلح أن تدير البلاد دون الأخرين.
المشكلة الأخرى في الأزمة السودانية؛ أن المجموعات السياسية المختلفة ليست متجردة في عملية التحول الديمقراطي، فكل مجموعة تعتقد هي الأحق في استلام سلطة الفترة الانتقالية، الأمر الذي يصعب المهمة على الذين يحاولون البحث عن مخرج للأزمة. فتعلق كل مجموعة بالسلطة يجعلها تضع شروطا تحاول أن تحرم بها بقية المجموعات الأخرى، أو السعي لحرقها جماهيريا. و إذا استطاعت هذه المجموعات أن تتجرد من فكرة السلطة، سوف تفسح الطريق للحل السياسي و الاتفاق على تشكيل حكومة مدنية. لكن الخوف الأكثر أن كل المجموعات السياسية ليس عندها القدرة الكافية أن تقنع لجان المقاومة أن توقف خروج مسيراتها المتواصلة، و أيسر الطريق هو أن يبدأ الحوار مع لجان المقاومة، خاصة الذين ليس لهم ولاءات سياسية أو انتماءات سياسية. و هؤلاء هم الذين سوف يشكلون الأرضية الأولى للحوار حول السلطة المدنية. أن حديث السفير الأمريكي بأنهم بصدد تشكيل حكومة على المدى القريب، سوف لن يتم لها النجاح إلا إذا بدأت الحوار الجاد مع لجان المقاومة غير المحزبين. و نسأل الله حسن البصيرة.
zainsalih@hotmail.com